Ads Ads Ads Ads

السينما والصورة الفوتوغرافية – المجال الفني والثقافي – اللغة العربية – السنة الثالثة إعدادي

المستوى: السنة الثالثة اعدادي

المادة :اللغة العربية ( المجال الفني والثقافي )

عنوان الدرس السينما والصورة الفوتوغرافية

النص القرائي

الصورة تعبير بصري وإبداع يتخذ التخيل والحكي سبيلا لترجمة أفكار ومعان مستمدة من التربية الثقافية التي تتحرك فيها السينما. من هنا كانت الصورة دائما متعددة وجامعة، تختزن أشياء كثيرة، ومن ثم دلالات كثيرة. والتجذر الثقافي للصورة يجعلها إطارا لتأويلات مختلفة لأنها، بسبب بعدها التواصلي وتعدد معانيها مادة يسهم المتلقي في تحديد معناها وقيمتها. لذلك فالصورة التي يدركها المتلقي الأمريكي ليست هي الصورة التي يتفاعل معها الإنسان العربي أو الأفريقي. فقراءتها تتأثر بانتماء المشاهد اجتماعيا وثقافيا. مسألة تلقي الصورة استوجبت إضافة عنصر آخر يمنح معناها مزيدا من القوة في التعبير والتأثير، سواء كان كلاما (حوارا أو تعليقا…) أو كتابة داخل إطار الصورة. حاجة الصورة لهذا العنصر المقوي لا تعني ضعف الصورة بقدر ما يكسبها هذا العنصر الإضافي القدرة على التغلغل والتجذر في المجتمع والثقافة، أو توجيه المتلقي إلى معنى من المعاني التي تحملها. ولا تختلف الصورة السينمائية عن الصورة الفوتوغرافية في كون هذه الأخيرة لا تتحرك فحسب، بل إن إدراكها ورؤييتها والعلاقة معها تستدعي فهما مختلفا. فما تعمل الصورة الفوتوغرافية على إعادة إنتاجه، بشكل لا متناه، حصل في واقع الأمر مرة واحدة. إنها تكرر آليا ما لا يمكن تكراره وجوديا، والحدث فيها لا يحيل على شيء آخر. وبينما تكون الصورة السينمائية منزاحة على الدوام ومنطلقها مبني على التكون المتحرك، نجد الصورة الفوتوغرافية تعبر عن شيء انتهى، لأن ثبات هذه الصورة هو نتيجة التباس بين مفهومين: الواقعي والحي. فهي حين تشهد أن الموضوع كان واقعيا، فإنها تحث، خلسة، على الاعتقاد بأنه حي. إن الفارق بين الصورة السينمائية والفوتوغرافية غني بالمعاني، ويعبر عن اختلاف في النظر والإحساس والفهم والإحالة. فالصورة الفوتوغرافية يمكن أن أتأمل فيها ما شئت من الوقت، بكل ما تستحضره من ذكرى وإحالة ومقايسة، أما الشريط السينمائي فهو صور مسترسلة، منزاحة ومتسلسلة. فبمجرد ما أغمض أنا المشاهد عيني يتغير العالم البصري التخيلي أمامي. والسينما حين تكثف أربعا وعشرين صورة في الثانية، فإنها في الواقع تصوغ أكثر من أربع وعشرين حقيقة في الفترة الزمنية نفسها، وعلى اعتبار أن الصورة تتضمن أكثر من دلالة، وتختزن أكثر من حقيقة. نور الدين أفاية، “السينما، الكتابة والهوية”، مجلة الوحدة.

عتبة القراءة

ملاحظة مؤشرات النص الخارجية

نوعية النص

مقالة تفسيرية ذات بعد فني ثقافي.

مجال النص

النص ينتمي إلى المجال الفني / الثقافي.

الصورتان المرفقتان

تنسجمان مع العنوان، لأن إحداهما تمثل الكاميرا التي تستخدم في السينما، والأخرى تمثل آلة التصوير التي تستخدم في التقاط الصور الفوتوغرافية.

العنوان (السينما والصورة الفوتوغرافية)
  • تركيبيا: يتكون العنوان من أربع كلمات تكون فيما بينها مركبين: الأول عطفي (السينما والصورة) والثاني وصفي (الصورة الفوتوغرافية).
  • دلاليا: يفترض أن يقارن الكاتب بين السينما والصورة الفوتوغرافية.
بداية النص ونهايته
  • بداية النص: تشير إلى تعريف الصورة (تعبير بصري) وعلاقتها بالسينما.
  • نهاية النص: يواصل فيها الكاتب مقارنته بين السينما والصورة.

بناء فرضية القراءة

بناء على القراءة الاولية للنص نفترض أن موضوعها يتناول موضوع السينما والصورة الفوتوغرافية.

القراءة التوجيهية

الايضاح اللغوي

  • ترجمة الأفكار: شرحها ونقلها بشكل واضح.
  • التجذر الثقافي: العمق والأصل الثقافيان.
  • الالتباس: التداخل المؤدي إلى الإشكال.
  • خلسة: خفية.

الفكرة المحورية للنص

مقارنة الكاتب بين السينما والصورة، وإبراز مميزات كل منهما ..

القراءة التحليلية للنص

الأفكار الأساسية

  • التعريف بالصورة ودور المتلقي في إعادة الحياة إليها وإبراز دلالاتها.
  • دور الكتابة أو التعليق المرفق بالصورة في توجيه قراءتها وإغناء دلالتها.
  • مقارنة الكاتب بين الصورة والسينما من حيث الحركية والثبات، والخيال والواقع.

خصائص الصورة الفوتوغرافية والصورة السينمائية

خصائص الصورة الفوتوغرافية
  • ثابتة.
  • تابثة ونهائية.
  • قابلة للتأمل والإحالة والمقايسة.
خصائص الصورة السينمائية
  • متحركة.
  • منزاحة ومتحركة.
  • متسلسلة بشكل لا يتيح فرصة للتأمل والإحالة والمقايسة.

القراءة التركيبية

يعالج النص موضوعا فنيا يقارن من خلاله الكاتب بين السينما بوصفها إبداعا متحركا والصورة الفوتوغرافية بوصفها إبداعا ثابتا، حيث ذكر مميزات وخصائص كل منهما وأوجه التشابه والاختلاف بينهما. أما على مستوى الأسلوب يبدو أن النص ذو طبيعة نقدية فنية تظهر فيه ملامح إصدار حكم قيمة مما جعله غنيا بالمصطلحات الأدبية والنقدية مثل: التخيل – الحكي – الصورة – منزاحة – الانزياح – الواقعي والحي – الإحالة …

أنا والمدينة (نص شعري) – المجال السكاني- اللغة العربية – السنة الثالثة إعدادي

المستوى: السنة الثالثة اعدادي

المادة :اللغة العربية ( المجال السكاني )

عنوان الدرس : أنا والمدينة (نص شعري)

النص القرائي

هذا أنا، وهذه مدينتي، عند انتصاف الليل رحابة الميدان، والجدران تل تبين ثم تختفي وراء تلّ وريقة في الريح دارت، ثم حطت، ثم ضاعت في الدروب ظل يذوب يمتد ظل وعين مصباح فضولي ممل دست على شعاعه لّما مررت وجاش وجداني بمقطع حزين بدأته، ثم سكت من أنت يا .. من أنت؟ الحارس الغبيّ لا يعي حكايتي لقد طردت اليوم من غرفتي وصرت ضائعا بدون اسم هذا أنا، وهذه مدينتي! أحمد عبد المعطي حجازي، مدينة بلا قلب، الأعمال الكاملة

عتبة القراءة

ملاحظة مؤشرات النص الخارجية

صاحب النص (أحمد عبد المعطي حجازي)

أحمد عبد المعطي حجازي شاعر وناقد مصري، ولد عام 1935 بمحافظة المنوفية بمصر، أسهم في العديد من المؤتمرات الأدبية في كثير من العواصم العربية، ويعد من رواد حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر، ترجمت مختارات من قصائده إلى الفرنسية والإنجليزية والروسية والإسبانية والإيطالية والألمانية، حصل على جائزة كفافيس اليونانية المصرية عام 1989، جائزة الشعر الأفريقي عام 1996 وجائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 1997، عمل مدير تحرير مجلة صباح الخير، سافر إلى فرنسا حيث عمل أستاذاً للشعر العربي بالجامعات الفرنسية، عاد إلى القاهرة ليعمل بتحرير جريدة الأهرام، ويرأس تحرير مجلة إبداع التي تصدر عن الهيئة المصرية للكتاب. عضو نقابة الصحفيين المصرية ولجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة والمنظمة العربية لحقوق الإنسان، دعي لإلقاء شعره في كثير من المهرجانات الأدبية. من دواوين ومؤلفات أحمد عبد المعطي حجازي: مدينة بلا قلب – أوراس – لم يبق إلا الاعتراف – مرثية العمر الجميل – كائنات مملكة الليل – أشجار الإسمنت – محمد وهؤلاء – إبراهيم ناجي – خليل مطران – حديث الثلاثاء – الشعر رفيقي – مدن الآخرين – عروبة مصر – أحفاد شوقي.

مجال النص

النص ينتمي إلى المجال السكاني.

نوعية النص

قصيدة شعرية من الشعر الحر ذات بعد سكاني.

طريقة نظم النص

ينتظم النص على شكل أسطر شعرية غير متقايسة الطول ومتنوعة القافية والروي.

روي القصيدة

يتنوع روي القصيدة بين أحرف اللام، الميم، الباء والتاء.

عدد اسطر القصيدة

القصيدة التي بين أيدينا تحتوي على 19 سطرا شعريا.

الصورة

تجسد الصورة حالة المدينة عند المساء، وقتامة المشهد توحي بالحالة النفسية للشاعر.

العنوان (أنا والمدينة)
  • تركيبيا: مركب عطفي المعطوف (المدينة) ومعطوف عليه (أنا).
  • معجميا: ينتمي العنوان إلى المجال السكاني.
  • دلاليا: يوحي بالعلاقة القائمة بين الشاعر الذي يدل عليه الضمير المنفصل (أنا) والمدينة التي يعيش فيها.
بداية النص ونهايته
  • بداية النص: نلاحظ فيها تكرار العنوان مع إضافة اسمين للإشارة هما: (هذا وهذه) للدلالة على التأكيد والتحديد والقرب من المدينة، كأن الشاعر يريد أن يؤكد على أن الضمير (أنا) يحيل عليه دون سواه وأن المدينة المتحدث عنها هي مدينته دون غيرها من المدن، مما جعله يحدد طرفي المواجهة في هذه القصيدة ويعرف بكل منهما بشكل يجعلهما قريبين من بعضهما وغير بعيدين موظفا لهذا الغرض اسمين للإشارة دالين على القريب.
  • نهاية النص: ينتهي النص بنفس العبارة التي استهلت بها القصيدة، وهذا يعطي القصيدة نظاما دائريا حلزونيا في بنائها، مما يدل على أن المواجهة التي أعلن عنها الشاعر في بداية القصيدة بين الشاعر ومدينته لم تحقق رغبة الشاعر أو طموحه، فعاد بنا إلى نقطة الصفر ليؤكد على استمرار المشكلة ذاتها والإحساس بخيبة الأمل.

بناء فرضية القراءة

بناء على القراءة الاولية للقصيدة نفترض أن موضوعها يتناول علاقة الشاعر بالمدينة.

القراءة التوجيهية

الايضاح اللغوي

  • رحابة: اتساع.
  • التل: جمع تلال: الربوة أو الأكمة أو الهضبة، المرتفع من الأرض قليلا.
  • جاش وجداني: اضطربت عواطفي.
  • لا يعي: لا يدرك، لا يفهم.

الفكرة المحورية للنص

إحساس الشاعر بالغربة والضياع في المدينة رغم رحابة ميادينها ..

القراءة التحليلية للنص

المستوى الدالي

الألفاظ والعبارات الدالة على الحزن والمعاناة
  • معجم المكان والزمان: مدينتي – انتصاف الليل – الميدان – تل – الدروب – اليوم …
  • معجم الحزن والغربة: وريقة في الريح دارت – ضاعت في الدروب – ظل يذوب – ممل – دست على شعاعه – جاش وجداني – طردت اليوم من غرفتي – صرت ضائعا بدون اسم …
أفعال القصيدة
  • أفعال ماضية: دار – حط – ضاع – داس – سر – جاش – بدا – طرد – سكت – صار.
  • أفعال مضارعة: تبنى – تختفي – يذوب – يمتد – يعي …

ملاحظة: نسجل هيمنة الأفعال الماضية على الأفعال المضارعة في القصيدة مع غياب الفعل الأمر وهذا يوحي بـأن الشاعر يسرد أحداثا وقعت في الماضي وانعكست سلبا على نفسيته في زمن الحاضر.

المستوى الدلالي

أحداث القصة التي تحكيها القصيدة
المقطع حيزها داخل القصيدة المضامين
[1] من السطر 1 إلى 12 وصف المدينة بمساحتها الشاسعة، وما يعانيه الشاعر من حزن وكآبة وتشرد.
[2] من السطر 13 إلى 19 تفاقم مشكلة الشاعر بسبب طرده من غرفته، وجهل الحارس لحكايته.
عناصر السرد في القصيدة
  • الشخصيات: الحارس – الشاعر
  • الزمن: انتصاف الليل – اليوم
  • المكان: المدينة – الميدان – الدروب – الغرفة

المستوى التداولي

ملامح البناء الدائري / الحلزوني في القصيدة

يدل هذا النوع من البناء (كما تمت الإشارة سابقا) على خيبة الأمل التي يشعر بها الشاعر، وعجزه عن إيجاد حل لمشكلته، فكل خطوة يقوم بها في سبيل الخروج من قوقعة مشكلته فهي خطوة من وإلى هذه القوقعة، لذلك سرعان ما يجد الشاعر نفسه في نفس المكان فتكون البداية هي نفسها النهاية، وتجدر الإشارة إلى أن القصيدة في كليتها عبارة عن دائرة كبرى تبدأ وتنتهي بنفس العبارة (هذا أنا وهذه مدينتي)، وتتخللها دوائر صغرى نوضحها من خلال الأمثلة التالية:

  • ظل يذوب يمتد ظل: نلاحظ هنا تكرارا للفظة (ظل) في بداية ونهاية السطر، ومن خلال هذا التكرار تم التقريب بين الفعلين (يذوب + يمتد) للدلالة على انتقال انسيابي بين مرحلتين متواليتين هما لحظة ذوبان الظل ولحظة امتداده، وهو انتقال ما كان ليحدث بهذا الشكل الانسيابي لو أن الشاعر قال مثلا: (ظل يذوب ظل يمتد).
  • بدأته ثم سكت: سكوت الشاعر بعد بدء الكلام دليل على عودته إلى لحظة ما قبل البدء بالكلام حيث كان ساكتا، مما يجعل البداية هي نفسها النهاية، ومن خلال ذلك يتضح النظام الدائري للقصيدة مرة أخرى.
  • من أنت يا … من أنت: عبارة من أنت رددها الحارس مرتين: في بداية السطر ونهايته، ويبدو أن لسانه سبقه إلى النطق بأداة الاستفهام قبل التفكير في المنادى الذي يخاطبه من يكون ؟ وما اسمه ؟ مما جعله يكون في مأزق وموقف محرج لم يخرج منه إلا بالاستدارة والرجوع إلى عبارة البداية (من أنت).
الخصائص البلاغية

على مستوى الأسلوب، فالقصيدة غنية بالصور الشعرية والخصائص الفنية التي وظفها الشاعر بشكل مبدع مما جعلها تخدم المضمون وتضفي لمسة جمالية على القصيدة، ومن أمثلتها:

  • التكرار: تكررت في القصيدة اللازمة الشعرية (هذا أنا … هذه مدينة)، وقد جاء تكرارها في أول القصيدة وآخرها وهذا التكرار يؤكد لنا العلاقة القائمة بين الشاعر والمدينة التي يقطن بها.
  • التشبيه: وظف الشاعر التشبيه في القصيدة فشبه نفسه بالوريقة في الربيع، فقال: (وريقة في ريح دارت ثم حطت ثم ضاعت في دروب)، كما شبهها بالظل في امتداده واختفائه، فقال: (ظل يذوب … يمتد الظل)، ودلالة هذه التشبيهات توحي بالضياع والحزن والغربة في خضم صراع الشاعر مع أجواء المدينة.
  • المجاز: وأمثلته: ظل يذوب – عين مصباح – قضو لي – ممل – صرت ضائعا …
  • التضاد: وأمثلته: تبين/تختفي – يذوب/يمتد – دارت/حطت.
  • الكناية: ومثالها قول الشاعر (صرت ضائعا بدون اسم) وهذا المعنى كناية على الضياع والغربة.
  • الطباق: وأمثلته: تبين ≠ تختفي – يذوب ≠ يمت.

القراءة التركيبية

يصور الشاعر في هذه القصيدة علاقة الصراع بينه وبين المدينة التي يقيم بها، وقد تبدت له الأمكنة والأشياء التي تربطه بهذا القضاء في صور تبعث على الحزن والغربة والضياع، ويبقى توظيف تيمة المدينة في الشعر، خاصة خلال هذه المرحلة من حياة الشاعر إضافة نوعية تعكس الحالة النفسية التي تولد من رحم علاقة الصراع والتوتر بين الشاعر (الإنسان) والمدينة (بيئة الإنسان).

غيم أسود – المجال السكاني- اللغة العربية – السنة الثالثة إعدادي

المستوى: السنة الثالثة اعدادي

المادة :اللغة العربية ( المجال السكاني )

عنوان الدرس : غيم أسود

النص القرائي

تلك البلدة المنكوبة بحريرها نكبت بوباء أيضا، قيل إنه الهواء الأصفر، وقيل الطاعون، وأكد آخرون فيما بعد أنه الجوع انتشرت المجاعة في كل مكان، وانتشر الجرب فأصابتنا العدوى ظهرت البثور على أجسامنا، والتهبت بالحكة وتبقعت وجعلت الأم تذيب الملح وتدهننا. ذهبت يوما الى بيت المختار فطردوها، كان الزوج قد جن دخل غرفته وأغلق الباب نهائيا ولم يعد يسمح لأحد بالدخول عليه، كان يتناول طعامه من نافذة الغرفة، ويغلقها بعد ذلك، وحرم على الجميع ولوج عتبة الباب الذي غدا محجرا لمن فيه، ولم تستطع الأم أن ترى أختنا المحجورة، فعادت فارغة اليدين، وبدا لها في نوبة من اليأس، ألا مخرج لنا من ورطتنا وأننا ميتون لا محالة جوعا. كان الوقت عصرا، وكان عصرا تشرينيا باردا، وقالت الأم: إن علينا أن نذهب إلى الحقول ونجمع من التخوم ومجاري المياه أنواعا من الحشائش ستدلنا عليها. رفضت البقاء في البيت، فألبستني ثيابا شتوية، وقمطت رأسي بمنديل وحملتني ومضينا الى غدير قريب ومعنا سلة، وفي يد الأم والأختين سكاكين. وهناك شرعن باقتلاع عشبة الحميضة التي جمعنا منها مقدارا كافيا. وعدنا الى البيت فغسلتها الأم وفرمتها ونحن نتحلق حولها. ولم نبرح الموقد الذي تسلقها عليه حتى استوت، وسكبتها لنا في صحن كبير، فاقبلنا عليها. هذه الوجبة الحشيشية كانت خدعة غدائية يائسة، خلفت غثيانا في نفوسنا وإسهالا بلغ حد المرض برغم الملح الذي أكثرت منه الأم. ومع ذلك، كان لابد من هذا الحشيش، وقد حسبت الأم أن الإسهال يزول بشرب الماء الساخن. حدثتنا وهي تطهوه لنا أنها تعرف مكانا ينبت فيه بكثرة وأنها ستقودنا في الصباح لجمع كمية كبيرة منه، وفي الصباح كنا على حالة من الاعياء بسبب القي والإسهال، ألجأنا إلى الانكفاء في ركن البيت صفر الوجوه، ذابلين كأغصان قطعت وألقيت في شمس تموز. وزاد في هلع الأم ذلك الورم الذي ظهر في وجوهنا وأطرافنا من جراء بثور الجرب. إن جسوم الأطفال حين ينهكها الضعف أو المرض تنقلب حيويتها الى أشلاء تستدر الإشفاق والجزع، لا يبقى عندئذ من الطفل سوى عينين تنظران بانكسار ولا مبالاة، يذبل وتنفرج شفتاه عن أسنانه، ويكف عن الحركة ويلاحق صامتا أمه بنظرات مودعة ضارعة. كنا نحن أولئك الأطفال …، لقد أهزلنا الجوع، وهدنا الإسهال وتراخينا كأوراق مبللة، وعلى فراش في الزاوية تمددت، ولم تلبث أختاي أن تكورتا قربي، وغطتنا الأم وأشعلت النار في  الموقد. لقد ازدادت الآن نحولا، وفي الاستجابة إلى نداء الجسم المكود كان طبيعيا الاستسلام. لتأت النهاية على النحو الذي تريد يا أيتها النسمة الباقية في الصدر أخرجي ودعينا، الحياة والموت يصبحان في وهن الجسم وهنا في الصراع، يكف الصراع ويلوح الموت حاملا ملاءة غيم أسود. ذلك الصباح كان غيم أسود، كان برد، وكنا شموعا صغيرة، أعقاب شموع صغيرة تنوس وتوشك أن تنطفئ، كان يكفي أن تغلق أمنا الباب، وتأتي إلينا وتضطجع مثلنا، تاركة للغيمة أن تغمرها وللراحة أن تشملها وللبيت الطيني أن يوارينا حتى يفطن إلينا من يوارينا. حنا مينة، بقايا صور، دار الآداب، بيروت

عتبة القراءة

ملاحظة مؤشرات النص الخارجية

بطاقة التعريف بالكاتب حنا مينة

مراحل من حياته:

  • ولد في مدينة اللاذقية بسوريا سنة 1924
  • اشتغل في عدة مهن قبل أن يصبح كاتبا (حمال – بحار – مصلح دراجات – حلاق – صحفي …).
  • بدأ حياته الأدبية بشكل متواضع، حيث تدرج في كتابة الرسائل للجيران والعرائض للحكومة، ثم انتقل لكتابة المقالات والأخبار في الصحف السورية واللبنانية، ثم شرع بعد ذلك في كتابة القصص القصيرة.
  • ساهم بشكل كبير في تأسيس اتحاد الكتاب العرب.

أعماله:

  • الشراع والعاصفة
  • الأبنوسة البيضاء.
  • حكاية بحار
  • نهاية رجل شجاع
  • الثلج يأتي من النافذة
  • الشمس في يوم غائم
  • حمامة زرقاء في السحب …
مصدر النص

النص مقتطف من مؤلف «بقايا صور»، ويطرح أبعادا سكانية واجتماعية.

مجال النص

النص ينتمي إلى المجال السكاني.

نوعية النص

النص مقطع من سيرة ذاتية ذو بعد سكاني واجتماعي.

العنوان (غيم أسود)
  • تركيبيا: مركب وصفي.
  • معجميا: ينتمي إلى المجال السكاني.
  • دلاليا: يحمل عنوان النص عدة دلالات: (غيم أسود = السحاب المحمل بالأمطار – غيم أسود = التلوث / الدخان – غيم أسود = الحزن والمعاناة).
بداية النص ونهايته
  • بداية النص: لم يتكرر فيها العنوان، ورغم ذلك فهي تتضمن ألفاظا تنسجم في معناها مع الدلالة (غيم أسود = الحزن والمعاناة) للعنوان، ومن أمثلة هذه الألفاظ: الجوع – الطاعون – الوباء …
  • نهاية النص: نلاحظ فيها ما يلي: (تكرار العنوان – السارد يحكي بضمير المتكلم مما يدل على أن النص سيرة ذاتية – انخفاض إيقاع السرد ومعه صوت السارد على خلاف بداية النص التي بدأ فيها الإيقاع مرتفعا وسريعا).
  • العلاقة بين بداية النص ونهايته: هي علاقة سبب بنتيجة: المجاعة == الموت.

بناء فرضية القراءة

بناء على مؤشرات العنوان وبداية النص ونهايته، نفترض أن النص سيتناول موضوع الحزن والمعاناة.

القراءة التوجيهية

الايضاح اللغوي

  • تبقعت: ظهرت فيها بقع.
  • محجرا: محبسا وحاجزا مانعا.
  • التخوم: الحدود الفاصلة بين الأراضي.
  • غدير: مستنقع، بركة، بقعة من الماء يتركها السيل.
  • الجزع: الخوف الشديد.
  • ضارعة: متوسلة.
  • المكدود: المتعب والمنهك.

الفكرة المحورية للنص

معاناة الأسرة بسبب الجوع والأمراض والأوبئة التي كادت أن تقضي عليهم ..

القراءة التحليلية للنص

أحداث النص بوصفه سيرة ذاتية

  • وصف معاناة أسرة السارد بعد نكبة المجاعة التي أصابت البلدة.
  • خروج الأم مع أبنائها لجلب بعض الحشائش لإعداد وجبة تعتقد أنها علاج للمرض الذي أصيبوا به.
  • مرض الأطفال جراء تناولهم لتلك الوجبة الحشيشية.
  • الاستسلام للمرض وانتظار الموت.

الشخصيات وأوصافها

الشخصيات الأوصاف الجسمية الأوصاف النفسية الأوصاف الاجتماعية
السارد منهك – نحيل – ذابل … الحزن والاستسلام الابن الأصغر بين أخواته (ألبستني، حملتني…)
الأم – – – – – يائسة – خائفة على أبنائها – حنونة … – – – – –
المختار – – – – – غاضب، متوتر، خائف من الإصابة بالمرض (كان الزوج قد جن …) – – – – –
الأخوات إحداهن محجورة في بيت المختار، والأخريان أصيبتا بعد تناول عشبة الحميضة. تنطبق عليهما أوصاف السارد الجسمية (الإنهاك – النحول – الذبول …). الحزن والاستسلام – – – – –

نوع الرؤية السردية

الرؤية مع أو الرؤية المصاحبة: [ السارد = الشخصية الرئيسية ].

إيقاع السرد

يبتدئ النص بإيقاع سريع في الحكي وذلك بهدف الإعلان عن العقدة والمصيبة التي حلت بالأسرة منذ البداية دون التوقف عند التفاصيل الكثيرة المرتبطة بها، لكن إيقاع السرد بدأ في الانخفاض التدريجي مع الاقتراب من نهاية النص ليصل إلى حد الخفوت ثم السكون في نهاية النص، وذلك حتى ينسجم مع الاستسلام للموت الذي آل إليه حال الأسرة في نهاية النص.

الألفاظ والعبارات الدالة على معاناة الأسرة

الطاعون – الجوع – العدوى – أهزلنا الجوع – ميتون لا محالة – المنكوبة – الضعف – نوبة من اليأس – الجزع – هلع الأم – الزوج قد جن – تنظر بانكسار …

أسلوب النص

على مستوى الأسلوب يمزج السارد بين السرد والوصف، ويركز على الوصف خاصة لنقل صورة دقيقة بكل تقاصيلها الجزئية عن حالة الأسرة المنكوبة …، ولذلك نجد في النص العديد من الجمل الوصفية، وتتجلى ملامح الإبداع والبلاغة في هذه الجمل في كونها ليست مجرد وصف تقريري ولكنه وصف فني مليء بالتشبيهات والمجازات والاستعارات، ومن أمثلته: [ذابلين كأغصان قطعت وألقيت في شمس تموز – تراخينا كأوراق مبللة – كنا شموعا صغيرة، أعقاب شموع صغيرة – تنقلب حيويتها إلى أشلاء تستدر الإشفاق والجزع …].

القراءة التركيبية

يصور السارد من خلال هذا النص حال أسرته بعد المجاعة والأمراض التي أصابت بلدته وكادت أن تؤدي بحياته وحياة أسرته، حيث ينقل إلينا مظاهر العدوى، ولاسيما بعد تناول وجبة حشيشية أحالت جسومهم إلى أشلاء تثير الشفقة، ولم يعد من حل أمامهم سوى الاستسلام وانتظار الموت، وبما أن النص ينتمي إلى المجال السكاني فهو يعالج ظاهرة سكانية تتمثل في المجاعة وما يترتب عنها من أمراض خطيرة قد تؤدي إلى الهلاك.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads