Ads Ads Ads Ads

السعادة – مجزوءة الأخلاق – الفلسفة – الثانية باك اداب وعلوم انسانية

عنوان الدرس : السعادة

المادة : مجزوءة الأخلاق – الفلسفة

الشعب: اداب وعلوم انسانية

المسالك: اداب وعلوم انسانية

الطرح الإشكالي

إن السعادة هي شعور الفرد بإحساس الفرح، والارتياح، واللذة …، وهذا ما يجعلها غاية للإنسان يسعى إليها سواء على المستوى الحسي – الغريزي، أو على مستوى الفكر النظري، أو على مستوى السلوك الأخلاقي، وهكذا فللسعادة قيمة حسية، وقيمة فلسفية تأملية، وقيمة أخلاقية تثير عدة قضايا فلسفية متمثلة في تعدد التمثلات التي تنسج حولها، وتنوع الموضوعات التي تحققها، إضافة إلى تعدد الدوافع التي تدفعنا إلى السعي ورائها، وأخيرا ارتباطها بالواجب الذي يحقق السعادة عندما يكون اتجاه الذات واتجاه الغير كذلك، إنها قضايا يمكن صياغتها من خلال هذه الأسئلة:

  • ما هي التمثلات التي تم بناؤها حول السعادة؟
  • لماذا نسعى نحو السعادة؟
  • ما علاقة السعادة بالواجب؟

المحور الأول: تمثلات السعادة

السعادة إشباع للفكر

إذا كان الغالب عند الناس أن هو أقوى اللذّات وأكمل السعادات لذّة المطعم والشهوة وسائر اللذّات البدنية، فإن هذا القول يزول عند فخر الدين الرازي، ويدل على ذلك عدة وجوه وهي:

  • كل شيء يكون سببا لحصول السعادة والكمال يكون الإنسان أكثر إقبالا عليه، ونحن نعلم أن الانشغال بقضاء الشهوة يعد من الدناءة والنهم.
  • كل شيء يكون في نفسه كمالا وسعادة، وجب لا أن يستحيى منه، أن بل يتبجح لإظهاره، ونحن نعلم أن لا أحد من العقلاء يفتخر بكثرة الأكل والشرب.
  • لو كانت السعادة متعلقة بقضاء الشهوة لكان الحيوان الذي هو أقوى في هذا الباب، أكثر سعادة وكمالا من الإنسان.
  • إن سعادة الإنسان – حسب الرازي – وكماله وفضيلته لا تظهر إلا بالعلوم والمعارف والأخلاق الفاضلة، لا بالأكل والشرب.

السعادة غاية في ذاتها

إن الأفعال صنفان فعل يطلب لذاته، وفعل يطلب لغيره، والسعادة ليست ملكة – في نظر أرسطو – وإنما هي فعل يطلب لذاته، هناك بعض أصناف اللهو تطلب لذاتها، لكن ينجم عنها ضرر لا منفعة لما قد يؤدي من التهاون بأمر الجسد أو الثروة، وهي مع ذلك مما يتهافت عليه الكثير من الناس ممن يندرجون في عداد السعداء. والحق أنه من الجهل أن يقال إن اللهو هو غاية الحياة، وأننا نكد طوال العمر لكي يتاح لنا اللهو، إن قولا مثل هذا قول صبياني، إن كل ما يمكن تصوره يطلب من أجل ما عداه، إلا السعادة إذ هي غاية بحد ذاتها – حسب أرسطو –، والحياة السعيدة هي التي يحياها المرء وفق الفضيلة، وهي حياة جد واجتهاد، لا حياة لهو.

المحور الثاني: السعي وراء السعادة

السعي وراء السعادة شقاء

السعادةقي إطار بناء أطروحته حول سعي الإنسان وراء تحقيق السعادة، وجدوى هذا السعي، أكد جون جاك روسو، أن على الإنسان ليبلغ غايته أن يحقق معادلة متكافئة بين رغباته وقدراته، إلا أنها معادلة لم تكن ممكنة في إلا حالة الطبيعة، حيث كانت الرغبات بسيطة، ومقدور عليها، أما حالة التمدن، فإن الرغبات تطورت وتجاوزت قدراته، وعليه فإن السعي وراء السعادة إنما هو في الحقيقة سعي وراء الشقاء، وهكذا فإن انتقال الإنسان من حالة الطبيعة البسيطة في حاجاتها، إلى حياة الجماعة وما صاحب ذلك من ظهور كمالات متعددة ولا متناهية أدى – في نظر روسو – إلى فقدانه لسعادته، وتحول البحث عنها إلى شقاء مستمر.

الجمال يحقق السعادة

إن الإنسان لم يبدع فقط أسباب الشقاء – في نظر ديفيد هيوم – وإنما أبدع أيضا إمكانات الاقتراب من تحقيق سعادته، بإمكانه أن يحقق ذلك اعتمادا على إبداعاته الفنية (الموسيقى، الرسم، الشعر…)، فإذا كان يملك ذوقا رهيفا، وعمل على تهذيب هذا الذوق والسمو به انطلاقا مما تقدمه الأعمال الفنية من جمال ورقة، أمكنه التخفيف من التوتر والألم والاقتراب من السعادة.

المحور الثالث: السعادة والواجب

السعادة واجب اتجاه الغير

ليس من الصعب تحقيق سعادة الآخرين في نظر برترند راسل، إذ يكفي محاولة التقرب منهم بمودة تلقائية للتعرف على الغير، وفهم تفرده وخصوصيته، وهذا ما يشكل مصدر إسعاد الغير، وبالتالي تحقيق سعادة الذات، وهكذا ننتقل مع راسل من تصورات تشرط السعادة بتحقيق الرغبات أو إقصائها، إلى تصور يربطها بالممارسة والفعل.

السعادة واجب اتجاه الذات

تكون السعادة ممكنة – في نظر ألان – عندما تتوفر لدى الإنسان إرادة طلبها، وتصبح واجبا تجاه الذات والآخر ولا يكون باستطاعته إسعاد غيره، إلا إذا منح السعادة لذاته فمن السهل على المرء أن يكون مستاء، كما من السهل عليه أن يرفض ما تقدمه الحياة من عطايا، وبالمقابل من السهل على الإنسان أن يصنع من أشياء قليلة وبسيطة، مظاهر السعادة التي يتلمسها في علاقته بالآخرين، إن رفض السعادة حسب ألان هو السبب الأكبر فيما تعرفه الإنسانية من مآس وحروب، وهكذا تصبح السعادة قيمة أخلاقية توجه تصرفات الإنسان في علاقته بذاته وبالآخر.

استنتاجات عامة

إن السعادة شعور داخلي بالسرور والرضا على النفس …، إلا أن مصادر هذا الشعور تتحدد وتتنوع حسب الأفراد والجماعات، فهناك من يحقق السعادة من خلال جمع الأموال وإشباع الغرائز، وهناك من يحققها بإشباع العقل بواسطة العلم وتحصيل المعارف، كما نرى من يجد سعادته في إشباع الجوانب الروحية على مستوى المشاعر والأحاسيس الباطنية.

إن للسعادة مظهرين، مظهر نظري تأملي، وآخر عملي أخلاقي، يتمثل المظهر الأول في تحقيق الرغبات، وإشباع المشاعر والأحاسيس، أما المظهر الثاني فيرتبط بالممارسة والفعل. التي تتحدد بعلاقة الذات سواء بذاتها أو بالآخر أو علاقة الآخر بالذات.

العنف – مجزوءة السياسة – الفلسفة – الثانية باك اداب وعلوم انسانية

عنوان الدرس : العنف

المادة : مجزوءة السياسة – الفلسفة

الشعب: اداب وعلوم انسانية

المسالك: اداب وعلوم انسانية

تقديم

إن الرهان الأساسي من الممارسة السياسية هو السعي إلى السلطة وإقامة دولة الحق والقانون من أجل تدبير عقلاني وديمقراطي لشؤون المجتمع على أساس نظام تعاقدي إرادي يتنازل فيه الأفراد على ذاتيتهم وعن جزء من حريتهم الفردية والطبيعية من أجل التعايش في أمن وأمان، ومن ثم يمتثلون بنوع من التلقائية والرضى لسلطة الدولة التي لها حق السيادة من حيث أنها تمثل المجتمع بجميع شرائحه عبر أساليب الديمقراطية والمؤسسات المنتخبة بحرية وشفافية، وعليه إذا كانت الدولة بالمعنى الحديث للمفهوم تتمثل في مجموع الأجهزة والمؤسسات التي تسهر على تدبير الشأن العام للمجتمع في مجالاته المختلفة سواء منها السياسية والاقتصادية والثقافية…، وبالتالي فهي مالكة السلطة، فإننا نتساءل:

  • على أي أساس تقوم الدولة؟ هل على العنف والاستبداد أم على الحق والعدالة؟
  • لماذا تلجأ الدولة أحيانا إلى استعمال العنف بكل أشكاله المادية والمعنوية؟ هل هناك من مبرر ومشروعية لهذا الاستعمال؟
  • هل ممارسة العنف يقوي من سلطة الدولة أم يهدد وجودها واستمراريتها؟
  • هل العنف ملازم ومحايث للسلطة أم أنه ظاهرة تاريخية متغيرة ومتحولة؟

المحور الأول: أشكال العنف

قبل الحديث عن أشكال العنف وأسبابه وآليات ممارسته، نرى من الضروري أولا أن نحد مفهوم العنف، يقصد بالعنف عموما خاصية ظاهرة أو فعل عنيف، فنقول زلزال عنيف أو انفجار عنيف، وفي المجال السياسي يقصد بالعنف الاستعمال اللامشروع وغير العادل للقوة حسب معجم لالاند، ومن ثم فإن العنف هو إلحاق أذى جسمي أو نفسي أو معنوي بفرد أو جماعة بشرية، وبالتالي فإن العنف تعددت أشكاله، منها: العنف المادي، العنف الجسدي، العنف النفسي، العنف المعنوي، كما تنوعت أدوات وتقنيات ممارسته بدأ من الكلام إلى وسائل التعذيب الحديثة التي أنتجتها الحضارة الحديثة، ومن ثم انتقلنا من عنف الطبيعة (الزلازل، البراكين، الفيضانات…) إلى عنف الإنسان إلى درجة أصبح العنف يشكل جوهر الإنسان وماهيته، لذلك يعرف “روجيه دادون” الإنسان في كتابه “العنف” بالكائن العنيف الذي يتحدد بأنه مبني داخليا وعضويا بالعنف، لقد عرف تاريخ البشرية أشكالا متعددة للعنف، حيث بدأ بممارسة القوة العضلية إلى التفوق الرمزي والعقلي، وهذه السيرورة تعكس مدى محايثة العنف للبشر، وصعوبة التخلص منه أو تجاوزه رغم التطور الهائل الذي عرفه الإنسان في مجالات حياته، ولذلك يرى فرويد أن القوة العضلية الأكثر تفوقا هي التي كانت تقرر من يملك الأشياء وإرادة من تسود، إلا أن في اللحظة التي أدخلت فيها الأسلحة بدأ التفوق العقلي يحل محل القوة العضلية الغاشمة (فرويد، أفكار لأزمنة الحرب والموت ….).

إن العنف إذن واقعة اجتماعية وتاريخية انتشرت في المجتمعات الإنسانية الراهنة، بل أكثر من ذلك، إن تطور البشرية صاحبه تطوير تقنيات ووسائل ممارسة العنف إلى درجة دفعت ببعض الفلاسفة إلى القول إن الحرب أو العنف هو محرك التاريخ، وبالمقابل طورت البشرية عبر تاريخها آليات ووسائل للحد من انتشار ظاهرة العنف، حيث لعبت الديانات والثقافات ومؤسسات المجتمع المدني ذات النزعة الإنسانية والأخلاقية دور الكابح المعنوي والأخلاقي للقضاء على العنف أو على الأقل التقليل من انتشاره، من هنا تأتي قيمة مواقف الفلاسفة من ظاهرة العنف، نذكر على السبيل المثال لا الحصر موقف اريك ويل الذي جعل مهمة الفيلسوف تكمن في نبذ العنف والقضاء عليه أو على الأقل الحد منه لنشعر الإنسان بكرامته في حياته اليومية، من أجل بناء مجتمع مدني يقوم على الحوار والتعايش بدل الحروب والعنف، فهل وفقت الدولة الحديثة والنظام الديمقراطي في تثبيت ثقافة الحوار والتسامح والقضاء على العنف، أم أن هذا الأخير أكثر رسوخا وأعمق أثرا في المجتمعات الراهنة؟

المحور الثاني: العنف في التاريخ

إذا كانت السلطة هي الأداة الضرورية لتحقيق قيم إنسانية مثلى، سياسية كانت أم أخلاقية، مادامت هذه القيم مرتبطة ارتباطا وثيقا بطبيعة السلطة التي يتعين عليها ترجمتها على أرض الواقع، فإن مقاربة مفهوم السلطة انطلاقا من التاريخ البشري تصطدم بظاهرة العنف الذي يعد من مكونات السلطة وركائزها الأساسية، وهو في نفس الآن يهدد وجودها واستمراريتها، وعليه فإن كل القيم الأخلاقية والسياسية تظل مرتبطة بشكل أو بآخر بظاهرة العنف.

لم يحضر مفهوم العنف في الفلسفة اليونانية كإشكالية فلسفية متميزة وواضحة المعالم، بحيث لا نصادف في حوارات أفلاطون، ولا في الكتب السياسية أو الأخلاقية لأرسطو قولا حول حقيقة العنف وماهيته، ومع ذلك فإن كتابات أفلاطون وأرسطو تبقى في عمقها مناهضة لكل شكل من أشكال العنف، حيث يعتبران أن السياسة الحقة هي التي تتميز بالمساواة والانسجام الفردي والجماعي وتحقق الوحدة والتضامن، وتغيب فيها كل مظاهر العنف والصراع، الشيء الذي لا يحصل في نظام الطاغية الذي يقوم على العنف والسيطرة، لأن ما يتوخاه الطاغي هو إخضاع الناس واستعبادهم بغية تحقيق مصالح فردية وخاصة.

نفس الأمر نجده لدى الفارابي حيث يشير في كتابه “آراء أهل المدينة الفاضلة” إلى أن الغلبة والقهر من خاصيات المدينة الضالة لا المدينة الفاضلة، إذ يقول في هذا السياق: “مدينة التغلب وهي التي قصد أهلها أن يكونوا القاهرين لغيرهم، الممتنعين أن يقهرهم غيرهم، ويكون كدهم اللذة التي تنالهم من الغلبة فقط”.

يمثل العنف إذن عنصرا أساسيا في العلاقات الاجتماعية ولاسيما في المرحلة الطبيعية حيث يخضع فيها الإنسان لأهوائه وغرائزه ويمارس العنف على أخيه الإنسان من أجل البقاء والحفاظ على الذات، والحق ينال بممارسة القوة والعنف، كما يذهب إلى ذلك هوبز حيث يصف الحالة الطبيعية الأولى للإنسان بأوصاف قاتمة، منها: “حرب الكل ضد الكل”، لكن ماركس يرى أن العنف إفراز تاريخي نتج عن تعارض المصالح لما ظهرت الملكية الفردية، ومن ثم فإن العنف لا يمثل أحد المكونات الطبيعية للسلطة، بل هو ناتج عن الواقع الاجتماعي، وعليه فإن الدولة والعنف قابلان للتغير والاختفاء في ظروف تاريخية مغايرة.

نخلص إذن إلى أن العنف في نظر ماركس ضرورة تاريخية، ولكن يجب القضاء على كل مظاهره بعد المرحلة الانتقالية المتمثلة في دكتاتورية الطبقة البروليتاريا، ومن ثم يتعين تهيئ وتنظيم الثورة وتأطير العنف الجماهيري، أما ميشل فوكو فيرى أن العنف متواجد في عدة مستويات وله مظاهر مختلفة، وكثيرا ما يرتبط بالسلطة وبالسياسة والظروف التاريخية: فهناك عنف في المعرفة والخطاب، وعنف في القوانين، وعنف في المؤسسات الطبية والملاجئ، وعنف في السجون …، على أن العنف الذي يحمل دلالة خاصة بالنسبة للمجتمع الحديث هو ذلك الذي يتجلى في مؤسسات السجون، فيتعرض الإنسان في السجن لأفظع أشكال التعذيب الجسدي والنفسي، إن الغاية المتوخاة من ممارسة العنف تتمثل في تطويع الأجساد وتذويب العقول وغرس الرعب في النفوس، قصد إقبار كل نزوع إلى العصيان والتمرد والقضاء بصفة نهائية على كل روح نقدية، ولما يفرج عن الإنسان يكون فاقدا لذاته ولوعيه الاجتماعي وفي اغتراب تام.

المحور الثالث: العنف والمشروعية

إن السلطة السياسية بمعناها الحديث لا تقوم على السيطرة والغلبة والعنف كما يذهب إلى ذلك كثير من المفكرين الذين يعتقدون أن من أهم القواعد السياسية التي يجب أن يتمسك بها الفاعل السياسي، وهي ضرورة اللجوء إلى العنف الذي يعد من المكونات الأساسية لكل عمل سياسي يتوخى النجاعة والفاعلية، ما دامت السياسة مجال للصراع الدائم والمستمر حول القيادة والزعامة، فالعنف إذن هو الشرط الأساسي الكفيل بتحقيق التوازن الاجتماعي، حيث يحافظ على كيان المجتمع، بل ينقذه في الحالات المتأزمة، يمكن الحديث عن تداخل عضوي بين العنف والسياسة لكن السلطة السياسية اليوم أصبحت تتأسس على التجاور والتواصل والتداول، ومن هنا فإن العنف يتعارض جوهريا مع الممارسة السياسية، بل يقصيها ويغيبها مادام يرتبط بأفعال غير سياسية في عمقها، مثل التحايل، الضبط أو التطويع الاجتماعي والتحذير الاديولوجي، ولذلك، تقول “حنا أراندت” في كتابها “ما هي السياسة” “إن السلطة والعنف يتعارضان: فحين يحكم أحدهما حكما مطلقا يكون الآخر غائبا، ويظهر العنف لما تكون السلطة مهددة”، ومن ثم يمكن القول إن الفلسفة السياسية بمفهومها الحديث تنبذ كل أشكال العنف لأنها تهدف أساسا إلى التفكير والتأمل في القيم الإنسانية في بعدها السياسي والأخلاقي استنادا إلى الحوار والاعتراف بالغير مهما كانت خصوصيته السوسيو ثقافية (اللغة، الدين، العادات والتقاليد…)، فالفلسفة وجدت من أجل مواجهة ومحاربة العنف، ولذلك تواجه العنف غير المشروع بالعنف المشروع، أي بالخطاب المعقول والمتماسك، أو كما يسميه “إريل فايل” باللاعنف الذي هو نقطة البداية والهدف المنشود لكل ممارسة فلسفية، لكن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق مفاده: هل نجحت الفلسفة في هذه المهمة، أي القضاء على العنف؟ أو على الأقل الحد من انتشاره؟

في الواقع إنه إذا تم الاتفاق أن هناك تقهقرا أو تراجعا للعنف السياسي والاقتصادي، فإن هناك أشكال أخرى من العنف بدأت تتقوى ويتسع مجالها في الحياة الإنسانية، مثل عنف الملاعب الرياضية، والمدارس، وعنف الجماعات المتطرفة، وعنف الأسرة إلخ …، لذلك فإن المهمة الأساسية للفلسفة ورهانها الأساسي هو احتواء كل مظاهر العنف ومحاربتها بوصفها تهديدا للعقل، وضد الخطاب المتماسك والنقدي، ومن ثم ضد الترابط الاجتماعي وقيم الحداثة، لأن مثل هذه الممارسات التي تتأسس على العنف هي تهديد للإنسان، ومع ذلك فإن اللجوء إلى العنف يمكن تبريره واعتباره ممارسة عقلانية ومنطقية في بعض الحالات، مثل: الدفاع عن النفس، مقاومة الاضطهاد ومحاربة العنصرية، كما تذهب إلى ذلك “حنا أراندت”.

ومهما يكن من أمر فإن العنف لا يمكن أن يكون مبررا ومشروعا، لأنه ذو طبيعة “أداتية”، فهو دائما موجه للاستعمال، ويعمل على تحطيم كل سلطة متوافق عليها، وبالتالي فهو يحطم شروط إمكان قيام جماعة.

مسألة العلمية – مجزوءة المعرفة – الفلسفة – الثانية باك اداب وعلوم انسانية

عنوان الدرس : مسألة العلمية

المادة : مجزوءة المعرفة – الفلسفة

الشعب: اداب وعلوم انسانية

المسالك: اداب وعلوم انسانية

الطرح الإشكالي

إن كان العلم يستنبط قوانين ضرورية وحتمية في العلوم الدقيقة، فإن هذا الأمر يصبح متعذرا على مستوى العلوم الإنسانية. لأن الموضوع هذه المرة هو كائن يتميز بالوعي والإرادة والقدرة على الاختيار، مما يجعل العلمية تتميز في هذا المجال بالاحتمال والترجيح، نتيجة عدة قضايا تتمثل في العلاقة غير الواضحة بين الذات العارفة وموضوع المعرفة. إضافة إلى صعوبة التفسير والتنبؤ في العلوم الإنسانية. وأخيرا علاقة العلوم الإنسانية بالعلوم الحقة على مستوى المنهج. وهذا ما يمكن طرحه من خلال الإشكالات التالية:

  • ما طبيعة العلاقة التي تربط الذات بالموضوع في العلوم الإنسانية؟
  • هل العلوم الإنسانية قادرة على فهم وتفسير والتنبؤ بالظواهر؟
  • ما الدور الذي لعبته العلوم الحقة في العلوم الإنسانية؟

موضعة العلوم الإنسانية

عوائق موضعة الظاهرة الإنسانية

إن العلوم الإنسانية – في نظر جان بياجي – لها وضعية أكثر تعقيدا مقارنة بالعلوم التجريبية، لأن الذات مُلاحِظة لذاتها ولغيرها، ومجربة على نفسها وعلى غيرها، لهذا تـُخْلَق وضعية التداخل بين الذات والموضوع في العلوم الإنسانية، مقارنة بالعلوم الطبيعية، حيث أصبح من المعتاد الفصل بين الذات والموضوع. إن عملية إزاحة تمركز الذات حول ذاتها، والتي هي عملية ضرورية لتحقيق الموضوعية، تكون أكثر صعوبة في الحالة التي يكون فيها الموضوع هو الذات، نظرا لسببين وهما:

إن الحد الفاصل بين الذات المتمركزة حول ذاتها، والذات العارفة يكون أقل وضوحا عندما تكون أنا الملاحظ جزء من الظاهرة التي يجب عليه أن يلاحظها ويدرسها من الخارج.
إن الملاحظ يكون أكثر ميلا للاعتقاد في معرفته الحدسية بالوقائع لانـخراطه في هذه الأخيرة.

هكذا فالعالِم – في نظر بياجي – لا يكون أبدا معزولا، بل هو ملتزم بشكل ما بموقف فلسفي وإيديولوجي.

مفارقة علاقة الذات بالموضوع

إن كل باحث هو عضو ينتمي لجماعة كبيرة أو صغيرة (سواء كانت طبقة اجتماعية، أو مهنة، أو أمة…)، في نظر فرانسوا بستيان، وبالتالي يكون منخرطا بالضرورة في صراعات صريحة أو ضمنية من أجل الاعتراف، والحظوة، والسلطة، وهي صراعات تحرك المعتقدات والمثل…الخ. وتتمثل الصعوبة لدى الباحث الاجتماعي في كونه لا يستطيع الانفصال كلية عن مجتمعه الذي هو موضوع دراسته، في حين يعتبر هذا الانفصال مبدأ كل جهد علمي (الموضوعية). لذلك نجد كل مجهودات مؤسسي العلوم الاجتماعية قامت على مبدأ تباعد الباحث عن جماعته، حيث دعا “دوركايم” إلى اعتبار الوقائع الاجتماعية أشياء، وكذلك توصية “ماكس فيبر” باحترام مبدأ الحياد القيمي.

التفسير والفهم في العلوم الإنسانية

التفسير والتنبؤ في العلوم الإنسانية

إن العلوم الدقيقة – حسب كلودء ليفي ستروس – تقدمت بفضل عمليتي التفسير والتنبؤ، حيث يمكن لهذه العلوم أن تفسر ظواهر لم تتنبأ بها، كما فعلت الداروينية، كما يمكنها أن تتنبأ بظواهر لا تكون قادرة على تفسيرها، كما يحدث في علم الأرصاد الجوية. أما العلوم الإنسانية، فتجد نفسها في وسط الطريق بين التفسير والتنبؤ، فهي لا تفسر الظواهر تفسيرا نهائيا، ولا تتنبأ بيقين تام، لقد أكتفت العلوم الإنسانية، حتى حدود اليوم، بتفسيرات فضفاضة وتقريبية تنقصها الدقة، ورغم أنها مهيأة، لأن تمارس التنبؤ وتطوره، فإن الخطأ كان دائما حليف تنبؤاتها.

ومع ذلك فإن العلوم الإنسانية – حسب ستروس – يمكن أن تقدم للذين يمارسونها انطلاقا من نتائجها، شيئا وسيطا بين المعرفة الخالصة والمعرفة النافعة، لكن من غير الفصل بين التفسير والفهم.

الفهم في العلوم الإنسانية

إذا كنا نفسر الطبيعة، باعتبارها ظواهر معزولة وخارجية في العلوم الفيزيائية والطبيعية – في نظر دلتاي – فإننا نفهم الإنسان في علم النفس، من خلال فهم حياته النفسية، فعمليات الاكتساب، ومختلف الوظائف العقلية والنفسية وعناصرها تجتمع وتكون كلا يعطى لنا عن طريق التجربة الداخلية. فالكل المعيش هو الأساسي، ولا يتجزأ إلى أجزاء إلا بعد ذلك. وينتج عن هذا أن المناهج التي ندرس بها الحياة النفسية والتاريخ والمجتمع تختلف عن المناهج التي تقود إلى معرفة الطبيعة.

إن العلوم الإنسانية الحقيقية – حسب دلتاي – هي التي تبني منهجها بنفسها، انطلاقا من موضوعها

نموذجية العلوم التجريبية

خصوصية المنهج في العلوم الإنسانية

تعتبر العلوم الإنسانية مقارنة بالعلوم الطبيعية – في نظر كل من طولرا/ وارنيي – حديثة النشأة، أما نتائجها فهي قليلة وغير أكيدة لأن الواقع الحي الذي تحاول الإحاطة به (المجتمعات، العقليات، السلوكيات…)، هو أكثر غنى وأقل انتظاما من الظواهر الطبيعية، وبالتالي فإن استخدام العقل في هذه العلوم مطالب بأن يكون حذرا، كما أن الروح العلمية مطالبة بأن تكون أكثر تطورا من مثيلتها في العلوم الطبيعية، حيث تكون التجربة محكا مباشرا وحاسما.

ويفترض إدراك الموضوع – حسب طولرا/ وارنيي – أن تكون الذات مستعدة لفهم ما يخالفها ويعتبر آخرها. وفي هذه الحالة، تتمثل الروح العلمية في القدرة على استيعاب التناقض والقدرة على مواجهة ما هو غريب ومزعج لكل تلقائية، أي اللقاء الدائم مع الواقع.

خداع النظرة العلمية

إن كل ما أعرفه عن العالَم، ولو كان مصدره العلم – يقول موريس ميرلوبونتي – أعرفه انطلاقا من وجهة نظر خاصة بي، أو أعرفه من خلال تجربتي الخاصة التي بدونها لن تعني رموز العلم أي شيء، لأن العلم يُبنى بكامله على العالم المعيش (أي التجربة الذاتية للأنا) وانطلاقا منه. فأنا الذي أوجد من أجلي أنا، وأنا الوحيد الذي يوجد وجودا متفردا. لا يوجد أحد مكاني ولا أوجد في مكان أحد.

وهكذا فإن وجهة النظر العلمية التي أكون بمقتضاها مجرد لحظة من لحظات العالم هي دائما وجهة نظر خادعة، لأنها وجهة نظر يكون العالم حولي حسبها موضوعا، ولا يوجد لأجلي. إن الرجوع إلى الأشياء ذاتها هو الرجوع إلى العالم المعيش قبل أن يكون موضوع معرفة، وهكذا فكل معرفة للإنسان – حسب ميرلوبونتي – هي معرفة ذاتية، لأن العلم يفترض وجود نظرة موضوعية للذات تتعالى عن كل الذوات، هي في الواقع غير موجودة.

استنتاجات عامة

إن أكثر المعارف فائدة وأقلها تقدما، من كل المعارف الإنسانية، في الآن نفسه، هي تلك المتعلقة بالإنسان – حسب ج. ج. روسو – إنها أكثر فائدة لأنها تدرس الكائن الوحيد في هذا الكون الذي يملك عقلا ووعيا. وأقلها تقدما لأن زمن نشأتها جاء متأخرا جدا. وهي التي تشكل العلوم الإنسانية.

إن العلوم الإنسانية هي علوم مأزومة، لأنها ولدت بأزمتها التي تتمثل، من جهة، في تداخل الذات والموضوع، واضطراب العلاقة بينهما. كما تتمثل، من جهة أخرى، في استعارة مناهج العلوم التجريبية، بدل إبداع مناهج تتواءم وطبيعة موضوعها الذي يتميز بالتعقيد.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads