Ads Ads Ads Ads

النص الوصفي تحليل نص الجالس في الحديقة ينتظر لرضوى عاشور– درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :  النص الوصفي – تحليل نص ‘الجالس في الحديقة ينتظر’ لرضوى عاشور

سياق النص

يلتقط النص الحكائي الوصفي لحضات من الحياة، فيتغلغل فيها عارضا حركة وسكونا ويفاعة وذبولا يمر عليها الناس فلا يعيرانها أدنى اهتمام، ويسلط عيلها الروائي أجهزته الإدراكية النافدة والحساسة وأدواته الفنية الخلاقة فيصنع منها صورا إنسانية غزيرة المعنى بليغة التأثير. ذلك ما حاولت ” رضوى عاشور” التقاطه من زحمة الحياة حيث أثر فيها منظر رجل طاعن في السن يجلس على مقعد في الحديقة بلا حراك كانه منفصل عن العالم.

ملاحظة النص

يبدا الحكي بجملة في النص ” في البدا لم أنتبه…” وينتهي بجملة ” ألقيت نظرة خاطفة…” ليؤشر على نوع من العلاقة بين الملفوظ الاول والأخير تمثلها الصورة التي رسمتها الراوية للرجل الجامد على المقعد في الحديقة بين الانتباه العارض والقلق المثير بشأن حالته والإعراض المعلن عن استعادة التوازن النفسي الذي خلخله العنصر المثير في الحكاية. وهو ما يدل على بعضه العنوان المركز على فعل الانتظار، والمستضمر لحالة المنتظر التي يكشف عنها السرد والوصف في هذه القصة القصيرة المأخوذة من المجموعة القصصية ” رأيت النخل” لرضوى عاشور الناقدة والروائية المصرية المتميزة.

فهم النص

يتمفصل النص إلى حزمة من الوحدات السردية والمقاطع الوصفية الاتية:

  • عدم انتباه الساردة إلى الرجل الغريب الجالس على المقعد قبالتها، لأنها كانت منهمكة في اللعب مع طفلها، ولأن الشيخ الهرم كان جامدا في مكانه كأنه قطعة من الحديقة.
  • وصف الروائية فضاء اللعب الفسيح بكل مكاوناته الطبيعية من شمس وسماء وأشجار ومقاعد خشبية.
  • وصف أجواء المرح والصخب والركض والقفز ورمي الكرة والتقاطها التي انخرطت فيها الساردة مع طفلها.
  • اكتشاف الساردة وجود رجل طاعن في السن جالس قربها بلا حراك أفقدها التركيز في اللعب، وأثار تبرم الطفل.
  • الخواطر التي دارت بخلد الساردة بخصوص منظر الرجل وحاله المثيران للارتباك والحيرة والقلق جعلتها تفكر في مغادرة الحديقة.
  • استغراق الساردة في وصف حالة الرجل المنتظر انطلاقا من هواجسها، وتداعيات تاثير منظره الكئيب على الاحداث وعلى نفسية الشخصية.
  • استعادة الساردة اجواء المرح واللعب مع طفلها بكل العزم المطلوب بعد تخلصها من أثر نظرتها إلى الرجل المسن.

تحليل النص

في النص حدث واحد يتمحور حول انشغال الساردة بوجود رجل مسن غريب نبت فجأة في فضائها الحميمي القريب جامدا لا يتحرك أثناء انهماكها في اللعب الكرة مع طفلها، وبين لحظتي هذا الحدث المشكلتين للبداية والنهاية ينتشر الوصف فيحيط بكل الحركة والسكون والانفعال الذي يرين عن اللحظة ويملأالمكان. والوصف في هذا النص مزدوج الأبعاد، فهو تفسيري وإيحائي يدفع بتفاصيل الحدث دفعا وئيدا إلى نهاية اللحظة المسرودة من جهة، وجمالي إبداعي بما يختزنه من قدرة على التقاط المرئي واللامرئي، المحدود واللامحدود، وتصديره إلى المتلقي في توليفة سردية معبرة ومؤثرة من جهة اخرى.

يغلب على الوصف في النص أنه ذاتي يسقط الكثير من مشاعر الساردة المتماوجة بين إيقاعين: صخب مرح وقلق مربك، هكذا تتناسل صور الموصوفات في ذهن الواصفة مستلهمة من الواقع والممكن والمتخيل، مفجرة الكثير من الهواجس التي تنتاب الإنسان فتوجه حركاته ايجابا أو سلبا، أو تعيده إلى نقطة الصفر مستعيدا توازنه، طارحا كل العوارض خلف ظهره مستمرا في الحياة وكأنه لم ير ولم يسمع.
– يهيمن على الوصف في النص المدرك بالبصر والاحساس الباطني؛ مما يضعنا أمام نوعين من الوصف: مادي محسوس ومعنوي غارق في تتبع الهواجس والبلابل وتوقع الأحوال النفسية المرتبطة ببعض القرائن الظاهرة، وهو أمر منح النص الكثير من الحيوية والعمق والاستبطان الذاتي الذي يدفع المتلقي إلى خلق عوالم موازية للصور التي يبثها الوصف، فيتسع النص وينفتح مع القراءة والتلقي، ويصبح أكثر تأثير وجمالا.

يقوم الوصف في النص بتوسيم الشخصية والأشياء والحالات والأمكنة مستخدما تعابير وتشبيهات ونعوثا وأحوالا تلائم الموصوفات وزوايا الوصف وطبيعته، فهي موضوعية واقعية دقيقة حين تمس المظهر الخارجي أو الحركة المنظورة، وهي شفافة كثيفة موحية حين تلامس الأحاسيس والأفكار والمواقف، لذا كانت الساردة دقيقة في وصفها للطفل والرجل والحديقة متخذة زاوية للوصف مكنتها من التقاط أدق تفاصيل الجسد والحركة والسكون، وكانت مقتحمة للمجهول في مغامرة وصفية تحاول أن ترتاد بها عنان السماء حيث تحلق الكرة منفلتة من قانون الأرض، أو باطن الأرض الذي تضرب جذور الأشجار في أعماقه، أو مجاهل التفكير في هوية رجل ساكن لا تقول شيئا غير أنه هرم ينتظر.

الضمير المستخدم في الوصف هو ضمير المتكلم؛ مما يعني أن الساردة طرف في الحكاية وشخصية من شخصياتها، تقود مهمة السرد والوصف، وتهيمن على مقاطع الحوار الداخلي والخارجي صادرة عن رؤية سردية تبدو مصاحبة تحاول أن تستنطق الواقع الموصوف وتستكنه حقيقته، فلا تجد غير هواجسها وأسئلتها مادة للتفسير والقراءة والتأمل؛ غير أن تدخلاتها في تكييف الصورة الواقعية وتلوينها بالظلال النفسية وآلفكرية التي تستبد بها جعل الوصف ذاتيا، وصنع من اللحظة الموصوفة انشغالا فكريا وعاطفيا للساردة بامتياز، يطرح فعلا مسرودا وواقعا موصوفا موضوعا للانشغال الإنساني بقضية الشيخوخة وما تفرزه من وحدة وعزلة وكآبة وعجز وانفصال عن العالم، على الناس أن يعيدو النظر في مواقفهم إزاءها حتى لا تظل نشازا في جسم الإنسانية الذي يفترض أن يكون متآلفا ومتناغما ومتضامنا.

تركيب وتقويم

تطرق القصة موضوعا اجتماعيا يشغل بال الأدباء والمثقفين والفاعلين الاجتماعيين، ويتعلق بفئة من الناس قدمت زهرة عمرها خدمة للجيل الصاعد، ثم وجدت نفسها في شيخوختها تقاسي مرارة الوحدة والعزلة والانكماش والاكتئاب، تنزوي وحيدة في فضاء عام تنتظر انسلاخ الليل من النهار، وتلوذ بالفراش ترقب انبلاج الصباح مستغرقة في تأمل طويل وصمت ثقيل وجمود مريع، تنظر إلى العالم حولها بعين الماضي، ويمثل الموت لها المستقبل المنظور. تلك بعض من البلابل التي خامرت دخيلة الساردة، وهزت أركانها النفسية وهي تبلور صور المسن الهرم الجالس كنصب منحوث على مقعد في الحديقة حيث كانت تمرح وطفلها. ولعلها استحضرت أياما قادمة تجلس هي الأخرى نفس المجلس، فراعها ذلك وكدر يومها المرح، وودت لو تعلم ما الذي يقعد الرجل هناك؟ ومن أين اتى ؟ وماذا ينتظر ؟ ومن أهله ؟ وهل من سبيل لإخراجه من دوامة الصمت والجمود؟

صاغت ”رضوى عاشور” هذا الموضوع في قالب سردي قصير انصهرت فيه مكونات السرد انصهارا جميلا ومؤثرا تداخلت فيه عوالم الحركة الظاهرة والباطنة، واتحد الزمان والمكان في نسق واحد، وطال الوصف كل شيء، وبدت الساردة جزأ ملتحما بالعالم الموصوف والمسرود يكشف عن رؤية مصاحبة تبعث إلى المتلقي رسالة مؤداها ألا مناص من الشيخوخة، وأن الحياة تستمر محتفية بالبراعم والأغصان النضرة، فلا أقل من اعتراف بالجميل واهتمام بالجذور.

النص الوصفي – مدخل مفاهيمي – درس النصوص – اللغة العربية – جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : النص الوصفي – مدخل مفاهيمي

تقديم

يُعّد الوصف بمثابة وسيلة تعبيرية تنبثق عن الشخوص والأماكن والأشياء والحالات والمواقف حول موضوع ما، ومن الممكن التفرقة بين أصناف النصوص الواصفة للأشخاص والأماكن والأشياء والحالات الاجتماعية وفقاً لتسميتها، إذ تقدم التسمية مجالاً لإبراز عنصر ما، بالإضافة إلى أنها تتيح الفرص أمام العناصر المتقاربة على الانتقال؛ كالشارع والنهج والطريق.

يعرف النص الوصفي أيضاً بأنه النص الذي يمنح قارئه إمكانية تمثيل أمر معين؛ كالجماد أو الإنسان أو مكان ما، فيكشف النص الوصفي عن خصائص الشيء أو الشخص، ويؤطر صورته وفقاً للمكان الموجود فيه.

خصائص النص الوصفي

  • ينفرد بوجود مقدمة وعرض وخاتمة.
  • يكثر استخدام الضمير الغائب.
  • يُستخدم فيه التصوير والمجاز والتشبيه.
  • يغلب على مفرداته وتراكيبه الألفاط الدالة على الحركة أو اللون أو الحواس.
  • تستخدم فيه غالباً مؤثرات صوتية متفاوتة؛ كالطباق والجناس والسجع أيضاً.
  • يشيع استخدام التراث والأمثال والشعر في النص.
  • يغلب عليه طابع التعمق بدقائق الأمور وتفصيلها.
  • تُوظف فيه كافة الأساليب الإنشائية، ومنها: الاستفهام والتعجب.
  • يتميز بكثرة استخدام الفعل الماضي والمضارع، والظروف الزمانية والمكانية.

أنماط النص الوصفي

الوصف بالقول

ويتمثل بذكر المشهد موصوفاً بأسلوب غير مباشر بالاعتماد كلياً على اللغة والذاكرة.

الوصف بالفعل

وذلك من خلال نقل المشهد فعلياً بكل أحداثه ووقائعه، ويندمج معه السرد.

الوصف بالرؤية

ويأتي هذا النمط عند إبراز الواصف لصفات الموصوف، ومعاينتها عن كثب.

وظائف النص الوصفي

الوظيفة الإخبارية والإعلامية

وتتمثل بتقديم المعلومات ونقلها سعياً لبناء معرفة من نوعٍ جديد.

الوظيفة التصويرية

ويقصد بها إلى الوقوف أمام تفاصيل الموصوف، والالتفاف حولها للتعرف عليها عن كثب من كافة الجوانب تمهيداً لتقديم وصف دقيق.

الوظيفة السردية

وتعرف بالوقائعية أيضاً، وهي المشاركة السردية في نمو الأحداث ووصفها.

الوظيفة التعبيرية

وتتمثل بانتقاء اللفظ الأنسب بين مجموعة من الألفاظ لإيجاد أسلوب وصفي دقيق.

الوظيفة القيمية

وتتمثل بإعطاء وصف يوضح وجهة نظر ورأي الواصف بالموصوف.

نص سردي تحليل نص الصمت لأبو المعاطي أبو النجا – درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : النص السردي – تحليل نص ‘الصمت’ لأبو المعاطي أبو النجا

سياق النص

النص قصة قصيرة تعالج موضوعا اجتماعيا يتعلق بمعاناة خادمات البيوت الصغيرات لدى الطبقات المتوسطة أو الميسورة، وما يواجهنه من أنانية هذه الفئات وتعنيفها وهدرها لكرامتهن، رغم مستوى الوعي الذي يفترض أن تمثله هذه الطبقات المتعلمة. وهو لأبي المعاطي أبي النجا الكاتب المصري المنتمي إلى جيل الرواد المؤسسين للحركة القصصية العربية، المنشغلين بهموم الإصلاح في وطن رزح تحت نير الاستعمار والتخلف، والنص من مجموعنه القصصية ” الحب والناس” التي تتخذ من العلاقات الاجتماعية المختلة في الزمن العربي الحديث بكل تفاصيلها هاجسها الكبير.

ملاحظة النص

يحيل عنوان النص “الصمت” إلى عالم السكون والفراغ والخواء والخوف والصدمة والحزن والوحدة والكآبة والتأمل والاستغراق والغموض والاحتجاج والاستفزاز والوقار والحكمة وانسداد أفق التواصل والارتكان إلى المقاطعة واللامبالاة والتوسل بحوار خارج نطاق اللغة تترجم فيه الملامح والقسمات والعيون كل ما يدور في النفس…، وبالنظر إلى كون لفظة العنوان معرفة فإن هذه الإشارات تصبح قصدية مترعة بالكثير من الإصرار والعناد، وباعتبار الطاقة الصوتية للفظة موضوع العنوان القائمة على خاصيات الهمس والانفجار من جهة، والرخاوة والتضعيف من جهة أخرى، فإن حدث الصمت يصبح متعلقا بموقف قوي صادر من طرف ليس له من القوة ما لموقفه تأكيدا على أن هدر الكرامة مرفوض ولوكانت كرامة خادمة صغيرة فقيرة، وبذلك يمكن اعتبار العنوان محيلا على الحدث البؤرة، والعنصر الأكثر إثارة وتأثيرا وإيحاء في هذا المحكي القصير.

واستنادا إلى إيحاأت العنوان ومحمولات الملفوظ الأول والأخير في النص نفترض أن موضوع الحكي يدور حول حدث حاسم رهن مسار بطل الحكاية. والجملة الأولى والأخيرة من النص مؤشران على أن المسرود ينشغل بقضية اجتماعية، فالصفعة والصرخة اللتان جلبتا الكآبة إلى البيت الصغيرعبر الصمت الرهيب الذي فجرته الخادمة في كيانات الأسرة المخدومة عالجهما السارد في نهاية النص بصمت متوسل متودد أعاد الضحكة الصغيرة المجلجلة في أرجاء البيت؛ مما يؤشر على أن السلوك الاجتماعي القائم على التواصل والتقدير والاحترام والتسامح وحده يصنع أمن البيوت والشعوب.

النص من نمط الكتابة السردية، وتحديدا قصة قصيرة، تدل على ذلك طبيعة المكونات السردية ووظائفها وأبعادها، فالنص متمحور حول حدث واحد، وشخصية رئيسية واحدة يلامس أحوالها النفسية بعمق واختزال، والزمان والمكان محددا الأبعاد والدلالات، وكل تلك المشيرات مما يميز هذا الجنس السردي القصير.

فهم النص

يتمفصل النص إلى حزمة من الوحدات الحكائية تتعالق مع الحدث البؤرة [الصمت] بعلاقات زمنية أو منطقية، ومنها:

  • الصفعة التي أراد السارد أن يوقف بها تدفق المرح والضحك المزعج لرجل مستغرق في الكتابة محتاج إلى الهدوء والتركيز
  • رد الفعل الأول ضد الصفعة غضب مكتوم يطفح من قسمات وجه كالح مذعور ونظرات صاعقة محتجة
  • صمت سعدية يسبب الكآبة لبنت السارد ويحرمها من لحظات المتعة والسعادة التي تمثلها الحكايات وأنماط المرح التي تغدقها عليها
  • انشغال السارد بصمت سعدية وقلقه بشأن طبيعته ومداه، ومحاولاته الفاشلة لاستعادة الخادمة المرحة
  • فشل السارد في الحلول محل سعدية، وتقمص أدوارها في تأمين المرح والسعادة لبنته
  • اقتناع السارد بأن سعدية ليست مجرد خادمة تلبي طلبات الأسرة، بل إنسان له كرامة، وله وجود مستقل، وشخصية متميزة، ومن الضروري فتح حوار معها للخروج من الأزمة التي سببها صمتها.
  • اقتناص السارد فرصة خروج زوجته وابنتها لتدشين حوار حقيقي مع الفتاة لكنه لم يجدها
  • اكتشافه أن للخادمة وجود آخر خارج البيت فيه متنفس للمرح أسفل السلم مع زميلتها من شقة أخرى
  • التقاء نظرات الراوي وسعدية وانخراطهما في حوار صامت، بعد اكتشافه عالمها الآخر وطبيعتها الأصلية، ارتدادي ماكر من سعدية، ومتوسل مترج من الراوي، أعاد الثقة إلى آلطرفين في حياة كريمة آمنة أكثر تجذرا هذه المرة.

نخلص من هذه الوحدات الحكائية إلى أن الإحساس بفقدان الكرامة في علاقة اجتماعية بين طرفين غير متكافئين يربك التواصل بينهما، ويدخل العلاقة في صراع مضمر أو صريح، فيحل السخط والرفض والصمت محل الألفة والمودة، وأن الاعتراف بالخطأ والقدرة على التواضع والاعتذار وحده كفيل باستعادة الثقة بين طرفي التواصل.

تحليل النص

في النص جملة من المكونات المتميزة التي تشكل بنيته السردية، وتجعل عالم المحكي عالما متفردا بخصائص، مؤطرا بقوالب فنية مرنة يرتبها السارد في اتساق وتناغم ورؤية فنية مضبوطة تعطي المسرود تأثيره المطلوب وجماليته المنتظرة التي تدهش المتلقي. وفي إطار هذا النسق يمكننا مقاربة المكونات الآتية:

الأحداث

الأحداث في النص بسيطة مرتبة ترتيبا طبيعيا على محور زمني أفقي متسلسل، لايخرق هذا التسلسل سوى لحظة استرجاع لتوسيم الفتاة بما يحدد وضعها الاجتماعي، وهذه الأحداث لا تخرج عن ثلاث مدارت:

  • تعرض الخادمة الطفلة للعنف يلزمها الصمت باعتباره سلاح للضعيف في مواجهة خصم مندفع مغرور
  • الصمت تعويض وعقاب يخلحل واقع الحياة المشترك بين السارد وسعدية
  • التوسل والتجرد من الغرور والتعالي يعيد الحياة إلى طبيعتها.

هكذا يتضح أن الحدث في النص رغم بساطته محشو بكل الزخم النفسي والدلالات الاجتماعية التي يرام من خلالها رسم أفق لترميم التصدع وتصحيح الوضع المختل ووقف نزيف فقدان الاعتراف بوجود الآخرين وتأثيره في وجودنا.

الزمن

كل محكي ينتمي بالضرورة إلأى الماضي، لكن الزمن النحوي يتأرجح في النص بين الماضي والحاضر، ويندمج الزمنان في لحمة حكائية متماسكة، ويستثمر الزمن الماضي في السرد غالبا، ويستدعى الحاضر في الوصف والمناجاة، ويتوسل فيه بالفعل المضارع المصدر بأن أو بإحدى أدوات النفي أو بكان وأخواتها أو لام التعليل لتقرير حالات وبيان مواقف وتسجيل حوارات الذات مع نفسها (ما زلت أذكر وجها يميل إلى السمرة ـ لم تكن تلك أول مرة ـ لتساعد زوجتي ـ أن أتناسى الموضوع ـ كنت أستيقظ على صوت الضحكة فأحس بها تشد أعصابي ـ لم أستطع منع نفسي…)، والزمن في النص منساب انسيابا طبيعيا يختزل كل شيء عدا اهتمام السارد بالصمت الغامض المقلق، لذلك يمكن اعتبار الزمن زمنا نفسيا مرتبطا بأوضاع الشخصيتين الفاعلتين في الحدث: السارد وسعدية، فهو بالنسبة للسارد طويل أكثر مما يتصور ومشبع بالحزن والقلق والانزعاج؛ لذلك يؤشر المضارع فيه على قوة الحضور والاستمرار.

المكان

المكان خاص ومحدود في النص لا يتجاوز الشقة بما فيها من مؤثثات وامتدادات بسيطة، لكنها علامات دالة على أوضاع بعينها، فالمكتب يشير إلى قيم ما لفئة متعلمة واعية متنورة تمارس الكتابة، والسلم كمكان للتواصل الآمن يحيل على قيم أخرى لفئة من وضع آخر ووعي تلقائي يطرح الأقنعة، والمكان منفتح رغم ما يوحي به من انسداد، لأنه يتيح فرص اختراقه وتجاوزه، عبر خلق عوالم موازية من الانشغال أو التموقف أو البحث عن الممكن لتجاوز الانسداد، كمحاولة السارد التوغل عميقا في استكناه دلالة الصمت، وعالم المرح البديل لسعدية. والمكان متحول الدلالات في النص، فهو حميمي في البداية [ لحظة الانسجام النسبي والتصرف الطبيعي ] عدائي في لحظات معينة [ لحظة فقدان التوازن ] ثم حميمي مرة أخرى في النهاية [ لحظة استعادة التوازن ]

الشخصيات

الشخصية المحورية في هذه القصة القصيرة هي الخادمة، حولها يدور الحدث الرئيسي، ويتقاسم السارد معها هذا الدور، أما باقي الشخصيات فثانوية كبنت السارد أو عرضية عابرة كزوجته وزميلة سعدية، ويمكن تحديد السمات المميزة لهذه الشخصيات كالآتي:

  • سعدية: خادمة، طفلة ريفية، سمراء البشرة، متألقة العينين، متواضعة الملابس، بريئة، مرحة، أبية، عنيدة ومصممة، تلقائية، محبوبة لدى الطفلة، حاكية بارعة، ومنشطة رائعة، متفهمة ومسامحة.
  • السارد: متعلم، ناضج، متزوج، أب لبنت، حساس، مندفع، لايخلو سلوكه وتفكيره من بعض الغرور والسلطوية والتحكم، مستسلم للأمر الواقع حين يتعلق الأمر بالحياة المشتركة.
  • بنت السارد: طفلة صغيرة، مدللة، تحب المرح كسائر الأطفال، ذكية، ولها ذوق رفيع، متعلقة بسعدية.
  • زوجة السارد: لاملامح لها في النص إلا أنها مخدومة.
  • زميلة سعدية: شخصية عابرة، خادمة، مستمعة جيدة.

وتضطلع القوى الفاعلة الرئيسية في النص بمجموعة من الوظائف التي تطرأ عليها تحولات تجعلها شخصيات نامية، فسعدية بدت عاملا مزدوجا معاكسا ومساعدا للسارد منذ البداية، معاكسا لرغبته في الهدوء والتركيز، ومساعدا لرغباته الأخرى التي تقتضيها الخدمة [ تقديم القهوة، تلميع الحذاء..]، والسارد بدا معاكسا للشخصية المحورية ولرغبتها في التعبير عن وجودها وإشاعة المرح والضحك في محيطها، ثم انتهى السارد محايدا راضيا بوضع شارك في صنعه وتوقيعه باتفاق صامت، وبينما خرجت سعدية أخيرا من عالم الصمت بما فيه من معاكسة ومشاكسة إلى عالم الانطلاق والتلقائية من جديد، فإن الطفلة الصغيرة شكلت الموضوع والرغبة معا بالنسبة للسارد، وتحولت إلى عامل مساعد للسارد وسعدية عبرها ينمو المحكي وتنتهي الأزمة ويستعاد التواصل.

السرد

السارد هو راوي الحكاية، ينتمي إلى عالم النص، ولا وجود له خارجه، وهو في هذا النص مكشوف يتقمص شخصية رئيسية تتقاسم دور البطولة مع الخادمة سعدية، ويبدو جليا من خلال هذا المحكي أنه يقود رؤية من الخلف، رغم أنه يتلاعب بالمتلقي ويوهمه أنه لا يدري ما يدور في رأس الفتاة التي ينعتها باللعينة، وليس له علم بعوالمها الأخرى خارج طلباته اليومية، ويظنها أصغر من أن يكون صمتها مقصودا، وهو يعي جيدا انها تمسكه من اليد التي تؤلمه، بنته الصغيرة التي تملك الخادمة مفاتيح سعادتها.

إن لعبة السرد في هذا المحكي القصير تكشف عن سارد مراوغ يتقمص شخصية الأب، ويريد أن يتحكم بخيوط إدارة الحدث، يتجاهل سعدية بعد صفعها، يحاول تغيير مجرى الحدث محافظا على كبريائه بالإغراء والتوجيه الفوقي (سعدية هي التي ستفعل ذلك)، وتدفعه رغبته في إدارة الحدث مرة أخرى إلى انتظار غياب زوجته وابنته لترتيب الواقع ترتيبا تقنوقراطيا (فتح حوار حقيقي في المكتب مع الخادمة إنهاء الأزمة)، لكن الإصرار على خداع المتلقي، والقدرة الفنية الفائقة على الإيهام بواقعية الحكاية وبأن الحدث منفلت من إرادة السارد جعل الحوار وجدانيا صامتا بلغة العيون والقسمات المتوسلة التي سمحت بعودة الضحكة.

تركيب وتقويم

يزخر النص بأبعاد اجتماعية وإنسانية، مثلها تصوير المحكي بكل واقعية لظاهرة تعنيف الخادمات، والحط من كرامتهن، وما ينجم عن ذلك من شروخ نفسية عميقة تذكي الحقد والرغبة في الانتقام، وفقدان الثقة بين الطبقات المستغلة والمستغلة، وتردم كل أفق للتواصل والتعاون والألفة، ويعتدى من خلالها على حق من الحقوق الذي لا تكتمل أهلية الإنسان ولا يتحقق وجوده إلا به، وهو الحق في الوجود الكريم بدون امتهان للكرامة وانتقاص للإنسانية، ولعل الاحتجاج الصامت المستفز هو الرد الأبلغ في ردع هذا النوع من السلوك الصادر من طرف يفترض أنه أكثر حرصا على القيم النبيلة. كما يزخر النص بقيم جمالية مثلتها بنيات السرد المختلفة، ولغته البسيطة المسترسلة الشفافة المشعة بلمسات الجمال الناجمة عن استخدام التشبيهات الجميلة واللاستعارات اللطيفة وتحليلاته النفسية العميقة، وتلويناته الأسلوبية المثيرة التي قدمت للمتلقي معاناة اجتماعية في قالب سردي تتشابك فيه الأحداث برمزية الشخصيات والفضاأت وتجاذب المواقع بين الراوي والمروي له.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads