Ads Ads Ads Ads

النص الإخباري – تحليل نص ‘إبراهيم عليه السلام يناظر قومه’ – درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :   النص الإخباري – تحليل نص ‘إبراهيم عليه السلام يناظر قومه’

سياق النص

الخطابة والمناظرة من الخطاب الحجاجي، تسود في الأولى مقاربة بلاغية، وفي الثانية مقاربة منطقية صرفة، ومدار الحجاج في الخطابة الإقناع في مجال المحتمل والمسائل الخلافية القابلة للنقاش، وتتاأسس على مقدمة تثير المتلقي إلى الموضوع وسرد تساق فيه الوقائع إلى المخاطب مختزلة مضبوطة واستدلال في شكل تبرير موضوعي إيجابي أو سلبي لايخلو من نفس انفعالي، فنهاية تجمع حصيلة البرهنة. أما المناظرة فجدل واستدلال يرتكز على المقابلة والتفاعل الموجه بين طرفين يحاول كل منهما إثبات أطروحته، وتنتهي بإقرار أحدهما لمعارضه بقوة الحجة وسداد الرأي. وقد كانت المناظرة منذ القديم أسلوبا للجدل الموصل إلى الحقيقة، والمؤدي إلى تصحيح الكثير من الاختلال الفكري والعقدي والأخلاقي، وقد كان الرسل بحق أفضل المناظرين لأقوامهم، يهدونهم بالحسنى والتوجيه العقلي المنطقي البديهي إلى حقيقة الخالق والخلق والموت والبعث، وقد قدم القرآن الكريم نماذج من هذه المناظرات التي تحمل خبرا ينطوي على جدل ومحاججة، كما هو الشأن في قصة إبراهيم عليه السلام وخطته الحجاجية الحوارية التي أفحمت قومه ونسفت أباطيلهم وكشفت عن إصرار على الخطأ رغم إقرارهم بتفاهة رأيهم وفساد سلوكهم.

ملاحظة النص

النص آيات قرآنية من سورة الأنبياء، وهي سورة مكية طويلة اهتمت بتأصيل مفهوم التوحيد والدعوة إلى تطبيقه عمليا، بعد الاهتداء إليه بالعقل والبصيرة، والنص يعمل على شحذ هذه البصيرة وإنارة ذلك العقل بما يعرضه من حقائق وأخبار حملت في طياتها أنواعا من الإلهام (الرشد) التي ألهم الله به رسله، ومنهم إبراهيم، لإقامة الحجة على الناس حتى لا يكون لهم عذر من جهل أو التباس، وجملة العنوان مما وضعه مؤلف الكتاب المدرسي ليدلل على نوع القضية المعروضة في النص، وهي جملة خبرية بسيطة تؤشر على أن هذا الجزء من سورة الأنبياء يدخل في باب الخطاب الحجاجي الإخباري من جهة، لأن القرآن الكريم يخبر قريشا والناس كافة بهذه القصة لغاية إقناعية وتأثيرية، وفي باب المناظرة من جهة أخرى باعتبار الجدل الذي دار بين إبراهيم وقوم الذين عجزوا عن محاججته بعدما اتضح زيف دعواهم فلجأوا إلى جبروتهم لتصفية الخليل عليه السلام.

فهم النص

يتمفصل النص القرآني موضوع تأملنا إلى جملة من المفاصل الخبرية والبرهانية، نورد منها:

  • إلهام الله إبراهيم عليه السلام الهداية والرشد ومعرفة الحق والقدرة على الاستدلال عليه.
  • سؤال إبراهيم قومه عن معبوداتهم المنحوتة بغير ما يطلب به بيان الحقيقة، ولكن تحقيرا وإذلالا لها، وتوبيخا لهم على إجلالها.
  • إجابتهم له بما لا يعتد به عقلا من تقليد الآباء وتحميلهم مسؤولية اختيار هذا السلوك العقدي المنحرف.
  • تأكيد أبراهيم فساد تصور قومه وآبائهم الظاهر للعقل، البين بداهة لعدم استناده إلى دليل معقول وفطرة مقبولة.
  • محاولة القوم صرف مقالة إبراهيم وحجته إلى مجال المداعبة والمزاح بعد ثبوت رجحان برهانه على مستوى المعقول الجلي والمقبول الفطري بسؤال استبعدوا فيه ضلالهم، وتعجبوا من تضليله إياهم.
  • إقامة إبراهيم البرهان على قومه بإرشادهم إلى المعبود الحق الخالق للسماوات والأرض وما فيهن، بخلاف معبوداتهم التي صنعوها بأيديهم مماثلة لبعض المخلوقات.
  • عزم إبراهيم بعد إعراض قومه عن الحجة النظرية على إقامة حجة عمليةمحسوسة ومؤثرة لا تدع مجالا لشاك أو متكبر.
  • اجتهاد إبراهيم في انتهاز فرصة انصراف القوم إلى عيدهم، وكسره الأصنام، وتعليقه الفأس على عاتق كبير تماثيلهم.
  • سؤال القوم عمن حطم آلهتهم على سبيل الإنكار والتوبيخ والتشنيع، وتقريرهم أن من تجرأ على إهانتها بهذا الشكل ظالم لها، معرض نفسه للهلكة.
  • إخبار بعضهم ممن سمع إبراهيم يعيب الأصنام ملأهم باحتمال أن يكون هو الفاعل.
  • استقدام إبراهيم عليه السلام لسؤاله أمام الملأ عما أصاب آلهتهم.
  • سلوك إبراهيم مسلكا تعريضيا يؤديه إلى مقصده الذي هو إلزامهم الحجة على ألطف وجه وأحسنه بحملهم على التأمل في شأن آلهتهم، حيث نسب الفعل إلى كبيرهم استدراجا لقومه للاعتراف بعجزها عن النطق للإخبار بمن فعل بها ما فعل، فأحرى السمع والعقل والحركة.
  • مراجعة القوم عقولهم، واعترافهم بحال أصنامهم العاجزة، وبظلمهم أنفسهم بعبادتها.
  • انقلابهم إلى المجادلة بعدما استقاموا بالمراجعة إمعانا في الاعتداد بالباطل، والارتكان إلى الكبر والجحود، وإنكارهم على إبراهيم طلبه سؤالها، وهو يعلم، وهم يعلمون أنها لاتنطق.
  • تبكيت إبراهيم قومه، وتقبيحه لهم ولأصنامهم، إذ عقلوا عجزها عن النفع والضر فعبدوها من دون الله، وكان أجدر بهم تجنب ماهم فيه من الخضوع لها.
  • لجوء قوم إبراهيم لما عجزوا عن المحاجة وضاقت عليهم الحيل، وهكذا ديدن المبطول المحجوج إذا قرعت شبهته بالحجة الدامغة وافتضح، إلى المناصبة والانتقام والقتل والحرق.
  • أمر الله تعالى النار أن تنقلب هواء طيبا لا يؤذي إبراهيم عليه السلام، معجزة أذل الله بها الكافرين فخابوا وخسروا، وتلك سنته سبحانه في نصرة أوليائه.
  • هجرة إبراهيم وابن أخته لوط عليهما السلام من العراق إلى الشام البلد المبارك الذي بعث فيه أكثر الأنبياء، وفيه كثرة النعم والخصب.
  • منّ الله عز وجل على إباهيم بإسحاق نبيا، ومن بعد إسحاق يعقوب، وإكرامهم بالصلاح في الدين والدنيا، وجعلهم أئمة يقتدى بهم يدعون إلى الحق ويفعلون الخيرات ويلزمون الطاعات والعبادات لا يشغلهم عنها شاغل.

تحليل النص

محور الحجاج في النص بين إبراهيم وقومه مرتكز على موقفين: موقف يدعو إلى عبادة الله، وموقف مصر على عبادة الأصنام، وبالنظر إلى سيرورة الحجاج القائم على الانتقال من نسف الموقف السلبي الذي تمثله الأطروحة المدحوضة إلى تثبيت الموقف الإيجابي الذي تجسده الأطروحة البديل والخيار الصحيح، يتضح أن هشاشة الموقف السلبي لا تتطلب سوىالتأمل في طبيعة الأصنام وماهيتها ( مادة صنعها – صانعوها ـ عجزها المطلق عن الإدراك والحركة …) وأن الاستدلال على الأطروحة الصحيحة يحتاج إلى استنفار العقل والحواس والتوجه إلى آيات الله في الكون للوصول من خلالها الحقيقة الأبدية والصانع العظيم.

كان هدف الحجاج في النص هو تصحيح المعتقدات الخاطئة، ودفع الباطل عن عقول الناس وسلوكهم، وتوجيههم إلى دروب السمو والتحرر من الأوهام والتخرصات وكل الضلالات التي يختلقها الناس ويتوارثونها، فتبعدهم عن حقيقة الإنسان ووظيفته في تمثيل الخير وتحقيق أنواع البر التي تهيئه للكرامة الدنيوية والأخروية. وقد سلك إبراهيم عليه السلام خطوات عملي لإقناع قومه، طالما أن المناظرة بالفكر المجرد لم تفض إلى الهدف، فكان كسر الأصنام واتهام كبيرها خطة ذكية حركت عقول القوم وأتاحت لهم مراجعة قناعاتهم والاعتراف ببطلانها، ويستثمر إبراهيم هذا المنحنى المنطقي العملي فيوجه قومه إلى القناعات الصحيحة والحقيقة الساطعة؛ لكن الإنسان بطبعه، وخاصة الذي يملك أسباب القوة والغلبة، يأبى الانصياع إلى الحق والاعتراف بالخطأ معتبرا ذلك منقصة وضعفا وهزيمة. لذلك، وبعد دحض الأطاريح الباطلة، خاف قوم إبراهيم من افتضاح حالهم فعدلوا عن الجدل والمناظرة، وعمدوا إلى القوة يسترون بها هزيمتهم ويخفون ضعفهم ( حرقوه وانصروا آلهتكم )، وآلت المناظرة إلى ما آلت إليهمن خسران الجاحدين بعدما تدخلت القدرة الإلهية لتنجي إبراهيم من النار، فيخرج منها سالما منتصرا مأمورا بالهجرة إلى الأرض المباركة (فلسطين).

يلعب الحوار في النص دورا أساسيا في تأمين البعد التواصلي بين المتناظرين، ويعتمد على أدوات إبلاغية تمنحه القدرة على تحقيق وظيفته، وهو يتكئ على الاستلزام الحواري والأسلوب الاستجوابي، حيث شكلت الأسئلة والأجوبة بمقاماتها التداولية المتعددة ومقاصدها البلاغية المؤثرة حافزا لمتابعة الحوار بين طرفين غير متكافئين أحدهما يملك الحقيقة والإلهام الإلهي (الرشد) والآخر يمتلك الضعف البشري والسلوك العنيف، واتسمت الاستفهامات في النص بانزياحها عن غرض السؤال المباشر إلى خلخلة أحوال نفسية وفكرية استدعت دلالات السخرية والتقبيح والتشنيع والتعريض وغيرها، واتسمت الآليات الأسلوبية ذات الصبغة التقريرية أو الإخبارية السردية بالكثافة الدلالية والاستدلالية التي تختزن عددا هائلا من الإيحاأت الممتدة والمتناسلة والميسور إدراك جلها وتتبع خيوطها بإعمال الفكر وشحذ الحواس والبصيرة، وورد في النص الكريم أيضا جمل إنشائية أخرى مباشرة، ولكنها مشبعة بالمبالغة في التحريض والقسوة في الانتقام ( حرقوه …) أو صادعة بالأمر الإلهي الخارج عن مألوف البشر ومستطاعهم ( يا نار كوني بردا وسلاما…).

تركيب وتقويم

النص حجاجي إخباري، يستفيد منه الناس عامة قصة على سبيل الاعتبار تحكي عما وقع لإبراهيم عليه السلام مع قومه في سياق دعوتهم إلى الملة القويمة والعقيدة الصحيحة بالحجة المنطقية الواضحة والدليل العملي التجريبي، وكذلك شأن كل الرسل، ومحمد صلى الله عليه وسلم أحد أولي العزم منهم، مبلغ هذا النص الكريم عن ربه، لذلك لا عجب أن يناله من قومه من محاربة دعوته إلى الحق، ومواجهة توجيهه إياهم إلى الآيات البينات والحجج الساطعات التي تدل على الله كما تدل على تفاهة ما هم فيه من اعتقاد باطل وسلوك منحرف بكل الإنكار والجحود والأذى، فيصبر الرسل وتكون لهم العاقبة. وقد اتخذت البنية الحجاجية في النص مسارا تصاعديا بدأ من إنكار إبراهيم عبادة قومه للتماثيل، ثم انتقل إلى الاعتراض على هذا السلوك الشركي وتعييبه، ثم وصل إلى النتيجة التي أسفرت عن عدم رغبة القوم في الاقتناع بدعواه ظلما وعدوان رغم وضوح الحجة وقيام الدليل. هذه البنية الحجاجية الإخبارية عرضت بأسلوب قرآني معجز جمع بين السرد والحوار والخبر والإنشاء، واتسم بتكثيف دلالي(إيجاز) بليغ ومؤثر.

النص الإخباري – مدخل مفاهيمي – درس النصوص – اللغة العربية – جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :   النص الإخباري – مدخل مفاهيمي

مفهوم الإخبار

الإخبار نوع من الإتصال يطلع المتلقي على أحداث، ومنه الخبر وهو نقل عن الغير، واحتمل الصدق والكذب، ويعتبره د. سعيد جبار مرادفا في التراث العربي للقصة والحكاية والحديث، ويعرفه بقوله: “الخبر يمثل الوحدات السردية الصغرى، فقد يتقلص إلى حدود الجملة الواحدة إنه لحل حدث يتميز ببساطة فعله ووحدته، فلا يتفرغ إلى تعدد الأفعال والأحداث وتنوع الشخصيات. وقد يطول بعض الشيء إلا أنه يحتفظ بهذه الوحدة الحديثة”. ويمكن اعتبار الحكاية تطورا له.

وظيفة الإخبار

تتجلى وظيفة الإخبار في نقل الخبر من أجل الإستدلال والتأثير في المخاطب، ومهما اختلفت مضامين النصوص الإخبارية فإنها تتركب من بنيتين:

بنية سردية: تتمثل في الخبر وينقسم هذا الخبر إلى مكونين بارزين هما:

  • الإسناد : وهو عملية يقوم بها السارد لإنشاد خيط واصل بينه وبين مصدر الخبر وأنه مجرد ناقل للخبر.
  • المثنى أو الخبر : وهو مجموع الأقوال أو الأحداث أو الشخصيات…

بنية حجاجية : تتمتل في الحوار الحجاجي الاستدلالي .

خصائص النمط الإخباري

  • سهولة الألفاظ والعبارات.
  • قصر الجمل.
  • اعتماد الأسلوب المباشر التقريري.
  • غلبة ضمير الغائب.
  • استعمال أدوات الربط المنطقية.
  • كثرة الجمل الاسمية.

النص الحواري – تحليل نص ‘الحكاية رقم (62)’ لنجيب محفوظ – درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :   النص الحواري – تحليل نص ‘الحكاية رقم (62)’ لنجيب محفوظ

سياق النص

أخطاء الحياة الفادحة التي لا يتسنى لها أن تعرف طريقها إلى العلن والتصحيح والتكفير تظل عبئا ثقيلا يرهق الإنسان الحي، حتى إذا أشرف على الرحيل قتله الندم، وعاودته الرغبة في العودة إلى المسار الصحيح، لكن غالبا ما يكون الأوان متأخرا، والتكفير شاقا أو متعدرا. تلك بعض من آفات الحياة التي امتلأت بها المجموعة القصصية لنجيب محفوظ ” حكايات حارتنا ” التي تضم ثمانية وسبعين حكاية تصور مجتمع القاهرة بكل تفاعلاته وتناقضاته. إنها مرآة لنماذج بشرية صادفها نجيب محفوظ في حياته، ويحكي قصتها بكل واقعية وشفافية ترصد الواقع كما هو، فتعري تفاصيله للمتلقي تعرية تروم تشخيص الداء ليسهل علاجه.

ملاحظة النص

إذا أمعنا النظر في العنوان ألقيناه مركبا من لفظ ورقم، يحيل اللفظ على جنس النص بكل ما يختزنه من عوالم سردية، ويحيل الرقم على ترتيب الحكاية داخل المجموعة القصصية، مما يعني أننا أمام قصة قصيرة. وبالنظر إلى المقطع السردي القصير في بداية النص الحواري يتضح أن موضوع الحكاية اجتماعي يصور واقع شخصية ثرية صالحة، لكن صلاحها له سر لا يعرفه أحد، تكشف عنه في نهاية حياتها علها تتخلص من عبئه، لكنها تجني عقوقا ونكرانا، وترحل معها الجريرة تفسد عليها طمانينة الرحيل، وهو ما يفصح عنه آخر ملفوظ في النص.

فهم النص

يتمفصل النص إلى عدد من الوحدات السردية الاتية:

  • تقديم السارد بورتريه للشخصية الرئيسية للنص، قسماته الاساسية ثروة وطيبة وصلاح وعطف على الفقراء والأقرباء، وخاصة آل مهران الذين جنحوا إلى الجريمة والعنف بسبب عوزهم.
  • استدعاء الحاج علي ولده الأكبر لإخباره بكابوس ينغص عليه اللحظات الأخيرة من حياته.
  • الحوار الذي دار بين الأب والابن مبتدئا بمحادثة فيها ود وبر، ومنتهيا بصدمة الابن لحقيقة والده ومصدر الثروة التي نعموا بها في عيش رغيد.
  • موقف الابن من اعتراف الأب سلبي يحمل الأب مسؤولية خطئه ويرفض تصحيح الوضع لما قد يترتب عنه من ضياع حياة الاسرة وتدمير سمعتها.
  • نهاية الحوار بموت الحاج علي الخلفاوي موتا مشكوكا فيه بسبب الرجة التي خلفها اعترافه، والتي أثارت رغبةكبيرة لدى ابنه في التعجيل بدفن سر أبيه معه.
  • نهاية القصة طبيعية بالنظر إلى واقع المجتمع العربي المتردي، وهي مفتوحة على آفاق تأويلية متعددة لاحتمالات موضوعية وفنية يدخل ضمنها رواة الحكاية وتعليق السارد وقناعات القارئ وافتراضات القراءة.

تحليل النص

النص حوار بين طرفين يكشف عن توتر العلاقة بين الحاج علي الخلفاوي وابنه الأكبر مند أن كشف الأب عن فحوى الحلم \ الكابوس الذي يقض مضجعه، ويجثم على صدره، وهو حوار يصنع ماهية الشخصية وصفاتها الأصلية، ويستثمره الكاتب في التكثيف الإيحائي للحدث ولمواقف الشخصيتين وأحاسيسهما في شكل تواصل يقوم على تبادل البث والاستقبال، ونسج أنماط من العلاقة الآخدة في التوتر، وهي علاقة بدأت في النص إيجابية وانتهت سلبية، وأفرزت الكثير من الأنانية والعدوانية من قبل الابن، كما عكست العديد من القيم والمقاصد التي يتعين الانتباه إليها في تغيير مسارات الأمور، وتصحيح انحرافات الشحصية. وطالما أن الحوار في النص مبني على حدث الاعتراف “الصدمة” ورد الفعل المخيب فقد بني بشكل واسع على تبادل الإرسال والتلقي القصير، وتوظيف الجمل الاستجوابية المشحونة بالنفس الانفعالي الحاد المتأرجح بين القلق والندم والاختناق من جهة، والحنق والتجاهل والإنكار من جهة أخرى، والمستثمرة لأساليب الخبر والاستفهام والنفي والاضراب باستعمالاتها المتعددة المباشرة والمنزاحة إلى دلالات سياقية تمثل ذلك الفيض الانفعالي المتناقض بين رغبتي التطهير والخوف من العار؛ ولأن الحوار في هذا النص السردي أسلوب يسمح بتدفق فعل الشخصية في الزمان والمكان تدفقا حيا فقد تخللته مقاطع سردية قصيرة سمحت باختزاله، وطوت بعض مراحل البوح والاعتراف في جمل إخبارية مقتضبة تولى فيها السارد اختصار حوار ثنائي الأبعاد يفترض أنه حمل قصة ثراء العائلة كلها وعلاقتها بخراب آل مهران، وما قد يكون تخلل ذاك الحوار المسكوت عنه من مواقف وأفعال وردود بما فيه من توسل وضراعة وجفاء واحتقار، وهذه المقاطع السردية والوصفية اضطلعت بوظائف متعددة، لعل أهمها تأثيث فضاء الحوار، وتحديد ملامح الشخصيات ووصف حركاتها وتعيين مواقفها، وتحريك الحدث والإيهام بواقعيته، وترتيب أجواء الصراع، وصناعة الحبكة.

ساهم الحوار في النص في تمثيل مواقف الشخصيات المتحاورة عبر تحقيق جملة من الوظائف أهمها الوظيفة التواصلية التي تسعف في تصوير الصراع الذي دار بين شخصيتين: الأولى تريد تصحيح خطئها، والثانية تصر على حماية موقعها ولو اقتضى الأمر دفع الأب إلى الجحيم، كما تسعف في الكشف عن أنماط التفكير والتصرف إزاء المواقف الحرجة واللحظات التي تخلق الأزمة، وتعالج فيها الخطيئة بالخطيئة بناء على حسابات واقعية نفعية، وفي رسم صورة واضحة للشخصيات المتحاورة في أبعادها الحسية والاجتماعية والنفسية التي لا تشد عن أفقها المألوف والواقعي مما يمنح القصة حيوية وإثارة.

يتمحور الحوار في النص حول موضوع الخطيئة والندم والعقاب المرتبط بها في حياة مبنية على أساس هش ينذر بلعنة تحرق الحرث والنسل. وقد عرض الكاتب هذا الموضوع في إطار درامي متشابك ساهم في بلورة أبعاده فضاء الحوار غير المحدد، وزمانه الذي لم يلتفت إليه الكاتب سوى أنه مرتبط بإحساس الشخصية الرئيسية بدنو أجلها في حكاية تنتمي إلى الماضى وتستمر على لسان أهل الحارة في الحاضر،فلا نعرف فيه ليلا ولا نهارا، ولا يوما ولا شهرا مما يتلاءم بشكل عضوي مع تضخيم الإحساس المهيمن على الشخصيتين في النص، ويسمح بانبثاق فضاء مفتوح ومغلق في نفس الوقت، حميمي وعدائي معا، ينطلق من سرير الحاج علي الخلفاوي في غرفة شاسعة في دور من أدوار بيت كبير إلى مكان ما في الماضي والمستقبل، ويضيق الخناق على الشخصية هو والزمن الحرج المنذر بالرحيل. وهكذا يكتسي الزمن والمكان دلالات نفسية دراماتيكية يحاول أحد أطراف الحوار فتحهما ويصر الثاني على إحكام إغلاقهما بكل المصاريع، ولكل منهما منطلقاته وأهدافه، والحسم للأقوى والأيفع والأكثر قدرة على المكر وسرعة في الحركة.

لكل من الشخصيتين المتحاورتين في النص سمات مرتبطة بالوظائف والدوافع التي تحركها، وهي سمات تختزل حركاتها وطريقتها في التعبير عن مواقفها ورغباتها وأحاسيسها، ويعكس المعجم المستثمر في النص هذه السمات المتنافرة والمتقاطعة أحيانا، فبين معجم القيم الإيجابية التي مثلتها وظيفة الحاج علي الخلفاوي كرجل موسوم بالصلاح والطيبوبة والكرم ورعاية المحتاجين، ووظيفة ولده الذي بدا قبل الاعتراف ودودا عطوفا متواصلا إيجابيا مع والده، ومعجم القيم السلبية التي مثلها ماضي الحاج علي الخلفاوي وموقف الابن من الاعتراف، ورد فعله تجاه الأزمة، وأفعال شخصيات عابرة موسومة بالقبح والانحراف، ينبثق معجم الحالات النفسية المتوترة للشخصيتين المتحاورتين المعبر عن وعيهما الخاص، ولا وعيهما أيضا، وتقديرهما للحدث \الأزمة، وعواقبه المختلفة عند كل منهما بما يعلن عن الهوة العميقة التي أصبحت تفصل بينهما على مستوى التفكير والرغبة والإحساس. هذا التنوع في الحقول المعجمية الناجم عن تغير الأدوار والوضائف يخلق ثراء دلاليا يلامس كنه الطبيعة البشرية غير المستقرة.

تركيب وتقويم

يسعى الحوار في النص إلى سبر أغوار الشخصيتين في أبعادهما الإنسانية لحفزهما على البوح برؤاهما وتصوراتهما، بوحا يلامس شروخا عميقة في نفسية الإنسان المتلبس بالخطيئة، المدرك بشكل من الأشكال لجوهره الضعيف وتركيبته غير السوية، المصر على العناد والأنانية والتماطل والعقوق والجزع حفاظا على وضع يصعب التضحية به، ويستحيل معه الرجوع إلى الوراء، وتعاملا مع الواقع بنوع من السلوك وشكل من التصرف يختزل التصحيح في طي الصفحة وكنس الخطر، وتحميل السلف مسؤولية أفعال الخلف في أوضاع هشة تتفشى فيها القيم الرديئة، وتندر قيم البطولة والتضحية.

وقد عرض النص هذه الصورة في حدث شديد الاختزال، وشخصية تصدعت هويتها وغرقت واقعها واختارت مصيرها، وزمن نفسي مزدوج الأبعاد يختلط فيه الحنق بالتوسل والرحمة بالغلظة، وسارد متكلم عالم بخبايا الحكاية وأوضاع القوى الفاعلة، ولغة مباشرة تتوزع بين الإخبار والإنشاء الممسوسين بعبارات دافئة حينا وموجعة آخر، ومعجم يذهل المتلقي بما يفجره من تشويق وإثارة.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads