Ads Ads Ads Ads

المنهج البنيوي (نص نظري) – تحليل نص ‘المنهج البنيوي’ لصلاح فضل دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : المنهج البنيوي (نص نظري) – تحليل نص ‘المنهج البنيوي’ لصلاح فضل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

الشعبة: اداب وعلوم انسانية

المسالك: مسلك اداب ومسلك علوم انسانية

إشكالية القراءة

تمردت التيارات البنيوية العربية على المناهج التفسيرية (التاريخية والنفسية..)، وانطلقت من تصور جديد لكيفية قراءة النص الأدبي معتمدة أطرا مرجعية ومفاهيم ومصطلحات خاصة، متأثرة بمناهج النقد الغربية، فأصبح النص الأدبي ذاته موضع بحث علمي، وأقصي ما دعته البنيوية بخارج النص.

وتعود نشأة المنهج البنيوي إلى منتصف العقد الثاني من القرن العشرين، مع دوسوسير الذي أسس للقطيعة مع المقاربات التقليدية للغة. والشكلانيين الروس الذين أسسوا لمقولة البحث عن أدبية النص. و”حلقة براغ” ونظرية التواصل. واكتمل تبلور هذا المنهج مع رواد البنيوية في الغرب، كرومان ياكوبسون وكلود ليفي ستراوس وجيرار جنيت وغريماس..

والبنيوية منهج وصفي تحليلي في قراءة النص الأدبي يهتم بالعالم الداخلي للنص الأدبي في بنياته اللغوية والفنية والرمزية، ويعتبر النص الأدبي متوالية من الجمل، يجب أن تدرس صوتيا ومعجميا وصرفيا وتركيبيا أو نصيا، ويُبحث عن العلاقات والقوانين الباطنية التي تحكمه، فالنص بنية مغلقة على ذاتها يجب أن تدرس من داخلها.

اهتم بالمنهج البنيوي في العالم العربي نقاد مثل : عبد السلام المسدي، وجمال الدين بن الشيخ، وعبد الفتاح كليطو، وعبد الكبير الخطيبي، ومحمد بنيس، ومحمد مفتاح، وصلاح فضل المولود سنة 1938 بكفر الشيخ بمصر، مجاز في الأدب عام 1962، حاصل على دكتوراه الدولة من جامعة مدريد سنة 1971، اشتغل مدرسا بالجامعة، ومستشارا ثقافيا لمصر بإسبانيا، فعميدا للمعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون، فاز بالعديد من الجوائز التقديرية المصرية والعربية، ألف في النقد الأدبي ونظرية الأدب والنقد التطبيقي والترجمة، خلف عدة آثار منها (بلاغة الخطاب وعلم النص)،(تحولات الشعرية العربية)، (مناهج النقد المعاصر) الذي أُخذ منه النص موضوع درسنا.

الملاحظة وصوغ الفرضية

عنوان النص “المنهج البنيوي” مركب اسمي يتكون من مصطلحين: “المنهج ” وهو عملية نقدية منتظمة، تستند إلى إطار نظري لقراءة النص وفق مبادئ مضبوطة، و” البنيوي”، وهو نعت يُضمر مفهوم “البنية”، اقترن بياء النسبة للدلالة على صفة تخصيصية للمنهج أمام تعدد المناهج النقدية في دراسة الأعمال الأدبية. و”المنهج البنيوي” منهج نقدي يتعامل مع النص كبنية لها قوانينها ومبادئها المنظمة لعناصرها كنسق كلي، تستقل دلالته عن الخارج.

”النظرية البنيوية” ؛ ”البنية الدلالية للقصيدة” ؛ ”الواقع هو النص الأدبي ذاته”: مشيرات نصية يجمع بين كونها تنتمي إلى المقاربة البنيوية للنصوص الأدبية، باعتبارها تبحث في المبادئ المنظمة للدلالة في النص، وهي مقاربة تستند إلى إطار نظري بنيوي تستمد منه المفاهيم والأدوات الإجرائية لقراءة النصوص.

من خلال الملاحظات السابقة نفترض أن النص يستعرض المنهج البنيوي : أسسه، خصائصه وأهميته ن ويطرح إشكالية إمكانات المنهج البنيوي ومميزاته مقارنة مع غيره من المناهج التفسيرية. فما القضية المطروحة في النص ؟ وما المفاهيم المؤطرة لها ؟ وما مرجعية الكاتب فيها ؟ وما طرائق عرضه للقضية ؟ وما مقصديته من طرحها ؟

الفهم

وحدات النص الفكرية :

1) تمثلت إرهاصات المنهج البنيوي (في النصف الأول من القرن العشرين) في حقل الدراسات اللغوية باعتباره طليعة الفكر البنيوي.

2) حدد البنيويون مجال عملهم، فأكدوا أن موضوع الأدب هو العالم الذي يحيا فيه الأديب المبدع، وأن موضوع النقد هو الأدب وليس مرجعه الخارجي بأبعاده الاجتماعية والسياسية والتاريخية. لقد رفضوا القراءة الإيديولوجية للأدب، التي تُعيق الوقوف على كيفية اشتغال النص الأدبي، لأنها تحتكم إلى معايير مسبقة تحجب إدراك كيفية أداء الأدب لوظائفه التعبيرية والجمالية.

3) استند المنهج البنيوي إلى أسس نظرية تمثلت في تيارات العلم الحديث، خاصة منها :

  • الفلسفة الظاهراتية: لا تهتم بالجانب الميتافيزيقي الغيبي في دراسة الأشياء، وتركز على ما يتجلى للإدراك في لحظة معينة
  • علم اللغة : وهو مصدر أهم مصطلحات المنهج البنيوي، ومفاهيمه ومنها مصطلح البنية الذي نشأ في علم النفس موازيا لفكرة (الجشطالت أو الإدراك الكلي)، وفي الأنثروبولوجيا (إدراك نظم العلاقات في المجتمعات البدائية)، وفي علم اللغة.

4) تبلور مفهوم البنية في عدة قضايا، تخص مجال النقد، يمكن ترتيبها كالتالي :

  • الأعمال الأدبية تمثل كُلية باعتبار دلالتها ترتبط بهذا الطابع الكلي لها ؛ ( فالبنية الدلالية للقصيدة مثلا، ليست هي حصيلة أجزائها، بل تُبنى من مستويات تخترق هذه الأجزاء، وتتغلغل فيها وتشتبك معها، إنها مُحصلة مجموعة من البُنى [كالبنية الإيقاعية، والتركيبية، والتعبيرية، والتخييلية التي تصل إلى ذروتها في المستوى الرمزي الكلي] ).
  • هدف البنيوية هو الوصول إلى فهم المستويات المتعددة للأعمال الأدبية ودراسة علائقها وتراتبها والعناصر المهيمنة على غيرها وكيفية تولُّدها، ثم كيفية أدائها لوظائفها الجمالية والشعرية، مما جعل البنيويين يُطلقون شعار “موت المؤلف إشارة إلى وضع حد للتيارات النفسية والاجتماعية.
  • رفض أحكام القيمة الخارجية وإحلال حكم الدلالة والوظيفة والقيمة للمكون النصي :أي ما ينبثق منه وما يتجلى فيه من قدرة وإنجاز.

5) أهمية المنهج البنيوي، ومقارنته بغيره في الغرب والعالم العربي :

  • منذ السبعينيات من القرن العشرين غزت المصطلحات البنيوية بقية الحقول المعرفية (الماركسية ـ الوجودية …) لترسيخ التطور المفاهيمي والمعرفي للفكر النقدي الغربي، وشكلت الإطار العام للفكر والثقافة لتنمية مبادئ تلك الحقول المعرفية، وتدارك نقائصها.
  • في العالم العربي شكلت البنيوية مُنطلقا لتحديث الخطاب النقدي.

التحليل

الإشكالية المطروحة

تتعلق إشكالية النص بخصائص المنهج البنيوي وأسسه النظرية في قراءته الوصفية التحليلية للنص الأدبي. فهو منهج يتميز بكونه ينظر إلى موضوع النص من خلال الواقع الكامن فيه، والذي يُتوصل إليه من زاوية مستوياته المتعددة التي تخترق أجزاءه، ودراسة علائقها وتراتبها والعناصر المهيمنة، وتكشف دلالته المرتبطة بطابعه الكلي، والتي تحددها المبادئ والقوانين المنظمة لنسقه الكلي. ثم كيفية تولدها وأدائها لوظائفها الجمالية والشعرية. ومن هنا رفض أحكام القيمة، وتبني حكم الواقع، واقع النص.

المفاهيـــم

حقل النقد التفسيري (خارج النص)حقل النقد الوصفي (داخل النص)
علاقة الأدب بالحياة – إيديولوجيات – نظريات مرتبطة بجوانب سياسية أو اجتماعية أو تاريخية – منطق إيديولوجي – معايير مُسبقة – حقيقة جوهرية فلسفية – نظرية في الحياة – المستويات الخارجية – الميثولوجيا القديمة – الماركسيين والوجوديين – تنتمي إلى المنهج الاجتماعي – النفسي..ميتا لغوي – لغة النقد تسبح فوق لغة النص – النقد الأدبي – علم للأدب – الوظائف التعبيرية والجمالية – الرموز المتماسكة في الأعمال الأدبية – نظرية في ظواهر الإبداع الأدبي – الظاهراتية – نقد الأدب نوع من العلم الإنساني – علم اللغة / الغطاء النظري للبنيوية – البنية – الجشطالت – علم اللغة – الأعمال الأدبية تمثل أبنية كلية – البُنى الجزئية – البنية الدلالية للقصيدة – مستويات الأعمال الأدبية – دراسة العلائق وتراتبها – العناصر المهيمنة على غيرها – كيفية تولدها – الوظائف الجمالية والشعرية – موت المؤلف – حكم الواقع – النص ذاته – رفض أحكام القيمة الخارجية – ما ينبثق من النص..

لقد تحكمت في بناء المعجم علاقة التعارض بين التصورين :

  • الدراسة الخارجية التي تؤمن بمفهوم المرآوية والانعكاس، وإن كان الاختلاف في المحيل عليه (الفرد أو الجماعة أو المحيط).
  • الدراسة الداخلية للنص التي تنطلق من كون النص الأدبي لا يعكس إلا ذاته.

نلاحظ هيمنة المصطلحات المتعلقة بالمنهج البنيوي تمشيا مع رغبة الكاتب في تقديم التصور الجديد الذي يستند إليه المنهج البنيوي في النقد الأدبي؛ وذلك لأن الأمر يتعلق برصد أسس المنهج البنيوي وتأصيله وإبراز أهم مفاهيمه وبيان أهميته ومميزاته مقارنة مع غيره.

تُستمد المفاهيم من حقول علمية عديدة مثل: اللسانيات التي كانت المنطلق لكثير من المقاربات (الشكلانية، الأسلوبية، الشعرية، السيميائيات..) يجمعها قاسم مشترك، اصطلح على تسميته بالقراءة البنيوية، ومن التاريخ والاجتماع. وقد لعبت هذه المفاهيم دورا هاما في إضاءة القضية المطروحة في النص، والكشف عن إمكانات المنهج البنيوي، وجرد مميزاته.

القضايا المتفرعة عن الإشكالية

تفرعت عن هذه الإشكالية بعض القضايا النقدية، منها:

  • مفهوم البنية نظريا ووظيفيا : حيثـ يُنظر إلى العناصر باعتبارها مكونات ضمن معمار النص، تتميز بطابعها الدلالي الذي يُبرز كيف يأتي المعنى إليه. ويخضع معمار النص من حيث تحديده، وطريقته في التدليل والاشتغال، إلى مختلف المفاهيم الإجرائية التي تحدد المنهج الذي تتبناه النظرية بوصفها جهازا واصفا، له كفاياته المخصوصة، وطريقته في الاستدلال عموما. ويختلف المعمار من هذا المنظور باختلاف الإطار النظري الذي يستند إليه في التحديد، ومن تم فهو، منظورا إليه باعتباره تركيبا للنص، تنتظم فيه المعطيات اللسانية لبناء النسق الدلالي العام. والعمل الأدبي ليس أجزاء مستقلة متجاورة، بل هو عناصر مترابطة بعلاقات متكاملة، تتفاعل فيما بينها وظيفيا، تتسق ضمن الوحدة الكلية للنص، حتى أن كل تغيير في العنصر يترك أثره على البنية كلها. فدراسة هذه البنية في ذاتها عبر التوصيف هو ما يمكن من الوقوف على جمالية النص أو أدبيته.
  • مقولة موت المــــؤلـف : شعار “موت المؤلف الذي أطلقه رولان بارت إشارة إلى وضع حد للتيارات النفسية والاجتماعية.
  • اعتبار عالم النص الأدبي عالما مُغلقا : عالم النص الأدبي داخلي مُغلق في بنياته اللغوية والفنية والرمزية ؛ والجمالية في النص الأدبي تتجلى في حركة العناصر من حيث هي عناصر مختلفة في ما بينها، ومن حيث كونها تنسج في حركتها أنساقا من العلاقات المتنوعة. الجمالية مكمنها النسيج وقدرة العناصر على توليدها نسقا متميزا ينهض بالبنية ويصل بها إلى نمذجة النظام وإلى وضعه على مستواه الصافي الشفاف حتى الخفاء واللاحضور أو حتى الإيهام باللانظام أو بالعفوية.

وهكذا فالعلاقة بين القضايا المتفرعة عن القضية الأساس (خصائص المنهج البنيوي) هي علاقة تكامل وإيضاح، يسعى الكاتب من ورائها إلى إضاءة قضية النص.

الإطار المرجعي

الإطار المرجعي الذي استند إليه الكاتب يؤول إلى:

  • الدراسات اللسانيـة : “العلم الذي يدرس اللغة في ذاتها ولذاتها” بتعبير دي سوسير في كتاب “محاضرات في علم اللسان العام”، فكان هذا بداية النظر إلى اللغة نظرة جديدة تقوم على دراسة اللغة باعتبارها نسقا ونظاما عناصره الأساسية هي : الصوت، المعجم، الصرف، التركيب، والدلالة، واعتبارها أداة للتواصل.
  • حركة الشكلانيين الروس : التي أطلقت مقولة البحث عن أدبية النص، في العناصر النصية والعلاقات المتبادلة بينها والوظيفة التي تؤديها في مجمل النص، وتعاملت مع الشعر الرمزي، ووقفت على جماليته انطلاقا من شكل المضمون، وجسدت في أبحاثها المرحلة الأولى للمنهج البنيوي قبل تطوره، فروادها هم أول من بحث في القوانين الداخلية للنصوص الأدبية.
  • حركة ” براغ ” : خاصة رومان ياكبسون في كتابه : “قضايا اللغة الشعرية”.
  • الفلسفة الظاهراتية : مع” إدموند هوسرل، فلسفة ” لا تهتم بالغيبيات والمتافيزيقا بل بالعلم، بالجوانب التي تدرك، وبالكيفية التي يُنجز بعا العمل.
  • الفلسفة الوضعية: التي سارت في اتجاه الموضوعية والاستقصاء العلمي التجريبي.

إن غنى المعجم وتناسل القضايا والمفاهيم يدل على تنوع المرجعية النظرية للمنهج البنيوي. مثل نظرية الجشطلت التي نظرت إلى لشعور على أنه بنية مركبة ومتداخلة العلاقات فيكون الإدراك كليا : إدراك الكل قبل الجزء، وبعض التيارات اللسانية التي تعتبر اللغة نظاما من العناصر (المستويات: الصوت، المعجم، التركيب…) وتدرسها في ذاتها دراسة وصفية.

طرائق العرض

انسجاما مع طبيعة هذا الخطاب شيد الكاتب نظامه التفسيري متوسلا بعدة أساليب للتفسير، منها : التعريف : “كان الغطاء النظري للبنيوية هو علم اللغة “، والمقارنة : “المبدع يرى العالم ويكتب عنه، لكن الناقد ليس له علاقة مباشرة بهذا العالم”. كما قارن بين المنهج البنيوي والمنهج الاجتماعي والنفسي، وبين لغة الأدب ولغة النقد، والتمثيل : ” فالقصيدة لا تصبح مجرد مجموعة من الأبيات بل تبنى من مستويات تخترق هذه الأجزاء..”، والسرد” كان قد نشأ في الأنتروبولوجيا…..ونشأ في علم اللغة….. وأصبح…. في النقد الأدبي”، ويتجلى دور هذه الأساليب في الإقناع بجدوى المنهج البنيوي من خلال التعريف به، وتحديد ماهيته، وجرد خصائصه، وبيان أسسه بأسلوب استدلالي يجعل أطروحة الكاتب مُقنعة متماسك بناؤها، متسقة لغتها.

واعتمد الكاتب تصميمين منهجيين :

  • الجرد، حيث عرف المنهج البنيوي بتحديد ماهيته وجرد خصائصه، ووصف مرجعياته النظرية، مقارنته مع غيره.
  • التعاقب الذي يحترم المسار التاريخي لتطور النظرية البنيوية، بدأ من الإرهاصات الأولى في حضن الدراسات اللغوية، وصولا إلى مرحلة التبلور بعد تطوير العدة المفاهيمية وتحويلاتها الإجرائية في العلاقة بين النظرية والممارسة النقدية.

وتحقيقا للإقناع توسل الكاتب بأنواع من الحجج منها :

  • الحجة البرهانية التي تفيد اليقين كقوله :” لأن هذا الحقل (الدراسات اللغوية) كان يمثل طليعة الفكر البنيوي”.
  • الحجة الجدلية التي تقارب اليقين وتلزم المخاطب من مثل قوله : ” فإذا كان موضوع الأدب هو العالم فإن موضوع النقد هو الأدب وبذلك لم يعد النقد مجالا لبروز إديولوجيات”.
  • الحجة الخطابية التي تفيد الظن الراجح مثل ” النقاد يعميهم كثيرا أن يقعوا في هذه الإديولوجيات نفسها لأنهم حينئذ سوف يحتكمون في قراءة الأدب إلى معايير مسبقة في أذهانهم فلا يستطيعون رؤيته على حقيقته ”.

اللغة والأسلوب

اعتمد الكاتب لغة نقدية أدبية يغلب عليها الطابع التقريري التعريفي المقترن بأدوات التوكيد لإقناع القارئ؛ لهذا جاء الخطاب متسقا بفعل مجموع الوسائل اللغوية والشكلية، الظاهرة والخفية، منها استخدام أشكال من الربط كالربط البياني المثنوي القريب:” يرى العالم ويكتب عنه” والربط البياني الجمعي القريب: تحاول أن تقبض عليها وتمسك بها وتحلل علاقاتها” والبعيد:” لم ينبثق المنهج البنيوي…… وإنما كانت له إرهاصات…. اختمرت عبر النصف الأول من القرن العشرين…… لعل من أولها ما نشأ……. في حقل الدراسات اللغوية” والإحالة النصية القبلية عن طريق الضمائر:” كانت له” وأسماء الموصول :” فلسفة الظاهراتية التي تتميز” وأسماء الإشارة :” هذه ” التي تشير إلى الفلسفة التي سبق ذكرها”. زيادة على هذا تم تحقيق اتساق الفقرات باعتماد التكرار اللفظي مثل : “البنيوية والبنية” والجمالية والشرح والتوضيح ” معنى هذا أن نظرية الأدب” ” في مقدمة هذه المصطلحات”، والأسلوب الخبري المؤكد (وقد حاول..ءإن أهم..ءإن دراسة)، وصيغ الوجوب (ءعلى أن ذلك يقتضيء ولابد..)، إضافة إلى صيغ الشرط (إذا كان مصطلح…فإنه ينبغي…). وغايته من ذلك إلزام المتلقي بصحة الأطروحة المعبر عنها. وإقناعه بجدوى المنهج البنيوي وقيمته العلمية في دراسة النصوص الأدبية.

التركيب والتقويم

قصد الكاتب من خلال النص إلى التعريف بالمنهج البنيوي من خلال ماهيته وخصائصه وأسسه، فبين أن الدراسات اللسانية مثلت طليعة الفكر البنيوي، إذ حدد البنيويون مجال عملهم ؛ فإذا كان موضوع الأدب هو العالم الذي يحيا فيه الأديب المبدع، فإن موضوع النقد هو الأدب وليس مرجعه الخارجي. وشكل هذا التحديد منطلقا لتحقيق علمية الأدب وتخليصه من الخلفيات الإديولوجية التي تعيق الوقوف على كيفية اشتغال النص الأدبي وتحقيقه للوظائف التعبيرية والجمالية.

وبذلك تتأكد لنا صحة فرضية توقعناها في بداية قراءتنا المنهجية، وهي أن النص يعالج قضية نشأة المنهج البنيوي وتأصيله، وجرد خصائصه بمقارنته بغيره من المناهج التفسيرية، والأسس العلمية التي استند عليها، وهدفه من دراسة الأثر الأدبي..

وتأسيسا على ذلك يمكن القول إن البنيوية بوصفها منهجا نقديا حديثا له ملامحه الواضحة والمتكاملة في الفكر الحديث قد تبلورت في حوار مع مناهج سابقة أو معاصرة، ومع مجموعة من العلوم كاللسانيات والأنثروبولوجيا وعلم النفس، لكنها (البنيوية) ظلت أداة للنظر والتحليل ولم تتحول إلى علم أو نظرية قائمة الذات.

ومع ذلك تعرضت بدورها للنقد من قبل النقد الإديولوجي التفسيري (النفسي ووالاجتماعي..)، ومن أصحاب نظرية التلقي. فهذا فاضل ثامر يقول عن البنيوية أنها تبلورت من حوار مع مجموعة من العلوم كاللسانيات والأنثروبولوجيا… لكنها ظلت مجرد أداة للنظر والتناول والتحليل، ولم تتحول إلى نظرية أو علم أو فلسفة أو إبستسمولوجيا. والواقع أن هذا الرأي يتقاطع مع رأي الدكتور صلاح فضل في الإشارة إلى البعد الوصفي والتحليلي للمنهج البنيوي واستناده إلى المرجعية العلمية واللسانية، ويختلف معه في التأكيد حقيقة ابستيمولوجية، وهي صعوبة تحول المنهج إلى نظرية أو علم..

المنهج الاجتماعي نص تطبيقي تحليل نص سوسيولوجية القصيدة العربية لنجيب العوفي دروس النصوص

عنوان الدرس : المنهج الاجتماعي (نص تطبيقي) – تحليل نص ‘سوسيولوجية القصيدة العربية’ لنجيب العوفي

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

الشعبة: اداب وعلوم انسانية

المسالك: مسلك اداب ومسلك علوم انسانية

إشكالية القراءة

يفسر المنهج الاجتماعي النص الأدبي بالتركيز على على شروط إنتاجه الاجتماعية. والمنهج البنيوي التكويني يركز على استخلاص البنية الدالة، وتفسير تفاعلها مع البنية الذهنية للجماعة التي ينتمي إليها المبدع أو يمثل رؤيتها للعالم؛ فالمبدع عنصر وسيط بين البنيتين، لأنه لا يعبر عن رؤيته الخاصة، وإنما يشخص رؤية جماعية ممكنة. وهكذا فالنقد الاجتماعي ينظر إلى العلاقة بين الواقع والعمل الإبداعي أو الثقافي نظرة جدلية وليست آلية أو مرآوية انعكاسية ؛ ذلك أن الوسط الاجتماعي حين يفرز علاقات اجتماعية معينة فإن هذه بدورها تولد بنية خاصة بها، فيقوم الرواد من المبدعين بتمثلها في أعمالهم الإبداعية في شكل بنية منسجمة ودالة. كما أن أي تحول يحدث في البنية التحتية للمجتمع إلا وتتولد عنه بشكل جدلي بنيات فوقية موازية لها، وهكذا إلى ما لانهاية.

عكف على تطبق هذا المنهج كثير من النقاد في المشرق والمغرب بطرائق مختلفة، منهم نجيب العوفي، من مواليد الناضور 1948، درس بتطوان وفاس والرباط، مجاز في الأدب 1970، وفي الحقوق 1975، حصل على د.د.ع 1985 ). من أعماله : درجة الوعي في الكتابة جدل القراءة مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية مساءلة الحداثة ) والنص الذي بين أيدينا مقتبس من كتابه ( ظواهر نصية). فما القضية مدار النص ؟ وما المفاهيم المؤطرة لها ؟ وكيف وظف الكاتب المنهج الاجتماعي (البنيوي التكويني) لإضاءتها ؟ وما الإطار المرجعي الذي استند إليه ؟ وما مظاهر اتساقه وانسجامه ؟

يوحي العنوان بدراسة القصيدة العربية في علاقتها بالخلفية الاجتماعية والتاريخية والسياسية.. ودراسة مدى تماثل بنياتها مع بنيات المجتمع. وبمقارنة بداية النص مع نهايته نلاحظ الفرق بين وضعية الشاعر في الجاهلية، حيث كان جهازا إعلاميا وثقافيا، وموقعه في العصر الحديث حيث أصبح المجتمع العربي يعيش إشكالات معقدة، يناقض ظاهرُه باطنَه.

وبملاحظة هذه المشيرات النضية: لسان الجماعة، الأنا الجمعي، البنية السوسيو – ثقافية، البنية الذهنية العميقة.. يتبين أنها مفاهيم تنتمي إلى علم اجتماع الأدب، ونفترض أن القضية المطروحة في النص هي رصد تطور القصيدة العربية منذ العصر الجاهلي إلى العصر الحديث. فإلى أي حد وُفِّقَ الناقد في تطويع تلك المفاهيم لقراءة القصيدة الشعرية بها.

الفهم

القصيدة الجاهلية صورة صادقة لبنية المجتمع الجاهلي، فهي تتضمن أصوات الجماعة / القبلية، وإيقاعها خطابي، والجمهور حاضر في اعتبار الشاعر، وهي تحمل هواجس الذات الجماعية. وفي العصر الإسلامي تأثر الشعر مضمونا وشكلا ووظيفة بدعوة الإسلام التي تقوم على مفهوم الأمة بدل القبيلة. وفي العصر الأموي استعاد الشعر صدقه وذاكرته وعقله الباطن.. واستيقظ الأنا القبلي، ونتج عن ذلك مفارقة وتناقض بين البنية السطحية للمجتمع والدولة (بنية مدنية متحضرة)، والبنية الذهنية العميقة لهما (بنية رعوية وقبلية). وظل الشاعر، على مدى الدولتين الأموية والعباسية، موظفا رسميا انتهازيا، فابتعد عن المجتمع، وفقد شعره قيمته الإنسانية الحقة، وإن ظل محافظا على قيمته الفنية والأدبية.

البنية السوسيو ثقافية تشكلت صيغتُها النهائية منذ العصر الأموي، فصعُب على محاولة التجديد كسر عمود الشعر، الذي لم تتخلخل بنيته إلا مع الحملة الاستعمارية التي حطمت العمود السياسي القديم بأمجاده وانتكاساته، وتفتت الكيان التاريخي والحضاري إلى فسيفساء سوريالي، فتغيرت بذلك بنية القصيدة الحديثة التي انفتحت بتشكيلها العروضي وهندستها المعمارية المفتوحة على الاحتمالات والمفاجآت، وتغيرت أغراضها، وأصبحت تعيش في عصر ومجتمع إشكاليين، يتناقض ظاهره وباطنه.

الكاتب يعالج إذن، قضية أدبية اجتماعية هي تفسير تاريخ القصيدة العربية وتطورها، وذلك بربط بنيتها الدالة بالبنية الذهنية للمجتمع. إنه يفسر أكثر مما يصف.

التحليل

المفاهيم والقضايا

  • الحقل التاريخي: الجاهلية، منتصف ق السادس الميلادي، دولة، الدعوة الإسلامية، الدولة الأموية.
  • الحقل الاجتماعي: أوتوقراطي، الإمبريالية، السياسي، عصر إشكالي، المجتمع والدولة، بنية رعوية وقبلية لسان الجماعة، أصوات الجماعة، أنا القبيلة، الأنا الجمعي، القيم المهجنة، (الفروسية، الدعوية) مدني، الأنا القبلي..
  • الحقل الأدبي: شعر غنائي وذاتي، إيقاع خطابي، الرسالة الشعرية، الشعر الكلاسيكي، الخيال، الملفوظ الشعري، التكسب، العمود الشعري، القصيدة الحديثة..

نلاحظ هيمنة مصطلحات الحقلين التاريخي والاجتماعي، والعلاقة بين هذه المصطلحات سببية؛ لأنها تفسر الظاهرة الأدبية (القصيدة العربية) بالعوامل التاريخية والاجتماعية.

خطوات تطبيق المنهج الاجتماعي ومعالمه

تبدو معالم المنهج البنيوي التكويني في الخطوات التي سلكها الكاتب حيث حقب الزمان إلى حقب تاريخية (الجاهلية الإسلامية الأموية والعباسية والحديثة)، ثم حدد البنية الاجتماعية لكل حقبة وبنيتها الذهنية (القبلية الأمة القبلية الرعوية العمود السياسي الراسخ بنية متحللة مع الإمبريالية الاستعمارية)، بعد ذلك حدد البنية الشعرية مضمونا وشكلا (بنية شعرية متماسكة / عمود الشعر بنية فسيفسائية ذات هندسة معمارية مفتوحة على الاحتمالات والمفاجآت متغيرة الوظيفة والبناء).

لقد فسر الكاتب شكل القصيدة وبناءها بربطه بالبنية الاجتماعية والبنية الذهنية معا، إذ ربط بين العوامل السوسيو ثقافية المنبثقة عن طبيعة المجتمع، وما تُفرزه من بنى ذهنية لها تجليات في البناء الثقافي والسياسي، وبين بنية القصيدة ذات البناء المحكم (عمود الشعر..) والبناء المتغير (تكسير البنية الإيقاعية للقصيدة العربية).

وقد اعتمد الكاتب في معالجة موضوع سوسيولوجية القصيدة العربية عمليتي الفهم والتفسير : يتجلى الفهم في كشف الكاتب عن التماسك الباطني للقصيدة العربية، وبحثه في داخل هذا التماسك عن بنيته الداخلية الشاملة ذات دلالة (عمود الشعر)، ثم حاول تفسير تلك البنية والمتعلقة بالذات الفردية و/ أو الجماعية التي تكون تلك البنية الذهنية المنظمة للنتاج الأدبي، بالنسبة إليها، طابعا وظيفيا ذات دلالة. فنظر (بالتفسير) إلى الشعر العربي في مستوى خارجي لربطه ببنية أوسع وأشمل.

من تم فبنية الشعر العربي نظيرة للبنية الذهنية للفئة الاجتماعية التي يعيد الشاعر تركيبها (تكوينها) في عمله، وإقامة الموازاة بين الرؤيا التي تحكم بنية الشعر العربي من جهة، وبين المجال الثقافي الذي ينتمي إليه الشاعر من جهة ثانية.

الإطار المرجعي

استند الكاتب في عرضه لإشكالية النص والقضايا المتفرعة عنها إلى عدة مرجعيات منها :

الماركسية

تنظر إلى الأدب كجزء من البنى الفوقية التي تعكس البنى التحتية، إنه انعكاس آلي لها. إن هناك جدلية بين الوعي والواقع، أي أن المبدع يعبر عن التحولات التي يعرفها المجتمع في إطار الصراع الطبقي، ولذلك فإن لكل إنتاج بنيات تدل على نوع التحولات التي تحدث في واقع يندثر وآخر يتكون.

النظرية الوضعية

ترى أن الواقع سابق عن الوعي، أي أن تجربة المبدع هي التي تنتج أدبه، وأن واقعه مستقل وموضوعي، ويبقى على الناقد، أثناء تناوله للنص أو لظاهرة أدبية معينة، أن يستند إلى تأثرها بالوسط الاجتماعي. فالفرد مجرد وسيط بين النص والجماعة التي ينتمي إليها، يعبر عن صراعاتها وعن تاريخها وقيمها ورؤيتها للعالم.

وقد أثار هذا الموقف إشكالات نقدية تتصل بالعلاقة بين الذات والموضوع، وبين الفرد والجماعة، إلى جانب مبدأ الالتزام الذي يدفع المبدع إلى الانخراط في قضايا المجتمع والالتزام بمبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية..

علم اجتماع الأدب

يؤكد على ارتباط الأدب بالمجتمع، فهو انعكاس جدلي له من حيث أوضاعه وطموحات أبنائه وقضاياهم. لقد أكد لوسيان كولدمان على أن التماثل بين البنى الاجتماعية والبنى الفكرية يتم على مستوى الهياكل فيما يشبه التناظر بين الهياكل الأدبية والهياكل الاجتماعية.

البنيوية التوليدية

استمدت هذه القراءة مفاهيمها من المعرفة اللسانية بفروعها المختلفة (سوسير، الشكلانيون الروس، حلقة براغ، البنيوية)، والتي تتميز بدراسة اللغة في ذاتها باعتبارها نسقا ونظاما عناصره الأساسية هي : الصوت، المعجم، الصرف، التركيب، والدلالة، وكذا باعتبارها أداة للتواصل ؛ واستخراج البنية المنظمة لهذه العلاقات..

علم التاريخ

التاريخ خاضع لقوانين تفسر تطوره وحركيته..

النقد الفني/ الانطباعي / التأثري

يركز على تناول الجوانب الفنية، والمنهج التأثري الذي يركز على انطباعات الناقد، وعلى التأثير الفني الذي تخلفه القصة على القارئ.

طرائق العرض

وظف الكاتب بعض أساليب التفسير، والتي منها :

  • التعريف: تعريف القصيدة العربية وتحديد خصائصها ووظيفتها من خلال دور الشاعر على مر حقب التاريخ العربي الإسلامي.
  • الوصف: وصف مكونات ومميزات القصيدة العربية، وكذا مظاهر التشكيل المجتمعي العربي بدأ من الجاهلية مرورا بالدولة الأموية والعباسية، وصولا إلى المرحلة الإمبريالية.
  • السرد: سرد مراحل تطور المجتمع العربي وإيقاعاته المتباينة، وتعاقب العصور الأدبية الجاهلية والأموية والعباسية والحديثة، وكذا سرد مظاهر التحولات التي عرفها المجتمع العربي في بنياته المختلفة..
  • المقارنة: ويتجلى في تفسير بنية القصيدة العربية تفسيرا سوسيولوجيا مقابل التفسير السيكولوجي، أو الوصف البنيوي. كما يتجلى في المقارنة بين مراحل تطور القصيدة العربية عبر مختلف العصور.

والغرض من استعمال أساليب التفسير هذه هو الإقناع بارتباط تطور القصيدة العربية في موضوعها وبنيتها ووظيفتها بأوضاع وبنية المجتمع العربي من الجاهلية إلى العصر الحديث ووظيفتها. هذا إضافة إلى التنظيم المحكم للمعلومات، بحيث تظهر كلها مثل وحدة متماسكة، فيبدو الموضوع كله وكأنه حركة واحدة تُقدم عبر مراحل، فيتحقق الإقناع بطرح الكاتب.

كما اعتمد الكاتب تصميما زمنيا يقوم على التدرج، حيث عرض مراحل التطور الكرونولوجي العربية لإبراز بنيتها وموضوعاتها ووظيفتها. ولعل دور هذا التصميم في بناء الموضوع هو خلق التماسك والانسجام في نص يتناول موضوع سوسيولوجية القصيدة العربية، بلغة النقدية ذات مقصدية مباشرة يهيمن فيها ضمير الغائب العائد على القصيدة وعناصرها الفنية، والعصور التاريخية.

مظاهر اتساق النص

نص نجيب العوفي خطاب متجانس الوحدات، فهو ينبني على عدد من العلاقات والروابط بين الجمل والفقرات من خلال وسائل لغوية وشكلية حقق بها وجوده النصي وبعده التداولي والأسلوبي، ومن خلال تواتر آليات الاتساق، التي من بين مظاهرها توظيف بنيات جملية متنوعة: مركبة وبسيطة ” يبدو الجمهور حاضرا باستمرار في ذاكرة الشاعر”.طويلة وقصيرة، حسب ما يقتضيه مقام الشرح، والربط بين الجمل مثنويا : ” فالقبيلة تتحدث بلسان الشاعر والشاعر يتحدث بلسان القبيلة ”، وجمعيا : ” لا تعرف الامتثال والانقياد، ولا ترضى بأنصاف الحلول ”. والربط بالحمول الموصولية : ” قيم الفروسية الرعوية المتغطرسة التي لا تعرف الامتثال والانقياد، ولا ترضى بأنصاف الحلول “، والإحالة المقامية : ” الكمبيوتر الساعة الرملية ”، وهما عنصران خارج النص، والإحالة النصية : ” أيهما يتحدث هنا أنا الشاعر أم أنا القبيلة ؟ ” كعلاقة دلالية، تستوجب تطابق الخصائص الدلالية بين العنصر المحيل، والعنصر المحال عليه.

إن وظيفة الربط والإحالة في النص تتمثل في أنهما يحققان الاقتصاد اللغوي، وهو مطلوب يُجنب اللغة التكرار والرتابة، ويضمنان التماسك الشديد لأجزاء النص. وتنويع الضمائر وأسماء الإشارة التي تنظم فضاء النص،وتساعد على التعيين …

هذا على مستوى البنيات الصغرى، أما على مستوى البنيات الكبرى، فاتساق النص يظهر في التعالق الدلالي، إذ ترتبط فقرات النص في ما بينها ترابطا دلاليا واضحا، يتحكَّم في نوع العلاقات القائمة بينها، وفي نوع الروابط الموظفة. و يتم وفق معايير الربط بين الأفكار والفقرات، التي منها معيار العلاقات المنطقية والتركيبية والمعنوية، ومعيار السببية التي استدعت أدوات التعليل والاستنتاج والتفسير والإثبات والنفي.. الخ ن ومعيار التسلسل بتوظيف الصيغ الدالة على التسلسل / التتابع الزمني، أو التدرج بين الأفكار، مثل استعمال الصيغ الدالة على الابتداء (في المرحلة الأولى ؛ في منتصف القرن السادس الميلادي ؛ مع نشوء الدولة الأموية …)، والإضافة والمقارنة : (وما دام … فأصوات ؛ فعلى الرغم … إلا أن ؛ وإذا كانت … فإن القصيدة …)، والانتهاء : (وهكذا أصيب الشعر …).

من جهة أخرى يتجلى تماسك النص من خلال ترتيب الوحدات المكونة له حسب نوعية العلاقات القائمة بينها، من ذلك اعتماد طريق التعارض بين موقف الالتحام بين الشاعر والقبيلة في العصر الجاهلي، ودور الإسلام في القضاء على العصبية القبلية، وإبراز بنية ذهنية جديدة، وطريق الشرح والتفسير والتعليل في سيرورة استدلالية تتدرج من الانتقال من المعطيات النصية إلى المعطيات الخارج نصية، واعتماد منطق التدرج التاريخي في عرض مراحل تطور بنية القصيدة العربية وبنية ذهنية المجتمع، وتكرار بعض الألفاظ والمفاهيم الاجتماعية والأدبية الدالة على الخطاب، والتي توثق لحمته ونسيجه (القصيدة المرحلة الأنا الجمعي العمود البنية …)، وتوظيف الألفاظ و العبارات ذات الصلة بالحقل الدلالي التاريخي : (الجاهلية، منتصف القرن السادس الميلادي، دولة،الدولة الأموية، أوتوقراطي، الإمبريالية، السياسي)؛ والحقل الاجتماعي (لسان الجماعة، أصوات الجماعة، أنا القبيلة، الأنا الجمعي)؛ والحقل الأدبي (شعر غنائي وذاتي، إيقاع خطابي، الرسالة الشعرية، الخيال، الملفوظ الشعري)، والأسلوب الخبري المؤكد ” لقد تحطم العمود السياسي القديم…”، وغير المؤكد ” تفتت الكيان الحضاري والتاريخي “، وذلك بهدف الإقناع بنوعية القراءة ومصداقيتها.

مظاهر انسجام النص

يتضمن النص مجموعة من الآليات الظاهرة والخفية التي تجعل متلقيه قادرا على فهمه وتأويله، وذلك اعتمادا على مجموعة من المبادئ والعمليات، نبينها كالتالي :

مبادئ انسجام النص

1) السياق وخصائصه :

هو الذي يحدد خطاب النص، ويشمل عناصر العملية التواصلية من :

  • المرسل : هو الكاتب المغربي نجيب العوفي..
  • المتلقي : يشمل نقاد القصيدة العربية، وقراءها، والقارئ بصفة عامة. فالأمر يتعلق بمعرفة عملية القراءة وبظروف تلقي النص وبنوع المخاطَب وطبيعته وثقافته، والظروف العامة والخاصة التي تصاحب قراءته،
  • شكل القناة ونوعها : نص نقدي…
  • موضوع الرسالة : وهو علاقة القصيدة الشعرية العربي بالبنيات الذهنية للمجتمع العربي في مختلف مراحل تطوره التاريخية.
  • المقصدية : تأكيد الكاتب أطروحته والتي هي معرفة التغييرات الطارئة على القصيدة العربية منذ العصر الجاهلي إلى العصر الحديث.

2) معرفة السياق :

السياق العام والخاص: السياق الذي ورد فيه النص هو تأثر النقد العربي الحديث بعد الحرب العالمية الثانية بمناهج النقد المستمدة من مرجعيات معرفية ومنهجية غربية متنوعة، وخاصة المنهج الاجتماعي الذي ظهر في الغرب في أواخر القرن 19 ولا يزال يتطور إلى يومنا هذا، وقد اقتبسه النقاد العرب في بداية القرن 20 ليطبقوه على الأدب العربي، ومنهم المغاربة.

3) مبدأ التأويل المحلي :

يوضح الكاتب السياق المدروس، ويقيد الطاقة التأويلية للمتلقي فيحصرها في دراسة القصيدة الشعرية العربية من الجاهلية إلى العصر الحديث، مع التركيز على دراسة التماثل بين بنيتها وبنية المجتمع. ويظهر ذلك في قول الناقد : ” كان الشاعر العربي، خاصة في المراحل الأولى … ” ؛ ” لكن القصيدة العربية في اللحظة التاريخية الراهنة..”.

فهذه العبارات النصية تجعلنا نعتمد على خصائص السياق، ونستحضر معطيات ومعلومات مخصوصة، أي تلك المعلومات الملائمة لهذه الفترة دون غيرها. وبهذا الفعل القرائي تتقيد طاقتنا التأويلية، ويتحقق فهمنا للنص.

4) مبدأ التشابه :

ويتعلق باستحضار نماذج مماثلة في فهم الخطاب وتأويله، فما توصل إليه نجيب العوفي لا يختلف كثيرا عما توصل إليه حسين الواد وأدونيس. ولهذا تجد نفسك مضطرا لاستحضار معارفك حول “التفسير الاجتماعي للقصيدة العربية” خاصة تلك التي تماثل هذا الاتجاه النقدي. إذ يقوم القارئ بتعميم التجارب والمواقف المشابهة في عملية الفهم والتأويل على نصوص ومواقف أخرى.

5) التغريض / التيمة :

في النص مركز جذب يؤسس منطلقه وتحوم حوله بقية أجزائه. فالقصيدة العربية هي نقطة التمركز الجامعة للنص / الخطاب، والتي يتمحور حولها، فكأن الموضوع العام الذي نكون بصدد التفكير فيه، ونحن نقرأ هذا النص. فتلك التيمة تتحكم في تأويل الخطاب.

عمليات انسجام النص

القارئ لا يواجه خطابا ما إلا انطلاقا من معارف سابقة استقاها خلال قراءته للنصوص والتجارب التي عاينها. هذه المعرفة المخزنة المتجسدة في تمثيلات ذهنية، والتي تمكن من رصد آليات التفكير الإنسانية، وكيفية اشتغال الذهن البشري، تمثل في جوهرها مجمل عمليات الانسجام. وهي المعرفة الخلفية: بما فيها من أطر ومدونات وسيناريوهات وخطاطات هي من آليات توالد النص التي استفادها هذا المنهج من نظرية الذكاء الاصطناعي … وتعني إجمالا، أن الكاتب أو المتلقي يعتمد في كتابه أو تلقيه على معرفة سابقة مختزنة في الذاكرة، يثير منها، عند الضرورة، بعض العناصر يعبر بها عما يصادفه، أو يفك بها شفرة ما يقرأه. كما أن تلك المعرفة الخلفية وما تولده من أفق انتظار هي التي تساعد على بناء الأطر إلحاقا للنظير بالنظير. فنص العوفي، كخطاب، وإن كان لا يملك في ذاته مقومات انسجامه، فإننا، كقراء، نسند إليه هذه المقومات والعلاقات الخفية التي تنظمه وتولده، إنه قابل للفهم والتأويل. وقد تحققنا من هذا الافتراض لتضمن النص مبادئ وعمليات حققت له انسجامه.

التركيب والتقويم

قصد الكاتب إلى إثبات أطروحة معينة لقراءة تاريخ الشعر العربي، تتجلى في التأكيد على ارتباط القصيدة العربية بتطور البنيات الاجتماعية والذهنية للمجتمع العربي، بدأ من المجتمع القبلي في الجاهلية، حيث الأنا الجمعي، مرورا بمجتمع الأمة الإسلامية، وصولا إلى المجتمع الحديث الذي تصدعت فيه البنية السوسيو ثقافية التقليدية، وتحطم عمود الشعر، وحل محله البناء الفسيفسائي للقصيدة والمجتمع الإشكالي المتعدد التوجهات. وقد استند الكاتب إلى مقاربات علم التاريخ والفلسفة الماركسية والوضعية والبنيوية التوليدية وعلم اجتماع الأدب الذي يبحث في أشكال التناظر بين البنيات الذهنية للمجتمع وبنية القصيدة في علاقة جدلية تقوم على ثنائية البناء والهدم في المجتمع والنص على السواء.

وقد أضاء الكاتب هذه القضية المطروحة بوسائل الحجاج المنطقي واللغوي، فسلك مسارا استدلاليا يقوم على التدرج، ويتوخى الإقناع بأطروحته، وكذا اللغة الاصطلاحية المستمدة من حقول معرفية عديدة. وبذلك يصح الافتراض الذي انطلقنا منه في مستهل قراءتنا للنص.

للمنهج الاجتماعي إمكانات عديدة، منها ما يتعلق بإنارة البعد الاجتماعي وتشكلات البنيات الذهنية للمجتمع في بنية النص. وله بالمقابل، حدودا لا يستطيع تجاوزها، جعلته محط انتقاد من طرف النقاد، فهو لا يبحث في البعد السيكولوجي، أو يقتصر على الجانب البنيوي المحض للنص، باعتبار هذا الأخير بنية منفتحة على محيطها وسياقاتها الخارجية.

المنهج الاجتماعي (نص نظري) – تحليل نص ‘المنهج الاجتماعي’ لنبيل راغب – دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : المنهج الاجتماعي (نص نظري) – تحليل نص ‘المنهج الاجتماعي’ لنبيل راغب

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

الشعبة: اداب وعلوم انسانية

المسالك: مسلك اداب ومسلك علوم انسانية

إشكالية النص وفرضيات القراءة

 عرف النقد العربي تحولات في تصوراته وأسسه على مستوى التنظير أو التطبيق كالخطابات الأخرى بفعل مجموعة من العوامل أبرزها الانفتاح على الثقافة الغربية، وانتشار التعليم والصحافة، والثورة النقدية في مجال الأدب أخرجت النقد من المعيارية والتجزيئية والانطباعية إلى نقد مؤسس على مبادئ علمية، فأصبحت قراءة الأدب تستمد مفاهيمها وأدواتها الإجرائية من علوم إنسانية كالتاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس وعلوم اللغة ونظريات الأدب، وتفسر الظاهرة الأدبية اعتمادا على مرجع خارجي يشرط إنتاج المعنى أو يولده، أو على اشتغال البنيات التي تفجرها لغة النص.

لقد تنوعت المناهج النقدية الحديثة بحسب تنوع مكونات النص الأدبي ومقوماته؛ فلأنه كيان لغوي، كان موضع بحث من اللسانيات التي وفرت للناقد أدوات دقيقة تسبر أغوار البنية الناظمة للنص، وبما أنه يصدر عن مرسل له تركيب نفسي، يتحكم فيه منطق الرغبات المكبوتة، ولغة الوعي واللاوعي، فقد وجدت السيكولوجيا طريقها إليه، وكونه يعكس حال المجتمع وعاداته وتقاليده والبنيات العقلية التي تشكل بنية وعي جمعي ينتمي إليه الكاتب، ويجسد ه في عالم تخيلي يستبدل به شكل الواقع فقد مثل علم الاجتماع إطارا مرجعيا نظريا لقراءته. هكذا قام المنهج الاجتماعي على تفسير النص الأدبي بربطه بمحيطه وشروط إنتاجه. وهو أحد أهم المناهج النقدية الغربية الواسعة الانتشار بين النقاد العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، رصدوا تطوره، واستخلصوا قواعده، وصنفوا مدارسه. ومن هؤلاء حسين الواد، وشكري عياد، ونبيل راغب الناقد المصري صاحب “موسوعة النظريات الأدبية ” الذي أُخذ منه النص الذي بين أيدينا. فما قضيته؟ وما المفاهيم المؤطرة لها وما إطارها المرجعي؟

يتكون العنوان من مصطلحين: “المنهج” وهو اسم معنى عام دال على مسلك وتخطيط وترتيب وسنن ما، و”الاجتماعي” وهو نعت يُضمر مفهوم “المجتمع”، لكن إلحاقه بالمنهج عبر ياء النسب جعله سمة مميزة له عن المناهج النقدية المتعددة. ومن خلال عبارتي: ” بعد مدام دي ستايل … السوسيولوجية في الأدب “، و ” لم تتبلور النظرية السوسيولوجية … ولوسيان ﮔولدمان “، نُدرك أن الكاتب يرصد تطور المنهج الاجتماعي. وهي دلالة توسع إيحاء العنوان وتجعلنا نفترض أن النص دراسة نقدية تعالج تطور المنهج الاجتماعي من التأسيس إلى التأصيل فالتبلور، وتببن طبيعته وسماته المميزة، وأدواته.

تكثيف معاني النص

يتمفصل النص إلى حزمة من التمفصلات الفكرية الآتية:

1) تطور المنهج الاجتماعي من مرحلة التأسيس مع مدام دي سْتايل (العلاقة بين الأدب والمجتمع والسياسة)، ودي بونالد (الأدب لتعبير عن المجتمع)، إلى مرحلة التأصيل مع إيبوليت تين (حتمية الأدب أسباب حدوثه، وتذوقه رهن بتعرف إطاره الاجتماعي)، إلى مرحلة التبلور مع جورج لوكاتش ولوسيان ﮔولدمان، الذي أسس علم الاجتماع البنيوي التكويني على خمس فرضيات جمعت بين البنيوية والسوسيولوجيا في منظومة نقدية تحلل المضمون الاجتماعي في ضوء الشكل الفني الذي تتبلور بنيته من خلال تحليل يساعد المتلقي على تكوين رؤية خاصة للعالم والمجتمع والحياة.

2) عرض الكاتب للفرضيات الخمس المؤسسة للبنيوية التكوينية:

  • الفرضية الأولى تصل المجتمع والخلق الأدبي بالأبنية العقلية حيث تتبلور المقولات والمفاهيم الاجتماعية، لتشكل الوعي الحياتي لمجموعة ما عبر عالم تخييلي يخلقه الأديب.
  • الفرضية الثانية تعتبر الأبنية العقلية أساس الحياة الاجتماعية بتجلياتها المادية والفكرية والإبداعية، وأبنية مقولات دالة.
  • الفرضية الثالثة تؤكد على العلاقة بين بنية وعي المجموعة الاجتماعية وعالم العمل الأدبي، حيث يوجد تماثل دقيق ينطوي على علاقة دالة بسيطة.
  • الفرضية الرابعة تتعلق باعتبار أبنية المقولات مصدر الوحدة العضوية والبنيوية والأدبية للعمل الأدبي.
  • الفرضية الخامسة ترفض المنظور السيكولوجي الذي يحصُر أبنية المقولات في التصنيفات المجردة للوعي واللاوعي، وتؤكد أن أبنية المقولات تحكم الوعي الجمعي، وتتحول إلى عالم تخيُّلي يخلقه الفنان، ولا يصدر عن لا وعي أو كبت مسبق.

3) قيام النقد، بناء على هذه الفرضيات، على عمليتي الفهم (البحث في البنية الدالة المتأصلة المحققة للتلاحم الداخلي للنص)، والتفسير (إدماج هذه البنية الدالة، كعنصر مكون، في بنية أكبر وأشمل). والفهم والتفسير عملية واحدة ترتبط بزوايا نظر مختلفة تحكمها البنية المحيطة باعتبارها موضوع الشرح والفهم، وينقلب ما كان شرحا ليُصبح فهما، مما يُحتم على الناقد في مرحلة الشرح أن يتصل ببنية جديدة أوسع.

التحليل

الإشكالية المطروحة

تتعلق إشكالية النص بقراءة الأعمال الأدبية قراءة تفسيرية تربطها بشروط إنتاجها الاجتماعية، أي دراسة المنجز الأدبي من زاوية صلته بالمجتمع والبيئة التي أفرزته، ويُعرف بالعقل الاجتماعي، حيث الواقع سابق على الوعي، ومن ثم فالنقاد الذين يتبنون المنهج الاجتماعي يرفضون تفسير العمل الأدبي استنادا إلى الانعكاس المتبادل بين الأديب ونصه؛ لآنهما معا إفراز اجتماعي.

المفاهيـــم

يتوزع النص حقلان مفهوميان:

  • المفاهيم الأدبية :التعبير، الشكل، الخيال، الخلق الأدبي، عالم العمل الأدبي، الوحدة العضوية والبنيوية، بنية دالة شاملة..
  • المفاهيم الاجتماعية : النظرية السوسيولوجية، علم الاجتماع البنيوي التوليدي، رؤية خاصة للعالم وللمجتمع، حياة المجتمع، الأبنية العقلية، المقولات أو المفاهيم، مجموعة اجتماعية، ظواهر اجتماعية، بنية وعي، الواقع الاجتماعي التاريخي، الوعي الجماعي، ذات جماعية، بنية شاملة..

وتهيمن المفاهيم الاجتماعية في النص على ما عداها، لأن الأمر يتعلق بتشريح مفهوم المنهج الاجتماعي ورصد مراحل تطوره، وتحديد إمكاناته. وتُستمد المفاهيم الاجتماعية من حقل علم اجتماع الأدب، وتلعب دورا هاما في إضاءة القضية المطروحة في النص.

القضايا المتفرعة عن الإشكالية

تفرعت عن هذه الإشكالية بعض القضايا النقدية، منها:

العمل الأدبي الخلاق رؤيا للعالم

الرؤيا للعالم تصور معين للمجتمع والإنسان والطبيعة والوجود، يعبر عنه الأديب تحت تأثير مجموعة من العوامل الذاتية والاجتماعية. وتتسم بالشمول والانسجام والتماسك الفكري والعاطفي المجسد في المواقف الكلية المتخذة تجاه المشاكل الأساسية التي تفرزها العلاقات بين الناس، وبينهم وبين الطبيعة. ويربط ﮔولدمان في هذا الصدد بين الوعي والحياة الاجتماعية، ويعرف الوعي بأنه مظهر معين لكل سلوك بشري يستتبع تقسيم العمل، ويستتبع عنصرا معرفيا، مما يجعلنا نفترض في كل واقعة وجود ذات عارفة وموضوعا للمعرفة، ويميز بين نوعين من الوعي وعي فعلي يرتبط بالمشاكل التي تعاني منها المجموعة الاجتماعية [ الواقع ]، ووعي الممكن يتصل بالحلول التي تغير الواقع وتطرح بدائل جديدة. وإذا كان الوعي الفعلي لطبقة ما هو ما تعرفه عن واقعها في فترة معينة وبلد بعينه، فإن الوعي الممكن هو أقصى ما يمكن لطبقة أن تعرفه دون أن تعارض المصالح السوسيواقتصادية المرتبطة بوجودها. ويعطي ﮔولدمان الأولوية للوعي الممكن، لأن العمل الأدبي ليس انعكاسا لوعي فعلي، بل لوعي ممكن يتحول إلى رؤيا للعالم متى كان منسجما ومتماسكا وشاملا.

الوحدة العضوية والبنيوية للعمل الأدبي

تكشفها عمليتي الفهـم أي وصف للبنية الدالة للعمل الأدبي، وهي بنبة نصية سطحية، والتفسيـر أي دمج تلك البنية الدالة في بنية أوسع وأشمل، هي البنية العقلية الناتجة عن الوعي اجتماعي لفئة ما.

وهما مصطلحان مترابطان: الأول أضيق من الثاني، لأن الثاني يحتويه ويتجاوزه، ومن هنا كانت البنيوية (الفهم)، والتكوينية (التفسير). والناقد النيوي التكويني يسعى إلى وضع البنية السطحية ضمن بنية عميقة تشكل الرؤيا العامة الكاشفة عن النواة\ البؤرة. إن البحث عن البنية الجزئية، وإعادة تركيبها يتطلبان رصد ما كان ذا دلالة أساسية. والربط بين البنيتين السطحية والعميقة يجعل للخارج (المجتمع) حضورا في الداخل (النص).

البنية الدالة

هي المكون الأساسي الذي يمكننا من فهم طبيعة الأعمال الإبداعية ودلالتها، وهي المعيار الذي يتيح لنا أن نحكم على قيمتها الأدبية والجمالية والفلسفية. ويحقق مفهوم البنية الدالة هدفين أحدهما مرتبط بالفهم، والآخر بالحكم، وهو يقصي منظور الانعكاس الميكانيكي بين مضمون النص، ومضمون الوعي الجمعي دون الاهتمام ببنية الشكل وموضوع الجمالية في حد ذاته كما تفعل المناهج الاجتماعية التقليدية، لأن العلاقة الأساسية لا تكون على مستوى المضامين، بل على المستوى البنيوي، فأكثر الأعمال تباينا في المضامين يمكن أن تتوفر على بنية واحدة توافق النزعات التي تحاصر الوعي الجمعي لهاته الطبقة أو تلك.

الإطار المرجعي

استند الكاتب في عرضه لإشكالية النص والقضايا المتفرعة عنها إلى مرجعيات منها :

  • سوسيولوجيا الأدب: حيث ينظر إلى بنية النص الأدبي كنظير للبنية الذهنية للفئة الاجتماعية التي يعيد الأديب تركيبها في عمله، ويقوم الناقد بالموازاة بين الرؤية التي تحكم بنية العمل الأدبي والمجال الثقافي الذي ينتمي إليه الأديب. ويرى كولدمان أن هناك علاقة جدلية بين المجتمع والنص، لأن النص يجسد وعيا ممكنا لطبقة اجتماعية، يستشرف المستقبل ويتوخى إيجاد صيغ حياتية ممكنة وبديلة للواقع.
  • علم التاريخ: الأحداث – الأسباب – الحتمية..
  • البنيوية التكوينية: تتوسل بالمعرفة اللسانية في دراسة اللغة باعتبارها نسقا عناصره الأساسية الصوت والمعجم والصرف والتركيب والدلالة، وباعتبارها أداة للتواصل ؛ واستخراج البنية المنظمة للعلاقات بين مكونات النسق، أساسي إلا أن قراءة للنص لا تقف عند هذا المستوى الوصفي، بل تتجاوزه إلى التأويل والتفسير بوضع البنية السطحية ضمن بنية عميقة مبنينة للمتن، وبالانتقال إلى علاقة خارج / داخل للكشف عن البعد الاجتماعي الجدلي للمتن، فالنص ليس منغلقا، بل هو إفرازاجتماعي ثقافي تاريخي، يعبر بوسائله السرية عن طموحات اجتماعية.

طرائق العرض

وظف الكاتب بعض أساليب التفسير كالتعريف (تعريف المنهج الاجتماعي)، والوصف (وصف الفرضيات المؤسسة له)، والسرد (سرد مراحل تطور المنهج الاجتماعي من مرحلة التأسيس والتأصيل إلى مرحلة التبلور)، والمقارنة (بين المنهج الاجتماعي والمنهج السيكولوجي).

ولعل الغرض من أساليب التفسير رصد تطور المنهج الاجتماعي وجرد مبادئه (الرؤيا، الفهم والتفسير، البنية الدالة). والاستشهاد بالنقاد الغربيين يدل على أن هذا المنهج غربي، وأن أولئك النقاد يشكلون مرجعيته النظرية الأصلية.

وقد اتكأ المعروض النصي على محوين: دياكرونى يقوم على الاستعراض المتدرج لمراحل تطور المنهج الاجتماعي لإبراز انتقاله من مفهوم الانعكاس الآلي بين المجتمع والأدب، إلى النظرة الدينامية القائمة على التناظر بين بنية النص وبنية المجتمع، في أفق الرؤيا الاستشرافية للمستقبل والمساهمة في تغيير الواقع الاجتماعي، وسانكروني يقارب مفاهيم المنهج الاجتماعي من خلال جرد خصائصه، ووصف واتجاهاته. ويتحدد دور هذين المحورين في بناء موضوع متماسك ومنسجم يتناول منهجا أثار كثيرا من الخلافات بين المنظرين والنقاد، وانتشر على نطاق واسع، وتداخلت حدوده في مراحل تطوره التاريخية.

التركيب والتقويم

إذا كان المنهج التاريخي الاجتماعي ينظر إلى النص باعتباره انعكاسا لظروف اجتماعية ( ثقافة، سياسة، اقتصاد..)، وإلى الكاتب باعتباره إفرازا اجتماعيا، فإن المنهج البنيوي التكويني يقوم على منطق العلاقة الجدلية بين المجتمع والنص، لأن النص يجسد وعيا ممكنا لطبقة اجتماعية ينتمي إليها الكاتب، تستشرف المستقبل وتبحث عن بدائل ممكنة للواقع. وقد حاول الكاتب عرض المنهج الاجتماعي والأسس التي قام عليها، وإبراز إمكاناته في معالجة بنية النص، والبحث في البنية المناظرة لها في المجتمع وأنساقه الثقافية والاقتصادية، أو ما يُعرف بالعقل الاجتماعي.

وبناء عليه تتأكد صحة افتراضنا بأن النص يعالج مراحل تطور المنهج الاجتماعي ومبادئه الأساسية وإمكاناته التفسيرية. ويتوجس بعض النقاد من المنهج الاجتماعي مخافة حصر الأدب في وظيفته الاجتماعية المباشرة، لأن النقاد لا يصلون إلى تفسير اجتماعي عقلي للأعمال الأدبية الكبرى، إذ يكشف التفسيرُ الداخليُّ وحده أسرارَها، لإن المنهج الاجتماعي يهمل الملمح الجمالي الماثل في الدلالة نفسها. ولهذا الرأي وجاهته، ولكنْ إذا كان للمنهج الاجتماعي حدودا لا يتجاوزها، فإن ذلك لا يُلغي إمكاناته العديدة التي لا يستطيع غيره من المناهج توفيرها.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads