المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل
المادة :دروس النصوص الدورة الثانية – اللغة العربية
عنوان الدرس : شعر النضال والمقاومة – مدخل مفاهيمي
شعر النضال والمقاومة
لعل من أحد أهم أنماط الأدب المعاصر والذي ساهمت القضية الفلسطينية في إبرازه للقارئ العربي هو الشعر الذي أطلق عليه “شعر المقاومة”. وهو الشعر الذي تسلل إلى القارئ العربي عبر العديد من النوافذ التي كانت متاحة في عقود الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي. وقد كان لشعراء فلسطين من أمثال محمود درويش وسميح القاسم وهارون هاشم رشيد وفدوى طوقان والعديد غيرهم قصب السبق في تأسيس هذا النوع الجديد من “القصيد”.
و خلال هذه الفترة إكتظت السجون بالمقاومين الذين أخذوا يصوغون تجربة جديدة وراء القضبان يصنعون بها إرثا جديدا للمقاومة ويسطرون أروع ملاحم المواجهة بين “السجان” و”السجين” المقاوم. ولقد أخذت الكثير من الأشعار بل والأعمال الفنية المقاومة تخرج إلى النور من ظلام السجن وذلك قبل خروج “المقاوم”. ولقد كان المقاومون في ذلك الوقت يهربون أعمالهم بالعديد من الوسائل التي كانت تتحدى كل جبروت السجن والسجان مما يصيب المحتل بحالة من الرعب عن كيفية تواصل السجين مع مجتمعه. ولقد أطلق على هذا النوع من الابداعات الأدبية “أدب السجون” والتي بإمكاننا أن نصنف جزأ منها هنا تحت إسم “شعر السجون” والذي أطل علينا قبل أيام شاعرنا “باسم الهيجاوي” بقصيدة جميلة يبدو انه قد رسم لوحتها أثناء تواجده وراء القضبان (قرية حزيران القتيل ـ من أدب المعتقلات، دنيا الوطن)
ويمكننا تعريف شعر المقاومة بأنه تلك الحالة التي يعبر فيها الشاعر وبعمق وأصالة عن ذاته الواعية لهويتها الثقافية والمتطلعة إلى حريتها الحقيقية في مواجهة المعتدي في أي صورة من صوره، منطلقا من موروثه الحضاري وقيمه المجتمعية العليا التي يود الحياة في ظلها والعيش من أجلها.
فالمقاومة هي مشروع حضاري أصيل لا يستطيع أحد مهما كان سلطانه وجبروته الوقوف أمام سيل هادر من إرادة شعب أو أمة ليمنعهم من تحقيق أهدافهم المشروعة والتي تكفلها شرائع السماء ومواثيق الأرض بكل أنواعها ومشاربها. ومن هنا إستمدت المقاومة الفلسطينية شرعيتها الكونية وذلك بتعاطف كل شعوب الأرض معها. وفي هذا المجال تبرز أهمية ودور الشعر المقاوم كشعر رسالي أحد أهم أهدافه العمل على إاستمراية شحن الحس المقاوم ليس فقط في شرايين الشعب صاحب القضية بل وأكثر من ذلك في إتجاه نحو دائرة “العالمية” بل وإن شئت “دائرة الكونية”.
لقد حظي الشعر المقاوم باهتمام العديد من دور النشر العالمية وبلغات متعددة، وكان الشاعر الفلسطيني الرائد محمود درويش من بين أؤلئك الذين تمت ترجمة العديد من أعماله الى لغات مختلفة. ودرويش نفسه يقول لقد حظيت بعض أعمالي بالترجمة بأكثر مما تستحق في بعض اللغات بينما لاقت أقل مما تستحق في لغات أخرى.
ولعل جزأ هاما من “رسالية” الشاعر الفلسطيني هو تعميق وتجذير “الإنتماء المقاومي” في ذات المواطن الفلسطيني والعربي والوصول به الى حالة الاحساس الدائم ب”وجودية” المقاومة على الأرض أو حتى تحت الأرض. ومن هنا كان الكلمات المشهورة عن موشيه ديان بعد حرب 1967 وهو يعلن بكل وضوح أن قصيدة يكتبها “شاعر مقاوم” تعادل عنده عشرين “فدائيا”. بينما يقول محمود درويش بأنه قد تلقى تهديدا بعدم قرض الشعر أو إلقائه عندما ألقى أول قصيدة له في المدرسة.
إذن ف”الشعر المقاوم” هو الذي يستنهض الأمة من سباتها ويوقظها من نومها العميق، ويعمل على تحريك المشاعر والأحاسيس وهي مخرجات لا تتأتى إلا بوجود عوامل تحفيز كالاحتلال والغزو والاضطهاد الذي تتعرض له الدول والشعوب.
ومن هنا فإن للشعر المقاوم سمات قيمية أساسية أهمها:
- البعد الجماعي
- البعد الانساني
- معرفة الآخر
نماذج لشعر المقاومة
محمود درويش: سجّل، أنا عربي
سجّل، أنا عربي
ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ
وأطفالي ثمانية
وتاسعهُم سيأتي بعدَ صيفْ
فهلْ تغضبْ؟
سجّلْ
أنا عربي
وأعملُ مع رفاقِ الكدحِ في محجرْ
وأطفالي ثمانيةٌ
أسلُّ لهمْ رغيفَ الخبزِ،
والأثوابَ والدفترْ
من الصخرِ
ولا أتوسَّلُ الصدقاتِ من بابِكْ
ولا أصغرْ
أمامَ بلاطِ أعتابكْ
فهل تغضب؟
سجل
أنا عربي
أنا اسم بلا لقبِ
صبورٌ في بلادٍ كلُّ ما فيها
يعيشُ بفورةِ الغضبِ
جذوري
قبلَ ميلادِ الزمانِ رستْ
وقبلَ تفتّحِ الحقبِ
وقبلَ السّروِ والزيتونِ
وقبلَ ترعرعِ العشبِ
أبي من أسرةِ المحراثِ
لا من سادةٍ نجبِ
وجدّي كانَ فلاحاً
بلا حسبٍ ولا نسبِ
يعلّمني شموخَ الشمسِ قبلَ قراءةِ الكتبِ
وبيتي كوخُ ناطورٍ
منَ الأعوادِ والقصبِ
فهل ترضيكَ منزلتي؟
أنا اسم بلا لقبِ
سجل
أنا عربي
ولونُ الشعر فحميٌّ
ولونُ العينِ بنيٌّ
وميزاتي:
على رأسي عقالٌ فوقَ كوفيّه
وكفّي صلبةٌ كالصخرِ
تخمشُ من يلامسَها
وعنواني:
أنا من قريةٍ عزلاءَ منسيّهْ
شوارعُها بلا أسماء
وكلُّ رجالها في الحقلِ والمحجرْ
فهل تغضبْ؟
سجِّل
أنا عربي
سلبتَ كرومَ أجدادي
وأرضاً كنتُ أفلحُها
أنا وجميعُ أولادي
ولم تتركْ لنا ولكلِّ أحفادي
سوى هذي الصخورِ
فهل ستأخذُها
حكومتكمْ كما قيلا؟
إذن
سجّل برأسِ الصفحةِ الأولى
أنا لا أكرهُ الناسَ
ولا أسطو على أحدٍ
ولكنّي إذا ما جعتُ
آكلُ لحمَ مغتصبي
حذارِ، حذارِ من جوعي
ومن غضبي
سميح القاسم: خطاب في سوق البطالة (يا عدو الشمس)
ربما أفقد –ما شئت– معاشي
ربما أعرض للبيع ثيابي وفراشي
ربما أعمل حجاراً، وعتالاً، وكناس شوارع
ربما أبحث، في روث المواشي، عن حبوب
ربما أخمد عريانا، وجائع
يا عدو الشمس لكن لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم
= =
ربما تسلبني آخر شبر من ترابي
ربما تطعم للسجن شبابي
ربما تسطو على ميراث جدي
من أثاث وأوان وخواب
ربما تحرق أشعاري وكتبي
ربما تطعم لحمي للكلاب
ربما تبقى على قريتنا كابوس رعب
يا عدو الشمس لكن لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم
= =
ربما تطفئ في ليلي شعلة
ربما أحرم من أمي قبلة
ربما يشتم شعبي، وأبي، طفل، وطفلة
ربما تغنم من ناطور أحلامي غفلة
ربما زيف تاريخي جبان، وخرافي مؤله
ربما تحرم أطفالي يوم العيد بدله
ربما تخدع أصحابي بوجه مستعار
ربما ترفع من حولي جداراً وجداراً وجدار
ربما تصلب أيامي على رؤيا مذلة
يا عدو الشمس لكن لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم
= =
يا عدو الشمس
في الميناء زينات، وتلويح بشائر
وزغاريد، وبهجة
وهتافات، وضجة
والأناشيد الحماسية وهج في الحناجر
وعلى الأفق شراع
يتحدى الريح واللّجّ ويجتاز المخاطر
إنها عودة يوليسيّز من بحر الضياع
عودة الشمس، وإنساني المهاجر
ولعينيها، وعينيه: يميناً، لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي
سأقاوم
سأقاوم
سأقاوم