Ads Ads Ads Ads

النص التفسيري- تحليل نص ‘القديم والجديد’ لطه حسين- درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : النص التفسيري- تحليل نص ‘القديم والجديد’ لطه حسين

سياق النص

لعل من أهم القضايا التي أثيرت إبان اليقظة العربية، و التي كانت مثار خلاف شديد بين النقاد والأدباء، هي قضية القديم و الجديد . و هي قضية متجذرة في الفكر النقدي والانشغال الأدبي الإبداعي العربي منذ اختلط العرب بالأمم التي فتحوها وانصهرت ثقافتهم بعلومها وآدابها وأذواقها. و منشأ هذه المسألة يعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حين ظهرت حركة إحياء التراث العربي بالعودة إلى أصوله المشرقة، وظهرت بالمقابل حركة نقدية جديدة مضادة للإحياء، فاشتعلت المعارك الأدبية والنقدية على صفحات الجرائد والمجلات، وألفت كتب في هذا الجدل النقدي تضمنت حجج الطرفين وتصوراتهما. وممن خاض في الجدل الدائر حول القديم والجديد طه حسين عميد الأدب العربي، الأزهري الأعمى الحاصل على الدكتوراة في علم الاجتماع، بمقالات نشر جلها في كتابه “حديث الأربعاء”، ومنها هذا النص.

ملاحظة النص

يتركب العنوان من كلمتين عطفت إحداهما على الأخرى للتأشير على نوع من العلاقة الملتبسة بالتجاور والتنافر بحسب طبيعة العملية الحجاجية الثائرة بخصوصهما وسياقات إنتاجها وحدة المواقف المتضادة المتخذة إزاءهما باعتبار القديم والجديد عنصرين يصنعان جوهر الكينونة الثقافية العربية ومكونين عضويين للهوية المترنحة عصر النهضة، إليهما يعزى إلى الذات العربية كل ما ينسب إليها من تخلف أو تقدم أو تخبط أو تفرد بحسب الموقف منهما إقبالا أو إعراضا. وهاتان اللفظتان لبستا في الحركة الفكرية العربية الحديثة ألبسة متعددة لا تخلو من خلفيات غير علمية ولا أدبية، وصيغت لها ثنائيات مشهورة من قبيل الأصالة والمعاصرة، والنحن والآخر، والمحافظة والتحديث، والاتباع والابتداع، وتكرار النموذج وتكسير البنية…

وبإمعان النظر في لفظتي العنوان يتضح أنهما متضادتان تختزنان حمولتين معرفتين وحضاريتين مختلفتين، لذلك يفترض أن الجدل الدائر حولهما يعكس أطروحة ونقيضها، ويفجر موقفا يميل صاحبه إلى إحداهما مجاولا استنفار أجهزته الإقناعية وعدته الحجاجية التفسيرية وقدراته الأسلوبية المؤثرة لتوضيح تصوراته وتزكية موقفه، وهو ما سيكشف عنه النص.

فهم النص

يعرض النص إشكالية القديم والجديد في بنية تصورية مفاصلها الأساسية تتحدد في ما يلي:

  • إقرار الكاتب بعدم إمكانية الحسم في مسألة القديم والجديد لأنها جدل طبيعي حاصل في كل الأمم وكل الأزمنة ونتيجة منطقية لتطور المعرفة وتفاعل مكوناتهان وينبغي الاستفادة من تداعيات هذا الجدل لا تحويله إلى معيق للتطور .
  • اعتقاد الكاتب أن الانتصار للقديم وهم وتكلف وادعاء مادام أنصاره أكثر التصاقا في حياتهم بالجديد، وخلطه في مسألة القديم والجديد بين اللغة والأدب والثقافة والقيم المجردة وبين وسائل الحياة المادية ضعف واضح في بنيته الاستدلالية ومناورة خطابية لا غير.
  • اعتراف الكاتب بوجود أنصار قلائل مخلصين للقديم بسبب قصور فهمهم للجديد والقديم وللصلة بينهما، وهؤلاء يتركون لحالهم لأنهم ليسوا شيئا، إعلان صريح من الكاتب أنه من انصار الجديد المتحاملين على القديم جملة وتفصيلا.
  • انتقاد الكاتب أنصار الجديد بلغ حدا يلغي فيه وجودهم، أو يقصره على فئة قليلة جاهلة تعيش خارج التاريخ، وحجته تباكيهم على منظومة لا يخلصون لها طالما أنهم يركبون السيارات ويجلسون على الكراسي ويأكلون بالملاعق، وهي حجة فيها غير قليل من الارتكان إلى السطحية والذاتية في النظر إلى منظومة معقدة كمنظومة الثقافة والقيم.
  • انتهاء محاججة الكاتب إلى اعتبار الانتصار للقديم بدعة ومبالغة وقضية غير متجذرة ولا سند لها من الواقع.

تحليل النص

يتضح منذ الجملة الأولى في النص أن محور الجدل والمحاججة ليس عرض إشكالية القديم والجديد بكل حمولاتها المتناقضة وتصورات طرفي المخاصمة النقدية القائمة على أشدها، بل عرض مواجهة الكاتب لأنصار القديم، ومحاولته دحض أطروحة لا يعرض بأمانة خلفيتها الفكرية والمنطقية، فلا نرى في النص موقفا من أشكال الفكر والإبداع والفن القديم وقيمه الدلالية والجمالية الثابتة والمتغيرة سوى أنه عليه أن يزول فاسحا المجال أمام جديد لا يعرض النص ماهيته أيضا ولا نسب حضور القديم فيه، وهو ما يضع تحليلنا في مأزق. وبالنظر إلى ما يعرضه النص من تصورات فإن هم طه حسين هو التصدي لأنصار القديم الذين يمثلون الحركة السلفية وحركة إحياء التراث العربي وبعثه لربط حاضر أمة عربية جامدة مقهورة بماض مشرق يشكل قاعدة للانطلاق نحو مستقبل متميز ومزدهر، هؤلاء الذين كانوا بالأمس زملاء لطه حسين في الأزهر والجامعة باتوا خصوما له ولأنصار الجديد الذين تبنوا خيارا آخر يدعو إلى الانفصال عن القديم، والانخراط في الجديد بما يمثله من فكر ولغة وأدب وقيم وحضارة، التحاقا بركب الغرب المتقدم وتقليدا له واستنساخا لأنماطه الفكرية والفنية والمنهجية ؛ ولهذا خرجت المحاججة في هذا النص، وفي الردود التي أثيرت حوله عن منطق الحوار المعقول إلى محاولات النسف والإقصاء والتسفيه.

حاول طه حسين بيان فساد الأطروحة المدحوضة من خلال اعتبارها سلوكا معرفيا طبيعيا مرتبطا بحتمية تاريخية تعلن زوال مرحلة وقيام أخرى، ولذلك فالقديم في حكم الزائل، وهو كالديك المذبوح يترنح تمسكا بحياة آيلة حتما إلى النهاية، محاولا إقناع أنصار القديم بأن كل مرحلة لها طابعها ومميزاتها التي تسم كل مظاهرها، وليس اللغة والأدب فحسب، واعتمد طه حسين في استدلالاته على نوع من القياس المنطقي المتدرج القائم على ربط الأفكار بعضها ببعض ربطا سببيا، فالصراع بين القديم والجديد مسألة حيوية لأن الواقع يتطور ويعلن في كل مرة عن انتقال، لذلك لا بد للقديم أن يقاوم كي لا يزول، وللجديد أن يقاوم كي يثبت، والمسألة في النهاية إزالة وتثبيت، وهو منطق ابتعد عن افتحاص البنية الداخلية للأطروحتين، وحاول المحاججة من خارجهما، لأنها الخيار الأسهل غير المكلف، ويتم أحيانا بطريقة سفسطائية مما يقودنا إلى اعتقاد مفاده أن البنية المنطقية لهذا الهيكل الاستدلالي لطه حسين في هذا النص ضئيلة بالقياس إلى أبعاد الظاهرة موضوع المحاججة.

ما يميز النص الحجاجي قوته الإقناعية وأسلوبه الحجاجي، ويتحقق ذلك بأساليب التفسير من وصف وتعريف وسرد ومقارنة وتمثيل واستدلال وتركيب واستنتاج، وقد رأينا أن النص حاول جاهدا تقوية بنيته الاستدلالية بنوع من المنطق القائم على استقراء واستنباط وقياسات غايتها القصوى النيل من أنصار القديم وتهوين قضيتهم وتقزيم وجودهم، رغم أن قيمتها التفسيرية والاستدلالية هشة كمسألة الخلط بين القيم المجردة بما فيها من ثوابت ووسائل الترفيه المادية العرضية المتغيرة باستمرار، ومسألة وسم المخلصين للقديم بالجهل والقصور وغيرها مما لايعتد به في بناء الخطاب الحجاجي التفسيري. كما أنه توسل بأساليب مثيرة ومغوية وداعمة بشكل كبير للطابع الحجاجي التفسيري في النص، منها التلوينات الأسلوبية الملامسة لسياقات تداولية تخرج عن مقتضياتها المباشرة المرتبطة بالخبر والإنشاء أحيانا، وتلزمهاأحيانا أخرى تأمينا للالتحام الدلالي المنطقي القاصد إلى نسف أطروحة وتثبيت أخرى من جهة، وإشاعة لنفس جمالي تمارس عبره اللغة قوتها التأثيرية لمحاصرة المتلقي من الجهتين العقلية والنفسية من جهة أخرى، كما استثمر النص أسلوب التكرار، وخاصة تكرار التراكيب نفسها، أو بإعادة تركيبها مستخدما نفس المواد المعجمية، وتكرار صيغ النفي والإثبات، وأنواعا من التكرار الدلالي والصوتي المتمثل في الترادف والجناس، وتكرار ثنائية القديم والجديد، والتكرار المعجمي المتطابق والاشتقاقي، ومؤشرات التوكيد المتنوعة، وأدوات التفسير الزاحفة على النص من بدايته إلى نهايته، وهذا التكرار له بلاغة خاصة في تصدير الدلالة الإلحاحية الإقناعية التوكيدية. واستثمر النص أيضا محسنات كلامية جعلت جمل النص تحبل بإيقاع موسيقي مؤثر كبعض السجع وأنواع من الطباقات والمجانسات، وهو ما يجعل لغة النص رغم بعدها عن الطابع البياني مخلصة للصياغات القديمة الكامنة في اللاوعي المعرفي والفني للكاتب مضيفة إليها مزيدا من السلاسة والتدفق والليونة، رغم أنه يحاول في النص التدليل على عدم أهليتها.

تركيب وتقويم

النص نموذج بسيط للخطاب الحجاجي التفسيري الذي يعالج إشكالية معقدة شغلت النقاد العرب منذ عصر النهضة، كما شغلت حيزا في خريطة النقد في كل الثقافات والحضارات، ولو بحدة أقل، وأنتجت خطابات حجاجية متحاملة أحيانا، وموضوعية أحيانا أخرى، والنص فيه نسب من كليهما، ويرى كثير من المشتغلين بتاريخ الأفكار أن الصراع لايحسم بإلغاء أحدهما للآخر، لأن ذلك ضد التاريخ والمنطق، وأن التلاقح والتفاعل الطبيعي بين القديم والجديد والنظرة الموضوعية المتسامحة وحدها كفيلة بإخراج العالم من صراع الحضارت الذي هو في نهاية المطاف صراع قناعات وتصورات، ومحاولة هويات تذويب أخرى أو تحييدها بمنطق القوة أو التسفيه والمؤامرة. ونص طه حسين لا يعي كل هذه الأبعاد بقدر ما هو منجذب إلى الجديد مشدود له بسبب انبهار بمنجزاته عصرئذ، ومتذمر من هيمنة القديم الذي يأبى أن يستسلم بسهولة على الأقل في ذلك الوقت، وهو يعرض تصوراته بلغة رصينة أسلوبيا فيه الكثير من ملامح القديم، وغير قليل من التحرر من بعض قيوده، يلعب فيها التكرار والتلوينات الأسلوبية وبعض اللمسات التجميلية دورا مساندا للوظيفة الإقناعية.

النص التفسيري – مدخل مفاهيمي- درس النصوص – اللغة العربية – جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : النص التفسيري – مدخل مفاهيمي

النص التفسيري

تتسم اللغة العربيّة، بسعة مفرداتها، وسعة طرق التعبير فيها، ومن ذلك التعبير من خلال النصوص، حيث تتنوع نصوص اللغة العربيّة، إلى نصوص أدبية ، كالنثر، والمقالة، والشعر، والقصة، والرواية، والمسرحيّة، ونصوص غير أدبيّة، كالنصوص السرديّة، والإرشاديّة، والنقاشيّة، والتفسيريّة، والنص التفسيري هو أحد أنواع النصوص غير الأدبيّة في اللغة العربية، ويهدف إلى تقديم معلومات حول موضوع معيّن، كما أنّ للنص التفسيري خصائص معيّنة، يتصف بها عن غيره من النصوص، وذلك من ناحية البناء الموضوعي، ومن ناحية التركيب اللغوي.

خصائص النص التفسيري

البناء اللغوي

  • يبدأ بسؤال الاستفهام كيف أو لماذا، وذلك لأنّه يقدم معلومات وحقائق معيَّنة، فيمهد لها بصيغ الاستفهام.
  • يشبه المقالة في طريقة تنظيمه، فهو يتكون من مقدمة، وعرض، وخاتمة، مع وضوح العلاقة والصلة بينها.
  • تتمحور المقدمة حول سؤال استفهامي يتمّ الإجابة عليه في العرض، بعدة جمل تفسيريّة.
  • يتم تناول المعلومة، أو الظاهرة، من خلال عرض الحقائق، والمواضيع بشكل تفصيلي، ويتمّ عرض عدة تفسيرات لها متى لزم الأمر.
  • تتضمن الخاتمة فيه تلخيصاً لموضوع النص، وترتيباً لعناصره بشكل مبسط، وتكون على شكل خلاصات استنتاجيَّة.
  • يوظّف بعض الرسومات، والصور التوضيحيّة، والبيانات الإحصائيَّة، والجداول المعلوماتيّة.
  • يتضمن حقائق علميّة حول أمرٍ، أو ظاهرة معيّنة، يتخللها أحياناً ذكر الرأي الشخصي للكاتب.

التركيب اللغوي

  • يغلب على أسلوبه استخدام الجمل الطويلة التي تنبني فيها الأسباب على مسبباتها، والنتائج على مقدماتها، فالجملة تتضمن أحياناً الظاهرة أو الحقيقة، وما يسببها.
  • يكثر في أسلوبه استخدام الأفعال المضارعة، والمبنيّة للمجهول.
  • يتميز بدقة الألفاظ، ووضوحها، لتعلُّقها بالواقع، وأحياناً يستخدم أسلوب التعبير الفني وما فيه من استعارات، وتشبيهات، بهدف توضيح بعض الأمور التي يتناولها النص.
  • يستخدم فيه عدة أدوات للربط بين الجمل، وذلك لخدمة موضوع النص، ومن ذلك: ولهذا، وكي، وحتى، ولأنّه، ومن أجل، وعندما، وحينئذ.
  • تستخدم فيه بعض المصطلحات المتعلّقة بموضوع النص، كالظواهر العلميّة.
  • يكثر فيه استخدام الأسلوب غير المباشر.
  • يتضمن علاقات منطقيّة وسببيّة. يحتوي بعض النزعات الفلسفيّة، التي تلعب دور العقل، وتغيّب الاعتماد على النقل.
  • يتسم باللغة العلميّة البسيطة، بعيداً عن الحشو والتكرار، والإطناب.

فوائد النص التفسيري

  • توضيح حقائق محددة، بتفصيلها وبيان عناصرها.
  • تأكيد حقائق معيّنة، بمناقشتها والتدليل المنطقي والعلمي على صحتها، من خلال مناقشة المواضيع المتضمّنة لها وعرض أسبابها ومسبباتها.
  • الرد على الشبهات وتصحيح الأخطاء، لاعتماده النهج العلمي في التفسير، والعرض، والمناقشة، فهو يتلاقى مع الأسلوب الحجاجي في بعض الجوانب.
  • إعطاء اهميّة للنقاش والحوار، وإعمال العقل، وتفجير قدرات الإنسان العقليّة، وتوسيع مداركه وقراته الثقافيّة.

نص إخباري تحليل نص المفاضلة بين النظم والنثر لأبي حيان التوحيدي- درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :    النص الإخباري – تحليل نص ‘المفاضلة بين النظم والنثر’ لأبي حيان التوحيدي

سياق النص

شغف النقد العربي بالمفاضلة فألفت كتب في طبقات الشعراء وفحولهم والعلماء ومراتبهم، واتخذت المفاضلة في العصر العباسي منهجا نقديا دقيقا له أسسه وإجراأته التحليلية، ففوضل بين الشاعر والشاعر، والمعنى وأخيه، والغرض ونظيره، والاستعمال وشبيهه، والفن وتربه. وممن اشتغل بالمفاضلة الآمدي في الموازنة بين الطائيين والقاضي الجرجاني في الوساطة بين المتنبي وخصومه. واتخذت المفاضلة أحيانا شكل مناظرات طريفة أو مقاربات نقدية تنبش في طبيعة أجناس أدبية كبرى وسماتها المميزة وخصائصها الخلاقة، ونذكر من ذلك المناظرة بين السيف والقلم، أو المفاضلة بين النظم والنثر، أو بين المنطق والنحو. وكان لأبي حيان التوحيدي مشاركات طريفة في هذا النقاش النقدي القائم على الموازنة والمفاضلة والمناظرة، سواء في كتابه “الامتاع والمؤانسة” أو “المقابسات” أو “الهوامل والشوامل” الذي أخذ منه هذا النص الذي يتخذ شكل خبر حجاجي يتولى فيه التوحيدي السؤال ومسكويه الجواب.

ملاحظة النص

يحيل العنوان على نوع من الانشغال الفكري والنقدي الذي يسعى إلى ضبط خصائص نوعين أدبيين أثار تفضيل أحدهما على الآخر منذ العصر الجاهلي جدلا عريضا، إذ كان للشعر صولات هيمن فيها على حاجات المتلقي التواصلية والمعرفية والجمالية والدفاعية والتوثيقية…، وكان للخطابة أيام ازدهار أمست الحاجة فيها إليها أولى، ونشأ عن ذلك سؤال المفاضلة الذي دفع المنشغلين بها إلى استكناه ماهية فني الأدب الرئيسيين وطاقاتهما ووظائفهما، والعنوان محيل على هذا السؤال وذلك الانشغال الذي يجهد النص نفسه في الإجابة عنه مستنفرا كل الحجج الداعمة لموقف مسكويه الذي هو موقف التوحيدي نفسه من هذه القضية التي يوردها في قالب إخباري سردي.

فهم النص

يتمفصل النص إلى حزمة من المحمولات المنطقية والإخبارية نجملها في الآتي:

  • طرح سؤال المفاضلة في بداية النص بما يستبطنه من تقرير تفضيل أكثر النقاد للمنظوم على المنثور من الكلام.
  • عرض موقف مسكويه من المفاضلة المؤسس على اعتبار النظم والنثر تمظهرين مختلفين لجنس واحد هو الكلام الأدبي، ويتفرع كل منهما إلى فروع تماما كتفرع الكائن الحي إلى الناطق والبكماء وانقسام البكماء إلى الطائر والسائر وهكذا.
  • اعتبار مسكويه أفضلية النظم قائمة من جهة الوزن فقط ، أما المعاني فمشتركة بين الشعر والنثر ، وتتعرض في كليهما لمستويات الجودة والرداءة.
  • تمثيل مسكويه لحلية الوزن في النظم بزيادة اللحن في المنظوم المغنى.
  • انتهاء المفاضلة في النص ببيت لأبي تمام يعكس الموقف الوسط الذي يتبناه أبو حيان التوحيدي.

تحليل النص

يتميز أبو حيان، في هذا النص وفي غيره، بذلك الظمأ العقلي الذي يحفزه إلى إلقاء الأسئلة عما يعتلج في ذهنه ونفسه من مشكلات، ومنها مشكلة العلاقة بين النظم والنثر، وإمكان المفاضلة بينهما. ومنشأ هذه المشكلة فلسفي الطابع قائم على مسألة التفاوت بين الخطابة والشعر ، ولكن الأمر تعدى هذا الحد الفلسفي إلى المناظرات الجدلية ، حيث كل فريق يستعين في تفضيل الشعر أو النثر بأمور خارجة عن طبيعتهما أحياناً مثل ما قيل حول حظ الشعر من التخييل (الكذب) وحظ الخطابة من الإقناع ( الصدق)، وأن الشعر صناعة قائمة بذاتها، بينما النثر (أي الكلام) يستطيعه كل إنسان. وواضح ان هذه الخصومة ما كانت لتصل إلى هذا المستوى لولا تعصب كل فريق لما يحسنه، ومع ذلك فان أبا حيان يرى في النص أن الأكثرية يقدمون النظم على النثر، دون ان يحتجوا فيه بظاهر القول، وأن الاقلين قدموا النثر وحاولوا الحجاج فيه، ولذلك سال صديقه مسكويه عن مرتبة كل منهما، فكان مجمل جوابه: أن النظم يزيد على النثر بالوزن فهو أفضل من هذه الجهة، أما إذا اعتبرت المعاني فأنها مشتركة بينهما وليس من هذه الجهة تميز أحدهما من الآخر، بل يكون كل واحد منهما صدقاً مرة وكذباً مرة وصحيحاً مرة وسقيماً أخرى.

الناحية التطبيقية في النص ضعيفة، والنظرة إلى الشعر تركيبية مجملة في كلمات يسيرة وأحكام عامة لا تسبر دقائق موضوع المفاضلة وتفاصيله بقدر ما تسعى إلى تسجيل جو الجدل الدائر بين فريقين لتركيب موقف وسط يبدو للتوحيدي معقولا وقادرا على حسم المسألة.
– يضعنا النص ضمن سياق الحديث عن إشكالية نقدية متجذرة في النقد العربي، يتعلق الأمر بالتمييز بين النثر والشعر، والحديث عن هذه الثنائية يقودنا إلى اعتبار مفهوم المفاضلة مقاربة نقدية تسمح بكشف تجليات هذه الاشكالية. ومضمون كلام أبي حيان في هذه النص يرصد في البداية واقعها، فالنثر مهما احتفى أصحابه بإتقانه وتجويده لم ينل من نفوس النقاد وانشغالهم ما ناله، ثم يحاول بعد ذلك تحديد طبيعتها فيرى أن الشعر لا يختص وحده بالموسيقى والخيال، بل هما قدر مشترك بين الشعر والنثر الفني ( المسجوع والمرسل) ، والفرق بين النوعين من الكلام نسبي يؤول في الغالب إلى العروض، أما الجوهر فواحد، والتمايز بين الشعر والنثر تمايز من حيث الماهيات والوظائف، التي تجعل كلا منهما فنا مستقلا بذاته عن الآخر بخصائص مثل الإيقاع في الشعر وحضور البعد العقلي في النثر.

إن المظهر الأكثر تجلية لِمَلْمَح التساؤل في النص، يظهر في «المحاورة» التي تقوم على مخاطبة الآخر، بصيغة السؤال والجواب، مخاطبة تبدو بسيطة في «الهوامل والشوامل» غير أنها تتم بصور أكثر تعقيداً من مجرد طرح السؤال من قبل الراوي،باعتباره انفتاحا على مختلف إنجازات الثقافة والمعرفة وقتئذ، وإعادة الاعتبار لثقافة المشافهة ونمط المناظرة كخطاب حجاجي يسوق الموقف ونقيضه، وينتهي إلى تفضيل أحدهما أو إلى التوسط بينهما.

يتوسل التوحيدي في بناء تصوراته في النص بالمعطى العقلي، فالعقل عنده أداة تمارس فعل الحفر في مختلف المجالات المعرفية كيفما كانت طبيعتها، ولذلك كان العقل عنده أشرف من الحس وأرفع، والمحسوسات معابر للمعقولات، ولهذا حفل النص بالجانب التنظيري التفكيكي المنشغل برسم الحدود وتتبع التفريعات، بينما لم ينشغل كثيرا بالجانب النقدي التطبيقي كما فعل الآمدي والقاضي الجرجاني وغيرهما من نقاد القرن الرابع الهجري، وهو في توسله بالعقل يراعي كفيلسوف مبدأ التوسط وعدم التفريط، وهي نزعة توفيقية واضحة في النص أثناء عرض إشكالية العلاقة بين النظم والنثر ، فقد التزم موقف الوسط وقال ضمنيا بالمساواة بينهما في الصناعة، وهو ما تجليه جملة ترد في الهوامل والشوامل مما يلي هذا النص: ” خير الكلام ما قامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه نظم، يطمع مشهوده بالسمع، ويمتنع مقصوده على الطبع…”

أبرز الخصائص الأسلوبية التي تعكس طابع النص الحجاجي الإخباري هي:

  • حضورالاستفهام ، فالتوحيدي فيلسوف التساؤل لديه روح تعشق الجدل ولا تكفّ عن إثارة السؤال تلو السؤال
  • الحرص على التوسّع والإطناب والتّنقيب والاستقصاء والشّرح المستفيض وتفصيل الفكرة والتدقيق في المسئلة لنزع الشبهة وضمان الدّقة
  • تواتر أسلوب التعليل ربطا للمقدمات بالنتائج
  • استثمار مفاهيم علمية ومصطلحات فلسفية وعبارات تجريدية مثل : الجوهر – الحقيقة – الصّورة…
  • استخدام أسلوب التّوليد السّقراطي من خلال الانتقال من البسيط البديهي إلى المعقّد المركّب، والانطلاق من معنى رئيسي ثمّ سلسلة الأفكار وتنسيل الدلالات.
  • تقريب المعنى بضرب الأمثلة كتشبيه الأدب بالكائن الحي المنقسم إلى فروع تؤول كلها إلى الأصل.
  • اعتماد المسارالحجاجي الحواري بعرض الرّأي و نقيضه ، وهو أسلوب في المناظرة والمساجلة، ومن ذلك المناظرة بين النثر والنظم
  • التجاوب مع تقاليد السرد الإخباري من خلال توظيفه لبنية الخبر وما يتأسس عليه من سند ومتن على شاكلة أخبار الجاحظ، وهذه الأخبار والحكايات هي بمثابة حجج واقعية تاريخية لأطروحات ضمنية.
  • الأسلوب الوصفي التسجيلي لأحوال مجتمع القرن الرابع للهجرة.
  • عدم البحث العميق في الأسباب و النتائج.
  • مزج السرد التاريخي بالوصف الانطباعي والحواري مما يخرج الحدث عن تاريخيته، ويدخله ضمن النشاط النقدي والفلسفي .
  • التوسّل بالعقل من أجل ممارسة الرّوح النقدية على بعض الرؤى أو الأطروحات للخلوص إلى دحضها و تصحيحها بعيدا عن منطق التعصّب أو الوثوقية، والتزاما بالرّوح الموضوعية ، وذلك واضح موضوع المفاضلة بين النثر والنظم.

تركيب وتقويم

كان للنقد الانطباعي دوره في إذكاء فكر المفاضلة ، ثم دخل مجموعة من النقاد هذه المعمعة، وساعد النقد النابع من تصورات ذاتية في تعميق اشكالية التمييز بين الشعر والنثر، فتضاربت الآراء بين مفضل لهذا ومفضل لذاك. وكان من بينهم من التزم موقف الوسط كأبي حيان التوحيدي في هذا النص موضوع تجليلنا. وقد تبدو محاولة التفريق بين الشعر والنثر عبثا خصوصا وأنهما مختلفين ومؤتلفين في نفس الوقت، حتى إن بعض المحدثين يعتبرون المفاضلة بينهما جدلا لا طائل تحته والانصراف عن مبدا المفاضلة إلى تحليل الخطاب وفهمه وتذوقه من الداخل أولى ، وهو أمر لا تكاد تخلو منه المفاضلة نهائيا حيث تهدف إلى بناء وعي معرفي يعي أهدافه، ويسعى إلى التحكم في المواضيع التي يشتغل عليها بأسلوب حجاجي إخباري يعكس وجها من انشغالات الكتابة النقدية في القرن الربع الهجري وخصائصها الأسلوبيةِ.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads