Ads Ads Ads Ads

مهارة إنتاج نص حكائي – السرد – درس التعبير والإنشاء – اللغة العربية – جدع مشترك آداب وعلوم

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس التعبير والإنشاء – اللغة العربية

عنوان الدرس : مهارة إنتاج نص حكائي – السرد

مكونات السرد من خلال نص الانطلاق

المتن الحكائي

يحكي النص عن مجذوب أشعث الشعر، ممزق الثياب، عاري الجسم ، هائما في طرقات القرية، يلوح بعصاه ويهمهم أو يقهقه بصوت مخيف، كان ليكون شيخا نقيبا لولا حمى أصابته، فأعطي شربة من سائل مر نتن، أطارت …عقله ، وخلقت منه كائنا غريبا مستوحشا ، يبتك ملبوسه، ويتمرغ في الوحل، ويمشي صارخا تارة بصوت مدوي : الله الله، أو حي ، ومهمهما تارة أخرى إي إي، وقد ينتهي به الأمر مركونا صامتا صمتا مطلقا فوق مصطبة في زاوية ما.

البنية السردية

الحدث وأبعاده

استرجاع بسيط يتذكر عبره السارد شخصية المجذوب التي تحولت من إنسان كسائر الناس في القرية ، أو بالأحرى من خواصهم المشهود لهم بزعامة المشيخة ، إلى كائن مريع يبعث منظره على الخوف والشفقة بفعل ممارسة علاجية خاطئة تستند إلى الأعراف والمعرفة الساذجة. هذا الحدث مفعم بالدلالة الاجتماعية المحيلة على أشكال الممارسات البدائية المتخلفة المرتهنة إلى الجهل والخرافة التي تسمخ السلوك الاجتماعي للناس في قرى العالم العربي بشكل خاص وبوادي العالم الثالث بشكل عام.

الشخصيات

في النص شخصية محورية واحدة هي شخصية المجذوب، وهي شخصية موصوفة من قبل السارد الذي أقحم نفسه في الحدث عبر إبراز تأثره الشديد بمنظر المجذوب تأثرا مثل الحبكة في هذا المتن الحكائي القصير، ودفع بالوصف إلى نهايته في لحظة زمنية غامضة ومختزلة، هكذا يهيمن وصف الشخصية على الحدث، بل إن الحدث نفسه المرتبط بهذه الشخصية الغيربة يدخل في مجال الوصف. وبتأملنا للسمات الاجتماعية والنفسية والفكرية لبطل النص نستنتج أننا أمام شبكة من الملامح الغريبة التي تحكم الأفعال والوظائف والانفعالات الصادرة عن المجذوب والخارجة عن مألوف البشر ومعقولهم ، وهو ما يدخل الشخصية الموصوفة في عالم مختلف أقرب إلى عوالم الوحوش والشياطين منه إلى عالم الإنسان.

الزمن

يبدأ النص من نقطة في الزمن تفصلها عن زمن الحدث مسافة ربع قرن، أي منذ أن كان السارد طفلا صغيرا، وكان الشيخ النقيب بشرا سويا، ثم حصل له فجأة ما حصل، وتتداعى الأحداث المسترجعة التي لا تعدو أن تكون تشكيلا مختزلا لصورة المجذوب، تضمحل معه وتيرة الزمن ولا يتضح نسقه؛ لأن الأفعال الموصوفة مقترنة بالفعل “كان” المنسلخ عن التحديد الزمني الدقيق، المقترن بنوع من الثبات والاستمرار، ومن ثم لا يمكن ترتيب لحظات هذه الأفعال في غياب محددات الزمن ومؤشراته سوى أنها حصلت بعد الشربة.

المكان

المكان في النص فضاء عام ومغلق ( طرقات القرية ء المصطبة ) وعدائي يثير الكثير من الرهبة والحزن والشفقة، إنه مكان يؤثثه المجذوب بالصراخ والتلويح بالعصا والارتماء في الوحل والوجوم في ركن ما ، ويملأه الجنون والجذبة والعيوب والاتساخ والخوف.

السرد

السارد في النص مختف خلف ضمير الغائب، يلبس قناع من يمارس فعل المشاهدة والتعليق والتأثر بما يصف من مشاهد الجنون والجذبة، ولكنه في الحقيقة يتحكم في خيوط السرد ويتلاعب بمسافات الزمن ومادة الوصف، وهكذا تكون الرؤية السردية في هذا المتن الحكائي رؤية من الخلف تكشف عن سارد يجيد لعبة التخفي وراء سارد آخر ، ويتقن التمويه والمراوغة، ويضبط أبعاد المسرود ، فيقلص الزمن ويحو قسماته، ويختزل الحدث الموصوف فيما ترتب عن الشربة الكريهة من اختلال نفسي وعقلي غير سلوك الشخصية إلى ما يشبه الانفصال عن العالم العادي بالتخلص من النظافة والملابس والتواصل مع الناس والأشياء بشكل طبيعي، ويمرر إلى المتلقي رسالة ضمنية تربط الجذبة بعالم الأخطاء والتخلف والوحوش والجنون.

الخطوات المتبعة لبناء المهارة

لبناء نص سرد “موضوعي” يستلزم ما يلي:

  • اختيار الشخصيات (رئيسية وثانوية).
  • اختيار الأحداث المتتابعة، التي يحكم فيها اللاحق السابق.
  • اختيار الزمان والمكان المناسبين للأحداث.
  • اختيار الرؤية السردية : رؤية من خلف مثلا.
  • اختيار علامات الترقيم المناسبة للنص.

النص الإقناعي – مدخل مفاهيمي – درس النصوص – اللغة العربية – جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : النص التفسيريالنص الإقناعي – مدخل مفاهيمي

ما هو النص الإقناعي؟

النص الإقناعي هو نص الهدف الأساسي منه إقناع القراء بقبول رأي الكاتب وأن يتصرفوا حسب ذلك، أو تحفيزهم على القيام بعمل معين.

كيف نقنع؟

من أجل إقناع القارئ، على الكاتب (أو المتكلِم) أن يطرح ادِّعاءه، أو رأيه ومن أجل أن يقنع القراء بصحة رأيه يذكر الكاتب مبررات، أدلة وبراهين، معطيات، حقائق، وإحصائيات، تثبت صحة رأيه أو ادعائه، وبمساعدة هذه الوسائل يحاول الكاتب أن يوضح رأيه أو موقفه، ولماذا ينبغي على القراء أن يتفقوا معه في الرأي ويتبنّوا موقفه.

يبنى النص الإقناعي على شكل نموذج ادِّعاء (سوف نتعلم فيما بعد عن نماذج الادعاء) يحتوي هذا النَموذج على حجج وبراهين ولذلك يسمى النص الإقناعي أيضا بالنص الحجاجي.

من أجل مفاجأة أو تشويق القراء (أو المستمعين)، نفتتح أحيانا النص الإقناعي بذكر مثال، أو بسؤال أو معطيات، ثم نورد بعد ذلك الادّعاء.

الفرق بين الحقيقة والرأي

يحتوي النص الإقناعي على حقائق وآراء، ومن المهم التمييز بينها:

  • الحقائق: هي الأقوال، أو الجمل التي ليست موضع خلاف، الأشياء المتعارف عليها كحقائق، والتي يمكن إثبات صحتها. على سبيل المثال: في حيفا هناك بنايات يبلغ ارتفاعها أكثر من ثلاثة طوابق، هذه الجملة هي حقيقة يمكن رؤيتها بالعين كما يكن إثباتها أيضا.
  • الآراء: هي ما نفكر فيه عن الحقائق، أو الأفكار أو المعتقدات الآخرين على سبيل المثال: إنه أمر جيد أن تكون هناك بنايات مرتفعة في حيفا، لأن البنايات المرتفعة جميلة، لكن من المفضل السكنى في البنايات المنخفضة لا المرتفعة، يجب التوقف عن تشييد بنايات مرتفعة. كل هذه الجمل هي آراء، وليست حقائق على الرغم من أنها تتناول الحقائق. الكلمات التي تعبر عن معنى شبيه بكلمة رأي هي: ادعاء، موقف، وجهة نظر، تخمين، تقدير، حكم، اعتقاد، نقد.

العلاقة بين المرسِل والمتلقي

الهدف الأساسي من كل نص، سواء كان مكتوبا أو محكيَّا (شفهيا) هو التواصل. في أي نوع من التواصل هناك شخص ينقل حقائق، وأفكارا، وأحاسيس، الى شخص آخر المرسِل أي الكاتب أو المتكلِم ينقل الأفكار الى المتلقي (القارئ أو المستمع).

في كثير من النصوص لا يذكرُ المرسِل نفسه بصراحة، ولا يخاطب القارئ مباشرة مقابل ذلك نجد في النص الإقناعي أن الكاتب يذكر نفسه، ويخاطب القارئ بشكل واضح، ومباشر وأحيانا بشكل مبطن.

أمثلة على ذكر الكاتب (المرسِل): أعتقد…حسب رأيي، أعارض، أيَّدتُ دائما، علينا أن…هدفي من ذلك هو… وهكذا نجد أن الكاتب (المرسِل) يتوجه الى القارئ (المتلقي) بعدد من الأشكال، ما هي؟

الإجابة:

  • يستخدم ضمير المتكلِّم (صيغة المفرد، الجمع)
  • ضمير المخاطب (كاف الخطاب)

وسائل الإقناع

كي يُقنع الكاتب قراءه، أو المستمعين إليه فإنه يستخدم طرائق منطقية مثل: التبرير، الأمثلة، والمعطيات، والحقائق.

جمل النص الإقناعي قصيرة، ويستخدم بعض الكتاب في النصوص الإقناعية محسنات بلاغية (لفظية ومعنوية). نجد في النصوص الإقناعية أسئلة استنكارية (بلاغية) سجع وتكرار بعض الكلمات أو الجمل، ذكر أمثال وحكم مأثورة، أو أشعار من التراث العربي. كما نجد انتقالا من ضمير المتكلم الى ضمير المخاطب وأفعال أمر، إسداء نصائح وذكر مقترحات أو توصيات (عادة في خاتمة المقال).

النص التفسيري- تحليل نص ‘القديم والجديد’ لطه حسين- درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : النص التفسيري- تحليل نص ‘القديم والجديد’ لطه حسين

سياق النص

لعل من أهم القضايا التي أثيرت إبان اليقظة العربية، و التي كانت مثار خلاف شديد بين النقاد والأدباء، هي قضية القديم و الجديد . و هي قضية متجذرة في الفكر النقدي والانشغال الأدبي الإبداعي العربي منذ اختلط العرب بالأمم التي فتحوها وانصهرت ثقافتهم بعلومها وآدابها وأذواقها. و منشأ هذه المسألة يعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حين ظهرت حركة إحياء التراث العربي بالعودة إلى أصوله المشرقة، وظهرت بالمقابل حركة نقدية جديدة مضادة للإحياء، فاشتعلت المعارك الأدبية والنقدية على صفحات الجرائد والمجلات، وألفت كتب في هذا الجدل النقدي تضمنت حجج الطرفين وتصوراتهما. وممن خاض في الجدل الدائر حول القديم والجديد طه حسين عميد الأدب العربي، الأزهري الأعمى الحاصل على الدكتوراة في علم الاجتماع، بمقالات نشر جلها في كتابه “حديث الأربعاء”، ومنها هذا النص.

ملاحظة النص

يتركب العنوان من كلمتين عطفت إحداهما على الأخرى للتأشير على نوع من العلاقة الملتبسة بالتجاور والتنافر بحسب طبيعة العملية الحجاجية الثائرة بخصوصهما وسياقات إنتاجها وحدة المواقف المتضادة المتخذة إزاءهما باعتبار القديم والجديد عنصرين يصنعان جوهر الكينونة الثقافية العربية ومكونين عضويين للهوية المترنحة عصر النهضة، إليهما يعزى إلى الذات العربية كل ما ينسب إليها من تخلف أو تقدم أو تخبط أو تفرد بحسب الموقف منهما إقبالا أو إعراضا. وهاتان اللفظتان لبستا في الحركة الفكرية العربية الحديثة ألبسة متعددة لا تخلو من خلفيات غير علمية ولا أدبية، وصيغت لها ثنائيات مشهورة من قبيل الأصالة والمعاصرة، والنحن والآخر، والمحافظة والتحديث، والاتباع والابتداع، وتكرار النموذج وتكسير البنية…

وبإمعان النظر في لفظتي العنوان يتضح أنهما متضادتان تختزنان حمولتين معرفتين وحضاريتين مختلفتين، لذلك يفترض أن الجدل الدائر حولهما يعكس أطروحة ونقيضها، ويفجر موقفا يميل صاحبه إلى إحداهما مجاولا استنفار أجهزته الإقناعية وعدته الحجاجية التفسيرية وقدراته الأسلوبية المؤثرة لتوضيح تصوراته وتزكية موقفه، وهو ما سيكشف عنه النص.

فهم النص

يعرض النص إشكالية القديم والجديد في بنية تصورية مفاصلها الأساسية تتحدد في ما يلي:

  • إقرار الكاتب بعدم إمكانية الحسم في مسألة القديم والجديد لأنها جدل طبيعي حاصل في كل الأمم وكل الأزمنة ونتيجة منطقية لتطور المعرفة وتفاعل مكوناتهان وينبغي الاستفادة من تداعيات هذا الجدل لا تحويله إلى معيق للتطور .
  • اعتقاد الكاتب أن الانتصار للقديم وهم وتكلف وادعاء مادام أنصاره أكثر التصاقا في حياتهم بالجديد، وخلطه في مسألة القديم والجديد بين اللغة والأدب والثقافة والقيم المجردة وبين وسائل الحياة المادية ضعف واضح في بنيته الاستدلالية ومناورة خطابية لا غير.
  • اعتراف الكاتب بوجود أنصار قلائل مخلصين للقديم بسبب قصور فهمهم للجديد والقديم وللصلة بينهما، وهؤلاء يتركون لحالهم لأنهم ليسوا شيئا، إعلان صريح من الكاتب أنه من انصار الجديد المتحاملين على القديم جملة وتفصيلا.
  • انتقاد الكاتب أنصار الجديد بلغ حدا يلغي فيه وجودهم، أو يقصره على فئة قليلة جاهلة تعيش خارج التاريخ، وحجته تباكيهم على منظومة لا يخلصون لها طالما أنهم يركبون السيارات ويجلسون على الكراسي ويأكلون بالملاعق، وهي حجة فيها غير قليل من الارتكان إلى السطحية والذاتية في النظر إلى منظومة معقدة كمنظومة الثقافة والقيم.
  • انتهاء محاججة الكاتب إلى اعتبار الانتصار للقديم بدعة ومبالغة وقضية غير متجذرة ولا سند لها من الواقع.

تحليل النص

يتضح منذ الجملة الأولى في النص أن محور الجدل والمحاججة ليس عرض إشكالية القديم والجديد بكل حمولاتها المتناقضة وتصورات طرفي المخاصمة النقدية القائمة على أشدها، بل عرض مواجهة الكاتب لأنصار القديم، ومحاولته دحض أطروحة لا يعرض بأمانة خلفيتها الفكرية والمنطقية، فلا نرى في النص موقفا من أشكال الفكر والإبداع والفن القديم وقيمه الدلالية والجمالية الثابتة والمتغيرة سوى أنه عليه أن يزول فاسحا المجال أمام جديد لا يعرض النص ماهيته أيضا ولا نسب حضور القديم فيه، وهو ما يضع تحليلنا في مأزق. وبالنظر إلى ما يعرضه النص من تصورات فإن هم طه حسين هو التصدي لأنصار القديم الذين يمثلون الحركة السلفية وحركة إحياء التراث العربي وبعثه لربط حاضر أمة عربية جامدة مقهورة بماض مشرق يشكل قاعدة للانطلاق نحو مستقبل متميز ومزدهر، هؤلاء الذين كانوا بالأمس زملاء لطه حسين في الأزهر والجامعة باتوا خصوما له ولأنصار الجديد الذين تبنوا خيارا آخر يدعو إلى الانفصال عن القديم، والانخراط في الجديد بما يمثله من فكر ولغة وأدب وقيم وحضارة، التحاقا بركب الغرب المتقدم وتقليدا له واستنساخا لأنماطه الفكرية والفنية والمنهجية ؛ ولهذا خرجت المحاججة في هذا النص، وفي الردود التي أثيرت حوله عن منطق الحوار المعقول إلى محاولات النسف والإقصاء والتسفيه.

حاول طه حسين بيان فساد الأطروحة المدحوضة من خلال اعتبارها سلوكا معرفيا طبيعيا مرتبطا بحتمية تاريخية تعلن زوال مرحلة وقيام أخرى، ولذلك فالقديم في حكم الزائل، وهو كالديك المذبوح يترنح تمسكا بحياة آيلة حتما إلى النهاية، محاولا إقناع أنصار القديم بأن كل مرحلة لها طابعها ومميزاتها التي تسم كل مظاهرها، وليس اللغة والأدب فحسب، واعتمد طه حسين في استدلالاته على نوع من القياس المنطقي المتدرج القائم على ربط الأفكار بعضها ببعض ربطا سببيا، فالصراع بين القديم والجديد مسألة حيوية لأن الواقع يتطور ويعلن في كل مرة عن انتقال، لذلك لا بد للقديم أن يقاوم كي لا يزول، وللجديد أن يقاوم كي يثبت، والمسألة في النهاية إزالة وتثبيت، وهو منطق ابتعد عن افتحاص البنية الداخلية للأطروحتين، وحاول المحاججة من خارجهما، لأنها الخيار الأسهل غير المكلف، ويتم أحيانا بطريقة سفسطائية مما يقودنا إلى اعتقاد مفاده أن البنية المنطقية لهذا الهيكل الاستدلالي لطه حسين في هذا النص ضئيلة بالقياس إلى أبعاد الظاهرة موضوع المحاججة.

ما يميز النص الحجاجي قوته الإقناعية وأسلوبه الحجاجي، ويتحقق ذلك بأساليب التفسير من وصف وتعريف وسرد ومقارنة وتمثيل واستدلال وتركيب واستنتاج، وقد رأينا أن النص حاول جاهدا تقوية بنيته الاستدلالية بنوع من المنطق القائم على استقراء واستنباط وقياسات غايتها القصوى النيل من أنصار القديم وتهوين قضيتهم وتقزيم وجودهم، رغم أن قيمتها التفسيرية والاستدلالية هشة كمسألة الخلط بين القيم المجردة بما فيها من ثوابت ووسائل الترفيه المادية العرضية المتغيرة باستمرار، ومسألة وسم المخلصين للقديم بالجهل والقصور وغيرها مما لايعتد به في بناء الخطاب الحجاجي التفسيري. كما أنه توسل بأساليب مثيرة ومغوية وداعمة بشكل كبير للطابع الحجاجي التفسيري في النص، منها التلوينات الأسلوبية الملامسة لسياقات تداولية تخرج عن مقتضياتها المباشرة المرتبطة بالخبر والإنشاء أحيانا، وتلزمهاأحيانا أخرى تأمينا للالتحام الدلالي المنطقي القاصد إلى نسف أطروحة وتثبيت أخرى من جهة، وإشاعة لنفس جمالي تمارس عبره اللغة قوتها التأثيرية لمحاصرة المتلقي من الجهتين العقلية والنفسية من جهة أخرى، كما استثمر النص أسلوب التكرار، وخاصة تكرار التراكيب نفسها، أو بإعادة تركيبها مستخدما نفس المواد المعجمية، وتكرار صيغ النفي والإثبات، وأنواعا من التكرار الدلالي والصوتي المتمثل في الترادف والجناس، وتكرار ثنائية القديم والجديد، والتكرار المعجمي المتطابق والاشتقاقي، ومؤشرات التوكيد المتنوعة، وأدوات التفسير الزاحفة على النص من بدايته إلى نهايته، وهذا التكرار له بلاغة خاصة في تصدير الدلالة الإلحاحية الإقناعية التوكيدية. واستثمر النص أيضا محسنات كلامية جعلت جمل النص تحبل بإيقاع موسيقي مؤثر كبعض السجع وأنواع من الطباقات والمجانسات، وهو ما يجعل لغة النص رغم بعدها عن الطابع البياني مخلصة للصياغات القديمة الكامنة في اللاوعي المعرفي والفني للكاتب مضيفة إليها مزيدا من السلاسة والتدفق والليونة، رغم أنه يحاول في النص التدليل على عدم أهليتها.

تركيب وتقويم

النص نموذج بسيط للخطاب الحجاجي التفسيري الذي يعالج إشكالية معقدة شغلت النقاد العرب منذ عصر النهضة، كما شغلت حيزا في خريطة النقد في كل الثقافات والحضارات، ولو بحدة أقل، وأنتجت خطابات حجاجية متحاملة أحيانا، وموضوعية أحيانا أخرى، والنص فيه نسب من كليهما، ويرى كثير من المشتغلين بتاريخ الأفكار أن الصراع لايحسم بإلغاء أحدهما للآخر، لأن ذلك ضد التاريخ والمنطق، وأن التلاقح والتفاعل الطبيعي بين القديم والجديد والنظرة الموضوعية المتسامحة وحدها كفيلة بإخراج العالم من صراع الحضارت الذي هو في نهاية المطاف صراع قناعات وتصورات، ومحاولة هويات تذويب أخرى أو تحييدها بمنطق القوة أو التسفيه والمؤامرة. ونص طه حسين لا يعي كل هذه الأبعاد بقدر ما هو منجذب إلى الجديد مشدود له بسبب انبهار بمنجزاته عصرئذ، ومتذمر من هيمنة القديم الذي يأبى أن يستسلم بسهولة على الأقل في ذلك الوقت، وهو يعرض تصوراته بلغة رصينة أسلوبيا فيه الكثير من ملامح القديم، وغير قليل من التحرر من بعض قيوده، يلعب فيها التكرار والتلوينات الأسلوبية وبعض اللمسات التجميلية دورا مساندا للوظيفة الإقناعية.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads