Ads Ads Ads Ads

النص التفسيري – مدخل مفاهيمي- درس النصوص – اللغة العربية – جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : النص التفسيري – مدخل مفاهيمي

النص التفسيري

تتسم اللغة العربيّة، بسعة مفرداتها، وسعة طرق التعبير فيها، ومن ذلك التعبير من خلال النصوص، حيث تتنوع نصوص اللغة العربيّة، إلى نصوص أدبية ، كالنثر، والمقالة، والشعر، والقصة، والرواية، والمسرحيّة، ونصوص غير أدبيّة، كالنصوص السرديّة، والإرشاديّة، والنقاشيّة، والتفسيريّة، والنص التفسيري هو أحد أنواع النصوص غير الأدبيّة في اللغة العربية، ويهدف إلى تقديم معلومات حول موضوع معيّن، كما أنّ للنص التفسيري خصائص معيّنة، يتصف بها عن غيره من النصوص، وذلك من ناحية البناء الموضوعي، ومن ناحية التركيب اللغوي.

خصائص النص التفسيري

البناء اللغوي

  • يبدأ بسؤال الاستفهام كيف أو لماذا، وذلك لأنّه يقدم معلومات وحقائق معيَّنة، فيمهد لها بصيغ الاستفهام.
  • يشبه المقالة في طريقة تنظيمه، فهو يتكون من مقدمة، وعرض، وخاتمة، مع وضوح العلاقة والصلة بينها.
  • تتمحور المقدمة حول سؤال استفهامي يتمّ الإجابة عليه في العرض، بعدة جمل تفسيريّة.
  • يتم تناول المعلومة، أو الظاهرة، من خلال عرض الحقائق، والمواضيع بشكل تفصيلي، ويتمّ عرض عدة تفسيرات لها متى لزم الأمر.
  • تتضمن الخاتمة فيه تلخيصاً لموضوع النص، وترتيباً لعناصره بشكل مبسط، وتكون على شكل خلاصات استنتاجيَّة.
  • يوظّف بعض الرسومات، والصور التوضيحيّة، والبيانات الإحصائيَّة، والجداول المعلوماتيّة.
  • يتضمن حقائق علميّة حول أمرٍ، أو ظاهرة معيّنة، يتخللها أحياناً ذكر الرأي الشخصي للكاتب.

التركيب اللغوي

  • يغلب على أسلوبه استخدام الجمل الطويلة التي تنبني فيها الأسباب على مسبباتها، والنتائج على مقدماتها، فالجملة تتضمن أحياناً الظاهرة أو الحقيقة، وما يسببها.
  • يكثر في أسلوبه استخدام الأفعال المضارعة، والمبنيّة للمجهول.
  • يتميز بدقة الألفاظ، ووضوحها، لتعلُّقها بالواقع، وأحياناً يستخدم أسلوب التعبير الفني وما فيه من استعارات، وتشبيهات، بهدف توضيح بعض الأمور التي يتناولها النص.
  • يستخدم فيه عدة أدوات للربط بين الجمل، وذلك لخدمة موضوع النص، ومن ذلك: ولهذا، وكي، وحتى، ولأنّه، ومن أجل، وعندما، وحينئذ.
  • تستخدم فيه بعض المصطلحات المتعلّقة بموضوع النص، كالظواهر العلميّة.
  • يكثر فيه استخدام الأسلوب غير المباشر.
  • يتضمن علاقات منطقيّة وسببيّة. يحتوي بعض النزعات الفلسفيّة، التي تلعب دور العقل، وتغيّب الاعتماد على النقل.
  • يتسم باللغة العلميّة البسيطة، بعيداً عن الحشو والتكرار، والإطناب.

فوائد النص التفسيري

  • توضيح حقائق محددة، بتفصيلها وبيان عناصرها.
  • تأكيد حقائق معيّنة، بمناقشتها والتدليل المنطقي والعلمي على صحتها، من خلال مناقشة المواضيع المتضمّنة لها وعرض أسبابها ومسبباتها.
  • الرد على الشبهات وتصحيح الأخطاء، لاعتماده النهج العلمي في التفسير، والعرض، والمناقشة، فهو يتلاقى مع الأسلوب الحجاجي في بعض الجوانب.
  • إعطاء اهميّة للنقاش والحوار، وإعمال العقل، وتفجير قدرات الإنسان العقليّة، وتوسيع مداركه وقراته الثقافيّة.

نص إخباري تحليل نص المفاضلة بين النظم والنثر لأبي حيان التوحيدي- درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :    النص الإخباري – تحليل نص ‘المفاضلة بين النظم والنثر’ لأبي حيان التوحيدي

سياق النص

شغف النقد العربي بالمفاضلة فألفت كتب في طبقات الشعراء وفحولهم والعلماء ومراتبهم، واتخذت المفاضلة في العصر العباسي منهجا نقديا دقيقا له أسسه وإجراأته التحليلية، ففوضل بين الشاعر والشاعر، والمعنى وأخيه، والغرض ونظيره، والاستعمال وشبيهه، والفن وتربه. وممن اشتغل بالمفاضلة الآمدي في الموازنة بين الطائيين والقاضي الجرجاني في الوساطة بين المتنبي وخصومه. واتخذت المفاضلة أحيانا شكل مناظرات طريفة أو مقاربات نقدية تنبش في طبيعة أجناس أدبية كبرى وسماتها المميزة وخصائصها الخلاقة، ونذكر من ذلك المناظرة بين السيف والقلم، أو المفاضلة بين النظم والنثر، أو بين المنطق والنحو. وكان لأبي حيان التوحيدي مشاركات طريفة في هذا النقاش النقدي القائم على الموازنة والمفاضلة والمناظرة، سواء في كتابه “الامتاع والمؤانسة” أو “المقابسات” أو “الهوامل والشوامل” الذي أخذ منه هذا النص الذي يتخذ شكل خبر حجاجي يتولى فيه التوحيدي السؤال ومسكويه الجواب.

ملاحظة النص

يحيل العنوان على نوع من الانشغال الفكري والنقدي الذي يسعى إلى ضبط خصائص نوعين أدبيين أثار تفضيل أحدهما على الآخر منذ العصر الجاهلي جدلا عريضا، إذ كان للشعر صولات هيمن فيها على حاجات المتلقي التواصلية والمعرفية والجمالية والدفاعية والتوثيقية…، وكان للخطابة أيام ازدهار أمست الحاجة فيها إليها أولى، ونشأ عن ذلك سؤال المفاضلة الذي دفع المنشغلين بها إلى استكناه ماهية فني الأدب الرئيسيين وطاقاتهما ووظائفهما، والعنوان محيل على هذا السؤال وذلك الانشغال الذي يجهد النص نفسه في الإجابة عنه مستنفرا كل الحجج الداعمة لموقف مسكويه الذي هو موقف التوحيدي نفسه من هذه القضية التي يوردها في قالب إخباري سردي.

فهم النص

يتمفصل النص إلى حزمة من المحمولات المنطقية والإخبارية نجملها في الآتي:

  • طرح سؤال المفاضلة في بداية النص بما يستبطنه من تقرير تفضيل أكثر النقاد للمنظوم على المنثور من الكلام.
  • عرض موقف مسكويه من المفاضلة المؤسس على اعتبار النظم والنثر تمظهرين مختلفين لجنس واحد هو الكلام الأدبي، ويتفرع كل منهما إلى فروع تماما كتفرع الكائن الحي إلى الناطق والبكماء وانقسام البكماء إلى الطائر والسائر وهكذا.
  • اعتبار مسكويه أفضلية النظم قائمة من جهة الوزن فقط ، أما المعاني فمشتركة بين الشعر والنثر ، وتتعرض في كليهما لمستويات الجودة والرداءة.
  • تمثيل مسكويه لحلية الوزن في النظم بزيادة اللحن في المنظوم المغنى.
  • انتهاء المفاضلة في النص ببيت لأبي تمام يعكس الموقف الوسط الذي يتبناه أبو حيان التوحيدي.

تحليل النص

يتميز أبو حيان، في هذا النص وفي غيره، بذلك الظمأ العقلي الذي يحفزه إلى إلقاء الأسئلة عما يعتلج في ذهنه ونفسه من مشكلات، ومنها مشكلة العلاقة بين النظم والنثر، وإمكان المفاضلة بينهما. ومنشأ هذه المشكلة فلسفي الطابع قائم على مسألة التفاوت بين الخطابة والشعر ، ولكن الأمر تعدى هذا الحد الفلسفي إلى المناظرات الجدلية ، حيث كل فريق يستعين في تفضيل الشعر أو النثر بأمور خارجة عن طبيعتهما أحياناً مثل ما قيل حول حظ الشعر من التخييل (الكذب) وحظ الخطابة من الإقناع ( الصدق)، وأن الشعر صناعة قائمة بذاتها، بينما النثر (أي الكلام) يستطيعه كل إنسان. وواضح ان هذه الخصومة ما كانت لتصل إلى هذا المستوى لولا تعصب كل فريق لما يحسنه، ومع ذلك فان أبا حيان يرى في النص أن الأكثرية يقدمون النظم على النثر، دون ان يحتجوا فيه بظاهر القول، وأن الاقلين قدموا النثر وحاولوا الحجاج فيه، ولذلك سال صديقه مسكويه عن مرتبة كل منهما، فكان مجمل جوابه: أن النظم يزيد على النثر بالوزن فهو أفضل من هذه الجهة، أما إذا اعتبرت المعاني فأنها مشتركة بينهما وليس من هذه الجهة تميز أحدهما من الآخر، بل يكون كل واحد منهما صدقاً مرة وكذباً مرة وصحيحاً مرة وسقيماً أخرى.

الناحية التطبيقية في النص ضعيفة، والنظرة إلى الشعر تركيبية مجملة في كلمات يسيرة وأحكام عامة لا تسبر دقائق موضوع المفاضلة وتفاصيله بقدر ما تسعى إلى تسجيل جو الجدل الدائر بين فريقين لتركيب موقف وسط يبدو للتوحيدي معقولا وقادرا على حسم المسألة.
– يضعنا النص ضمن سياق الحديث عن إشكالية نقدية متجذرة في النقد العربي، يتعلق الأمر بالتمييز بين النثر والشعر، والحديث عن هذه الثنائية يقودنا إلى اعتبار مفهوم المفاضلة مقاربة نقدية تسمح بكشف تجليات هذه الاشكالية. ومضمون كلام أبي حيان في هذه النص يرصد في البداية واقعها، فالنثر مهما احتفى أصحابه بإتقانه وتجويده لم ينل من نفوس النقاد وانشغالهم ما ناله، ثم يحاول بعد ذلك تحديد طبيعتها فيرى أن الشعر لا يختص وحده بالموسيقى والخيال، بل هما قدر مشترك بين الشعر والنثر الفني ( المسجوع والمرسل) ، والفرق بين النوعين من الكلام نسبي يؤول في الغالب إلى العروض، أما الجوهر فواحد، والتمايز بين الشعر والنثر تمايز من حيث الماهيات والوظائف، التي تجعل كلا منهما فنا مستقلا بذاته عن الآخر بخصائص مثل الإيقاع في الشعر وحضور البعد العقلي في النثر.

إن المظهر الأكثر تجلية لِمَلْمَح التساؤل في النص، يظهر في «المحاورة» التي تقوم على مخاطبة الآخر، بصيغة السؤال والجواب، مخاطبة تبدو بسيطة في «الهوامل والشوامل» غير أنها تتم بصور أكثر تعقيداً من مجرد طرح السؤال من قبل الراوي،باعتباره انفتاحا على مختلف إنجازات الثقافة والمعرفة وقتئذ، وإعادة الاعتبار لثقافة المشافهة ونمط المناظرة كخطاب حجاجي يسوق الموقف ونقيضه، وينتهي إلى تفضيل أحدهما أو إلى التوسط بينهما.

يتوسل التوحيدي في بناء تصوراته في النص بالمعطى العقلي، فالعقل عنده أداة تمارس فعل الحفر في مختلف المجالات المعرفية كيفما كانت طبيعتها، ولذلك كان العقل عنده أشرف من الحس وأرفع، والمحسوسات معابر للمعقولات، ولهذا حفل النص بالجانب التنظيري التفكيكي المنشغل برسم الحدود وتتبع التفريعات، بينما لم ينشغل كثيرا بالجانب النقدي التطبيقي كما فعل الآمدي والقاضي الجرجاني وغيرهما من نقاد القرن الرابع الهجري، وهو في توسله بالعقل يراعي كفيلسوف مبدأ التوسط وعدم التفريط، وهي نزعة توفيقية واضحة في النص أثناء عرض إشكالية العلاقة بين النظم والنثر ، فقد التزم موقف الوسط وقال ضمنيا بالمساواة بينهما في الصناعة، وهو ما تجليه جملة ترد في الهوامل والشوامل مما يلي هذا النص: ” خير الكلام ما قامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه نظم، يطمع مشهوده بالسمع، ويمتنع مقصوده على الطبع…”

أبرز الخصائص الأسلوبية التي تعكس طابع النص الحجاجي الإخباري هي:

  • حضورالاستفهام ، فالتوحيدي فيلسوف التساؤل لديه روح تعشق الجدل ولا تكفّ عن إثارة السؤال تلو السؤال
  • الحرص على التوسّع والإطناب والتّنقيب والاستقصاء والشّرح المستفيض وتفصيل الفكرة والتدقيق في المسئلة لنزع الشبهة وضمان الدّقة
  • تواتر أسلوب التعليل ربطا للمقدمات بالنتائج
  • استثمار مفاهيم علمية ومصطلحات فلسفية وعبارات تجريدية مثل : الجوهر – الحقيقة – الصّورة…
  • استخدام أسلوب التّوليد السّقراطي من خلال الانتقال من البسيط البديهي إلى المعقّد المركّب، والانطلاق من معنى رئيسي ثمّ سلسلة الأفكار وتنسيل الدلالات.
  • تقريب المعنى بضرب الأمثلة كتشبيه الأدب بالكائن الحي المنقسم إلى فروع تؤول كلها إلى الأصل.
  • اعتماد المسارالحجاجي الحواري بعرض الرّأي و نقيضه ، وهو أسلوب في المناظرة والمساجلة، ومن ذلك المناظرة بين النثر والنظم
  • التجاوب مع تقاليد السرد الإخباري من خلال توظيفه لبنية الخبر وما يتأسس عليه من سند ومتن على شاكلة أخبار الجاحظ، وهذه الأخبار والحكايات هي بمثابة حجج واقعية تاريخية لأطروحات ضمنية.
  • الأسلوب الوصفي التسجيلي لأحوال مجتمع القرن الرابع للهجرة.
  • عدم البحث العميق في الأسباب و النتائج.
  • مزج السرد التاريخي بالوصف الانطباعي والحواري مما يخرج الحدث عن تاريخيته، ويدخله ضمن النشاط النقدي والفلسفي .
  • التوسّل بالعقل من أجل ممارسة الرّوح النقدية على بعض الرؤى أو الأطروحات للخلوص إلى دحضها و تصحيحها بعيدا عن منطق التعصّب أو الوثوقية، والتزاما بالرّوح الموضوعية ، وذلك واضح موضوع المفاضلة بين النثر والنظم.

تركيب وتقويم

كان للنقد الانطباعي دوره في إذكاء فكر المفاضلة ، ثم دخل مجموعة من النقاد هذه المعمعة، وساعد النقد النابع من تصورات ذاتية في تعميق اشكالية التمييز بين الشعر والنثر، فتضاربت الآراء بين مفضل لهذا ومفضل لذاك. وكان من بينهم من التزم موقف الوسط كأبي حيان التوحيدي في هذا النص موضوع تجليلنا. وقد تبدو محاولة التفريق بين الشعر والنثر عبثا خصوصا وأنهما مختلفين ومؤتلفين في نفس الوقت، حتى إن بعض المحدثين يعتبرون المفاضلة بينهما جدلا لا طائل تحته والانصراف عن مبدا المفاضلة إلى تحليل الخطاب وفهمه وتذوقه من الداخل أولى ، وهو أمر لا تكاد تخلو منه المفاضلة نهائيا حيث تهدف إلى بناء وعي معرفي يعي أهدافه، ويسعى إلى التحكم في المواضيع التي يشتغل عليها بأسلوب حجاجي إخباري يعكس وجها من انشغالات الكتابة النقدية في القرن الربع الهجري وخصائصها الأسلوبيةِ.

النص الإخباري – تحليل نص ‘إبراهيم عليه السلام يناظر قومه’ – درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :   النص الإخباري – تحليل نص ‘إبراهيم عليه السلام يناظر قومه’

سياق النص

الخطابة والمناظرة من الخطاب الحجاجي، تسود في الأولى مقاربة بلاغية، وفي الثانية مقاربة منطقية صرفة، ومدار الحجاج في الخطابة الإقناع في مجال المحتمل والمسائل الخلافية القابلة للنقاش، وتتاأسس على مقدمة تثير المتلقي إلى الموضوع وسرد تساق فيه الوقائع إلى المخاطب مختزلة مضبوطة واستدلال في شكل تبرير موضوعي إيجابي أو سلبي لايخلو من نفس انفعالي، فنهاية تجمع حصيلة البرهنة. أما المناظرة فجدل واستدلال يرتكز على المقابلة والتفاعل الموجه بين طرفين يحاول كل منهما إثبات أطروحته، وتنتهي بإقرار أحدهما لمعارضه بقوة الحجة وسداد الرأي. وقد كانت المناظرة منذ القديم أسلوبا للجدل الموصل إلى الحقيقة، والمؤدي إلى تصحيح الكثير من الاختلال الفكري والعقدي والأخلاقي، وقد كان الرسل بحق أفضل المناظرين لأقوامهم، يهدونهم بالحسنى والتوجيه العقلي المنطقي البديهي إلى حقيقة الخالق والخلق والموت والبعث، وقد قدم القرآن الكريم نماذج من هذه المناظرات التي تحمل خبرا ينطوي على جدل ومحاججة، كما هو الشأن في قصة إبراهيم عليه السلام وخطته الحجاجية الحوارية التي أفحمت قومه ونسفت أباطيلهم وكشفت عن إصرار على الخطأ رغم إقرارهم بتفاهة رأيهم وفساد سلوكهم.

ملاحظة النص

النص آيات قرآنية من سورة الأنبياء، وهي سورة مكية طويلة اهتمت بتأصيل مفهوم التوحيد والدعوة إلى تطبيقه عمليا، بعد الاهتداء إليه بالعقل والبصيرة، والنص يعمل على شحذ هذه البصيرة وإنارة ذلك العقل بما يعرضه من حقائق وأخبار حملت في طياتها أنواعا من الإلهام (الرشد) التي ألهم الله به رسله، ومنهم إبراهيم، لإقامة الحجة على الناس حتى لا يكون لهم عذر من جهل أو التباس، وجملة العنوان مما وضعه مؤلف الكتاب المدرسي ليدلل على نوع القضية المعروضة في النص، وهي جملة خبرية بسيطة تؤشر على أن هذا الجزء من سورة الأنبياء يدخل في باب الخطاب الحجاجي الإخباري من جهة، لأن القرآن الكريم يخبر قريشا والناس كافة بهذه القصة لغاية إقناعية وتأثيرية، وفي باب المناظرة من جهة أخرى باعتبار الجدل الذي دار بين إبراهيم وقوم الذين عجزوا عن محاججته بعدما اتضح زيف دعواهم فلجأوا إلى جبروتهم لتصفية الخليل عليه السلام.

فهم النص

يتمفصل النص القرآني موضوع تأملنا إلى جملة من المفاصل الخبرية والبرهانية، نورد منها:

  • إلهام الله إبراهيم عليه السلام الهداية والرشد ومعرفة الحق والقدرة على الاستدلال عليه.
  • سؤال إبراهيم قومه عن معبوداتهم المنحوتة بغير ما يطلب به بيان الحقيقة، ولكن تحقيرا وإذلالا لها، وتوبيخا لهم على إجلالها.
  • إجابتهم له بما لا يعتد به عقلا من تقليد الآباء وتحميلهم مسؤولية اختيار هذا السلوك العقدي المنحرف.
  • تأكيد أبراهيم فساد تصور قومه وآبائهم الظاهر للعقل، البين بداهة لعدم استناده إلى دليل معقول وفطرة مقبولة.
  • محاولة القوم صرف مقالة إبراهيم وحجته إلى مجال المداعبة والمزاح بعد ثبوت رجحان برهانه على مستوى المعقول الجلي والمقبول الفطري بسؤال استبعدوا فيه ضلالهم، وتعجبوا من تضليله إياهم.
  • إقامة إبراهيم البرهان على قومه بإرشادهم إلى المعبود الحق الخالق للسماوات والأرض وما فيهن، بخلاف معبوداتهم التي صنعوها بأيديهم مماثلة لبعض المخلوقات.
  • عزم إبراهيم بعد إعراض قومه عن الحجة النظرية على إقامة حجة عمليةمحسوسة ومؤثرة لا تدع مجالا لشاك أو متكبر.
  • اجتهاد إبراهيم في انتهاز فرصة انصراف القوم إلى عيدهم، وكسره الأصنام، وتعليقه الفأس على عاتق كبير تماثيلهم.
  • سؤال القوم عمن حطم آلهتهم على سبيل الإنكار والتوبيخ والتشنيع، وتقريرهم أن من تجرأ على إهانتها بهذا الشكل ظالم لها، معرض نفسه للهلكة.
  • إخبار بعضهم ممن سمع إبراهيم يعيب الأصنام ملأهم باحتمال أن يكون هو الفاعل.
  • استقدام إبراهيم عليه السلام لسؤاله أمام الملأ عما أصاب آلهتهم.
  • سلوك إبراهيم مسلكا تعريضيا يؤديه إلى مقصده الذي هو إلزامهم الحجة على ألطف وجه وأحسنه بحملهم على التأمل في شأن آلهتهم، حيث نسب الفعل إلى كبيرهم استدراجا لقومه للاعتراف بعجزها عن النطق للإخبار بمن فعل بها ما فعل، فأحرى السمع والعقل والحركة.
  • مراجعة القوم عقولهم، واعترافهم بحال أصنامهم العاجزة، وبظلمهم أنفسهم بعبادتها.
  • انقلابهم إلى المجادلة بعدما استقاموا بالمراجعة إمعانا في الاعتداد بالباطل، والارتكان إلى الكبر والجحود، وإنكارهم على إبراهيم طلبه سؤالها، وهو يعلم، وهم يعلمون أنها لاتنطق.
  • تبكيت إبراهيم قومه، وتقبيحه لهم ولأصنامهم، إذ عقلوا عجزها عن النفع والضر فعبدوها من دون الله، وكان أجدر بهم تجنب ماهم فيه من الخضوع لها.
  • لجوء قوم إبراهيم لما عجزوا عن المحاجة وضاقت عليهم الحيل، وهكذا ديدن المبطول المحجوج إذا قرعت شبهته بالحجة الدامغة وافتضح، إلى المناصبة والانتقام والقتل والحرق.
  • أمر الله تعالى النار أن تنقلب هواء طيبا لا يؤذي إبراهيم عليه السلام، معجزة أذل الله بها الكافرين فخابوا وخسروا، وتلك سنته سبحانه في نصرة أوليائه.
  • هجرة إبراهيم وابن أخته لوط عليهما السلام من العراق إلى الشام البلد المبارك الذي بعث فيه أكثر الأنبياء، وفيه كثرة النعم والخصب.
  • منّ الله عز وجل على إباهيم بإسحاق نبيا، ومن بعد إسحاق يعقوب، وإكرامهم بالصلاح في الدين والدنيا، وجعلهم أئمة يقتدى بهم يدعون إلى الحق ويفعلون الخيرات ويلزمون الطاعات والعبادات لا يشغلهم عنها شاغل.

تحليل النص

محور الحجاج في النص بين إبراهيم وقومه مرتكز على موقفين: موقف يدعو إلى عبادة الله، وموقف مصر على عبادة الأصنام، وبالنظر إلى سيرورة الحجاج القائم على الانتقال من نسف الموقف السلبي الذي تمثله الأطروحة المدحوضة إلى تثبيت الموقف الإيجابي الذي تجسده الأطروحة البديل والخيار الصحيح، يتضح أن هشاشة الموقف السلبي لا تتطلب سوىالتأمل في طبيعة الأصنام وماهيتها ( مادة صنعها – صانعوها ـ عجزها المطلق عن الإدراك والحركة …) وأن الاستدلال على الأطروحة الصحيحة يحتاج إلى استنفار العقل والحواس والتوجه إلى آيات الله في الكون للوصول من خلالها الحقيقة الأبدية والصانع العظيم.

كان هدف الحجاج في النص هو تصحيح المعتقدات الخاطئة، ودفع الباطل عن عقول الناس وسلوكهم، وتوجيههم إلى دروب السمو والتحرر من الأوهام والتخرصات وكل الضلالات التي يختلقها الناس ويتوارثونها، فتبعدهم عن حقيقة الإنسان ووظيفته في تمثيل الخير وتحقيق أنواع البر التي تهيئه للكرامة الدنيوية والأخروية. وقد سلك إبراهيم عليه السلام خطوات عملي لإقناع قومه، طالما أن المناظرة بالفكر المجرد لم تفض إلى الهدف، فكان كسر الأصنام واتهام كبيرها خطة ذكية حركت عقول القوم وأتاحت لهم مراجعة قناعاتهم والاعتراف ببطلانها، ويستثمر إبراهيم هذا المنحنى المنطقي العملي فيوجه قومه إلى القناعات الصحيحة والحقيقة الساطعة؛ لكن الإنسان بطبعه، وخاصة الذي يملك أسباب القوة والغلبة، يأبى الانصياع إلى الحق والاعتراف بالخطأ معتبرا ذلك منقصة وضعفا وهزيمة. لذلك، وبعد دحض الأطاريح الباطلة، خاف قوم إبراهيم من افتضاح حالهم فعدلوا عن الجدل والمناظرة، وعمدوا إلى القوة يسترون بها هزيمتهم ويخفون ضعفهم ( حرقوه وانصروا آلهتكم )، وآلت المناظرة إلى ما آلت إليهمن خسران الجاحدين بعدما تدخلت القدرة الإلهية لتنجي إبراهيم من النار، فيخرج منها سالما منتصرا مأمورا بالهجرة إلى الأرض المباركة (فلسطين).

يلعب الحوار في النص دورا أساسيا في تأمين البعد التواصلي بين المتناظرين، ويعتمد على أدوات إبلاغية تمنحه القدرة على تحقيق وظيفته، وهو يتكئ على الاستلزام الحواري والأسلوب الاستجوابي، حيث شكلت الأسئلة والأجوبة بمقاماتها التداولية المتعددة ومقاصدها البلاغية المؤثرة حافزا لمتابعة الحوار بين طرفين غير متكافئين أحدهما يملك الحقيقة والإلهام الإلهي (الرشد) والآخر يمتلك الضعف البشري والسلوك العنيف، واتسمت الاستفهامات في النص بانزياحها عن غرض السؤال المباشر إلى خلخلة أحوال نفسية وفكرية استدعت دلالات السخرية والتقبيح والتشنيع والتعريض وغيرها، واتسمت الآليات الأسلوبية ذات الصبغة التقريرية أو الإخبارية السردية بالكثافة الدلالية والاستدلالية التي تختزن عددا هائلا من الإيحاأت الممتدة والمتناسلة والميسور إدراك جلها وتتبع خيوطها بإعمال الفكر وشحذ الحواس والبصيرة، وورد في النص الكريم أيضا جمل إنشائية أخرى مباشرة، ولكنها مشبعة بالمبالغة في التحريض والقسوة في الانتقام ( حرقوه …) أو صادعة بالأمر الإلهي الخارج عن مألوف البشر ومستطاعهم ( يا نار كوني بردا وسلاما…).

تركيب وتقويم

النص حجاجي إخباري، يستفيد منه الناس عامة قصة على سبيل الاعتبار تحكي عما وقع لإبراهيم عليه السلام مع قومه في سياق دعوتهم إلى الملة القويمة والعقيدة الصحيحة بالحجة المنطقية الواضحة والدليل العملي التجريبي، وكذلك شأن كل الرسل، ومحمد صلى الله عليه وسلم أحد أولي العزم منهم، مبلغ هذا النص الكريم عن ربه، لذلك لا عجب أن يناله من قومه من محاربة دعوته إلى الحق، ومواجهة توجيهه إياهم إلى الآيات البينات والحجج الساطعات التي تدل على الله كما تدل على تفاهة ما هم فيه من اعتقاد باطل وسلوك منحرف بكل الإنكار والجحود والأذى، فيصبر الرسل وتكون لهم العاقبة. وقد اتخذت البنية الحجاجية في النص مسارا تصاعديا بدأ من إنكار إبراهيم عبادة قومه للتماثيل، ثم انتقل إلى الاعتراض على هذا السلوك الشركي وتعييبه، ثم وصل إلى النتيجة التي أسفرت عن عدم رغبة القوم في الاقتناع بدعواه ظلما وعدوان رغم وضوح الحجة وقيام الدليل. هذه البنية الحجاجية الإخبارية عرضت بأسلوب قرآني معجز جمع بين السرد والحوار والخبر والإنشاء، واتسم بتكثيف دلالي(إيجاز) بليغ ومؤثر.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads