عنوان الدرس : منهجية مقاربة القولة الفلسفية
المادة : منهجيات – الفلسفة
الشعب: جميع الشعب (علوم تجريبة وعلوم رياضية وعلوم اقتصادية وعلوم والتكنولوجيات الكهربائية…الخ)
المسالك: جميع المسالك (علوم فيزيائية وعلوم حياة والارض واداب وعلوم انسانية والعلوم والتكنولوجيات الميكانيكية ..الخ)
منهجية مقاربة القولة
من الطرق التي تم اختیارها لمساءلة المترشحین، لاجتیاز امتحان الباكلوریا في مادة الفلسفة، طریقة القولة – السؤال. وفي هذا الإطار، وجب التنبیه إلى بعض الصعوبات التي یمكن أن نجدها في مقاربة القولة، والتي یمكن أن نحصر أهمها فیما یلي:
- تعودنا على طریقة مقاربة النص طیلة الدورة الأولى، مما یؤدي إلى تعمیم هذه المقاربة على القولة.
- حجم القولة (الصغیر) الذي لا یساعدنا كثیراعلى إدراك مضمون القولة بسرعة.
- فهم السؤال المذیل للقولة، وبالتالي موقعته بشكل من الأشكال داخل المكتسب المعرفي السابق.
ولتخطي هذه الصعوبات وغیرها، لابد أن ندرك، أولا وقبل أي شيء، أن السؤال المذیل للقولة سؤال یتألف من مطلبین: مطلب یفترض فیه أن یدفع بنا نحو الكشف عن الأطروحة المتضمنة في القولة، وبالتالي استخراجها. ثم مطلب یدفع بنا نحو مناقشة القولة، وبالتالي تقییم الأطروحة المفترض أن تتضمنها القولة. وسنحاول، فیما یلي، تقدیم تصور نظري حول الخطوات المنهجیة المتوقعة من مقاربة القولة.
طبیعة المقدمة
إن من خصوصیات الفلسفة أنها لاتدرس إلا القضایا ذات الطبیعة الإشكالیة. ومن ثمة، لا بد أن نعمل في مستوى المقدمة على تحویل القولة إلى قضیة إشكالیة. وذلك ما یجعل طریقة التقدیم في مقاربة القولة، قریبة من طریقة التقدیم في مقاربة النص. ویستحسن، في صیاغة الإشكالیة، أن تتنوع الأسئلة إلى نوعین: أسئلة ذات طبیعة ماهویة، وأسئلة ذات طبیعة نقدیة تقویمیة. بما أن المطلوب منا، أولا، هو استخراج أطروحة القولة، فالسؤال الماهوي، یتیح إمكانیة التعمق في القولة والغوص داخلها، بدل أن نحوم حولها. أما الأسئلة ذات الطبیعة النقدیة، فهي توفر مناسبة للابتعاد النسبي عن القولة، وبالتالي إبراز قیمتها الفلسفیة والفكریة على ضوء معطیات قبلیة، وبالتالي أطروحات اكتسبناها سابقا.
طبیعة العرض
یتنوع العرض إلى لحظتین فكریتین مسترسلتین: لحظة القراءة ولحظة التقییم (أو النقد)
لحظة القراءة
وهي لحظة مكاشفة القولة، وبالتالي اللحظة الفكریة التي یجب أن نلزم فیها القولة على التفتق للبوح بأطروحتها أو الخطاب الذي تحمله، أو التصور الذي تعرضه .. أو هذه الأمور كلها مجتمعة. وهذه القراءة تتنوع بدورها إلى قراءتین سنصطلح على تسمیتهما تباعا بالمقاربة المفاهیمیة، و المقاربة الفكریة. ثم تلیهما مباشرة لحظة الإعلان عن الأطروحة المتضمنة في القولة.
المقاربة المفاهیمیة
وهي لحظة وقوف عند المفاهیم الأساسیة للقولة التي یمكن اعتبارها مفاتیح ضروریة للكشف عن أطروحة القولة. إلا أنه یجب الحرص على أن تبتعد القراءة في المفاهیم، عن الشرح اللغوي والخطاب العمومي المبتذل، وأن تحاول الرقي إلى مستوى التنظیر الفلسفي. خصوصا وأن المفترض، أنه یتم التعود على هذه المقاربة أثناء توظیف النصوص داخل الفصل. علاوة على أن هذه مقاربة یجب أن نتعود علیها في السنة الثانیة أدب، على اعتبار أن أحد الأسئلة المذیلة لنصوص الاختبار، قد یحتم علینا ذلك. بدل شرح “عبارة”، یمكن أن یطلب من تلامیذ السنة الثانیة شرح مفهوم أو مفاهیم من النص).
المقاربة الفكریة
وهي اللحظة الفكریة، التي یجب أن نحول فیها القولة، إلى “مقولات” فكریة وبالتالي “أطر” نستطیع أن نوسعها فكریا وفلسفیا، حتى نجعلها تأخذ طابع الخصوصیة. وبذلك نحول خطاب القولة “المقضب” إلى خطاب رحب، باعتباره، یحمل في مكنوناته أبعادا فكریة، وفلسفیة، لایستطیع أن یكتشفها إلا من كلف نفسه عناء التأمل، والتفكر، والتدبر. بعد ذلك، نستطیع الكشف عن أطروحة القولة، في صورة استنتاج، یظهر أن هذه اللحظة كانت ثمرة للمجهود الفكري الذي قمنا به أثناء القراءة السابقة.
لحظة التقییم
بما أننا الآن نعرف الأطروحة التي كانت القولة تخفیها في طیاتها، فإن ما یتوجب القیام به مباشرة بعد ذلك هو الانفتاح على المكتسب المعرفي السابق، وبالتالي البحث عن الأطروحات التي تسیر في توجه القولة. ونحن نعتبر أن هذه المرحلة لیست تقییما أو نقدا مطلقا، لأن في ذلك نوع من الإتمام للمرحلة السابقة. فالأطروحات التي سنأتي بها كنماذج، لا تأتي لتزكي طرح القولة فحسب، وإنما لتزكي كذلك القراءة التي قمنا بها، وتبین لماذا حددنا أطروحة القولة في موقف دون آخر، أو لماذا تندرج في خطاب فكري معین دون الخطابات الأخرى …إلخ. لتأتي بعد ذلك لحظة التقییم الحاسم، والتي تتجلى في البحث عن النقیض، والمعارض في المكتسب المعرفي، واستثماره، بشكل یظهر بأن الموقف الذي تتبناه القولة لیس بالموقف النهائي.
طبیعة الخاتمة
كثیرا ما یتم الاستخفاف بالخاتمة ونحن نعتبرها لحظة حاسمة من لحظات الموضوع. فهي لحظة تفكر فیما سبق ولحظة تعبیر عن الذات. لذا نعتبر الخاتمة استنتاجا منبثقا من اللحظات الفكریة السابقة، وبالتالي تعبیر عن رأینا الشخصي من موقف القولة. رأي ینطلق من الحق الأسمى (الذي لا یتناقض مع روح الفلسفة) الذي نملكه، في أن نكون مع أو ضد أي خطاب أو تصور، إلا أن ذلك لایجب أن یكون بطرقة جزافیة مفتعلة ولا بطریقة مسهبة.