Ads Ads Ads Ads

النص الحواري – مدخل مفاهيمي – درس النصوص – اللغة العربية – جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :  النص الحواري – مدخل مفاهيمي

مفهوم النص الحواري

هُو نوعٌ من أنواعِ النصوص الأدبية التي تحتوي على حوارٍ بين شخصين، أو أكثر، والهدف منه توصيل فكرةٍ ما إلى الشخص الذي يقرأ النص الحواري، وأيضاً يعرفُ النص الحواري بأنه وسيلةٌ من الوسائل المستخدمة في توضيح موضوعٍ ما بالاعتماد على وجود حوارٍ ينقلُ الأفكار المرتبطة بالموضوع بأسلوبٍ واضحٍ.

عادةً تستخدم هذه الأنواع من النصوص في المحاضرات الدراسية، والتي ترتبطُ بتعليم لغةٍ جديدةٍ، أو الدورات التدريبية التي تعتمدُ على مهارات التواصل، والحوار بين الأفراد، وأيضاً يستخدمُ النص الحواري في مسودات النصوص المسرحية، والسينمائية التي يتدربُ عليها الممثلون، أو أثناء إعداد نصوص الحوارات الخاصة باللقاأتِ التلفزيونية، والصحفية.

خصائص النص الحواري

يتميزُ النص الحواري بمجموعةٍ من الخصائص، وهي:

  • يحتوي على حوارٍ واضحٍ، ويشمله تفاعلٌ بين شخصيات الحوار.
  • يبدأُ النصُ الحواري باسم المحاور الأول، ومن ثمّ أسماء باقي المشاركين في نص الحوار.
  • يعتمدُ أسلوب النص الحواري على تبادلِ الأسئلة، والإجابات حول الموضوع الرئيسي للنص.
  • لكُلِ فقرةٍ حواريةٍ في النص الحواري فكرةٌ فرعيةٌ خاصةٌ بها، ومرتبط مع الفكرة الرئيسية للحوار.
  • قد يضمنُ النص الحواري دلالاتٍ لفظيةٍ حول أداء المشاركين في الحوار، وعادةً تستخدمُ هذه الدلالات من أجل توضيح المواقف المرتبطة بالانفعالات التي تظهرُ على تصرفات الشخصيات أثناء الحوار، مثل: الابتسامة، أو الحزن، أو غيرها.
  • يلتزمُ بقواعد اللغة المكتوبة بها التزاماً دقيقاً، حتى يتمكنَ من توصيل الفكرة الخاصة به للقُراء، أو المشاهدين بطريقةٍ مفهومة، وواضحة.

أنواع النص الحواري

تصنفُ النصوص الحوارية بناءً على الأنواع التالية:

النص الحواري الكامل

هو من أكثر أنواع النصوص الحواريّة استخداماً، ويطلق عليه اسم نصٍ كاملٍ؛ لأنهُ يحتوي على كافةِ العناصر الأساسية للحوار، والنقاش القائم بين المتحاورين، وأيضاً يتضمن قضيةً واحدةً تتم مناقشتها في كافة الحوارات المُتبادلة، ولا يتم الخروج عنها مطلقاً، أو التطرق لقضيةٍ غيرها، ويستخدمُ عادةً هذا النوع من النصوص في مختلفِ المجالات الحوارية.

النص الحواري الناقص

هو من أنواع النصوص الحواريّة التي يُعتبرُ نصها ناقصاً، أي يحتوي على موضوعٍ عامٍ للنص، ولكنّه لا يحتوي على حوارٍ كاملٍ، وأغلب أفكاره ناقصةٌ، وغير كاملة وتحتاجُ أحياناً لقراءة الفقرات، أو الحوارات الأخرى داخل النص حتى يتمكّنَ القارئ من فهمِ الأفكار الناقصة في الفقرات الحوارية، ويستخدمُ هذا النوع من النصوص الحوارية في التدريبات الدراسية التي تعتمدُ على إكمالِ الحوار بين المُتحاورين، وفي بعضِ أنواع الرّوايات الأدبية.

النص الحواري المُباشر

هو النص الحواري الذي يرتبطُ بالحوارات التي تحدثُ بشكلٍ مُباشرٍ، وعادةً يطبق هذا النوع من الحوارات في الإذاعات، والقنوات التلفزيونية، ويعتمدُ على مشاركةِ ضيفٍ في الحوار الذي يديره المذيع، ويحتوي هذا النوع من النصوص الحواريّة على العديدِ من الأسئلة التي يرتّبها المذيعُ مسبقاً من أجل طرحها على الضيف ليحصلَ على إجاباتٍ، أو تفسيراتٍ لها.

النص الوصفي – تحليل نص ‘باب المدينة’ ليوسف القعيد – درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :  النص الوصفي – تحليل نص ‘باب المدينة’ ليوسف القعيد

سياق النص

كثيرا ما تحبل الأماكن والأزمنة بمآس ومواقف عصيبة تخلق أجيالا من المعذبين، فتكون حكاياتهم مرتعا خصبا لأعمال الروائيين والقصاصين، وقد عرفت بداية السبعيينيات من القرن الماضي تحولات وصراعات أدخلت المجتمع العربي في ثورات وانتكاسات سرقت من الناس آمالهم في السلم والأمن والشبع، وملأت أيامهم خوفا وجوعا وقمعا وسجونا واضطرابا، وفي مثل هذه الظروف ليس من وسيلة لتفريغ الهم وتصدير البوح وتعرية الظلم أفضل من وصف الظلام الذي يرين على المكان، ويكتنف واقع الشخصية، ويصبغ الزمن بطابع القتامة. ذلك ما يحاول يوسف القعيد تصويره في قصته القصيرة “باب المدينة” المأخوذة من مجموعته ” قصص من بلاد الفقراء” التي ترصد جروحا غائرة في روح مصر وضميرها، وتصر على بناء وعي جديد من خلال تفجيع الواقع وتأزيمه، وعي يدرك من خلاله الفقراء أن عليهم مواجهة مصائرهم. ويوسف القعيد روائي مصري من جيل الستينيات، حاول بأعماله متابعة نجيب محفوظ ويوسف إدريس في تأصيل الخطاب السردي العربي.

ملاحظة النص

يبدأ النص بحدث بسيط لا يتجاوز فعل الوقوف على باب المدينة، حدث يضع الشخصية في زمن ومكان محددين، ثم يغمر الوصف هذا الحدث وتداعياته التي تنتهي باستمرار وقوف المرأة بباب المدينة في انتظار التفتيش الذاتي، والملاحظ منذ البداية أن الواصف/السارد ملم بتفاصيل الموصوفات، عالم بخباياها القريبة والبعيدة رغم اختبائه وراء ضمير الغائب، ليقدم لنا من خلال رؤيته العميقة موصوفا ينضح بالحزن والاستسلام، ويرغب في الخروج من وضع مزر وحالة مهينة بما يتيح له متابعة الحياة، لكن الظاهر أن المدينة لا تفتح أبوابها حتى تفتش الأجساد والضمائر، والقائمون على التفتيش غير آبهين لمن ينتظر ولا لحجم الوقت الذي ينتظرون. هكذا يبدو من خلال الملاحظة الأولى أن القصة منشغلة بالاستبطان الذاتي بحثا عن صيغة جمالية تصلح للتعبير عن التصدعات النفسية التي تسم الشخصية وتملأ فضاءها بالقتامة والعذاب.

فهم النص

يتمفصل النص إلى حزمة من الوحدات السردية والمقاطع الوصفية التي تدور حول موضوع اجتماعي يصور مرارة الحياة في ظل الهجرة من القرية المحطمة إلى المدينة المطوقة بكل أنواع الحذر والمراقبة والتفتيش وفقدان الثقة وصد الغرباء وغربلة الأفكار والمشاعر، خاصة عندما يكون المهاجر امرأة وطفلا يبحثان عن ملاذ آمن ولقمة ساخنة بعدما زج بمعيلهما في إحدى السجون التي تملأ بلدا يصفي حكامه حساباتهم مع إرث قديم، فينشرون الرعب والجوع، ويصادرون الأرض والحرية والحلم. ويكون انتظار المرأة بباب المدينة انفتاحا على أفق مسدود، وانعطافا إلى درب مظلم مجهول، وتجسيدا لمأساة لاتنتهي في الزمن، وتفجيرا لإحساس باليأس والتداعي لولا خيط من أمل باهت يمسك ببقية رمق عصية على الموت، تبرق في استيقاظ طفل يأبى أن ينام.

وأبرز هذه الوحدات السردية والوصفية :

  • وصول الفلاّحة القروية إلى المدينة تحمل طفلها، وتقف على الباب الضخم طارقة مستأذنة العسكري في الدخول.
  • وصف باب المدينة وسورها وحراسها وصفا يطبع الفضاء بالانسداد والعدائية.
  • سؤال الحارس المرأة القروية عن أوراقها والمكان الذي قدمت منه وسبب هجرتها والمكان الذي تقصده، وإجاباتها المشبعة بالامتعاض والإحباط، المعبرة عن انزياح على كره إلى حيث العمل والبيت والطعام بعدما سجن السند وهدمت الدار وقتلت الحياة في قريتها النائمة في حضن السماء.
  • تفاعل العسكري حارس باب المدينة مع هموم المرأة ورغبتها بسبب إحساس مشترك وماض متشابه وتعاطف مضمر يصطدم مع قانون التفتيش الذاتي الذي ينبغي أن تجريه عسكرية لا تأتي إلا مرة كل بضع سنين.
  • وصف الطفل النائم الحالم والزهرة البيضاء اليانعة وامرأة تتحسس صدرا ممتلئا لبنا بكرا تتوق أن تروي الزهرة ولو بلبنها.
  • إبداء المرأة القروية قبولا للتفتيش الذاتي من قبل العسكري تجنبا لانتظار قد يطول يحول دونه خوف الحارس من المحاكمة بسبب مظهر أصيل للمرأة، ووعي حاد بالحياة لديها، وحركات عفوية لا تنسجم مع فكر الانبطاح والرضوخ ؛ مما يستوجب بالإضافة إلى المفتشة الذاتية ضابطا كبيرا مدققا في الأفكار والسرائر.
  • حزن المرأة لاضطرارها إلى الانتظار خارج الباب يزيد المرأة هيبة والعسكري خوفا وصرامة في تطبيق الأوامر.

تحليل النص

النص منشغل بالوصف منذ بدايته، والوصف منصب على ماهو مادي ونفسي واجتماعي، ويحضر المادي في شكل الموصوف الخارجي، سواء أكان مكانا كمدخل المدينة، أو شخصية كالمرأة القروية والطفل والعسكري، أو حدثا كشكل الوقوف بباب المدينة والحركات المرتبطة به والتداعيات المتناسلة منه، وتعكس الوصف النفسي جملة الأحاسيس والخواطر المثارة والانفعالات المحبطة والرؤى والقيم التي تبثها الشخصية ويوحي بها الفضاء ويدل عليها الزمن، وتتحكم حتى في تشكيل مظهر الأشياء والقوى الفاعلة، بينما يلوح الاجتماعي في رصد علاقة الشخصية بمن يتحكم في مصيرها، وبمحيطها القريب والبعيد المرتهن إلى دلالات انعدام الاستقرار وتفريخ البؤس والألم واليأس؛ غير أنه يغلب على النص الاهتمام بالجانب المعنوي الداخلي في وصف الشخصية، حتى أن بعض ما يشير إلى سمات خارجية مظهرية أو تفاعلات اجتماعية لا يعدو أن يكون تشكيلا لفضاء الأزمة وتأثيثا للاستبطان الداخلي لردود أو أفعال تصدر عن ما وراء الوعي المباشر والرغبات المفضوحة للمرأة القروية المحطمة أو الطفل الحالم أو العسكري الخائف المربوط بصرامة التعليمات، الممنوع من التفكير الإنساني رغم خلفيته النفسية المتبلورة في معاناة الهجرة والهموم.

يطغى على الوصف المادي اشتغال حاسة البصر، وتتبع المنظورات في أبعادها الرحيبة أو تفاصيلها الدقيقة ( قرية بعيدة، المدينة لها سور، وفي السور أبواب، وعليها حراس في أياديهم السلاح، وفي جباخاناتهم الذخيرة، وعلى رؤوسهم الخوذات، وعلى أذرعهم الدروع، باب المدينة يبدأ في الأرض ولا ينتهي سوى في السماء، يسد عين الشمس ونور النهار وظلام الليل…) وأحيانا يتجاوز المنظور حاسة البصر محلقا عبر الخيال في مدى تقصر عنه الرؤية الحسية، ويملأه الإدراك المغلف بالإحساس بدلالات الأشياء المحيلة على الانسداد والمحاصرة والشقاء. أما التحليل النفسي فيتغلغل عميقا في دواخل الشخصية، ويرصد مناطق الوعي باللحظة المتصدعة والكيان المتشظي والرغبة المستعصية ورد الفعل المأزوم، وتتخلله تعليقات وصفية للسارد يستطرد بها خارج الموصوف ليمنح للأزمة امتدادا وللفعل الوصفي تناسلا يخلق دينامية وتشويقا كالتعريج على السجون التي تشبه أبوابها باب المدينة وتتفشى في البلد تفشيا فظيعا، أو كالحديث عن انقسام الناس إلى مفتشين ومفتشين، لذلك لا بد من التفتيش في كل حال.

والملاحظ أن الوصف، وإن زاوج بين عرضي المدرك بالحواس ( البصر والسمع والأذن ) والمدرك بالإحساس، المعروض عرضا عاما أو المتوغل في هواجس النفس ودنادنها، التزم بزاوية وصف متزامنة مع سيرورة الحدث، فبدأ بوصف فضاء الوقوف ثم فضاء القرية ففضاء الهموم، ففعل التفتيش ومكانه، فحركة الطفل والأم وهواجس العسكري، فموقفه، فحالة المرأة والطفل مع الانتظار. وارتباط الوصف بتفاصيل الحدث بهذا الشكل الكرونولوجي منح القصة بعدين متلازمين : بعد أفقي تبلوره حركة الحدث المتتابعة في الزمن، وبعد عمودي تملأه الوقفات الوصفية التحليلية الكثيفة المشحونة بالأفكار والرؤى والعلامات والانفعالات والرموز.

يبدو السارد عالما بتفاصيل الشخصية الموصوفة والفضاء الذي تتحرك داخله ( المرأة، العسكري، باب المدينة، القرية …)، مطلعا على خصوصيات لا تتأتى لسارد محايد، كمعرفة هموم المرأة الفقيرة، وأحلام الطفل الرضيع، وهواجس العسكري، ونمط التفكير والشعور المصاحب لأفعال هذه الشخصيات، مما يدل على أن السارد طرف في عالم الشخصية، يقود رؤية من الخلف، ويتدخل بتعليقاته لتطويق الموصوف بالإيحاأت التي يريد بثها في الأشياء ( لا بد من التفتيش في عصرنا، كانت النباتات الشيطانية تملأ المكان…)، مما يجعل الوصف ذاتيا ينم عن تعاطف مع الفقراء، وتبرم من الأوضاع التي يكابدونها، وإعجاب بغير قليل من سمات الشخصية القروية التي يطبعها الوعي المهدور والمظهر الأصيل والرغبة في تجاوز التصدع وإعادة بناء الأمل رغم القيود والمصادرة ( اكتشف أنه لا يستطيع تفتيش دماغ الطفل ولا دماغ أمه، المرأة القروية.. يمتلئ صدرها باللبن البكر، صحا الطفل من حلمه بالأب والدفء والحب والبيت على صوت ضرب البندقية في الأرض…)

معجم الوصف في النص متنوع يمتاح من العمران والطبيعة والمجتمع والأحوال النفسية والفكرية، وقاموس السلاح والقوانين العسكرية والمظاهر الجسدية والحركية للإنسان، مما يؤشر على كثافة دلالية تمعن بالموصوف في اختزال الحياة بكل أبعادها في لحظة الوقوف والانتظار ومعاناة البؤس والحرمان والحزن. وتهيمن على النص أفعال مضارعة رغم كون الوحدات السردية مصدرة بالأفعال الماضية، واستخدام المضارع في الاستغراق الوصفي الشعوري والإيحائي مسعف في جعل المشهد حيا، وصبغ صورة الموصوف بصبغة المتداعي والمتناسل والمتجدد في زمن يبدو متراخيا متباطئا.

استخدم الوصف لغتين تقريرية وإيحائية، تقريرية لعرض صورة الفضاء البانورامية وملامح الشخصية الظاهرة، وإيحائية لتلوين الفضاء وتشخيص الهواجس والانفعالات بما يعكسه الموقف وتفرخه اللحظة من وعي وشعور بقلق الذات ورغباتها وإحباطاتها، وقد توسل في ذلك بنوع من التصوير يضمن الاستغراق في التأمل، ويخلق فسحا لإمتاع المتلقي وتكسير رتابة التقرير ( يسد عين الشمس، أبعد نقطة عند حافة الأفق، هناك في البعيد في حضن السماء، القلب الحنون الذي تشرب منه، هدمهم التعب، جبال الهموم فوق الصدر معلقة في رموش العين، الهم النائم فوق حبة القلب، الهموم مثل موج البحر البعيد…) وأحيانا تتجاوز لغة الوصف البعد التصويري الإيحائي لتقترب من لغة رمزية أكثر كثافة وغموضا ( تفكر في ري الزهرة البيضاء بلبن صدرها الأبيض، الأمور الخطيرة مثل سحب الشتاء تأتي مع بعضها …).

تركيب وتقويم

النص وصفي متعدد الأبعاد والوظائف الاجتماعية والفكرية والجمالية:

  • اجتماعيا وفكريا يؤشر على نوع من الانتقال في العالم العربي بعد الفترة الكولونيالية نحو تغيير راكم الكثير من الأزمات والمآسي وخيبات الأمل التي قادت إلى كثير من التفاوت الطبقي والحكم الاستبدادي ومصادرة الحريات والحقوق، فكثر الفقراء والمعتقلون والمنفيون والساخطون على الأوضاع، وارتمت البلدان العربية في أحضان الاضطراب الاقتصادي والفكري والاجتماعي سببه ضعف الموارد وتخلف البنيات وسيطرة الفساد وتحكم الوصاية الدولية.
  • فنيا وجماليا يؤسس النص لخطاب سردي عربي ناضج على مستوى الشكل والمضمون تبدو فيه هذه القصة القصيرة عميقة الدلالة على الواقع بكل أبعاده الموصوفة والمسرودة بلغة هلامية صافية كثيفة المعنى، قابضة على اللحظة الموصوفة بشكل مقنع ومؤثر، مشعة بعوالم إشارية يمتزج فيها الظاهر بالباطن، ويتسلل عبرها نوع من المعنى يصنع ماهية الأشياء التي تتكفل بتعرية الأزمة وفضح المأزق الحضاري للمجتمع والفكر العربيين.

النص السردي – تحليل نص ‘حفل استقبال’ لأحمد التوفيق – درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :  النص السردي – تحليل نص ‘حفل استقبال’ لأحمد التوفيق

سياق النص

يمتاح المحكي غالبا من التاريخ الاجتماعي كما يمتاح من الواقع او المتخيل لحظات تستحق التسجيل وتستوقف الروائي لينبش في تفاصيلها وابعادها نبشا يعيد صياغته بادواته الفنية، فتخرج محكيا جميلا ومؤثرا يزخر بالرؤى والتداعيات والصور والسجلات وأنماط من الثقافة والسلوك والتعبير والمواقف والرسائل تغري المتلقي وتدفعه إلى عالم المحكي قارئا مشدوها متأملا ومتفاعلا.

هذا ما فعله احمد التوفيق الروائي والمؤرخ المغربي المولود في مراكش سنة 1943، المتقلب في كراسي الجامعات والادارة المغربية آخرها وزارة الاوقاف حين عمدا الى ماضي المجتمع المغربي المترع بالاحداث والقيم والوقائع يعيد تشكيله برؤية فنية متميزة في رواياته التي منها (جارات ابي موسى) ومنها هذا النص.

ملاحظة النص

العبارات الاولى في النص كلها تشير الى ان النص سردي يستمد موضوعه من التاريخ السلطاني لدولة المخزن المغربية في نهاية العصر الوسيط، من ذلك حدث وصول الخبير الى دار ابن الحفيد قاضي قضاة سلا، ووصف عام لفضاء المدينة يوم الجمعة، هكذا تشكل هذه العناصر الحكائية المراتبطة في بداية المحكي اعلانا صريحا لجنس النص وابعاده الاجتماعية والتاريخية البارزة.

العنوان مركب اضافي يحيل فيه المضاف “حفل” على عوالم المرح والابتهاج والزينة والفرجة ويحيل المضاف اليه “استقبال” الى مناخ التبجيل والتشريف والتعظيم والبروتوكول وكثير من البهرجو والمجاملة بحسب من منزلة المستقبل وموقعه في المجتمع وفي نفوس مستقبليه، وبالنظر الى العلاقة بين طرفي التركيب الاضافي فان حدث الاستقبال سيشكل بؤرة المحكي في النص، وسيكون العنصر المؤثر في باقي الاحداث المرتبطة به، خاصة اذا علمنا ان الشخصية موضوع الاستقبال مبعوثا سلطانيا، وان الشخصية منفذة الاستقبال ذات وزن كبير في هرم الدولة المخزنية؛ لذلك نفترض ان يدور الحكي حول برتوكول الاستقبال والاستضافة.

فهم النص

يتمفصل النص الى جملة الوحدات السردية الاتية:

1) وصول الخبير رسول الجوارئي قاضي القضاة ومشاور السلطان الى مدينة سلا يوم الجمعة قادما من تامسنا الى دار ابن الحفيد قاضي قضاة سلا لاخباره بنزول موكب المستشار السلطاني ضيفا عليه قبل ان يتوجه الى فاس حاضرة السلطان.

2) إعداد ابن الحفيد الترتيبات اللازمة لاستقبال ممثل السلطان بما يليق بمكانته وبما يجعل ابن الحفيد اهلا للتشريف والتعظيم الذي خص به من دون عامل المدينة ومن ضمن هذه الترتيبات:

  • تكليف القاضي زوجته طميمة بتدبير ضيافة المبعوث السلطاني لانتمائها الى دار كبيرة لها استئناس بمثل هذه المناسبات، ولخبرتها ومهارتها في ادارة شؤون ضيافة الكبار بما تقتضيه الاعراف والتقاليد العريقة واصول الخدمة الراقية.
  • اخبار العامل جرمون بخبر قدوم ممثل السلطان وحاشيته ونزولهم عند القاضي وما يستلزم ذلك من تهيئ للاستقبال بحشد خاصة النص وعامتهم وتوفير وسائل الزينة والترفيهوتحضير الموكب المستقبل للوافد الكبير

3) خروج المرحبين بالقاضي والعامل، ووقوف الاعيان والعلماء والادباء والتجار واهل الشرف والصلاح وغيرهم من الخاصة كل في مكانه لانتظار وصول موكب الجورائي عند ضفة نهر ابي رقراق.

4) عبور موكب الجورائي النهر عند مغرب الشمس في فلكة عظيمة احاطت بها زوارق مزينة تكشف عن بالغ الحفاوة بالضيف المرموق.

5) تقدم الموكب العام الى المدينة مع صلاة العشاء وسط حشود المستقبلين.

تحليل النص

النص جزء من محكي طويل هو رواية ” جارات ابي موسى ” يركز على حدث الاستقبال الذي خص به المبعوث المخزني من طرف قضاء سلا وعمالتها، ولذلك سنركز تحليلنا لعناصر البنية السردية الموظفة في النص على ما يكشف على دور هذه العناصر في تشكيل هذا الحدث وتفعيله، ومن ضمنها:

بنية الحدث

تتشكل من متوالية من الافعال تحدد نمط المجتمع من حيث هيكله السياسي والثقافي والاجتماعي، فرجالات الدولة المخزنية يتنافسون في التقرب الى السلطان ومستشاريه بكل الوسائل، ويحشدون لذلك كل الموارد وكل اصناف البهارج، والحاكم نفسه يحتاج الى ذلك لتثبيت هيبته وتعزيز ولاء الرعية، فيضيف الى مظاهر الاحتفال والتبجيل استعراضا للقوة من خلال مرافقة قائدمن قواد عساكر السلطان للمبعوث، والناس عامتهم وخاصتهم مبتهجون بالقدوم المخزني يجدون فيه متسعا للاحتفال والاعلان عن الانسجام والتناغم بين طبقات المجتمع بما يشكل ثقافة يغذيها انصهار العلم والادب والدين والنسب والمال والحرف في خدمة الدولة المخزنية التي تكافئ مواليها وتقمع كل تمرد حفاظ على استقرار الاوضاع واستمرار الدولة.

كل هذه الوظائف التي تضطلع بها الوحدات الحكائية الصغرى المرتبطة بحدث الاستقبال تشي بنوع من الحكي يستثير الذاكرة المغربية، ويمد جسور التواصل المتعدد بين مكونات الماضي والحاضر بما يجذر الفعل السياسي والثقافي والاجتماعي المغربي المتطلع الى تحديث شكلي محتشم يحافظ على استمرار انساق السلطة المتواثة. والملاحظ أن بنية الحدث خبرية جافة غير دسمة تختزل فيها افعال الشخصيات في تنفيد التعليمات مما يجعل المحكي في هذا النص شبيها بالجرد التاريخي.

بنية الزمن

تحكم النص بنية زمنية ماضية مرتبطة بحدث يستقي وقائعه من التاريخ، وهي بنية بسيطة مقترنة بالاخبار ونسق الزمن في النص خطي تسلسلي يبدا بوصول الخبير الى سلا، وينتهي بتقدم الموكب الى وسط المدينة، تتخلله استرجاعات بسيطة لا تتجاوز كونها ومضات تشرق داخل ذاكرة الرواي، ولها وظيفة تفسيرية في الغالب كالتنصيص على ان طميمة بنت قاضي سلجماسة، او ان جرمون خان قبيلته المتمردة وجر عليها هزيمة نكراء كانت سببا في تعيينه عاملا على مدينة سلا. ويتميز زمن السرد في النص بالاختزال عموما، حيث يتم التركيز على زمن وصول الخبير، وزمن الاستقبال، وتهمل باقي اللحظات، ويفسح المجال امام وصف الشخصيات والفضاء حيث يتوقف الزمن قليلا. اما الزمن النحوي فيتارجح بين الماضي والحاضر والمستقبل، الماضي للسرد والمضارع منفيا او مقترنا بالسين ولام التعليل لتوسيم الشخصية المتنافسة على ما تفعله او ستفعله بخصوص ابراز قدراتها في ترتيب استقبال بهيج للضيف الكبير، وتعمل المؤشرات الزمنية الاخرى على مزيد من التاطير الواقعي للحدث (الجمعةء مغرب الشمسء صلاة العشاء… ).

بنية المكان

المكان في النص متعدد رغم كونه منحصرا بكل ابعاده في فضاء الاسقبال والاستضافة لا يتجاوزه إلا في أفق إخبار محدود عن مكان بداية السفر ونهايته، وهو مكان مشحون بالحمولات التاريخية والجغرافية الواقعية ( بلاد تامسنا – فاس حاضرة السلطان – نهر ابي رقراق – مدينة سلا – باب المريسة – دار قاضي القضاة – سلجماسة مدينة التجارة القائمة على تبر السودان…)، وجل الامكنة في النص مؤثثة بمؤثثات تثري الدلالة التاريخية والاجتماعية والثقافية للمحكي ( اعلام ترفرف على الصوامع – حراس باب المريسة – دكة ظليلة – المدخل الاول لرياض القاضي – الماء البارد وبعض القرى – اخبار فاس وتامسنا – دار العيال – القبة الصغيرة بالمدخل الثالث – الحشود المستقبلة – الفلك الصغيرة المزينة…).

وطالما ان الفضاء فضاء الحفل والابتهاج والفرجة فانه يبدو حميميا للشخصيات الرئيسية في النص رغم انه لايخلو من تنافر وتحاسد بين ابن الحفيد والعامل جرمون؛ مما يضفي على دلالته غموضا يجعله فضاء للبهجة من جهة، والمجاملة والنفاق والمنافسة على النفود والسلطة والظهور من جهة اخرى.

بنية الشخصيات

  • الشخصية الرئيسية في النص هي الشخصية التي تنفذ الحدث ( حدث الاستقبال والاستضافة) وتنتشر انتشارا واسعا على طول الممتد الحكائي، وهي شخصية القاضي ابن الحفيد، ومن سماتها انها متزنة، لها وزن كبير في هرم السلطة، من خاصة الخاصة، لها دار كبيرة بمداخل كثيرة، وخدم واتباع متزوج من اكثر من واحدة، وله ولد نابغ في الشعر والفروسية، تعيش في بدخ ورفاهية وتتمتع، بقدر كبير من السلطة تثير الكثير من الحنق لدى عامل السلطان على المدينة.
  • العامل جرمون: شخصية لها حضور قوي في النص، تمثل سلطة المخزن في ادارة شؤون المدينة ومرافقها مستعينة بكثير من الاعوان والمقدمين والشيوخ، شخصية انتهازية تطمح الى المزيد من السلطة، منعوتة بخيانة القبيلة وممقوتة من لدن القاضي ابن الحفيد، يطغى على نفسيتها الحسد والشراسة في المنافسة على التموقع في سلم السلطة، مهتمة بالاستقبال مصرة على تفويت شرف التنظيم غلى القاضي.
  • المبعوث السلطاني ابن الجورائي، مشاور السلطان، ممثل السياسة المخزنية العامة، يطوف في البلاد يستقصي اخبارها – موضوع حفل الاستقبال في مدينة سلا، قاضي قضاة المخزن، ضيف ابن الحفيد.
  • باقي الشخصيات ثانوية كالخبير وطميمة، او عرضية عابرة كالحراس ومرافقي ابن الجوارئي والشخصيات المستقبلة.

واذا امعنا النظر في وظائف الشخصيات باعتبارها عوامل وجدناها لا تخرج عن كونها مساعدة للشخصية الرئيسية كابن الجورائي وطميمة، اومعاكسة لها كالعامل جرمون، ولا يطرأ في الغالب اي تحول على وظائفها، على الاقل في هذا النص الذي نحن بصدده، مما يجعلها شخصيات جاهزة ومسطحة ينمو الحدث بجوارها بينما تحافظ على معظم سماتها داخل سيرورته، وهذا ما يطبع المحكي التاريخي السلطاني بشكل عام باعتباره محكوما بانماط من السلوك الصارم والبروتوكول الثابت الذي يصنع نوعا من الوعي الجاهز الذي لا تخرقه سوى اشكال التنافس والدسائس التي تسم فضاأت السياسة لدى خاصة الحاكم، وتشكل جملة الدوافع التي تحرك المشاركين في الحدث.

بنية السرد

يروي الحكاية في النص سارد متمظهر بضمير الغائب، متخذ وضعية السارد المتخفي المحايد الذي يتابع الحدث بتجرد وموضوعية، ويصف الشخصيات والفضاأت وصفا واقعيا في الغالب مركزا على الدوافع النفسية التي تجعل الشخصية تقدم على فعل ما، او القيمة الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تؤثت فضاء معينا بمؤثثات ترمز اليها.

والسارد يقود رؤية مصاحبة في الغالب، يتابع الشخصية، ويعرض افعالها، ويكشف عما تعلن عنه من دواخلها، لايتحكم في مجرى الحدث، ويقتصر دوره على نقل الخبر ووصف الواقع.

القراءة التركيبية

يقدم النص صورة عن مغرب الامس، وعبرها رسالة الى المتلقي تستضمر خطابا سياسيا مفاده ان الدولة الخزنية والشعب المغربي عاشا في توافق وانسجام وتراض ضمن ثقافة الولاء من قبل العامة، ومراعاة مصالح الناس تبعا لولائهم وخدمتهم من قبل السلطان واعوانه. وهذه الصورة معروضة في قالب سردي تتسم عناصره بالاختزال وهيمنة الوصف والدلالة الاحتفالية وجاهزية الشخصيات وتعدد دلالة المكان والزمن وصرامة اللغة التاريخية الدقيقة الحبلى بمصطلحات التاريخ والجغرافيا ومعجم السياسة والمجتمع والادب وبعض التعابير التراثية الجزلة.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads