Ads Ads Ads Ads

النص الإخباري – مدخل مفاهيمي – درس النصوص – اللغة العربية – جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :   النص الإخباري – مدخل مفاهيمي

مفهوم الإخبار

الإخبار نوع من الإتصال يطلع المتلقي على أحداث، ومنه الخبر وهو نقل عن الغير، واحتمل الصدق والكذب، ويعتبره د. سعيد جبار مرادفا في التراث العربي للقصة والحكاية والحديث، ويعرفه بقوله: “الخبر يمثل الوحدات السردية الصغرى، فقد يتقلص إلى حدود الجملة الواحدة إنه لحل حدث يتميز ببساطة فعله ووحدته، فلا يتفرغ إلى تعدد الأفعال والأحداث وتنوع الشخصيات. وقد يطول بعض الشيء إلا أنه يحتفظ بهذه الوحدة الحديثة”. ويمكن اعتبار الحكاية تطورا له.

وظيفة الإخبار

تتجلى وظيفة الإخبار في نقل الخبر من أجل الإستدلال والتأثير في المخاطب، ومهما اختلفت مضامين النصوص الإخبارية فإنها تتركب من بنيتين:

بنية سردية: تتمثل في الخبر وينقسم هذا الخبر إلى مكونين بارزين هما:

  • الإسناد : وهو عملية يقوم بها السارد لإنشاد خيط واصل بينه وبين مصدر الخبر وأنه مجرد ناقل للخبر.
  • المثنى أو الخبر : وهو مجموع الأقوال أو الأحداث أو الشخصيات…

بنية حجاجية : تتمتل في الحوار الحجاجي الاستدلالي .

خصائص النمط الإخباري

  • سهولة الألفاظ والعبارات.
  • قصر الجمل.
  • اعتماد الأسلوب المباشر التقريري.
  • غلبة ضمير الغائب.
  • استعمال أدوات الربط المنطقية.
  • كثرة الجمل الاسمية.

النص الحواري – تحليل نص ‘الحكاية رقم (62)’ لنجيب محفوظ – درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :   النص الحواري – تحليل نص ‘الحكاية رقم (62)’ لنجيب محفوظ

سياق النص

أخطاء الحياة الفادحة التي لا يتسنى لها أن تعرف طريقها إلى العلن والتصحيح والتكفير تظل عبئا ثقيلا يرهق الإنسان الحي، حتى إذا أشرف على الرحيل قتله الندم، وعاودته الرغبة في العودة إلى المسار الصحيح، لكن غالبا ما يكون الأوان متأخرا، والتكفير شاقا أو متعدرا. تلك بعض من آفات الحياة التي امتلأت بها المجموعة القصصية لنجيب محفوظ ” حكايات حارتنا ” التي تضم ثمانية وسبعين حكاية تصور مجتمع القاهرة بكل تفاعلاته وتناقضاته. إنها مرآة لنماذج بشرية صادفها نجيب محفوظ في حياته، ويحكي قصتها بكل واقعية وشفافية ترصد الواقع كما هو، فتعري تفاصيله للمتلقي تعرية تروم تشخيص الداء ليسهل علاجه.

ملاحظة النص

إذا أمعنا النظر في العنوان ألقيناه مركبا من لفظ ورقم، يحيل اللفظ على جنس النص بكل ما يختزنه من عوالم سردية، ويحيل الرقم على ترتيب الحكاية داخل المجموعة القصصية، مما يعني أننا أمام قصة قصيرة. وبالنظر إلى المقطع السردي القصير في بداية النص الحواري يتضح أن موضوع الحكاية اجتماعي يصور واقع شخصية ثرية صالحة، لكن صلاحها له سر لا يعرفه أحد، تكشف عنه في نهاية حياتها علها تتخلص من عبئه، لكنها تجني عقوقا ونكرانا، وترحل معها الجريرة تفسد عليها طمانينة الرحيل، وهو ما يفصح عنه آخر ملفوظ في النص.

فهم النص

يتمفصل النص إلى عدد من الوحدات السردية الاتية:

  • تقديم السارد بورتريه للشخصية الرئيسية للنص، قسماته الاساسية ثروة وطيبة وصلاح وعطف على الفقراء والأقرباء، وخاصة آل مهران الذين جنحوا إلى الجريمة والعنف بسبب عوزهم.
  • استدعاء الحاج علي ولده الأكبر لإخباره بكابوس ينغص عليه اللحظات الأخيرة من حياته.
  • الحوار الذي دار بين الأب والابن مبتدئا بمحادثة فيها ود وبر، ومنتهيا بصدمة الابن لحقيقة والده ومصدر الثروة التي نعموا بها في عيش رغيد.
  • موقف الابن من اعتراف الأب سلبي يحمل الأب مسؤولية خطئه ويرفض تصحيح الوضع لما قد يترتب عنه من ضياع حياة الاسرة وتدمير سمعتها.
  • نهاية الحوار بموت الحاج علي الخلفاوي موتا مشكوكا فيه بسبب الرجة التي خلفها اعترافه، والتي أثارت رغبةكبيرة لدى ابنه في التعجيل بدفن سر أبيه معه.
  • نهاية القصة طبيعية بالنظر إلى واقع المجتمع العربي المتردي، وهي مفتوحة على آفاق تأويلية متعددة لاحتمالات موضوعية وفنية يدخل ضمنها رواة الحكاية وتعليق السارد وقناعات القارئ وافتراضات القراءة.

تحليل النص

النص حوار بين طرفين يكشف عن توتر العلاقة بين الحاج علي الخلفاوي وابنه الأكبر مند أن كشف الأب عن فحوى الحلم \ الكابوس الذي يقض مضجعه، ويجثم على صدره، وهو حوار يصنع ماهية الشخصية وصفاتها الأصلية، ويستثمره الكاتب في التكثيف الإيحائي للحدث ولمواقف الشخصيتين وأحاسيسهما في شكل تواصل يقوم على تبادل البث والاستقبال، ونسج أنماط من العلاقة الآخدة في التوتر، وهي علاقة بدأت في النص إيجابية وانتهت سلبية، وأفرزت الكثير من الأنانية والعدوانية من قبل الابن، كما عكست العديد من القيم والمقاصد التي يتعين الانتباه إليها في تغيير مسارات الأمور، وتصحيح انحرافات الشحصية. وطالما أن الحوار في النص مبني على حدث الاعتراف “الصدمة” ورد الفعل المخيب فقد بني بشكل واسع على تبادل الإرسال والتلقي القصير، وتوظيف الجمل الاستجوابية المشحونة بالنفس الانفعالي الحاد المتأرجح بين القلق والندم والاختناق من جهة، والحنق والتجاهل والإنكار من جهة أخرى، والمستثمرة لأساليب الخبر والاستفهام والنفي والاضراب باستعمالاتها المتعددة المباشرة والمنزاحة إلى دلالات سياقية تمثل ذلك الفيض الانفعالي المتناقض بين رغبتي التطهير والخوف من العار؛ ولأن الحوار في هذا النص السردي أسلوب يسمح بتدفق فعل الشخصية في الزمان والمكان تدفقا حيا فقد تخللته مقاطع سردية قصيرة سمحت باختزاله، وطوت بعض مراحل البوح والاعتراف في جمل إخبارية مقتضبة تولى فيها السارد اختصار حوار ثنائي الأبعاد يفترض أنه حمل قصة ثراء العائلة كلها وعلاقتها بخراب آل مهران، وما قد يكون تخلل ذاك الحوار المسكوت عنه من مواقف وأفعال وردود بما فيه من توسل وضراعة وجفاء واحتقار، وهذه المقاطع السردية والوصفية اضطلعت بوظائف متعددة، لعل أهمها تأثيث فضاء الحوار، وتحديد ملامح الشخصيات ووصف حركاتها وتعيين مواقفها، وتحريك الحدث والإيهام بواقعيته، وترتيب أجواء الصراع، وصناعة الحبكة.

ساهم الحوار في النص في تمثيل مواقف الشخصيات المتحاورة عبر تحقيق جملة من الوظائف أهمها الوظيفة التواصلية التي تسعف في تصوير الصراع الذي دار بين شخصيتين: الأولى تريد تصحيح خطئها، والثانية تصر على حماية موقعها ولو اقتضى الأمر دفع الأب إلى الجحيم، كما تسعف في الكشف عن أنماط التفكير والتصرف إزاء المواقف الحرجة واللحظات التي تخلق الأزمة، وتعالج فيها الخطيئة بالخطيئة بناء على حسابات واقعية نفعية، وفي رسم صورة واضحة للشخصيات المتحاورة في أبعادها الحسية والاجتماعية والنفسية التي لا تشد عن أفقها المألوف والواقعي مما يمنح القصة حيوية وإثارة.

يتمحور الحوار في النص حول موضوع الخطيئة والندم والعقاب المرتبط بها في حياة مبنية على أساس هش ينذر بلعنة تحرق الحرث والنسل. وقد عرض الكاتب هذا الموضوع في إطار درامي متشابك ساهم في بلورة أبعاده فضاء الحوار غير المحدد، وزمانه الذي لم يلتفت إليه الكاتب سوى أنه مرتبط بإحساس الشخصية الرئيسية بدنو أجلها في حكاية تنتمي إلى الماضى وتستمر على لسان أهل الحارة في الحاضر،فلا نعرف فيه ليلا ولا نهارا، ولا يوما ولا شهرا مما يتلاءم بشكل عضوي مع تضخيم الإحساس المهيمن على الشخصيتين في النص، ويسمح بانبثاق فضاء مفتوح ومغلق في نفس الوقت، حميمي وعدائي معا، ينطلق من سرير الحاج علي الخلفاوي في غرفة شاسعة في دور من أدوار بيت كبير إلى مكان ما في الماضي والمستقبل، ويضيق الخناق على الشخصية هو والزمن الحرج المنذر بالرحيل. وهكذا يكتسي الزمن والمكان دلالات نفسية دراماتيكية يحاول أحد أطراف الحوار فتحهما ويصر الثاني على إحكام إغلاقهما بكل المصاريع، ولكل منهما منطلقاته وأهدافه، والحسم للأقوى والأيفع والأكثر قدرة على المكر وسرعة في الحركة.

لكل من الشخصيتين المتحاورتين في النص سمات مرتبطة بالوظائف والدوافع التي تحركها، وهي سمات تختزل حركاتها وطريقتها في التعبير عن مواقفها ورغباتها وأحاسيسها، ويعكس المعجم المستثمر في النص هذه السمات المتنافرة والمتقاطعة أحيانا، فبين معجم القيم الإيجابية التي مثلتها وظيفة الحاج علي الخلفاوي كرجل موسوم بالصلاح والطيبوبة والكرم ورعاية المحتاجين، ووظيفة ولده الذي بدا قبل الاعتراف ودودا عطوفا متواصلا إيجابيا مع والده، ومعجم القيم السلبية التي مثلها ماضي الحاج علي الخلفاوي وموقف الابن من الاعتراف، ورد فعله تجاه الأزمة، وأفعال شخصيات عابرة موسومة بالقبح والانحراف، ينبثق معجم الحالات النفسية المتوترة للشخصيتين المتحاورتين المعبر عن وعيهما الخاص، ولا وعيهما أيضا، وتقديرهما للحدث \الأزمة، وعواقبه المختلفة عند كل منهما بما يعلن عن الهوة العميقة التي أصبحت تفصل بينهما على مستوى التفكير والرغبة والإحساس. هذا التنوع في الحقول المعجمية الناجم عن تغير الأدوار والوضائف يخلق ثراء دلاليا يلامس كنه الطبيعة البشرية غير المستقرة.

تركيب وتقويم

يسعى الحوار في النص إلى سبر أغوار الشخصيتين في أبعادهما الإنسانية لحفزهما على البوح برؤاهما وتصوراتهما، بوحا يلامس شروخا عميقة في نفسية الإنسان المتلبس بالخطيئة، المدرك بشكل من الأشكال لجوهره الضعيف وتركيبته غير السوية، المصر على العناد والأنانية والتماطل والعقوق والجزع حفاظا على وضع يصعب التضحية به، ويستحيل معه الرجوع إلى الوراء، وتعاملا مع الواقع بنوع من السلوك وشكل من التصرف يختزل التصحيح في طي الصفحة وكنس الخطر، وتحميل السلف مسؤولية أفعال الخلف في أوضاع هشة تتفشى فيها القيم الرديئة، وتندر قيم البطولة والتضحية.

وقد عرض النص هذه الصورة في حدث شديد الاختزال، وشخصية تصدعت هويتها وغرقت واقعها واختارت مصيرها، وزمن نفسي مزدوج الأبعاد يختلط فيه الحنق بالتوسل والرحمة بالغلظة، وسارد متكلم عالم بخبايا الحكاية وأوضاع القوى الفاعلة، ولغة مباشرة تتوزع بين الإخبار والإنشاء الممسوسين بعبارات دافئة حينا وموجعة آخر، ومعجم يذهل المتلقي بما يفجره من تشويق وإثارة.

النص الحواري – تحليل نص ‘الشجرة الخضراء’ لزكريا تامر – درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :  النص الحواري – تحليل نص ‘الشجرة الخضراء’ لزكريا تامر

سياق النص

القصة في عالم زكريا تامر ليست معقدة، ولا تحتاج لرؤية ناقد يشرح غموضها أويبشر برسائلها المرموزة الشفافة، إنها قصة أقرب ما تكون من روح الانسان ومعاناته، ولزكريا تامر فيها قدرة خلاقة في اللعب على أوتار الرمزية الشفافة، تلك الرمزية العميقة التي تقرأها في قصصه فتشعر كأنك ملكت الحقيقة أو اقتربت منها، غير أن شفافيته الرمزية سرعان ما تخرجك من عالم الحلم إلى عالم يثير فيك الغضب والكراهية تجاه كل القساة والظلمة والمستبدين. إنك مع موضوعات زكرياء تامر تشعر برؤية غريبة، فيها طرفة الإبداع وقوة الانفعال وتوتر اللغة وأسطرة الواقع في حكايات هي انعكاس لتجارب وخبرات، وكتابات مغايرة للصيغة التقليدية في السرد العربي تخلط بين الواقع والخيال خلطا تغيب عنه الحبكة والعقدة والحل.

وزكريا تامر من ألمع رواد القصة العربية، نشأ فقيرا، وغادر الدراسة مبكرا سنة 1944، واشتغل حدادا، غير أن ذلك لم يمنعه من إشباع نهمه للقراءة، والانقياد لهوسه بالكتابة، فألف قصصا بوأته مكانا رفيعا بين المبدعين الكبار، من أشهر مجموعاته القصصية “صهيل الجواد الأبيض” “ربيع الرماد” “الرعد” ” النمور في اليوم العاشر” و”دمشق الحرائق” التي منها هذا النص.

ملاحظة النص

العنوان مركب وصفي مبتدأ لخبر محذوف، ينفتح على أفق تاويلي شاسع تصبح فيه الشجرة معادلا موضوعيا للحياة والحلم والخصوبة والطهارة والثبات والتجذر والانتشار والحرية والعطاء، وتدل فيه الخضرة على كل ما يلتبس بايحاأت الشجرة من يفاعة وسلم وجمال ودفء وأنس وأمان. هكذا يصطرخ التركيب الوصفي بكل ما يصنع عالم الحرية والإبداع والخلق والجمال والأحلام وغيرها من القيم التي يتوق إليها الانسان عامة، وتعمل الأنظمة العربية في واقع مترد على قتلها واستبدالها بقيم القسوة والظلم واحتقار الحياة وقتل كل ما هو جميل في الإنسان وإشاعة كل قبيح فيه وحوله. هذه الإيحاأت تتأكد في بداية النص ونهايته من خلال المفارقة العجيبة بين دلالتي الصخرة في البداية والنهاية، فهي أولا مبعث للحياة وتفجير للأمل والحلم، وهي أخيرا محضن للموت ورمز للتلاشي والاضمحلال يعلن عن رؤية للحياة تصبح فيها الأرض والجسد الإنساني امتدادين لبعضهما البعض، معرضين للاغتصاب من الجلادين، وهذا وضع واقعي يبدو مؤلما وحزينا؛ ولكن تامر يحوله بدأ من إيحاأت العنوان والرمز إلى تماه وحلول وفناء، حيث يفنى الجسد في الأرض بدماءه، وتحتوي الأرض الجسد المغتصب، وكلاهما يشكل علامة فارقة في الوقوف ضد أشكال القمع والقهر.

فهم النص

تبدأ القصة ببكاء الطفلة بسبب ضرب أمها لها، وسبب ضرب أمها لها أنها كانت تبكي، وسبب بكائها أن أمها لم تشأ أن تشتري لها ثوبا أحمر؛ لأن شراء الخبز أولى وأهم. إن بداية القصة تعلن عن عالم زكريا تامر المصور للواقع المظلم الذي يملؤه اغتصاب الإنسان وانتهاك جسده بالعنف القسوة، وقتل أحلامه بالقمع والكبت والحرمان.

يخرج طفل صغير أسود الشعر من صخرة تفتتت فانبثق منها كانبثاق الحياة، فتكف الطفلة عن البكاء، ويدعوها الطفل المتولد من الأرض إلى اللعب فتستجيب، ويصنعان عوالم البراءة والحلم والطفولة المرحة المشاكسة، يتصوران الحياة لعبا وحكايات، ويختاران شجرة خضراء منطلقا لأحلامهما الجميلة رغم ما تحمله هذه العوالم الحالمة من تناقضات ومفارقات وإيحاأت رمزية يحضر فيها الواقع بوجهين القبيح والجميل، الوديع والقاسي (اللص والشرطي، والملكة والجيوش، الشحاذ والغنية، والعفو والفتل، والمستشفى والموت والقبر، والطبيعة بعوالمها المتعددة، وضمنها وردة بيضاء لها دلالة خاصة).

في نهاية الحكاية أجهضت أحلام رندا وطلال؛ لأنه يستحيل أن يتعايش الذين يحلمون بالسلام والحرية مع الذين يدمرون كل جميل وإنساني، خاصة إذا كان الوجه القبيح في الواقع يمتلك وسائل التدمير وأدوات القمع والانتهاك وسلطة القتل بدم بارد، بينما لا يملك رموز الجمال والسلام غير القدرة على الحلم. هكذا يرتعب طلال ورندا من رؤية منظر الدم والرصاص المنطلق دفعة واحدة من بنادق الجنود صوب رجل اعزل مدمي مقيد إلى الشجرة الخضراء، فتلوذ رندا بطلال باكية مرتجفة، فيضمها إليه، فيتحولان إلى صخرة إيذانا بانتشار القسوة والموت في حركة دائرية لولبية ما أن يشع فيها قبس من الحياة يضئ برهة حتى يخبو وتمتصه الأرض التي تظل وحدها صامدة في وجه القبح تحكي أسرارها للأجيال المقبلة.

تحليل النص

الحوار في النص اكتشاف جماعي لحقيقة تشغل بال الطرفين المتحاورين، وتؤسس تاريخهم ومصيرهم المشترك، ومشاركة مفتوحة على أفق غير محدود في إنتاج الدلالات وصياغة القيم وتشكيل التصورات. ويقوم الحوار في هذا النص على نوع من المفارقة تنتجها جملة من العناصر اللغوية، والذهنية المفهومية، والمرجعية المسندة إلى المكان والزمان، والسردية المتولدة عن بنية الشخصية بما تحمله من مكونات وتناقضات، وما يصدرعنها من سلوك. وكل واحد من هذه العناصر المشكلة للمفارقة في الحوار يعد حافزا من حوافز السرد، وأهمها الفضاء والشخصية والحدث. وبخصوص العنصر الذهني المفهومي يتضح أن الحوار في النص اعتمد على مزج المنطقي وباللامنطقي، الواقعي بالخيالي مزجا جعل بنية الشخصية متوترة بسبب دورانها بين الأسطوري والعياني، ولعل اللحظة التي تتوسط هذين البعدين المتفارقين هي الأكثر حضورا، والأقدر على تأمين وصول الرسالة واضحة إلى المتلقي. فبين الخروج الأحادي من الصخرة، والالتحام الثنائي بالصخرة بما يشبه الفناء والحلول تتداعى المعاني الواشمة للواقع وشما مزدوج الإحالات، على القبح تارة، وعلى الحلم أخرى، ومن ثم يمكن القول إن زكريا تامر استطاع أن يؤسطر الوقائع، ويؤلف بين العالمين المتنافرين تأليفا سلسا يصبح معه الحوار في النص هادفا يستجيب لتوثر الانسان بين العياني والمفارق، وتعكس فيه رندا الإنسان الحالم المعرض لكل أشكال الانتهاك النفسي والجسدي، ويؤدي فيه طلال دور المتأقلم الباحث عن فجوة للحياة في الرداءة، عن بقايا أمل وشبه حلم لا يقوى عن الاستمرار، فجوة لا تلبث أن تنسد فيلتحق التعايش بعالم السكون والجمود والموت.

لغة النص مفعمة بالحدة والتوثر، تتراوح بين الخبر والإنشاء في الحوار، أما في المقاطع السردية القصيرة فخبرية تستخدم جمل مقتضبة كثيفة. وهذه اللغة تنقل للمتلقي أنماط القهر والاضطهاد، وما يفارقها من أجزاء الحلم المشكل لمخيلة اللعب الذهني، المعيد لصياغة واقع مختلف يبحث عن أفق لدحر العنف والبؤس والحرمان، فتصبح رندا التي تبكي عدم حصولها على ثوب أحمر ملكة، وفتاة غنية، ووردة بيضاء. كما تعكس هذه اللغة نفسية الأبطال المقهورين والممزقين أمام المجتمع والذات والوجود في عالم قائم على القتل والجوع والكبت (الخبز أهم من الثوب الاحمرء فباتا مخلوقا واحدا يرتجف راغبا في الفرار).

تميز زكريا تامر في هذا النص الحواري بقدرته على استثمار المعجم العربي الشفاف الأكثر تغلغلا في لحظات الحكي وتأثيرا في نفسية المتلقي، كما تميزت هذه القدرة بالبراعة والانسيابية في تشكيل الصور التعبيرية والرمزية المثيرة؛ مما يجعل القارئ يحس بتنقله بين عوالم الأساطير والرموز بنوع من الألفة والتفاعل، وكأنها صور تنتمي إلى عالم اليومي المألوف، صور يضمحل الزمن داخلها، فيتسع أو يتقلص فيما بشبه زمنا هلاميا بدون قسمات، يبدأ بالبكاء وينتهي بالبكاء، ويتلون البكاء ثارة بالعنف والحرمان وأخرى بالخوف والارتجاف.

اتسمت لغة النص أيضا بالانفعالية في تجسيد مواقف معينة إزاء واقع موسوم بالرداءة والاضطهاد، وهكذا ينطبع الحوار بتلوين أسلوبي مثير يحضر فيه أسلوب الأمر والاستفهام والنفي بدلالاته المتعالية الإلزامية، ويحضر فيه الخبر بدلالاته الوثوقية الإيقانية (انها تطير – انه يطير بمحرك – أنت ابله – أنا الآن ملكة – أنت شحاذ – اهجم بجيشك – اعلم أيها الشحاذ الطماع – لا أريد أن أموت – ماذا ستفعلين لو كنت وردة…)، كما ينطبع بلغة شعرية تمزج حالات الشعور وتنوعاته الرمزية والحدسية والتصويرية الإيحائية التي تجعل القصة القصيرة التي بين أيدينا وسطا بين القصة والشعرعبر توليد جمل شعرية ذات كثافة عالية وخصوبة بيانية تخلط بين الفكرة والإحساس، وتستند إلى التكرار، وتوظف الكلمات توظيفا جديدا.

يقوم السرد في نص زكريا تامر على الموضوعية التي تقتضي أن يكون الراوي مطلعا على كل شئ، حتى على الأفكار السرية لشخصيات سرده، وأن نرى المكان والزمان والشخصية بعينه هو عندما ينصهرالذاتي بالموضوعي لينتج عنهما سرد تم تطويعه للدلالة على موقف من عالم حقيقي، ولكنه عالم قائم على العقلاني واللاعقلاني، نراه في اليقظة والحلم، ونحسه بالشعور واللاشعور، ونتلمسه في الواقع والمتخيل.

تركيب مفاهيمي

كان للأرض والحب والخوف والعلاقة الوجودية بين الرجل والمرأة نصيب كبير من الحدث في هذا النص الحواري، بل ربما شكلت سياقه العام، ورندا وطلال والجنود والجوع والحرمان والرعب علامات تصنع المفارقة والتوثر في تحققات تلك التيمات في هذا النص، فتصبح سوريا / الارض (الشجرة الخضراء) والشعب / الجسد معرضين لكل أشكال الاستبداد والقتل. وهكذا يصبح قارئ النص محاصرا كالقلم في المبراة، كقطار قديم متآكل يحمل صفيره المبحوح كل رغابات المتلقي ونزوات الشباب وأحلام الاطفال. وتنحدر الحكاية إلى اعماق واقعنا النفسي بكل جوعه إلى الطمأنينة المادية والروحية لتعبر عن تعبتا وفرارنا إلى الحلم اليقظان والحلم المخدر تحت سياط الحاجة اللاهية إلى الخبزوالحب. إن زكريا تامر هو الروائي الوحيد الذي ينقد واقعنا بقسوة دون أن يتحول نقده إلى خطابات وتقارير.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads