Ads Ads Ads Ads

النص الحواري – تحليل نص ‘الشجرة الخضراء’ لزكريا تامر – درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :  النص الحواري – تحليل نص ‘الشجرة الخضراء’ لزكريا تامر

سياق النص

القصة في عالم زكريا تامر ليست معقدة، ولا تحتاج لرؤية ناقد يشرح غموضها أويبشر برسائلها المرموزة الشفافة، إنها قصة أقرب ما تكون من روح الانسان ومعاناته، ولزكريا تامر فيها قدرة خلاقة في اللعب على أوتار الرمزية الشفافة، تلك الرمزية العميقة التي تقرأها في قصصه فتشعر كأنك ملكت الحقيقة أو اقتربت منها، غير أن شفافيته الرمزية سرعان ما تخرجك من عالم الحلم إلى عالم يثير فيك الغضب والكراهية تجاه كل القساة والظلمة والمستبدين. إنك مع موضوعات زكرياء تامر تشعر برؤية غريبة، فيها طرفة الإبداع وقوة الانفعال وتوتر اللغة وأسطرة الواقع في حكايات هي انعكاس لتجارب وخبرات، وكتابات مغايرة للصيغة التقليدية في السرد العربي تخلط بين الواقع والخيال خلطا تغيب عنه الحبكة والعقدة والحل.

وزكريا تامر من ألمع رواد القصة العربية، نشأ فقيرا، وغادر الدراسة مبكرا سنة 1944، واشتغل حدادا، غير أن ذلك لم يمنعه من إشباع نهمه للقراءة، والانقياد لهوسه بالكتابة، فألف قصصا بوأته مكانا رفيعا بين المبدعين الكبار، من أشهر مجموعاته القصصية “صهيل الجواد الأبيض” “ربيع الرماد” “الرعد” ” النمور في اليوم العاشر” و”دمشق الحرائق” التي منها هذا النص.

ملاحظة النص

العنوان مركب وصفي مبتدأ لخبر محذوف، ينفتح على أفق تاويلي شاسع تصبح فيه الشجرة معادلا موضوعيا للحياة والحلم والخصوبة والطهارة والثبات والتجذر والانتشار والحرية والعطاء، وتدل فيه الخضرة على كل ما يلتبس بايحاأت الشجرة من يفاعة وسلم وجمال ودفء وأنس وأمان. هكذا يصطرخ التركيب الوصفي بكل ما يصنع عالم الحرية والإبداع والخلق والجمال والأحلام وغيرها من القيم التي يتوق إليها الانسان عامة، وتعمل الأنظمة العربية في واقع مترد على قتلها واستبدالها بقيم القسوة والظلم واحتقار الحياة وقتل كل ما هو جميل في الإنسان وإشاعة كل قبيح فيه وحوله. هذه الإيحاأت تتأكد في بداية النص ونهايته من خلال المفارقة العجيبة بين دلالتي الصخرة في البداية والنهاية، فهي أولا مبعث للحياة وتفجير للأمل والحلم، وهي أخيرا محضن للموت ورمز للتلاشي والاضمحلال يعلن عن رؤية للحياة تصبح فيها الأرض والجسد الإنساني امتدادين لبعضهما البعض، معرضين للاغتصاب من الجلادين، وهذا وضع واقعي يبدو مؤلما وحزينا؛ ولكن تامر يحوله بدأ من إيحاأت العنوان والرمز إلى تماه وحلول وفناء، حيث يفنى الجسد في الأرض بدماءه، وتحتوي الأرض الجسد المغتصب، وكلاهما يشكل علامة فارقة في الوقوف ضد أشكال القمع والقهر.

فهم النص

تبدأ القصة ببكاء الطفلة بسبب ضرب أمها لها، وسبب ضرب أمها لها أنها كانت تبكي، وسبب بكائها أن أمها لم تشأ أن تشتري لها ثوبا أحمر؛ لأن شراء الخبز أولى وأهم. إن بداية القصة تعلن عن عالم زكريا تامر المصور للواقع المظلم الذي يملؤه اغتصاب الإنسان وانتهاك جسده بالعنف القسوة، وقتل أحلامه بالقمع والكبت والحرمان.

يخرج طفل صغير أسود الشعر من صخرة تفتتت فانبثق منها كانبثاق الحياة، فتكف الطفلة عن البكاء، ويدعوها الطفل المتولد من الأرض إلى اللعب فتستجيب، ويصنعان عوالم البراءة والحلم والطفولة المرحة المشاكسة، يتصوران الحياة لعبا وحكايات، ويختاران شجرة خضراء منطلقا لأحلامهما الجميلة رغم ما تحمله هذه العوالم الحالمة من تناقضات ومفارقات وإيحاأت رمزية يحضر فيها الواقع بوجهين القبيح والجميل، الوديع والقاسي (اللص والشرطي، والملكة والجيوش، الشحاذ والغنية، والعفو والفتل، والمستشفى والموت والقبر، والطبيعة بعوالمها المتعددة، وضمنها وردة بيضاء لها دلالة خاصة).

في نهاية الحكاية أجهضت أحلام رندا وطلال؛ لأنه يستحيل أن يتعايش الذين يحلمون بالسلام والحرية مع الذين يدمرون كل جميل وإنساني، خاصة إذا كان الوجه القبيح في الواقع يمتلك وسائل التدمير وأدوات القمع والانتهاك وسلطة القتل بدم بارد، بينما لا يملك رموز الجمال والسلام غير القدرة على الحلم. هكذا يرتعب طلال ورندا من رؤية منظر الدم والرصاص المنطلق دفعة واحدة من بنادق الجنود صوب رجل اعزل مدمي مقيد إلى الشجرة الخضراء، فتلوذ رندا بطلال باكية مرتجفة، فيضمها إليه، فيتحولان إلى صخرة إيذانا بانتشار القسوة والموت في حركة دائرية لولبية ما أن يشع فيها قبس من الحياة يضئ برهة حتى يخبو وتمتصه الأرض التي تظل وحدها صامدة في وجه القبح تحكي أسرارها للأجيال المقبلة.

تحليل النص

الحوار في النص اكتشاف جماعي لحقيقة تشغل بال الطرفين المتحاورين، وتؤسس تاريخهم ومصيرهم المشترك، ومشاركة مفتوحة على أفق غير محدود في إنتاج الدلالات وصياغة القيم وتشكيل التصورات. ويقوم الحوار في هذا النص على نوع من المفارقة تنتجها جملة من العناصر اللغوية، والذهنية المفهومية، والمرجعية المسندة إلى المكان والزمان، والسردية المتولدة عن بنية الشخصية بما تحمله من مكونات وتناقضات، وما يصدرعنها من سلوك. وكل واحد من هذه العناصر المشكلة للمفارقة في الحوار يعد حافزا من حوافز السرد، وأهمها الفضاء والشخصية والحدث. وبخصوص العنصر الذهني المفهومي يتضح أن الحوار في النص اعتمد على مزج المنطقي وباللامنطقي، الواقعي بالخيالي مزجا جعل بنية الشخصية متوترة بسبب دورانها بين الأسطوري والعياني، ولعل اللحظة التي تتوسط هذين البعدين المتفارقين هي الأكثر حضورا، والأقدر على تأمين وصول الرسالة واضحة إلى المتلقي. فبين الخروج الأحادي من الصخرة، والالتحام الثنائي بالصخرة بما يشبه الفناء والحلول تتداعى المعاني الواشمة للواقع وشما مزدوج الإحالات، على القبح تارة، وعلى الحلم أخرى، ومن ثم يمكن القول إن زكريا تامر استطاع أن يؤسطر الوقائع، ويؤلف بين العالمين المتنافرين تأليفا سلسا يصبح معه الحوار في النص هادفا يستجيب لتوثر الانسان بين العياني والمفارق، وتعكس فيه رندا الإنسان الحالم المعرض لكل أشكال الانتهاك النفسي والجسدي، ويؤدي فيه طلال دور المتأقلم الباحث عن فجوة للحياة في الرداءة، عن بقايا أمل وشبه حلم لا يقوى عن الاستمرار، فجوة لا تلبث أن تنسد فيلتحق التعايش بعالم السكون والجمود والموت.

لغة النص مفعمة بالحدة والتوثر، تتراوح بين الخبر والإنشاء في الحوار، أما في المقاطع السردية القصيرة فخبرية تستخدم جمل مقتضبة كثيفة. وهذه اللغة تنقل للمتلقي أنماط القهر والاضطهاد، وما يفارقها من أجزاء الحلم المشكل لمخيلة اللعب الذهني، المعيد لصياغة واقع مختلف يبحث عن أفق لدحر العنف والبؤس والحرمان، فتصبح رندا التي تبكي عدم حصولها على ثوب أحمر ملكة، وفتاة غنية، ووردة بيضاء. كما تعكس هذه اللغة نفسية الأبطال المقهورين والممزقين أمام المجتمع والذات والوجود في عالم قائم على القتل والجوع والكبت (الخبز أهم من الثوب الاحمرء فباتا مخلوقا واحدا يرتجف راغبا في الفرار).

تميز زكريا تامر في هذا النص الحواري بقدرته على استثمار المعجم العربي الشفاف الأكثر تغلغلا في لحظات الحكي وتأثيرا في نفسية المتلقي، كما تميزت هذه القدرة بالبراعة والانسيابية في تشكيل الصور التعبيرية والرمزية المثيرة؛ مما يجعل القارئ يحس بتنقله بين عوالم الأساطير والرموز بنوع من الألفة والتفاعل، وكأنها صور تنتمي إلى عالم اليومي المألوف، صور يضمحل الزمن داخلها، فيتسع أو يتقلص فيما بشبه زمنا هلاميا بدون قسمات، يبدأ بالبكاء وينتهي بالبكاء، ويتلون البكاء ثارة بالعنف والحرمان وأخرى بالخوف والارتجاف.

اتسمت لغة النص أيضا بالانفعالية في تجسيد مواقف معينة إزاء واقع موسوم بالرداءة والاضطهاد، وهكذا ينطبع الحوار بتلوين أسلوبي مثير يحضر فيه أسلوب الأمر والاستفهام والنفي بدلالاته المتعالية الإلزامية، ويحضر فيه الخبر بدلالاته الوثوقية الإيقانية (انها تطير – انه يطير بمحرك – أنت ابله – أنا الآن ملكة – أنت شحاذ – اهجم بجيشك – اعلم أيها الشحاذ الطماع – لا أريد أن أموت – ماذا ستفعلين لو كنت وردة…)، كما ينطبع بلغة شعرية تمزج حالات الشعور وتنوعاته الرمزية والحدسية والتصويرية الإيحائية التي تجعل القصة القصيرة التي بين أيدينا وسطا بين القصة والشعرعبر توليد جمل شعرية ذات كثافة عالية وخصوبة بيانية تخلط بين الفكرة والإحساس، وتستند إلى التكرار، وتوظف الكلمات توظيفا جديدا.

يقوم السرد في نص زكريا تامر على الموضوعية التي تقتضي أن يكون الراوي مطلعا على كل شئ، حتى على الأفكار السرية لشخصيات سرده، وأن نرى المكان والزمان والشخصية بعينه هو عندما ينصهرالذاتي بالموضوعي لينتج عنهما سرد تم تطويعه للدلالة على موقف من عالم حقيقي، ولكنه عالم قائم على العقلاني واللاعقلاني، نراه في اليقظة والحلم، ونحسه بالشعور واللاشعور، ونتلمسه في الواقع والمتخيل.

تركيب مفاهيمي

كان للأرض والحب والخوف والعلاقة الوجودية بين الرجل والمرأة نصيب كبير من الحدث في هذا النص الحواري، بل ربما شكلت سياقه العام، ورندا وطلال والجنود والجوع والحرمان والرعب علامات تصنع المفارقة والتوثر في تحققات تلك التيمات في هذا النص، فتصبح سوريا / الارض (الشجرة الخضراء) والشعب / الجسد معرضين لكل أشكال الاستبداد والقتل. وهكذا يصبح قارئ النص محاصرا كالقلم في المبراة، كقطار قديم متآكل يحمل صفيره المبحوح كل رغابات المتلقي ونزوات الشباب وأحلام الاطفال. وتنحدر الحكاية إلى اعماق واقعنا النفسي بكل جوعه إلى الطمأنينة المادية والروحية لتعبر عن تعبتا وفرارنا إلى الحلم اليقظان والحلم المخدر تحت سياط الحاجة اللاهية إلى الخبزوالحب. إن زكريا تامر هو الروائي الوحيد الذي ينقد واقعنا بقسوة دون أن يتحول نقده إلى خطابات وتقارير.

النص الحواري – مدخل مفاهيمي – درس النصوص – اللغة العربية – جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :  النص الحواري – مدخل مفاهيمي

مفهوم النص الحواري

هُو نوعٌ من أنواعِ النصوص الأدبية التي تحتوي على حوارٍ بين شخصين، أو أكثر، والهدف منه توصيل فكرةٍ ما إلى الشخص الذي يقرأ النص الحواري، وأيضاً يعرفُ النص الحواري بأنه وسيلةٌ من الوسائل المستخدمة في توضيح موضوعٍ ما بالاعتماد على وجود حوارٍ ينقلُ الأفكار المرتبطة بالموضوع بأسلوبٍ واضحٍ.

عادةً تستخدم هذه الأنواع من النصوص في المحاضرات الدراسية، والتي ترتبطُ بتعليم لغةٍ جديدةٍ، أو الدورات التدريبية التي تعتمدُ على مهارات التواصل، والحوار بين الأفراد، وأيضاً يستخدمُ النص الحواري في مسودات النصوص المسرحية، والسينمائية التي يتدربُ عليها الممثلون، أو أثناء إعداد نصوص الحوارات الخاصة باللقاأتِ التلفزيونية، والصحفية.

خصائص النص الحواري

يتميزُ النص الحواري بمجموعةٍ من الخصائص، وهي:

  • يحتوي على حوارٍ واضحٍ، ويشمله تفاعلٌ بين شخصيات الحوار.
  • يبدأُ النصُ الحواري باسم المحاور الأول، ومن ثمّ أسماء باقي المشاركين في نص الحوار.
  • يعتمدُ أسلوب النص الحواري على تبادلِ الأسئلة، والإجابات حول الموضوع الرئيسي للنص.
  • لكُلِ فقرةٍ حواريةٍ في النص الحواري فكرةٌ فرعيةٌ خاصةٌ بها، ومرتبط مع الفكرة الرئيسية للحوار.
  • قد يضمنُ النص الحواري دلالاتٍ لفظيةٍ حول أداء المشاركين في الحوار، وعادةً تستخدمُ هذه الدلالات من أجل توضيح المواقف المرتبطة بالانفعالات التي تظهرُ على تصرفات الشخصيات أثناء الحوار، مثل: الابتسامة، أو الحزن، أو غيرها.
  • يلتزمُ بقواعد اللغة المكتوبة بها التزاماً دقيقاً، حتى يتمكنَ من توصيل الفكرة الخاصة به للقُراء، أو المشاهدين بطريقةٍ مفهومة، وواضحة.

أنواع النص الحواري

تصنفُ النصوص الحوارية بناءً على الأنواع التالية:

النص الحواري الكامل

هو من أكثر أنواع النصوص الحواريّة استخداماً، ويطلق عليه اسم نصٍ كاملٍ؛ لأنهُ يحتوي على كافةِ العناصر الأساسية للحوار، والنقاش القائم بين المتحاورين، وأيضاً يتضمن قضيةً واحدةً تتم مناقشتها في كافة الحوارات المُتبادلة، ولا يتم الخروج عنها مطلقاً، أو التطرق لقضيةٍ غيرها، ويستخدمُ عادةً هذا النوع من النصوص في مختلفِ المجالات الحوارية.

النص الحواري الناقص

هو من أنواع النصوص الحواريّة التي يُعتبرُ نصها ناقصاً، أي يحتوي على موضوعٍ عامٍ للنص، ولكنّه لا يحتوي على حوارٍ كاملٍ، وأغلب أفكاره ناقصةٌ، وغير كاملة وتحتاجُ أحياناً لقراءة الفقرات، أو الحوارات الأخرى داخل النص حتى يتمكّنَ القارئ من فهمِ الأفكار الناقصة في الفقرات الحوارية، ويستخدمُ هذا النوع من النصوص الحوارية في التدريبات الدراسية التي تعتمدُ على إكمالِ الحوار بين المُتحاورين، وفي بعضِ أنواع الرّوايات الأدبية.

النص الحواري المُباشر

هو النص الحواري الذي يرتبطُ بالحوارات التي تحدثُ بشكلٍ مُباشرٍ، وعادةً يطبق هذا النوع من الحوارات في الإذاعات، والقنوات التلفزيونية، ويعتمدُ على مشاركةِ ضيفٍ في الحوار الذي يديره المذيع، ويحتوي هذا النوع من النصوص الحواريّة على العديدِ من الأسئلة التي يرتّبها المذيعُ مسبقاً من أجل طرحها على الضيف ليحصلَ على إجاباتٍ، أو تفسيراتٍ لها.

النص الوصفي تحليل نص الجالس في الحديقة ينتظر لرضوى عاشور– درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :  النص الوصفي – تحليل نص ‘الجالس في الحديقة ينتظر’ لرضوى عاشور

سياق النص

يلتقط النص الحكائي الوصفي لحضات من الحياة، فيتغلغل فيها عارضا حركة وسكونا ويفاعة وذبولا يمر عليها الناس فلا يعيرانها أدنى اهتمام، ويسلط عيلها الروائي أجهزته الإدراكية النافدة والحساسة وأدواته الفنية الخلاقة فيصنع منها صورا إنسانية غزيرة المعنى بليغة التأثير. ذلك ما حاولت ” رضوى عاشور” التقاطه من زحمة الحياة حيث أثر فيها منظر رجل طاعن في السن يجلس على مقعد في الحديقة بلا حراك كانه منفصل عن العالم.

ملاحظة النص

يبدا الحكي بجملة في النص ” في البدا لم أنتبه…” وينتهي بجملة ” ألقيت نظرة خاطفة…” ليؤشر على نوع من العلاقة بين الملفوظ الاول والأخير تمثلها الصورة التي رسمتها الراوية للرجل الجامد على المقعد في الحديقة بين الانتباه العارض والقلق المثير بشأن حالته والإعراض المعلن عن استعادة التوازن النفسي الذي خلخله العنصر المثير في الحكاية. وهو ما يدل على بعضه العنوان المركز على فعل الانتظار، والمستضمر لحالة المنتظر التي يكشف عنها السرد والوصف في هذه القصة القصيرة المأخوذة من المجموعة القصصية ” رأيت النخل” لرضوى عاشور الناقدة والروائية المصرية المتميزة.

فهم النص

يتمفصل النص إلى حزمة من الوحدات السردية والمقاطع الوصفية الاتية:

  • عدم انتباه الساردة إلى الرجل الغريب الجالس على المقعد قبالتها، لأنها كانت منهمكة في اللعب مع طفلها، ولأن الشيخ الهرم كان جامدا في مكانه كأنه قطعة من الحديقة.
  • وصف الروائية فضاء اللعب الفسيح بكل مكاوناته الطبيعية من شمس وسماء وأشجار ومقاعد خشبية.
  • وصف أجواء المرح والصخب والركض والقفز ورمي الكرة والتقاطها التي انخرطت فيها الساردة مع طفلها.
  • اكتشاف الساردة وجود رجل طاعن في السن جالس قربها بلا حراك أفقدها التركيز في اللعب، وأثار تبرم الطفل.
  • الخواطر التي دارت بخلد الساردة بخصوص منظر الرجل وحاله المثيران للارتباك والحيرة والقلق جعلتها تفكر في مغادرة الحديقة.
  • استغراق الساردة في وصف حالة الرجل المنتظر انطلاقا من هواجسها، وتداعيات تاثير منظره الكئيب على الاحداث وعلى نفسية الشخصية.
  • استعادة الساردة اجواء المرح واللعب مع طفلها بكل العزم المطلوب بعد تخلصها من أثر نظرتها إلى الرجل المسن.

تحليل النص

في النص حدث واحد يتمحور حول انشغال الساردة بوجود رجل مسن غريب نبت فجأة في فضائها الحميمي القريب جامدا لا يتحرك أثناء انهماكها في اللعب الكرة مع طفلها، وبين لحظتي هذا الحدث المشكلتين للبداية والنهاية ينتشر الوصف فيحيط بكل الحركة والسكون والانفعال الذي يرين عن اللحظة ويملأالمكان. والوصف في هذا النص مزدوج الأبعاد، فهو تفسيري وإيحائي يدفع بتفاصيل الحدث دفعا وئيدا إلى نهاية اللحظة المسرودة من جهة، وجمالي إبداعي بما يختزنه من قدرة على التقاط المرئي واللامرئي، المحدود واللامحدود، وتصديره إلى المتلقي في توليفة سردية معبرة ومؤثرة من جهة اخرى.

يغلب على الوصف في النص أنه ذاتي يسقط الكثير من مشاعر الساردة المتماوجة بين إيقاعين: صخب مرح وقلق مربك، هكذا تتناسل صور الموصوفات في ذهن الواصفة مستلهمة من الواقع والممكن والمتخيل، مفجرة الكثير من الهواجس التي تنتاب الإنسان فتوجه حركاته ايجابا أو سلبا، أو تعيده إلى نقطة الصفر مستعيدا توازنه، طارحا كل العوارض خلف ظهره مستمرا في الحياة وكأنه لم ير ولم يسمع.
– يهيمن على الوصف في النص المدرك بالبصر والاحساس الباطني؛ مما يضعنا أمام نوعين من الوصف: مادي محسوس ومعنوي غارق في تتبع الهواجس والبلابل وتوقع الأحوال النفسية المرتبطة ببعض القرائن الظاهرة، وهو أمر منح النص الكثير من الحيوية والعمق والاستبطان الذاتي الذي يدفع المتلقي إلى خلق عوالم موازية للصور التي يبثها الوصف، فيتسع النص وينفتح مع القراءة والتلقي، ويصبح أكثر تأثير وجمالا.

يقوم الوصف في النص بتوسيم الشخصية والأشياء والحالات والأمكنة مستخدما تعابير وتشبيهات ونعوثا وأحوالا تلائم الموصوفات وزوايا الوصف وطبيعته، فهي موضوعية واقعية دقيقة حين تمس المظهر الخارجي أو الحركة المنظورة، وهي شفافة كثيفة موحية حين تلامس الأحاسيس والأفكار والمواقف، لذا كانت الساردة دقيقة في وصفها للطفل والرجل والحديقة متخذة زاوية للوصف مكنتها من التقاط أدق تفاصيل الجسد والحركة والسكون، وكانت مقتحمة للمجهول في مغامرة وصفية تحاول أن ترتاد بها عنان السماء حيث تحلق الكرة منفلتة من قانون الأرض، أو باطن الأرض الذي تضرب جذور الأشجار في أعماقه، أو مجاهل التفكير في هوية رجل ساكن لا تقول شيئا غير أنه هرم ينتظر.

الضمير المستخدم في الوصف هو ضمير المتكلم؛ مما يعني أن الساردة طرف في الحكاية وشخصية من شخصياتها، تقود مهمة السرد والوصف، وتهيمن على مقاطع الحوار الداخلي والخارجي صادرة عن رؤية سردية تبدو مصاحبة تحاول أن تستنطق الواقع الموصوف وتستكنه حقيقته، فلا تجد غير هواجسها وأسئلتها مادة للتفسير والقراءة والتأمل؛ غير أن تدخلاتها في تكييف الصورة الواقعية وتلوينها بالظلال النفسية وآلفكرية التي تستبد بها جعل الوصف ذاتيا، وصنع من اللحظة الموصوفة انشغالا فكريا وعاطفيا للساردة بامتياز، يطرح فعلا مسرودا وواقعا موصوفا موضوعا للانشغال الإنساني بقضية الشيخوخة وما تفرزه من وحدة وعزلة وكآبة وعجز وانفصال عن العالم، على الناس أن يعيدو النظر في مواقفهم إزاءها حتى لا تظل نشازا في جسم الإنسانية الذي يفترض أن يكون متآلفا ومتناغما ومتضامنا.

تركيب وتقويم

تطرق القصة موضوعا اجتماعيا يشغل بال الأدباء والمثقفين والفاعلين الاجتماعيين، ويتعلق بفئة من الناس قدمت زهرة عمرها خدمة للجيل الصاعد، ثم وجدت نفسها في شيخوختها تقاسي مرارة الوحدة والعزلة والانكماش والاكتئاب، تنزوي وحيدة في فضاء عام تنتظر انسلاخ الليل من النهار، وتلوذ بالفراش ترقب انبلاج الصباح مستغرقة في تأمل طويل وصمت ثقيل وجمود مريع، تنظر إلى العالم حولها بعين الماضي، ويمثل الموت لها المستقبل المنظور. تلك بعض من البلابل التي خامرت دخيلة الساردة، وهزت أركانها النفسية وهي تبلور صور المسن الهرم الجالس كنصب منحوث على مقعد في الحديقة حيث كانت تمرح وطفلها. ولعلها استحضرت أياما قادمة تجلس هي الأخرى نفس المجلس، فراعها ذلك وكدر يومها المرح، وودت لو تعلم ما الذي يقعد الرجل هناك؟ ومن أين اتى ؟ وماذا ينتظر ؟ ومن أهله ؟ وهل من سبيل لإخراجه من دوامة الصمت والجمود؟

صاغت ”رضوى عاشور” هذا الموضوع في قالب سردي قصير انصهرت فيه مكونات السرد انصهارا جميلا ومؤثرا تداخلت فيه عوالم الحركة الظاهرة والباطنة، واتحد الزمان والمكان في نسق واحد، وطال الوصف كل شيء، وبدت الساردة جزأ ملتحما بالعالم الموصوف والمسرود يكشف عن رؤية مصاحبة تبعث إلى المتلقي رسالة مؤداها ألا مناص من الشيخوخة، وأن الحياة تستمر محتفية بالبراعم والأغصان النضرة، فلا أقل من اعتراف بالجميل واهتمام بالجذور.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads