Ads Ads Ads Ads

النص الوصفي – مدخل مفاهيمي – درس النصوص – اللغة العربية – جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : النص الوصفي – مدخل مفاهيمي

تقديم

يُعّد الوصف بمثابة وسيلة تعبيرية تنبثق عن الشخوص والأماكن والأشياء والحالات والمواقف حول موضوع ما، ومن الممكن التفرقة بين أصناف النصوص الواصفة للأشخاص والأماكن والأشياء والحالات الاجتماعية وفقاً لتسميتها، إذ تقدم التسمية مجالاً لإبراز عنصر ما، بالإضافة إلى أنها تتيح الفرص أمام العناصر المتقاربة على الانتقال؛ كالشارع والنهج والطريق.

يعرف النص الوصفي أيضاً بأنه النص الذي يمنح قارئه إمكانية تمثيل أمر معين؛ كالجماد أو الإنسان أو مكان ما، فيكشف النص الوصفي عن خصائص الشيء أو الشخص، ويؤطر صورته وفقاً للمكان الموجود فيه.

خصائص النص الوصفي

  • ينفرد بوجود مقدمة وعرض وخاتمة.
  • يكثر استخدام الضمير الغائب.
  • يُستخدم فيه التصوير والمجاز والتشبيه.
  • يغلب على مفرداته وتراكيبه الألفاط الدالة على الحركة أو اللون أو الحواس.
  • تستخدم فيه غالباً مؤثرات صوتية متفاوتة؛ كالطباق والجناس والسجع أيضاً.
  • يشيع استخدام التراث والأمثال والشعر في النص.
  • يغلب عليه طابع التعمق بدقائق الأمور وتفصيلها.
  • تُوظف فيه كافة الأساليب الإنشائية، ومنها: الاستفهام والتعجب.
  • يتميز بكثرة استخدام الفعل الماضي والمضارع، والظروف الزمانية والمكانية.

أنماط النص الوصفي

الوصف بالقول

ويتمثل بذكر المشهد موصوفاً بأسلوب غير مباشر بالاعتماد كلياً على اللغة والذاكرة.

الوصف بالفعل

وذلك من خلال نقل المشهد فعلياً بكل أحداثه ووقائعه، ويندمج معه السرد.

الوصف بالرؤية

ويأتي هذا النمط عند إبراز الواصف لصفات الموصوف، ومعاينتها عن كثب.

وظائف النص الوصفي

الوظيفة الإخبارية والإعلامية

وتتمثل بتقديم المعلومات ونقلها سعياً لبناء معرفة من نوعٍ جديد.

الوظيفة التصويرية

ويقصد بها إلى الوقوف أمام تفاصيل الموصوف، والالتفاف حولها للتعرف عليها عن كثب من كافة الجوانب تمهيداً لتقديم وصف دقيق.

الوظيفة السردية

وتعرف بالوقائعية أيضاً، وهي المشاركة السردية في نمو الأحداث ووصفها.

الوظيفة التعبيرية

وتتمثل بانتقاء اللفظ الأنسب بين مجموعة من الألفاظ لإيجاد أسلوب وصفي دقيق.

الوظيفة القيمية

وتتمثل بإعطاء وصف يوضح وجهة نظر ورأي الواصف بالموصوف.

النص السردي – تحليل نص ‘حفل استقبال’ لأحمد التوفيق – درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :  النص السردي – تحليل نص ‘حفل استقبال’ لأحمد التوفيق

سياق النص

يمتاح المحكي غالبا من التاريخ الاجتماعي كما يمتاح من الواقع او المتخيل لحظات تستحق التسجيل وتستوقف الروائي لينبش في تفاصيلها وابعادها نبشا يعيد صياغته بادواته الفنية، فتخرج محكيا جميلا ومؤثرا يزخر بالرؤى والتداعيات والصور والسجلات وأنماط من الثقافة والسلوك والتعبير والمواقف والرسائل تغري المتلقي وتدفعه إلى عالم المحكي قارئا مشدوها متأملا ومتفاعلا.

هذا ما فعله احمد التوفيق الروائي والمؤرخ المغربي المولود في مراكش سنة 1943، المتقلب في كراسي الجامعات والادارة المغربية آخرها وزارة الاوقاف حين عمدا الى ماضي المجتمع المغربي المترع بالاحداث والقيم والوقائع يعيد تشكيله برؤية فنية متميزة في رواياته التي منها (جارات ابي موسى) ومنها هذا النص.

ملاحظة النص

العبارات الاولى في النص كلها تشير الى ان النص سردي يستمد موضوعه من التاريخ السلطاني لدولة المخزن المغربية في نهاية العصر الوسيط، من ذلك حدث وصول الخبير الى دار ابن الحفيد قاضي قضاة سلا، ووصف عام لفضاء المدينة يوم الجمعة، هكذا تشكل هذه العناصر الحكائية المراتبطة في بداية المحكي اعلانا صريحا لجنس النص وابعاده الاجتماعية والتاريخية البارزة.

العنوان مركب اضافي يحيل فيه المضاف “حفل” على عوالم المرح والابتهاج والزينة والفرجة ويحيل المضاف اليه “استقبال” الى مناخ التبجيل والتشريف والتعظيم والبروتوكول وكثير من البهرجو والمجاملة بحسب من منزلة المستقبل وموقعه في المجتمع وفي نفوس مستقبليه، وبالنظر الى العلاقة بين طرفي التركيب الاضافي فان حدث الاستقبال سيشكل بؤرة المحكي في النص، وسيكون العنصر المؤثر في باقي الاحداث المرتبطة به، خاصة اذا علمنا ان الشخصية موضوع الاستقبال مبعوثا سلطانيا، وان الشخصية منفذة الاستقبال ذات وزن كبير في هرم الدولة المخزنية؛ لذلك نفترض ان يدور الحكي حول برتوكول الاستقبال والاستضافة.

فهم النص

يتمفصل النص الى جملة الوحدات السردية الاتية:

1) وصول الخبير رسول الجوارئي قاضي القضاة ومشاور السلطان الى مدينة سلا يوم الجمعة قادما من تامسنا الى دار ابن الحفيد قاضي قضاة سلا لاخباره بنزول موكب المستشار السلطاني ضيفا عليه قبل ان يتوجه الى فاس حاضرة السلطان.

2) إعداد ابن الحفيد الترتيبات اللازمة لاستقبال ممثل السلطان بما يليق بمكانته وبما يجعل ابن الحفيد اهلا للتشريف والتعظيم الذي خص به من دون عامل المدينة ومن ضمن هذه الترتيبات:

  • تكليف القاضي زوجته طميمة بتدبير ضيافة المبعوث السلطاني لانتمائها الى دار كبيرة لها استئناس بمثل هذه المناسبات، ولخبرتها ومهارتها في ادارة شؤون ضيافة الكبار بما تقتضيه الاعراف والتقاليد العريقة واصول الخدمة الراقية.
  • اخبار العامل جرمون بخبر قدوم ممثل السلطان وحاشيته ونزولهم عند القاضي وما يستلزم ذلك من تهيئ للاستقبال بحشد خاصة النص وعامتهم وتوفير وسائل الزينة والترفيهوتحضير الموكب المستقبل للوافد الكبير

3) خروج المرحبين بالقاضي والعامل، ووقوف الاعيان والعلماء والادباء والتجار واهل الشرف والصلاح وغيرهم من الخاصة كل في مكانه لانتظار وصول موكب الجورائي عند ضفة نهر ابي رقراق.

4) عبور موكب الجورائي النهر عند مغرب الشمس في فلكة عظيمة احاطت بها زوارق مزينة تكشف عن بالغ الحفاوة بالضيف المرموق.

5) تقدم الموكب العام الى المدينة مع صلاة العشاء وسط حشود المستقبلين.

تحليل النص

النص جزء من محكي طويل هو رواية ” جارات ابي موسى ” يركز على حدث الاستقبال الذي خص به المبعوث المخزني من طرف قضاء سلا وعمالتها، ولذلك سنركز تحليلنا لعناصر البنية السردية الموظفة في النص على ما يكشف على دور هذه العناصر في تشكيل هذا الحدث وتفعيله، ومن ضمنها:

بنية الحدث

تتشكل من متوالية من الافعال تحدد نمط المجتمع من حيث هيكله السياسي والثقافي والاجتماعي، فرجالات الدولة المخزنية يتنافسون في التقرب الى السلطان ومستشاريه بكل الوسائل، ويحشدون لذلك كل الموارد وكل اصناف البهارج، والحاكم نفسه يحتاج الى ذلك لتثبيت هيبته وتعزيز ولاء الرعية، فيضيف الى مظاهر الاحتفال والتبجيل استعراضا للقوة من خلال مرافقة قائدمن قواد عساكر السلطان للمبعوث، والناس عامتهم وخاصتهم مبتهجون بالقدوم المخزني يجدون فيه متسعا للاحتفال والاعلان عن الانسجام والتناغم بين طبقات المجتمع بما يشكل ثقافة يغذيها انصهار العلم والادب والدين والنسب والمال والحرف في خدمة الدولة المخزنية التي تكافئ مواليها وتقمع كل تمرد حفاظ على استقرار الاوضاع واستمرار الدولة.

كل هذه الوظائف التي تضطلع بها الوحدات الحكائية الصغرى المرتبطة بحدث الاستقبال تشي بنوع من الحكي يستثير الذاكرة المغربية، ويمد جسور التواصل المتعدد بين مكونات الماضي والحاضر بما يجذر الفعل السياسي والثقافي والاجتماعي المغربي المتطلع الى تحديث شكلي محتشم يحافظ على استمرار انساق السلطة المتواثة. والملاحظ أن بنية الحدث خبرية جافة غير دسمة تختزل فيها افعال الشخصيات في تنفيد التعليمات مما يجعل المحكي في هذا النص شبيها بالجرد التاريخي.

بنية الزمن

تحكم النص بنية زمنية ماضية مرتبطة بحدث يستقي وقائعه من التاريخ، وهي بنية بسيطة مقترنة بالاخبار ونسق الزمن في النص خطي تسلسلي يبدا بوصول الخبير الى سلا، وينتهي بتقدم الموكب الى وسط المدينة، تتخلله استرجاعات بسيطة لا تتجاوز كونها ومضات تشرق داخل ذاكرة الرواي، ولها وظيفة تفسيرية في الغالب كالتنصيص على ان طميمة بنت قاضي سلجماسة، او ان جرمون خان قبيلته المتمردة وجر عليها هزيمة نكراء كانت سببا في تعيينه عاملا على مدينة سلا. ويتميز زمن السرد في النص بالاختزال عموما، حيث يتم التركيز على زمن وصول الخبير، وزمن الاستقبال، وتهمل باقي اللحظات، ويفسح المجال امام وصف الشخصيات والفضاء حيث يتوقف الزمن قليلا. اما الزمن النحوي فيتارجح بين الماضي والحاضر والمستقبل، الماضي للسرد والمضارع منفيا او مقترنا بالسين ولام التعليل لتوسيم الشخصية المتنافسة على ما تفعله او ستفعله بخصوص ابراز قدراتها في ترتيب استقبال بهيج للضيف الكبير، وتعمل المؤشرات الزمنية الاخرى على مزيد من التاطير الواقعي للحدث (الجمعةء مغرب الشمسء صلاة العشاء… ).

بنية المكان

المكان في النص متعدد رغم كونه منحصرا بكل ابعاده في فضاء الاسقبال والاستضافة لا يتجاوزه إلا في أفق إخبار محدود عن مكان بداية السفر ونهايته، وهو مكان مشحون بالحمولات التاريخية والجغرافية الواقعية ( بلاد تامسنا – فاس حاضرة السلطان – نهر ابي رقراق – مدينة سلا – باب المريسة – دار قاضي القضاة – سلجماسة مدينة التجارة القائمة على تبر السودان…)، وجل الامكنة في النص مؤثثة بمؤثثات تثري الدلالة التاريخية والاجتماعية والثقافية للمحكي ( اعلام ترفرف على الصوامع – حراس باب المريسة – دكة ظليلة – المدخل الاول لرياض القاضي – الماء البارد وبعض القرى – اخبار فاس وتامسنا – دار العيال – القبة الصغيرة بالمدخل الثالث – الحشود المستقبلة – الفلك الصغيرة المزينة…).

وطالما ان الفضاء فضاء الحفل والابتهاج والفرجة فانه يبدو حميميا للشخصيات الرئيسية في النص رغم انه لايخلو من تنافر وتحاسد بين ابن الحفيد والعامل جرمون؛ مما يضفي على دلالته غموضا يجعله فضاء للبهجة من جهة، والمجاملة والنفاق والمنافسة على النفود والسلطة والظهور من جهة اخرى.

بنية الشخصيات

  • الشخصية الرئيسية في النص هي الشخصية التي تنفذ الحدث ( حدث الاستقبال والاستضافة) وتنتشر انتشارا واسعا على طول الممتد الحكائي، وهي شخصية القاضي ابن الحفيد، ومن سماتها انها متزنة، لها وزن كبير في هرم السلطة، من خاصة الخاصة، لها دار كبيرة بمداخل كثيرة، وخدم واتباع متزوج من اكثر من واحدة، وله ولد نابغ في الشعر والفروسية، تعيش في بدخ ورفاهية وتتمتع، بقدر كبير من السلطة تثير الكثير من الحنق لدى عامل السلطان على المدينة.
  • العامل جرمون: شخصية لها حضور قوي في النص، تمثل سلطة المخزن في ادارة شؤون المدينة ومرافقها مستعينة بكثير من الاعوان والمقدمين والشيوخ، شخصية انتهازية تطمح الى المزيد من السلطة، منعوتة بخيانة القبيلة وممقوتة من لدن القاضي ابن الحفيد، يطغى على نفسيتها الحسد والشراسة في المنافسة على التموقع في سلم السلطة، مهتمة بالاستقبال مصرة على تفويت شرف التنظيم غلى القاضي.
  • المبعوث السلطاني ابن الجورائي، مشاور السلطان، ممثل السياسة المخزنية العامة، يطوف في البلاد يستقصي اخبارها – موضوع حفل الاستقبال في مدينة سلا، قاضي قضاة المخزن، ضيف ابن الحفيد.
  • باقي الشخصيات ثانوية كالخبير وطميمة، او عرضية عابرة كالحراس ومرافقي ابن الجوارئي والشخصيات المستقبلة.

واذا امعنا النظر في وظائف الشخصيات باعتبارها عوامل وجدناها لا تخرج عن كونها مساعدة للشخصية الرئيسية كابن الجورائي وطميمة، اومعاكسة لها كالعامل جرمون، ولا يطرأ في الغالب اي تحول على وظائفها، على الاقل في هذا النص الذي نحن بصدده، مما يجعلها شخصيات جاهزة ومسطحة ينمو الحدث بجوارها بينما تحافظ على معظم سماتها داخل سيرورته، وهذا ما يطبع المحكي التاريخي السلطاني بشكل عام باعتباره محكوما بانماط من السلوك الصارم والبروتوكول الثابت الذي يصنع نوعا من الوعي الجاهز الذي لا تخرقه سوى اشكال التنافس والدسائس التي تسم فضاأت السياسة لدى خاصة الحاكم، وتشكل جملة الدوافع التي تحرك المشاركين في الحدث.

بنية السرد

يروي الحكاية في النص سارد متمظهر بضمير الغائب، متخذ وضعية السارد المتخفي المحايد الذي يتابع الحدث بتجرد وموضوعية، ويصف الشخصيات والفضاأت وصفا واقعيا في الغالب مركزا على الدوافع النفسية التي تجعل الشخصية تقدم على فعل ما، او القيمة الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تؤثت فضاء معينا بمؤثثات ترمز اليها.

والسارد يقود رؤية مصاحبة في الغالب، يتابع الشخصية، ويعرض افعالها، ويكشف عما تعلن عنه من دواخلها، لايتحكم في مجرى الحدث، ويقتصر دوره على نقل الخبر ووصف الواقع.

القراءة التركيبية

يقدم النص صورة عن مغرب الامس، وعبرها رسالة الى المتلقي تستضمر خطابا سياسيا مفاده ان الدولة الخزنية والشعب المغربي عاشا في توافق وانسجام وتراض ضمن ثقافة الولاء من قبل العامة، ومراعاة مصالح الناس تبعا لولائهم وخدمتهم من قبل السلطان واعوانه. وهذه الصورة معروضة في قالب سردي تتسم عناصره بالاختزال وهيمنة الوصف والدلالة الاحتفالية وجاهزية الشخصيات وتعدد دلالة المكان والزمن وصرامة اللغة التاريخية الدقيقة الحبلى بمصطلحات التاريخ والجغرافيا ومعجم السياسة والمجتمع والادب وبعض التعابير التراثية الجزلة.

نص سردي تحليل نص الصمت لأبو المعاطي أبو النجا – درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : النص السردي – تحليل نص ‘الصمت’ لأبو المعاطي أبو النجا

سياق النص

النص قصة قصيرة تعالج موضوعا اجتماعيا يتعلق بمعاناة خادمات البيوت الصغيرات لدى الطبقات المتوسطة أو الميسورة، وما يواجهنه من أنانية هذه الفئات وتعنيفها وهدرها لكرامتهن، رغم مستوى الوعي الذي يفترض أن تمثله هذه الطبقات المتعلمة. وهو لأبي المعاطي أبي النجا الكاتب المصري المنتمي إلى جيل الرواد المؤسسين للحركة القصصية العربية، المنشغلين بهموم الإصلاح في وطن رزح تحت نير الاستعمار والتخلف، والنص من مجموعنه القصصية ” الحب والناس” التي تتخذ من العلاقات الاجتماعية المختلة في الزمن العربي الحديث بكل تفاصيلها هاجسها الكبير.

ملاحظة النص

يحيل عنوان النص “الصمت” إلى عالم السكون والفراغ والخواء والخوف والصدمة والحزن والوحدة والكآبة والتأمل والاستغراق والغموض والاحتجاج والاستفزاز والوقار والحكمة وانسداد أفق التواصل والارتكان إلى المقاطعة واللامبالاة والتوسل بحوار خارج نطاق اللغة تترجم فيه الملامح والقسمات والعيون كل ما يدور في النفس…، وبالنظر إلى كون لفظة العنوان معرفة فإن هذه الإشارات تصبح قصدية مترعة بالكثير من الإصرار والعناد، وباعتبار الطاقة الصوتية للفظة موضوع العنوان القائمة على خاصيات الهمس والانفجار من جهة، والرخاوة والتضعيف من جهة أخرى، فإن حدث الصمت يصبح متعلقا بموقف قوي صادر من طرف ليس له من القوة ما لموقفه تأكيدا على أن هدر الكرامة مرفوض ولوكانت كرامة خادمة صغيرة فقيرة، وبذلك يمكن اعتبار العنوان محيلا على الحدث البؤرة، والعنصر الأكثر إثارة وتأثيرا وإيحاء في هذا المحكي القصير.

واستنادا إلى إيحاأت العنوان ومحمولات الملفوظ الأول والأخير في النص نفترض أن موضوع الحكي يدور حول حدث حاسم رهن مسار بطل الحكاية. والجملة الأولى والأخيرة من النص مؤشران على أن المسرود ينشغل بقضية اجتماعية، فالصفعة والصرخة اللتان جلبتا الكآبة إلى البيت الصغيرعبر الصمت الرهيب الذي فجرته الخادمة في كيانات الأسرة المخدومة عالجهما السارد في نهاية النص بصمت متوسل متودد أعاد الضحكة الصغيرة المجلجلة في أرجاء البيت؛ مما يؤشر على أن السلوك الاجتماعي القائم على التواصل والتقدير والاحترام والتسامح وحده يصنع أمن البيوت والشعوب.

النص من نمط الكتابة السردية، وتحديدا قصة قصيرة، تدل على ذلك طبيعة المكونات السردية ووظائفها وأبعادها، فالنص متمحور حول حدث واحد، وشخصية رئيسية واحدة يلامس أحوالها النفسية بعمق واختزال، والزمان والمكان محددا الأبعاد والدلالات، وكل تلك المشيرات مما يميز هذا الجنس السردي القصير.

فهم النص

يتمفصل النص إلى حزمة من الوحدات الحكائية تتعالق مع الحدث البؤرة [الصمت] بعلاقات زمنية أو منطقية، ومنها:

  • الصفعة التي أراد السارد أن يوقف بها تدفق المرح والضحك المزعج لرجل مستغرق في الكتابة محتاج إلى الهدوء والتركيز
  • رد الفعل الأول ضد الصفعة غضب مكتوم يطفح من قسمات وجه كالح مذعور ونظرات صاعقة محتجة
  • صمت سعدية يسبب الكآبة لبنت السارد ويحرمها من لحظات المتعة والسعادة التي تمثلها الحكايات وأنماط المرح التي تغدقها عليها
  • انشغال السارد بصمت سعدية وقلقه بشأن طبيعته ومداه، ومحاولاته الفاشلة لاستعادة الخادمة المرحة
  • فشل السارد في الحلول محل سعدية، وتقمص أدوارها في تأمين المرح والسعادة لبنته
  • اقتناع السارد بأن سعدية ليست مجرد خادمة تلبي طلبات الأسرة، بل إنسان له كرامة، وله وجود مستقل، وشخصية متميزة، ومن الضروري فتح حوار معها للخروج من الأزمة التي سببها صمتها.
  • اقتناص السارد فرصة خروج زوجته وابنتها لتدشين حوار حقيقي مع الفتاة لكنه لم يجدها
  • اكتشافه أن للخادمة وجود آخر خارج البيت فيه متنفس للمرح أسفل السلم مع زميلتها من شقة أخرى
  • التقاء نظرات الراوي وسعدية وانخراطهما في حوار صامت، بعد اكتشافه عالمها الآخر وطبيعتها الأصلية، ارتدادي ماكر من سعدية، ومتوسل مترج من الراوي، أعاد الثقة إلى آلطرفين في حياة كريمة آمنة أكثر تجذرا هذه المرة.

نخلص من هذه الوحدات الحكائية إلى أن الإحساس بفقدان الكرامة في علاقة اجتماعية بين طرفين غير متكافئين يربك التواصل بينهما، ويدخل العلاقة في صراع مضمر أو صريح، فيحل السخط والرفض والصمت محل الألفة والمودة، وأن الاعتراف بالخطأ والقدرة على التواضع والاعتذار وحده كفيل باستعادة الثقة بين طرفي التواصل.

تحليل النص

في النص جملة من المكونات المتميزة التي تشكل بنيته السردية، وتجعل عالم المحكي عالما متفردا بخصائص، مؤطرا بقوالب فنية مرنة يرتبها السارد في اتساق وتناغم ورؤية فنية مضبوطة تعطي المسرود تأثيره المطلوب وجماليته المنتظرة التي تدهش المتلقي. وفي إطار هذا النسق يمكننا مقاربة المكونات الآتية:

الأحداث

الأحداث في النص بسيطة مرتبة ترتيبا طبيعيا على محور زمني أفقي متسلسل، لايخرق هذا التسلسل سوى لحظة استرجاع لتوسيم الفتاة بما يحدد وضعها الاجتماعي، وهذه الأحداث لا تخرج عن ثلاث مدارت:

  • تعرض الخادمة الطفلة للعنف يلزمها الصمت باعتباره سلاح للضعيف في مواجهة خصم مندفع مغرور
  • الصمت تعويض وعقاب يخلحل واقع الحياة المشترك بين السارد وسعدية
  • التوسل والتجرد من الغرور والتعالي يعيد الحياة إلى طبيعتها.

هكذا يتضح أن الحدث في النص رغم بساطته محشو بكل الزخم النفسي والدلالات الاجتماعية التي يرام من خلالها رسم أفق لترميم التصدع وتصحيح الوضع المختل ووقف نزيف فقدان الاعتراف بوجود الآخرين وتأثيره في وجودنا.

الزمن

كل محكي ينتمي بالضرورة إلأى الماضي، لكن الزمن النحوي يتأرجح في النص بين الماضي والحاضر، ويندمج الزمنان في لحمة حكائية متماسكة، ويستثمر الزمن الماضي في السرد غالبا، ويستدعى الحاضر في الوصف والمناجاة، ويتوسل فيه بالفعل المضارع المصدر بأن أو بإحدى أدوات النفي أو بكان وأخواتها أو لام التعليل لتقرير حالات وبيان مواقف وتسجيل حوارات الذات مع نفسها (ما زلت أذكر وجها يميل إلى السمرة ـ لم تكن تلك أول مرة ـ لتساعد زوجتي ـ أن أتناسى الموضوع ـ كنت أستيقظ على صوت الضحكة فأحس بها تشد أعصابي ـ لم أستطع منع نفسي…)، والزمن في النص منساب انسيابا طبيعيا يختزل كل شيء عدا اهتمام السارد بالصمت الغامض المقلق، لذلك يمكن اعتبار الزمن زمنا نفسيا مرتبطا بأوضاع الشخصيتين الفاعلتين في الحدث: السارد وسعدية، فهو بالنسبة للسارد طويل أكثر مما يتصور ومشبع بالحزن والقلق والانزعاج؛ لذلك يؤشر المضارع فيه على قوة الحضور والاستمرار.

المكان

المكان خاص ومحدود في النص لا يتجاوز الشقة بما فيها من مؤثثات وامتدادات بسيطة، لكنها علامات دالة على أوضاع بعينها، فالمكتب يشير إلى قيم ما لفئة متعلمة واعية متنورة تمارس الكتابة، والسلم كمكان للتواصل الآمن يحيل على قيم أخرى لفئة من وضع آخر ووعي تلقائي يطرح الأقنعة، والمكان منفتح رغم ما يوحي به من انسداد، لأنه يتيح فرص اختراقه وتجاوزه، عبر خلق عوالم موازية من الانشغال أو التموقف أو البحث عن الممكن لتجاوز الانسداد، كمحاولة السارد التوغل عميقا في استكناه دلالة الصمت، وعالم المرح البديل لسعدية. والمكان متحول الدلالات في النص، فهو حميمي في البداية [ لحظة الانسجام النسبي والتصرف الطبيعي ] عدائي في لحظات معينة [ لحظة فقدان التوازن ] ثم حميمي مرة أخرى في النهاية [ لحظة استعادة التوازن ]

الشخصيات

الشخصية المحورية في هذه القصة القصيرة هي الخادمة، حولها يدور الحدث الرئيسي، ويتقاسم السارد معها هذا الدور، أما باقي الشخصيات فثانوية كبنت السارد أو عرضية عابرة كزوجته وزميلة سعدية، ويمكن تحديد السمات المميزة لهذه الشخصيات كالآتي:

  • سعدية: خادمة، طفلة ريفية، سمراء البشرة، متألقة العينين، متواضعة الملابس، بريئة، مرحة، أبية، عنيدة ومصممة، تلقائية، محبوبة لدى الطفلة، حاكية بارعة، ومنشطة رائعة، متفهمة ومسامحة.
  • السارد: متعلم، ناضج، متزوج، أب لبنت، حساس، مندفع، لايخلو سلوكه وتفكيره من بعض الغرور والسلطوية والتحكم، مستسلم للأمر الواقع حين يتعلق الأمر بالحياة المشتركة.
  • بنت السارد: طفلة صغيرة، مدللة، تحب المرح كسائر الأطفال، ذكية، ولها ذوق رفيع، متعلقة بسعدية.
  • زوجة السارد: لاملامح لها في النص إلا أنها مخدومة.
  • زميلة سعدية: شخصية عابرة، خادمة، مستمعة جيدة.

وتضطلع القوى الفاعلة الرئيسية في النص بمجموعة من الوظائف التي تطرأ عليها تحولات تجعلها شخصيات نامية، فسعدية بدت عاملا مزدوجا معاكسا ومساعدا للسارد منذ البداية، معاكسا لرغبته في الهدوء والتركيز، ومساعدا لرغباته الأخرى التي تقتضيها الخدمة [ تقديم القهوة، تلميع الحذاء..]، والسارد بدا معاكسا للشخصية المحورية ولرغبتها في التعبير عن وجودها وإشاعة المرح والضحك في محيطها، ثم انتهى السارد محايدا راضيا بوضع شارك في صنعه وتوقيعه باتفاق صامت، وبينما خرجت سعدية أخيرا من عالم الصمت بما فيه من معاكسة ومشاكسة إلى عالم الانطلاق والتلقائية من جديد، فإن الطفلة الصغيرة شكلت الموضوع والرغبة معا بالنسبة للسارد، وتحولت إلى عامل مساعد للسارد وسعدية عبرها ينمو المحكي وتنتهي الأزمة ويستعاد التواصل.

السرد

السارد هو راوي الحكاية، ينتمي إلى عالم النص، ولا وجود له خارجه، وهو في هذا النص مكشوف يتقمص شخصية رئيسية تتقاسم دور البطولة مع الخادمة سعدية، ويبدو جليا من خلال هذا المحكي أنه يقود رؤية من الخلف، رغم أنه يتلاعب بالمتلقي ويوهمه أنه لا يدري ما يدور في رأس الفتاة التي ينعتها باللعينة، وليس له علم بعوالمها الأخرى خارج طلباته اليومية، ويظنها أصغر من أن يكون صمتها مقصودا، وهو يعي جيدا انها تمسكه من اليد التي تؤلمه، بنته الصغيرة التي تملك الخادمة مفاتيح سعادتها.

إن لعبة السرد في هذا المحكي القصير تكشف عن سارد مراوغ يتقمص شخصية الأب، ويريد أن يتحكم بخيوط إدارة الحدث، يتجاهل سعدية بعد صفعها، يحاول تغيير مجرى الحدث محافظا على كبريائه بالإغراء والتوجيه الفوقي (سعدية هي التي ستفعل ذلك)، وتدفعه رغبته في إدارة الحدث مرة أخرى إلى انتظار غياب زوجته وابنته لترتيب الواقع ترتيبا تقنوقراطيا (فتح حوار حقيقي في المكتب مع الخادمة إنهاء الأزمة)، لكن الإصرار على خداع المتلقي، والقدرة الفنية الفائقة على الإيهام بواقعية الحكاية وبأن الحدث منفلت من إرادة السارد جعل الحوار وجدانيا صامتا بلغة العيون والقسمات المتوسلة التي سمحت بعودة الضحكة.

تركيب وتقويم

يزخر النص بأبعاد اجتماعية وإنسانية، مثلها تصوير المحكي بكل واقعية لظاهرة تعنيف الخادمات، والحط من كرامتهن، وما ينجم عن ذلك من شروخ نفسية عميقة تذكي الحقد والرغبة في الانتقام، وفقدان الثقة بين الطبقات المستغلة والمستغلة، وتردم كل أفق للتواصل والتعاون والألفة، ويعتدى من خلالها على حق من الحقوق الذي لا تكتمل أهلية الإنسان ولا يتحقق وجوده إلا به، وهو الحق في الوجود الكريم بدون امتهان للكرامة وانتقاص للإنسانية، ولعل الاحتجاج الصامت المستفز هو الرد الأبلغ في ردع هذا النوع من السلوك الصادر من طرف يفترض أنه أكثر حرصا على القيم النبيلة. كما يزخر النص بقيم جمالية مثلتها بنيات السرد المختلفة، ولغته البسيطة المسترسلة الشفافة المشعة بلمسات الجمال الناجمة عن استخدام التشبيهات الجميلة واللاستعارات اللطيفة وتحليلاته النفسية العميقة، وتلويناته الأسلوبية المثيرة التي قدمت للمتلقي معاناة اجتماعية في قالب سردي تتشابك فيه الأحداث برمزية الشخصيات والفضاأت وتجاذب المواقع بين الراوي والمروي له.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads