Ads Ads Ads Ads

الإنسان والتكنولوجيا – تحليل نص التكنولوجيا والثقافة للمهدي المنجرة – دروس النصوص – اللغة العربية

المستوى: الأولى باك علوم تجريبية والأولى باك علوم رياضية

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : الإنسان والتكنولوجيا – تحليل نص ‘التكنولوجيا والثقافة’ للمهدي المنجرة

سياق النص

النص للمهدي المنجرة، باحث مغربي في الدراسات المستقبلية، وخبير في العلوم الإنسانية، يروم بلورة رؤية تصحيحية لتشكل الفعل التكنولوجي في المجتمع عبر التغلغل في المكون الثقافي الواعي الذي يصنع الذات ويحفز على الإبداع، والذي لا يمكن بأي حال من الأحوال استيراده أو نقله أو تحميله في مجتمع مؤشرات التنمية الإنسانية فيه ضعيفة جدا، وتطوره الديموقراطي شكلي هش غير متجذر، وتبعيته ظاهرة قاهرة، مجتمع تنعدم فيه الإرادة واحترام الإنسان ويقمع الحريات ويعيق الطاقت والقدرات وتنتشر فيه أشكال التخلف القاتلة.

ملاحظة النص

يتألف عنوان النص من كلمتين عطفت إحداهما على الأخرى للتأشير على نوع من العلاقة الضرورية القائمة بينهما، والتي يحاول النص تجليتها بدقة، وبيان شروط قيامها وضمانات استمرارها في واقع معولم تزحف فيه التكنولوجيا على الحياة بشكلين مختلفين: شكل يؤصل النمو والتطور والإنتاج والإبداع والسيادة، وشكل يكرس التخلف والجمود والتبعية والاستهلاك السلبي.

فهم النص

يعرض النص حزمة من التصورات المرتبطة برصد العلاقة بين التكنولوجيا والثقافة نجملها كالآتي:

  • الشروط التي اقترحها المنجرة لحل معضلة التقدم التكنولوجي في البلدان ناقصة التنمية تتلخص في دمج التكنولوجيا في نمو الذات المعرفية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية الواعية والمبدعة حتى تصير جزأ من هويتها يتطور بها ومعها باستمرار.
  • رفض الكاتب خيار نقل التكنولوجيا، وتبنى اختيار التمكن من التكنولوجيا، لأن الأول كذبة امبريالية كبرى تستهدف توسيع التدخل السافر في اقتصاد الدول النامية وسياستها وتسويق بضاعتها وفنييها واستثماراتها بمقابل مادي وجيو سياسي مدمر، أما الخيار الثاني فيدخل التكنولوجيا في الثقافة باعتبارها مكونا عضويا جوهريا ديناميا يستنفر الطاقات الخلاقة ويولد الإنتاج والإبداع ويضمن التقدم والاستقلالية في القرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
  • تأكيد الكاتب على دور القيم الثقافية الحرة المشبعة بالعلم والمعرفة والابتكار والجرأة على التغيير، وعلى دورالإرادة السياسية في تأمين أنساق الحرية والدعم لأصحاب المواهب ضمن سياق ديموقراطي يحترم حقوق الإنسان، في تجذير الانتقال إلى المجتمع التكنولوجي المتقدم.
  • تمثيل الكاتب لاندماج التكنولوجيا بالثقافة وانصهار العلم بالإرادة بالنموذج الياباني القائم أولا على استيراد المواد التكنولوجية وفهم آلياتها وتحليل جزيئاتها، ثم إعادة تركيبها بمقاييس وأذواق تعكس القيم اليابانية بما فيها من ثقافة ومجتمع واقتصاد، كما تعكس الرغبة في الإبداع الذاتي والخصوصية اليابانية المتحدية.
  • تنصيص الكاتب على أن هدر المجتمع العربي الإسلامي لموارده المالية والبشرية في ظل سياسات غير رشيدة يعيق تقدمه ويوسع الفجوة التكنولوجية بين التابع المتخلف وسيده الغربي المتقدم.

تحليل النص

يغلب على النص حقلان دلاليان هما حقل التكنولوجيا وحقل الثقافة، وحقل الثقافة أوسع وأكثر امتدادا في النص بحكم العلاقة الاقتضائية المعلن عنها في العنوان والمفصلة في النص بكل ما يحيل عليه امتلاك التكنولوجيا المتقدمة من رهان ثقافي هو في الأصل قدرات معرفية وطاقات مهارية وإرادة سياسية وخيارات سوسيواقتصدية تعمل على توطين التكنولوجيا في السلوك اليومي والفعل الثقافي المتجدد والذات الراغبة في الابتكار والإبداع وتحقيق الوجود المتميز المرفه والمستقل وصناعة المستقبل الآمن والقوي في نفس الوقت ضمن كيانات أممية تتجدد في سياق رقمي معولم يفرض فيه التقدم التكنولوجي المطرد للاقتصاديات الكبرى رهانات صعبة على الدول النامية. ومن شأن إلقاء نظرة سريعة على المواد المعجمية المشكلة للحقلين الدلاليين في الجدول الآتي:

حقل الثقافةحقل التكنولوجيا
الثقافة – التنمية – الإبداع – الدعم – الوجهة الثقافية والعلمية – الحقيقة الإنسانية – الاقتصاد – البيئة – التجديد – البحث والإبداع الذاتي – اكتساب المعرفة – تنشيط الابتكار – نسق – قيم – الفكر – التغيير الاجتماعي – الاستيعاب – انصهار العلم والثقافة – الخصوصية – الذوق – الإرادة السياسية – المواهب العلمية والفنية – الحرية – احترام الإنسان – القدرات – العملية الإبداعية …التقنيات الأجنبية – العلوم التطبيقية الجاهزة – التقدم التكنولوجي – نقل – استيراد المنتج التكنولوجي – الفنيين – التشغيل والصيانة – تحليل المواد – الإبداع التكنولوجي – المراكز العلمية والتكنولوجية …

أن تسعفنا في فهم طبيعة العلاقة بين الثقافة والتكنولوجيا، والتي تقودنا في نهاية المطاف إلى أن مجال الثقافة يستوعب التكنولوجيا ويصهرها ضمن مكوناته، ويدخلها ضمن النشاط الإنساني الذي ينبغي التمكن منه والمشاركة في بنائه وتطويره، وتأمين فعاليته والاستفادة العامة منه في مجالات العلوم والخدمات وتطوير الحياة العامة.

يتميز النص بصلابة المحمولات المنطقية بسبب استنادها إلى الرؤية العلمية الدقيقة، واستقرائها للوقائع والنماذج المجربة، والاستنتاجات المبنية على الفرضيات الصحيحة بداهة، والمسلمات المعقولة ضروة، ولذلك فهو حين يعتبر نقل التكنولوجيا باستيراد الأجهزة والمعدات والفنيين والمشاريع من الأجانب، وإسقاطها في واقع ثقافي يهيمن فيه حرس قديم محافظ يعيق التطور والإبداع، عملية مغشوشة وكذبة كبرى في مجال التنمية والتقدم، حين يعتبرهذا النقل كذلك فإنما يصدر عن منطقين: منطق الواقع والتجربة، ومنطق النظرة العلمية التي تربط النمو بالقدرات الذاتية والذكاء الفردي والإرادات الحرة القوية والمجتمع الحيوي المتجدد والثقافة الديموقراطية التي تحترم الإنسان وتقدره وتدعمه، ويقدم أمثلة لذلك من بلدان شرق آسيا التي تسير بسرعة نحو التقدم التكنولوجي بمؤهلاتها الذاتية وهوياتها الثقافية المرنة المستوعبة والمبدعة، كما يقدم أمثلة أخرى من البلدان العربية الإسلامية التي تستورد التكنولوجيا ضمن ثقافة الاستهلاك السلبي المبذر للموارد والامكانات الاقتصادية الهائلة بما يخدم الشركات الأجنبية والدول الرأسمالية، ويحقق نوعا من النمو الشكلي غير آمن ولا مستقر ولا يضمن احترام الإنسان لذاته ولا يصنع هوية ولا تميزا ولا إرادة حرة مستقلة، ناهيك عن كونه يسهم في نزيف الأدمغة التي تغادر إلى الدول الصناعية المستفيدة من خبراتها، أما البلدان العربية الفقيرة نسبيا كالمغرب مثلا فاستيراد التكنولوجيا وتنزيلها العمودي الإسقاطي يزيد من نسب التخلف والكلفة المادية والتخبط الثقافي والانكماش الاقتصادي، ويوسع الهوة بين الفقراء والأغنياء.

أسلوب النص أسلوب حجاجي تقريري يقوم على التفسير والتفصيل وتقديم الأطروحة وعرض الاستدلالات واستدعاء الأمثلة والشواهد وترتيب النتائج، ويتوسل بالجمل الخبرية الصريحة المعنى، والجهاز الاصطلاحي الدقيق الحامل للمفاهيم والتصورات المرتبطة بحقل الثقافة والتكنولوجيا وامتداداتهما وتقاطعاتهما، ويحشر الأدوات الداعمة للمنطق الاستدلالي الحجاجي من توكيد ونفي وتفصيل واستدراك واستنتاج، ويخلق مناطق تعبيرية للإثارة باستخدام الوصف والسرد والسخرية والمقارنة لتثبيت التصورات الصحيحة، ونسف المغالطات والأطاريح الهشة المدحوضة، ومناطق أخرى محدودة وعفوية لا تخلو من جمال وتأثير هي في الأصل مرتبطة بالطبيعة الخلاقة للغة كقوله : ” ينمو داخليا في قلب الحقيقة الإنسانية ”.

تركيب وتقويم

ينتقد النص خرافة نقل التكنولوجيا بالشكل الإسقاطي باعتبارها تضلل فهمنا للعلاقة بين العلم والتكنولوجيا من جهة، وبينها وبين أنساق القيم من جهة أخرى، فنقل التكنولوجيا في الدول النامية ينحصر بكل بساطة في شراء أدوات وآلات وفتح المجال أمام مشاريع، وسيبقى ذلك مجرد إجراء شكلي يعمق الهوة بين البدان المصنعة وتلك السائرة في طريق النمو، طالما لم تستطع هذه الأخيرة تفكيك آليات التكنولوجيا وإعادة تركيبها وشحنها بقيم أخرى علمية وتقنية وثقافية تسمح بالتعددية الإبداعية، وتضمن مشاركة الدول النامية في بناء المشهد الحضاري العالمي باعتبارها دولا منتجة تتقدم وتقلص الفجوة المعرفية بينها وبين المنتجين الكبار. كل هذا عرضه المنجرة في أسلوب حجاجي ناصع يحبل بالاستدلالات من الواقع والتاريخ ونتائج العلوم والدراسات ذات الصلة، وبلغة راقية مترعة بأساليب التوكيد والإيضاح والتفسير والاستدراك والتفصيل والاستنتاج ومعجم التكنولوجيا والثقافة وصيغ الإثبات والنفي ودلالات التنويه والانتقاد، وبأسلوب خبري مباشر في الغالب عدا بعض الومضات الجميلة المشرقة حين تنزاح اللغة عن محمولها المباشر دون أن تفقد وظيفتها الإفهامية الدقيقة والإقناعية الصارمة.

الإنسان والتكنولوجيا – مدخل مفاهيمي – دروس النصوص – اللغة العربية – الأولى باك علوم

المستوى: الأولى باكالوريا علوم

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : الإنسان والتكنولوجيا – مدخل مفاهيمي

سياق النص

النص للمهدي المنجرة، باحث مغربي في الدراسات المستقبلية، وخبير في العلوم الإنسانية، يروم بلورة رؤية تصحيحية لتشكل الفعل التكنولوجي في المجتمع عبر التغلغل في المكون الثقافي الواعي الذي يصنع الذات ويحفز على الإبداع، والذي لا يمكن بأي حال من الأحوال استيراده أو نقله أو تحميله في مجتمع مؤشرات التنمية الإنسانية فيه ضعيفة جدا، وتطوره الديموقراطي شكلي هش غير متجذر، وتبعيته ظاهرة قاهرة، مجتمع تنعدم فيه الإرادة واحترام الإنسان ويقمع الحريات ويعيق الطاقت والقدرات وتنتشر فيه أشكال التخلف القاتلة.

ملاحظة النص

يتألف عنوان النص من كلمتين عطفت إحداهما على الأخرى للتأشير على نوع من العلاقة الضرورية القائمة بينهما، والتي يحاول النص تجليتها بدقة، وبيان شروط قيامها وضمانات استمرارها في واقع معولم تزحف فيه التكنولوجيا على الحياة بشكلين مختلفين: شكل يؤصل النمو والتطور والإنتاج والإبداع والسيادة، وشكل يكرس التخلف والجمود والتبعية والاستهلاك السلبي.

فهم النص

يعرض النص حزمة من التصورات المرتبطة برصد العلاقة بين التكنولوجيا والثقافة نجملها كالآتي:

  • الشروط التي اقترحها المنجرة لحل معضلة التقدم التكنولوجي في البلدان ناقصة التنمية تتلخص في دمج التكنولوجيا في نمو الذات المعرفية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية الواعية والمبدعة حتى تصير جزأ من هويتها يتطور بها ومعها باستمرار.
  • رفض الكاتب خيار نقل التكنولوجيا، وتبنى اختيار التمكن من التكنولوجيا، لأن الأول كذبة امبريالية كبرى تستهدف توسيع التدخل السافر في اقتصاد الدول النامية وسياستها وتسويق بضاعتها وفنييها واستثماراتها بمقابل مادي وجيو سياسي مدمر، أما الخيار الثاني فيدخل التكنولوجيا في الثقافة باعتبارها مكونا عضويا جوهريا ديناميا يستنفر الطاقات الخلاقة ويولد الإنتاج والإبداع ويضمن التقدم والاستقلالية في القرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
  • تأكيد الكاتب على دور القيم الثقافية الحرة المشبعة بالعلم والمعرفة والابتكار والجرأة على التغيير، وعلى دورالإرادة السياسية في تأمين أنساق الحرية والدعم لأصحاب المواهب ضمن سياق ديموقراطي يحترم حقوق الإنسان، في تجذير الانتقال إلى المجتمع التكنولوجي المتقدم.
  • تمثيل الكاتب لاندماج التكنولوجيا بالثقافة وانصهار العلم بالإرادة بالنموذج الياباني القائم أولا على استيراد المواد التكنولوجية وفهم آلياتها وتحليل جزيئاتها، ثم إعادة تركيبها بمقاييس وأذواق تعكس القيم اليابانية بما فيها من ثقافة ومجتمع واقتصاد، كما تعكس الرغبة في الإبداع الذاتي والخصوصية اليابانية المتحدية.
  • تنصيص الكاتب على أن هدر المجتمع العربي الإسلامي لموارده المالية والبشرية في ظل سياسات غير رشيدة يعيق تقدمه ويوسع الفجوة التكنولوجية بين التابع المتخلف وسيده الغربي المتقدم.

تحليل النص

يغلب على النص حقلان دلاليان هما حقل التكنولوجيا وحقل الثقافة، وحقل الثقافة أوسع وأكثر امتدادا في النص بحكم العلاقة الاقتضائية المعلن عنها في العنوان والمفصلة في النص بكل ما يحيل عليه امتلاك التكنولوجيا المتقدمة من رهان ثقافي هو في الأصل قدرات معرفية وطاقات مهارية وإرادة سياسية وخيارات سوسيواقتصدية تعمل على توطين التكنولوجيا في السلوك اليومي والفعل الثقافي المتجدد والذات الراغبة في الابتكار والإبداع وتحقيق الوجود المتميز المرفه والمستقل وصناعة المستقبل الآمن والقوي في نفس الوقت ضمن كيانات أممية تتجدد في سياق رقمي معولم يفرض فيه التقدم التكنولوجي المطرد للاقتصاديات الكبرى رهانات صعبة على الدول النامية. ومن شأن إلقاء نظرة سريعة على المواد المعجمية المشكلة للحقلين الدلاليين في الجدول الآتي:

حقل الثقافةحقل التكنولوجيا
الثقافة – التنمية – الإبداع – الدعم – الوجهة الثقافية والعلمية – الحقيقة الإنسانية – الاقتصاد – البيئة – التجديد – البحث والإبداع الذاتي – اكتساب المعرفة – تنشيط الابتكار – نسق – قيم – الفكر – التغيير الاجتماعي – الاستيعاب – انصهار العلم والثقافة – الخصوصية – الذوق – الإرادة السياسية – المواهب العلمية والفنية – الحرية – احترام الإنسان – القدرات – العملية الإبداعية …التقنيات الأجنبية – العلوم التطبيقية الجاهزة – التقدم التكنولوجي – نقل – استيراد المنتج التكنولوجي – الفنيين – التشغيل والصيانة – تحليل المواد – الإبداع التكنولوجي – المراكز العلمية والتكنولوجية …

أن تسعفنا في فهم طبيعة العلاقة بين الثقافة والتكنولوجيا، والتي تقودنا في نهاية المطاف إلى أن مجال الثقافة يستوعب التكنولوجيا ويصهرها ضمن مكوناته، ويدخلها ضمن النشاط الإنساني الذي ينبغي التمكن منه والمشاركة في بنائه وتطويره، وتأمين فعاليته والاستفادة العامة منه في مجالات العلوم والخدمات وتطوير الحياة العامة.

يتميز النص بصلابة المحمولات المنطقية بسبب استنادها إلى الرؤية العلمية الدقيقة، واستقرائها للوقائع والنماذج المجربة، والاستنتاجات المبنية على الفرضيات الصحيحة بداهة، والمسلمات المعقولة ضروة، ولذلك فهو حين يعتبر نقل التكنولوجيا باستيراد الأجهزة والمعدات والفنيين والمشاريع من الأجانب، وإسقاطها في واقع ثقافي يهيمن فيه حرس قديم محافظ يعيق التطور والإبداع، عملية مغشوشة وكذبة كبرى في مجال التنمية والتقدم، حين يعتبرهذا النقل كذلك فإنما يصدر عن منطقين: منطق الواقع والتجربة، ومنطق النظرة العلمية التي تربط النمو بالقدرات الذاتية والذكاء الفردي والإرادات الحرة القوية والمجتمع الحيوي المتجدد والثقافة الديموقراطية التي تحترم الإنسان وتقدره وتدعمه، ويقدم أمثلة لذلك من بلدان شرق آسيا التي تسير بسرعة نحو التقدم التكنولوجي بمؤهلاتها الذاتية وهوياتها الثقافية المرنة المستوعبة والمبدعة، كما يقدم أمثلة أخرى من البلدان العربية الإسلامية التي تستورد التكنولوجيا ضمن ثقافة الاستهلاك السلبي المبذر للموارد والامكانات الاقتصادية الهائلة بما يخدم الشركات الأجنبية والدول الرأسمالية، ويحقق نوعا من النمو الشكلي غير آمن ولا مستقر ولا يضمن احترام الإنسان لذاته ولا يصنع هوية ولا تميزا ولا إرادة حرة مستقلة، ناهيك عن كونه يسهم في نزيف الأدمغة التي تغادر إلى الدول الصناعية المستفيدة من خبراتها، أما البلدان العربية الفقيرة نسبيا كالمغرب مثلا فاستيراد التكنولوجيا وتنزيلها العمودي الإسقاطي يزيد من نسب التخلف والكلفة المادية والتخبط الثقافي والانكماش الاقتصادي، ويوسع الهوة بين الفقراء والأغنياء.

أسلوب النص أسلوب حجاجي تقريري يقوم على التفسير والتفصيل وتقديم الأطروحة وعرض الاستدلالات واستدعاء الأمثلة والشواهد وترتيب النتائج، ويتوسل بالجمل الخبرية الصريحة المعنى، والجهاز الاصطلاحي الدقيق الحامل للمفاهيم والتصورات المرتبطة بحقل الثقافة والتكنولوجيا وامتداداتهما وتقاطعاتهما، ويحشر الأدوات الداعمة للمنطق الاستدلالي الحجاجي من توكيد ونفي وتفصيل واستدراك واستنتاج، ويخلق مناطق تعبيرية للإثارة باستخدام الوصف والسرد والسخرية والمقارنة لتثبيت التصورات الصحيحة، ونسف المغالطات والأطاريح الهشة المدحوضة، ومناطق أخرى محدودة وعفوية لا تخلو من جمال وتأثير هي في الأصل مرتبطة بالطبيعة الخلاقة للغة كقوله : ” ينمو داخليا في قلب الحقيقة الإنسانية ”.

تركيب وتقويم

ينتقد النص خرافة نقل التكنولوجيا بالشكل الإسقاطي باعتبارها تضلل فهمنا للعلاقة بين العلم والتكنولوجيا من جهة، وبينها وبين أنساق القيم من جهة أخرى، فنقل التكنولوجيا في الدول النامية ينحصر بكل بساطة في شراء أدوات وآلات وفتح المجال أمام مشاريع، وسيبقى ذلك مجرد إجراء شكلي يعمق الهوة بين البدان المصنعة وتلك السائرة في طريق النمو، طالما لم تستطع هذه الأخيرة تفكيك آليات التكنولوجيا وإعادة تركيبها وشحنها بقيم أخرى علمية وتقنية وثقافية تسمح بالتعددية الإبداعية، وتضمن مشاركة الدول النامية في بناء المشهد الحضاري العالمي باعتبارها دولا منتجة تتقدم وتقلص الفجوة المعرفية بينها وبين المنتجين الكبار. كل هذا عرضه المنجرة في أسلوب حجاجي ناصع يحبل بالاستدلالات من الواقع والتاريخ ونتائج العلوم والدراسات ذات الصلة، وبلغة راقية مترعة بأساليب التوكيد والإيضاح والتفسير والاستدراك والتفصيل والاستنتاج ومعجم التكنولوجيا والثقافة وصيغ الإثبات والنفي ودلالات التنويه والانتقاد، وبأسلوب خبري مباشر في الغالب عدا بعض الومضات الجميلة المشرقة حين تنزاح اللغة عن محمولها المباشر دون أن تفقد وظيفتها الإفهامية الدقيقة والإقناعية الصارمة.

الإنسان والتنمية – تحليل نص التنمية الإنسانية لنادر فرجاني – دروس نصوص – اللغة العربية

المستوى: الأولى باكالوريا علوم

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : الإنسان والتنمية – تحليل نص ‘التنمية الإنسانية’ لنادر فرجاني

سياق النص

التنمية الإنسانية أو البشرية مفهوم رائج في الدراسات السوسيوسياسية والاقتصادية والاستراتيجية، ومتداول بشكل عريض لدى المؤسسات والمنظمات المحلية والدولية المهتمة بقضايا الإنسان وحقوقه، إذ بناء على الجهود المبذولة من قبل الأنظمة وصناع القرار في مجال تطوير حياة الإنسان وتحقيق كرامته، وتمتيعه بحقوقه، وتطوير قدراته تصنف الدول والأنظمة، ويتخذ بشأنها التعامل المناسب من قبل المجتمع الدولي ومؤسساته المؤثرة في الاقتصاد والسياسة. وقد كان موضوع التنمية الإنسانية محل مقاربات كثيرة تناولته من زواياه المتعددة مما أفرز العديد من المدارس والمناهج والنظريات المنشغلة به، ويقوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بنشر العديد من الأبحاث في مجال السكان والهجرة وسوق العمل والتعليم والفقر والتنمية، وكذلك الأمر بالنسبة للكثير من الهيئات الدولية ذات الصلة، والنص واحد من هذه الأبحاث التي تسلط الضوء على مفهوم التنمية الإنسانية ومداخلها الأساسية وعلاقاتها بالحريات العامة وحقوق الإنسان، وهو لنادر الفرجاني الذي يتولى رئاسة تحرير تقرير التنمية الإنسانية في البلدان العربية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة المذكور آنفا.

ملاحظة النص

العنوان مركب وصفي يضطلع الوصف فيه بوظيفة وسم الموصوف بأهم سماته وأظهرها بما يحقق كنهه وماهيته، والموصوف مبتدأ لخبر محذوف يستمد حضوره من داخل الممتد النصي، وهكذا يرهن النص العنوان داخل نسق تصوري تفسيري يستكشف العنوان ويستجليه.

الملفوظ الأول في الفقرة الأولى تحديد لمسار في التحليل والرؤية يقطع مع تصور قائم يحصر التنمية الإنسانية في تطوير الحياة المادية، ويقيم بدله تصورا يربطها بشكل أساسي بحاجيات أخرى غير مادية متلبسة بجوهر الحرية القادر على توسيع خيارات الناس وتحقيق الأفضل لهم على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي.

فهم النص

تتداخل في النص مجموعة من الأفكار والتصورات أهمها:

  • مركزية الحرية في مفهوم التنمية الإنسانية باعتبارها الآلية الوحيدة التي تتحقق عبرها إمكانات التنمية، وتصبح معها أدواتها أكثر فعالية، ومفرداتها أكثر تطورا وتجذرا وملاءمة، وهذه الحرية مرتبطة بتوسيع قدرة الناس على الاختيار بين البدائل المتوفرة أو الممكنة لضمان عيش كريم ماديا ومعنويا.
  • اقتران التنمية بالحرية يضمن نبذ التمييز بكل أشكاله، وتنويع مجال الرفاهية ليشمل التنعم المادي والتمتع بالحقوق واكتساب المعرفة والجمال والكرامة وتحقيق الذات بالمشاركة في تدبير الحياة العامة.
  • قيام التنمية الإنسانية على محورين: محور بناء القدرات البشرية لتحقيق رفاهية راقية، ومحور الاستثمار الفعال لهذه القدرات في كل مجالات النشاط الإنساني بما يحقق الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
  • تنصيص تقرير التنمية العالمي على لامحدودية حقوق الإنسان، وعلى تطورها بموازاة مع تطور الإنسانية، وتأشيره على ثلاثة حقوق أساسية لا بد منها في أي تنمية هي: حق العيش حياة طويلة وصحية، وحق الحصول على المعرفة، وحق امتلاك الموارد اللازمة لمستوى معيشي لائق.
  • اختلاف التنمية الإنسانية في نظر الكاتب عن التنمية البشرية بتجاوزها للاستحقاقات الثلاثة السالفة الذكر إلى استحقاقات إضافية تشمل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما يسمح بتوافر فرص الإنتاج والإبداع، والاستمتاع باحترام الذات، وضمان حقوق الإنسان، وغيرها مما يجسد مفهموم الحرية الأقدر على حفظ مكتسبات التنمية واستقرارها في الزمن والمكان.

تحليل النص

يتوزع النص حقلان معجميان، يحيل أحدهما على الجزء المادي للتنمية، ويجسد الثاني الشق المعنوي فيها، ويمكن بيان انتشار الكتل اللفظية المرتبطة بهذين الحقلين على جسد النص من خلال الجدول الآتي:

الحقل المعنوي للتنميةالحقل المادي للتنمية
الحرية – توسيع خيارات الناس – العيش الكريم – معنويا – نفسا – روحا – القضاء على أشكال التمييز – الأصل – المعتقد – اللون – الجوانب المعنوية – اكتساب المعرفة والجمال والكرامة – تحقيق الذات – المشاركة الفعالة في شؤون الاجتماع – الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية – توافر فرص الإنتاج والإبداع – احترام الذات – ضمان حقوق الإنسان – العدالة …ماديا – جسدا – الرفاهية – التنعم المادي – العيش – حياة طويلة – صحية – الحصول على المعرفة – توافر الموارد اللازمة – موارد بشرية – الاحتياجات الأساسية …


يتضح من خلال الفرق بين كتلة الحقلين الدلاليين أن التنمية الإنسانية أكبر من مجرد تحقيق الرفاهية المادية، وإن كانت هذه الأخيرة ضرورية وأساسية، ومدخلا رئيسيا لتجذير مفهوم التنمية الإنسانية وتأصيله، والذي هو في نهاية المطاف تنمية شاملة متكاملة للبشر ولمؤسساته الاجتماعية تستهدف تحقيق الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.

اشتراط الكاتب مراعاة حقوق الإنسان لتحقيق التنمية الإنسانية تحصيل حاصل؛ لأنه لا وجود لتنمية والإنسان مسلوب الحقوق، فاقد الحرية، منتهك الكرامة، لا يملك القدرة على الإنتاج والإبداع والمشاركة في بناء نسيجه الاجتماعي الراقي بما يحقق مفهوم الإنسان بشكل عام.

لم يكن الكاتب منشغلا بعرض وجهة نظره فقط في قضية تسيل الكثير من المداد، وتتفاعل الرؤى والتصورات بصددها مع كثير من إجراأت التطبيق ومحاولات المواءمة مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية غير المستقرة في عالم طابعه التعدد الثقافي والإيديولوجي والتفاوت الاقتصادي والتكنولوجي، ولا المرنة بما يكفي لتنزيل مقتضيات التنمية الإنسانية تنزيلا سليما، وتثبيتها في أرضية صلبة يعمل الجميع على تمتينها وتحييد هشاشتها، بل كان الكاتب إلى حد ما مهتما بخوض جدل بشأن مفهوم التنمية الإنسانية ومفرداتها يحاول من خلاله تفهيم معارضي شمولية هذا المفهوم بأن الحرية أولا والخبز ثانيا، وأن الحرية بإمكانها أن تتدبر أمر الخبز، والعكس غير صحيح، معتمدا في هذا التفهيم على حجج من تارخ الحضارة، ومن واقع التنمية في العصر الراهن، حيث ظل العنف والإقصاء والتهميش والقمع وعدم احترام حقوق الإنسان وتقزيم إراداته وتضييق خياراته وطمس قدراته العائق الأكبر أمام التنمية الإنسانية بمفهومها الشامل.

اتكأ البناء الاستدلالي في النص على الكثير من الروابط المنطقية واللغوية التي حققت انسجام النص وترابط متوالياته الفكرية وتماسك هيكله الحجاجي بما يدفع المتلقي إلى التسليم بوجاهة التصور الذي يسوقه الكاتب ورصانة تحليلاته واستنتاجاته، ومن هذه الروابط تكرار ملفوظات تنتمي إلى جهاز اصطلاحي مضبوط ودقيق يستمد حمولته المنطقية من علوم الاقتصاد والسياسة والاجتماع، ولا يختلف حول مدلوله وسياقات استثماره، ومنها بناء التصورات ارتكازا على آخر نتائج الأبحاث ذات الصلة بالتنمية، وأحدث مقررات المنظمات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، ومنها اهتمامه بالتفصيل والتفسير الدقيق والمسهب لمحاصرة أسئلة المتلقي المفترضة، وملاحقة الفكرة ومطاردة المعنى بما يحقق الكفاية التفهيمية المطلوبة، ومنها توظيفه أدوات التوكيد والنفي لتغطية الوضعيات الجدلية التي تقتضي تثبيت تصور ونسف آخر، ومنها علاقات السببية التي تدخل الأفكار بعضها في بعض، وتصنع منها متوالية منطقية يصعب اختراقها ودحضها، ومنها منهج التدرج الذي استلزم انتقال النسق الفكري المنطقي للنص من العام إلى الخاص، ومن طرح الإشكال إلى التحليل فالإستنتاج.

تركيب وتقويم

يطرح النص قضية جوهرية في الحياة الإنسانية الراهنة، وهي قضية التنمية البشرية، ويرى الكاتب أن تحققها رهين بتوفر أرضية حقوقية صلبة تحفظ للإنسان كرامته وحريته، وتوفر له المعرفة الكافية والمتاحة والبيئة اللائقة والموارد المناسبة لرقيه وإظهار قدراته، وتضمن مشاركته الفعالة في تدبير الحياة العامة بما يملك من طاقات وينتج من إبداعات تجعل منه إنسانا راقيا محترما.

ويبدو أن تصور الكاتب، وإن كان مقنعا، مثالي إلى حد ما؛ لأنه يغيب الكثير من الإكراهات والقيود التي تحول دون أجرأة هذا المفهوم حتى في الدول الأكثر تقدما وتجذرا في الديموقراطية، والأحرص على احترام حقوق الإنسان، لما تعرفه حركية المجتمعات والأنظمة وأروقة السياسيين وكواليس صانعي القرار، وتعسفات مراكز الضغط وأصحاب المصالح من تكييف لهذه المبادئ النبيلة وتصريف لها بما يخدم أهدافا قذرة تهين فئات من الناس في أوطانهم أو في بلاد المهجر، فتنتهك كرامتهم وتعيق إقلاعهم الاقتصادي وجهودهم في تنمية الإنسان، وتطمس هوياتهم وتحتقر خصوصياتهم، وتكرس التبعية والتمييز وتصادر الحريات، وتجهض المبادرات وتساند الديكتاتوريات حماية لمصالح اقتصادية أو تصفية لحسابات إيديولوجية بغيضة.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads