Ads Ads Ads Ads

الشعر – تحليل نص ‘إلى الشعر’ لنازك الملائكة – دروس النصوص – اللغة العربية – الثانية باك علوم

عنوان الدرس : الشعر – تحليل نص ‘إلى الشعر’ لنازك الملائكة

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

الشعب: علوم التجربية وعلوم رياضية والعلوم والتكنولوجيات الميكانيكية والكهربائية وعلوم الاقتصاد والتدبير

المسالك: علوم فيزيائية وعلوم الحياة والارض وعلوم زراعية وبقية المسالك العلمية والتقنية

مدخل مفاهيمي

علم الجمال الأدبي

علم الجمال حقل معرفي يبحث في أشكال ومعايير الجمال بشكل عام، بدأ مبحثا فلسفيا مرتبطا بالحق والخير والعدل والإبداع، وغيرها من القيم المجردة، وانتهى مرتبطا بالفنون الأدبية والبصرية ومظاهر الأناقة في المظهر والسلوك البشري.

يستهدف علم الجمال الأدبي وضع أسس جمالية للعمل الأدبي يصبح معها فعلا خلاقا مقنعا ومؤثرا، والنص الأدبي أشكال متعددة يعكس كل منها صورة الانفعال بالواقع ومحاولة تجاوزه أو إعادة تشكيله في قالب فني جميل يختلف من جنس أدبي إلى آخر، لذلك يبني كل نص جماليته تأسيسا على تفاعل عناصره ومكوناته المميزة ومنطق انسجامه الخاص. فالشعر يختلف عن القصة أو المسرح في أسسه الجمالية رغم إمكانات التداخل بين هذه الفنون أو الخطابات مما يستدعي اختلافا في أدوات القراءة الجمالية.

الخاصية الجمالية هي التي تجعل الفن فنا والأدب أدبا لأنها تنقله من مجال المألوف إلى سياق اللامألوف أي المدهش والمبهر والمتميز (الإبداع)، أي من حيز الخطاب العادي اليومي التواصلي إلى عالم المثير المؤثر (الجمال)؛ لذلك كان لزآ على المبدع اختزان تجربة جمالية قائمة على الوعي بمقومات العمل الأدبي المتجاوز للبعد التواصلي المباشر إلى بعد جمالي مرتكز على التخييل والتشكيل، مستند إلى عمق العلاقة التفاعلية بين المبدع وإبداعه والواقع المنفعل به.

الشعر

الشعر لغة الشعور والإحساس والانفعال بواقع ما والتعبير الجميل عنه باللغة الشفافة الموحية، واصطلاحا فن أدبي قولي جميل تعددت تعريفاته، غير أنها تجمع كلهاعلى كونه فنا أدبيا يقوم على استثمار الطاقات الخلاقة التي تتيحها اللغة ويفجرها التخييل من تصوير جميل وإيحاء كثيف وإيقاع مؤثر لتشكيل نمط من الكلام يحضر فيه الشاعر وموضوعه في عالم من الجمال والعذوبة والذكاء، وينخرط فيه المتلقي بقراءته الجمالية التي تروم إعادة إنتاج النص واكتشاف مناطقه البكر وتداعياته المتناسلة وملء البياضات والتفاعل مع سياقاته ومقاصده وإشاراته التي تفرزها شبكات الدلالة وتموجات الإيقاع وأجزاء الصور وإشعاعت الرموز.

الشعر فن مرتبط بالإنسان منذ وجوده باعتباره كائنا منفعلا متخيلا ونازعا إلى الإبداع ومتذوقا للجمال، لكن ظهور الشاعر مرتهن إلى الموهبة والذكاء، إلى الاستعداد الفطري ( تضخم رد الفعل الانفعالي التخيلي التذوقي الإدراكي العميق) وتحصيل الأدوات اللازمة للإبداع، بينما التفاعل مع الإبداع خاصية تتأتى لكل الناس بحسب مستوياتهم في الفهم والتأويل. وقد نعت العرب بأنهم أمة شاعرة لشيوع هذا الفن عندهم وطغيانه على ما سواه، فسجل تاريخ الشعر العربي روائع خالدة ملأت الدنيا وشغلت الناس، وتخطت حدود الزمان والمكان، وبوأت اللغة العربية مكانا رفيعا بين لغات العالم.

ملاحظة النص

النص كما يبدو من معماره قصيدة حديثة تصر على تجديد بنية الشعر العربي على مستوى الإيقاع وبناء الدلالة وفق تصورات جديدة لأدوات الكتابة الشعرية تثوي خلفها رؤية فنية مختلفة عن الرؤية الكلاسيكية.

يتكون العنوان من جار ومجرور يقعان خبرا لمبتدأ محذوف، أو متعلقان بخبر، ويشكلان بنية تركيبية تحمل في ثناياها رسالة إلى متلق مجرد هو الشعر وتعلن عن متلق آخر ضمني بطريقة شاعرية فيها غير قليل من المناجاة الوجدانية، ترسم موقفا تدعوه إلى تبنيه بشكل غير مباشر .

في إطار علاقة السطر الخامس والسطرين الأخيرين بالعنوان يبدو أن الشاعرة تستحضر شغفها بالشعر وعشقها له، كما تستحضر حقيقة مرتبطة بدور الشعر ومصدره الذي بدا باهتا في ظل حركة تغيير جامحة أثارت حوله الكثير من الأسئلة المربكة وسمت لحظة المخاض ومأزق البداية، لكن الشاعرة على يقين أن الشعر خالد، وأن منابعه ضاربة في أعماق الإنسان، متجذرة في عوالم الجمال.

فهم النص

1) في بداية القصيدة إشارة إلى معابد بابل، وما يقام فيها من طقوس وثنية بدائية يحاول المنخرطون في أجوائها الروحانية الاتصال باللامرئي والوصول إلى اللامحدود، والانفلات من سجن الجسد، والتحليق خارج المألوف، وهناك بالضبط يجلجل صوت الشعر، ومن ثم يصدر فيملأ الأفق.

2) تسترسل الشاعرة في المقطع الشعري الأول في سرد مصادر الإبداع ودواعيه باعتبارها تجسيدا للحظة إحساس مرهفة واهتزاز وجداني عميق بنفس رومانسي استلهمت منه معجمه وكثيرا من تصوراته المرتبطة بعناصر الطبيعة وإيحاأتها ومسحة الحزن ورقة الإحساس وانسيابية المعنى ومعانقة عوالم الحلم المثالية الخالدة المترعة بالجمال والصفاء، ويمكن اختزال هذه المصادر والدواعي، حسب النص، في:

تبتلات القائمين في المعابد وتوقهم إلى الخلاص من الواقع المبتذل وسطحيته، ومن سجن الجسد وغرقه في الخطيئة.
صور المآسي الإنسانية العميقة المرتبطة في النص بمؤشرات لفظية توحي بالاحتجاج والألم والحزن والضجر والتيه والغياب (ضجيج الفلوات ـ هتافات القمرية الساهرة ـ صدى غناء حزين ـ صوت مثخن ـ صدى شاعري غريب ـ دجى نعسان ـ صوت ضفدعة متراخ رتيب …).
هدوء الطبيعة حين تسكن الحركة المقحمة فيها ( المساء ـ الليل ـ الزمن الصامت …).
عالم المثال والجمال الخالد في الطبيعة والوجدان ( السنابل ـ الأرج النشوان ـ الصدى الملون بالشذى ـ ندى الألوان ـ السر المعسول ـ الصوت المجهول…).

والعلاقة بين هذه الينابيع تتمثل في كونها تستنفر المشاعر العميقة، وتتسلل ألى أسرار الحياة الدفينة وما تحبل به من قلق الوجود وإصرار على الكينونة، وألم الاغتراب، وتستدعي كل ما يخلص عالمها المشع جمالا ورقة ونقاء من قيود الانفعالات السطحية الزائفة وإسقاطاتها الرديئة.

3) تتحدث الشاعرة عن عودة الإلهام والشعر لأنهما مرتبطان بعالم الجمال والحقيقة والمشاعر العميقة، وهي عوالم خالدة تخترق الزمن وتتعالى على الأحداث وتتعلق بالمطلق، وهي بالإشارة إلى هذه العودة تصدّر مفهوما جديدا للشعر ترى أنه المفهوم الحقيقي والبديل الذي جرى تغييبه منذ أمد وإفساده بشعر يفتقر إلى الإلهام والأصالة والمغامرة، ويشط عن حقيقة الشعر ومنابعه الأصلية، خاصة الشعر المرتبط بالمناسبات والمشاعر السطحية.

4) المساء حيز زمني له دلالة عميقة في حياة الشاعرة باعتباره لحظة تنفض فيها الكائنات أعباء الحياة، وتنصت فيها لأعمق أصوات النفس والطبيعة، وتتفرغ فيها للتأمل والاسترخاء، ويساعدها هدوؤه على التحليق بعيدا في عال المشاعر والأحلام والبلابل والأشجان، إنه مساء الرومانسيين المرتبط بلحظة الاشتعال الوجداني وبداية المخاض الشعوري، وهو ما يؤشر على أن الشاعرة لم تتجاوز في تجديدها شكل القصيدة وإيقاعها، بينما ظلت ممتنة، على مستوى الدلالة والمعجم والصورة إلى حركة الرومانسيين، وتلك كانت السمة الأساسية لبدايات الشعر الحر.

5) توصلت الشاعرة في نهاية القصيدة إلى استنتاج مفاده أن صوت الشعر يجسد كينونتها، ويلون عالمها الجميل ويتغلغل إلى أعماقها السحيقة، وهو صوت غامض حلو لا يدرك كنهه إلا من انفصل عن الزمن وفارق تمظهره البسيط، وتماهى في عالم الجمال، وركب المجهول وسافر إلى اللامحدود مكسرا كل القيود

6) في القصيدة مضامين مرتبطة بجوهر الشعر، وهي كونه مغامرة في عالم الشعور والجمال، ومعاناة حقيقية، وإدراك لحقيقة الأشياء وأسرارها الخفية.

تحليل النص

1) يزين النص معجم شعري وحداته من الطبيعة الحية والمتحركة ومن لحظات زمن يصبغ هذه الطبيعة بإيحاأت وإيقاعات شاعرية وشعورية كثيفة، ومن معان مجردة متصلة بالوجدان والرؤية، فمن الطبيعة ألفاظ مثل: الفلوات، قمرية، ضفدعة، سنابل، الليل، المساء، الغروب، الضياء، المطر …، وهي مواد مرتبطة بصفات ترسم عالما حزينا في الغالب أو بطيئا ساكنا: نعسان، وسنان، رتيب، ضجيج…، أو تتعالق وعوالم يأتي منها صوت الشعر فيشرق في ذات الشاعر ة ويصنع عالمها الجميل: الأرج النشوان، ندى الألوان، السر المعسول…

2) للتكرار في النص مظهران لفظي وإيقاعي، لفظي كتكرار بعض المواد المعجمية بألفاظها أو مشتقاتها أو مرادفاتها (صدى ـ صوتك ـ المساء ـ الليل ـ السهر ـ الحزن…) وتكرار اللازمة الموسيقية ( ذاك الصوت صوتك سوف يؤوب ـ لحياتي لسمع السنين )، وإيقاعي كتكرار وحدات صوتية وصيغ تركيبية وأخرى صرفية ذات دور دلالي وإيقاعي في نفس الآن، وكتكرار أنوع من النبر المتكئ على التبئير، ونمط من الإيحاأت الممعنة في الاستغراق والحلم التي تمد الإيقاع بذبذبات نغمية طويلة الموجات متراجعة الصدى.

3) في النص هيمنة للأفعال الدالة على الزمن الحاضر والمستقبل، بينما أفعال الماضي قليلة ومصدرة لجملة الصفة مما يمنحها امتدادا زمنيا يتناغم ومخاض الحاضر والحتمي الآتي القريب أو البعيد أو ما يمكن أن ندعوه الرغبة والحلم. وترتبط بالحاضر أفعال المضارع (وتلوذ ـ وينام ـ ويبقى ـ لا ينام ـ أحس…)، وبالمستقبل المضارع المقترن بالسين وسوف (سوف يؤوب ـ سيؤوب ـ وسأسمع…)، ويفرز الحاضر تداعيات تقترن بعالم الحدث المسترسل إثباتا ونفيا، والإصرار على الفعل والصفة الواقعة ضرورة، بينما ينفث المستقبل الرغبة في الخلاص والتغيير والثورة على الجمود والملل ومعانقة الروح والجمال وكل الأحلام بالتماهي في اللامرئي واللامحدود والمترع بالطهر والنقاء، وهذا التكرار يضطلع بوظيفة جمالية (إمتاعية) وتأثيرية (إقناعية تعبئ الأجواء النفسية للتغلغل في المتلقي) لدلالته على التوكيد والتقرير والإلحاح، وتفجيره طاقات نغمية مؤثرة وتأشيره على انسجام النص والتحام أجزائه، وإصراره على جذب المتلقي إلى مدارات الاستغراق والتأمل والاندماج والتوحد مع العوالم الجميلة الشفافة المصطبغة بفيضان الشعور وصخب الانفعال في الطبيعة والنفس الشاعرة.

4) للتقديم والتأخير، في النص، جمالية أسلوبية مرتبطة بالتبئير لإبراز الاهتمام بدلالة محددة تصبح محور النص وإحدى مفاتيح القراءة والتأويل، وهو منصب على القيود المتكررة أكثر من انصبابه على المسند أو المسند إليه، مما يسهم في تكسير مألوف التركيب، ويخلق بلاغة خاصة وإيقاعا صاعدا ونبرا قويا تطوعه الأصوات اللينة المهموسة، وهذا التبئير يذيب بعض الرتابة والبطء النجم عن كثرة حروف المد الطويلة، ويؤشر على أن القيمة الأولى في عالم الحلم والجمال هي لتداعيات الزمن والصفة الثابتة الدالة على الوفرة، والمتعلقات بالحدث أكثر منها للفعل أو الاسم المجردين، تداعيات تسم المسند أو المسند إليه بسمات الاحتجاج والشكوى والألم والمأساة ولحن الحزن والرتابة والحنين والغياب وعبق التراتيل والهتافات والأغنيات وصدى الشعر المصر على الإياب.

5) تقوم الصورة في النص على مظاهر تشخيص الطبيعة وبث الحياة والشعور فيها عبر استثمار آلية الاستعارة لإدماج عوالم الصورة بعضها في بعض وتوحيد الإنسان والطبيعة في عالم واحد يشع روحا وجمالا، وتتشابك في الحركات والظلال والألوان والأضواء، وهكذا يصبح الزمن بكل امتداداته ولحظاته كائنا حيا يحس وينفعل، مسلحا بأدوات الإدراك البشرية المتجاوزة للمألوف، فهو يسمع ويئن ويحزن وينتشي، وكذلك الضفدعة والقمرية يملآن الليل هتافا، والضياء يغفو، والمتاعب تستنجد بالأحلام، والطموح والحياة ينامان، ويسهر الزمن، وفي نوم هؤلاء وسهر أولئك وصخب الطبيعة وحزن المساء يولد الشعر، الصوت المجهول معسول السر الذي يملأ الدنيا عذوبة وعطرا وجمالا. هكذا تبدو الصورة في النص ممتاحة من نفس رومانسي طرفاه الوجدان والطبيعة وأفقه الرقة والجمال وبث الحياة في الجامد والسفر في فضاء المعاني المجردة الرحيبة.

6) معظم المواد المعجمية في النص منزاحة عن دلالتها الأصلية تثير هالات من الدلالات تتموج وتتتشابك في انسجام وتناغم لتبني فضاأت من المعنى مؤسسة على توليفات ثنائية غالبا ينجذب بعضها إلى بعض عبر أقطاب دلالية ترسم حدود التداول وأبعاده المائعة، وتصنع عالم الشاعرة الرومانسي المتخم بالابتهال والصراخ والحنين والإصرار والإنصات والانتظار، وتعكس عمق الانفعال ورهافة إدراك عالم تبدو مناطقة خفية وموغلة في غياهب الأسرار، أسرار الجمال المنبعث من مدفون المشاعر في ذات الشاعر تجاه واقع مثالي تتوزعه الرغبة والحلم، ويكون بديلا عن واقع ممل مضجر ( بخور المعابد ـ ضجيج الفلوات ـ لحن الغروب ـ صوتك سيؤوب ـ سمع السنين ـ صدى شاعري غريب ـ يغفو الضياء ـ ينام الطوح ـ صوتك السهران ـ صداه الملون ـ الأرج النشوان ـ حنيني العميق ـ سره المعسول…) .

7) الإيقاع في القصيدة مختلف تماما عما ألفنه في الشعر العمودي، يتأسس على مفهوم السطر الشعري الذي تفرغ فيه الدفقة الشعورية وتنتهي بوقفة موسيقية غير تناظرية بالمعنى العروضي، ليستأنف المعنى الشعري من جديد عبر دفقة أخرى في تلاحم وانسجام بين الدفقات يجعل النص كله بنية إيقاعية دالة ومتناغمة تنساب في أسطر ومقاطع، وتضطلع فيها الموسيقى الداخلية بدور أساسي قائمة على تكرار الصوت أو الصيغة واللازمة وتكرار اللفظ والمعنى وتنويع القوافي في توزيع دال وتضخيم للانفعال وتلوين للأساليب. والإيقاع في النص إيقاع حزين يتسم بالبطء، وتتخلله لحظات موسيقية تكسر رتابته عبر التبئير المنصب على القيود وبعض الصفات ذات الإيقاع السريع الذي تحد من سرعته وحدات صوتية ذات نفس متراخي مسعف في تأثيث مشهد التأمل والاستغراق . وتردد في النص تفعيلة هي (فاعلن )، قليلا ما تعمد الشاعرة إلى خبنها (فَعِلُنْ ) لتحافظ على إيقاع المناجاة والابتهال الذي يزداد حدة مع وقفة تنتهي بساكنين طويل وقصير، وتطوى أحيانا (فَعْلُنْ )، والطي ليس سوى سكون آخر يمد في أفق الاسترسال العاطفي.

8) يوجه الشاعر خطابا إلى المتلقي مجسدا في كائن معنوي مجرد هو الشعر، مبتهلا إليه أن يعود، أن ينبعث من مكامنه الخالدة التي يراقب فيها أصداء كائنات تغفو أو تصدر لغطا رتيبا في زمن يطفح بالحزن والتعب والغفلة والاستسلام للأحلام، إنها رسالة ضمنية موجهة إلى الشاعر بشكل عام تدله على أن منابع الشعر كامنة في الوجدان، في أعماق النفس، ومعششة في تفاصيل العالم الطبيعي بكل مافيه من ألق وصفاء.

تركيب وتقويم

تبدو الشاعرة مهووسة إلى أبعد حد بالشعر، مصرة على أنه الوجه الجميل للعالم، والحقيقة الجميلة النائمة التي ينبغي إيقاظها باستمرار؛ لأن الإنسان، ومن ضمنه الشاعرة، في أمس الحاجة إلى ذاك الإحساس العميق والشفاف بالعالم بكل أشكاله، فهو وحده يمنح الحياة معناها الحلو، إن الشعر بالنسبة للشاعرة معادل موضوعي للسعادة ولحظة تطهير ضرورة لاستعادة الاشراق، لذا ينبغي للجميع الاحتفال به واستدعاؤه وانتظاره بشغف.

وقد حاولت الشاعرة صياغة احتفالها بالشعر بلغة تصويرية وإيحائية شفافة تستمد موادها المعجمية من حقول الانفعال والطبيعة وبعض المعاني المجردة، فاشتعل النص أصواتا وألوانا ومشاعر وحالات وفضاأت، وجاءت الصور حية تأنسن كل شيء ويرفل فيها المرح في غلالة حزن رقيقة يسنده إيقاع بطيء يعزف للمستغرقين في التأمل والانتظار عزفا يقطعه نغم صاعد يصر على الأوبة والولادة من جديد، وجاءت الجمل الإسمية مصدرة غالبا بقيود تحيل على مكمن الإبداع وسر الوجود الشاعري.

الإيقاع الشعري – الدرس اللغوي – اللغة العربية – الثانية باك علوم

عنوان الدرس : الإيقاع الشعري

المادة : الدرس اللغوي – اللغة العربية

الشعب: علوم التجربية وعلوم رياضية والعلوم والتكنولوجيات الميكانيكية والكهربائية وعلوم الاقتصاد والتدبير

المسالك: علوم فيزيائية وعلوم الحياة والارض وعلوم زراعية وبقية المسالك العلمية والتقنية

تمثيل الظاهرة

1) قال شوقي: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني

2) قال بلند الحيدري في قصيدة النرفانا:

يا أرض الموتى
موتي
غوري في الموت لحد النتن
لحد الجزع
وابتلعي
أمواتك… ميتاً… ميتاً
واقتلعي الصمت
اقتلعي الموت من الرمه
صيري العتمه
في الحزن محاجرنا البيضاء
يا أرض موتي
أيتها الهجرة في تيه ليالينا السوداء
صيري
غوري
ابتلعي
اقتلعي
لا تدعي للشره الموقور سوى البغضاء
وغير الصبار
وغير الصحراء
وغير النار المتدلية الأثداء
أيتها الهجرة
يا مزق الأشرعة القذره
يا قلقي المتيبس في شفتي المره
غوري
اقتلعي
لا تبقي ولا تذري
للدود المستيقظ في الظن
الحالم بالنتن
إلا الموت
يا أرض الموتى
موتي
لنصير بموتك كل الموت
موت الموت

تحليل ومفاهيم

مفهوم البنية الإيقاعية يكتسب معنى شمولياً ينطوي على مستويات إيقاعية خفية يمكن الكشف عنها، «منها ماله طابع صوتي يتصل ببنية الإيقاع الخارجي صاعداً أو هابطاً منها، شاداً الصلة الجدلية بين البنيتين… مثل إيقاع الحرف ومجموعاتها الصوتية فيما يسمى بالرجوع الصوتي أو الترجيع وإيقاع حركات المد الداخلية المتصلة بنظام التقفية في النص. ومنها ماله غير الطابع الصوتي، والمتصل ببنية اللغة في مستوييها الداخلي(اللغة الشعرية، الصورة، الرموز… الخ)، والخارجي كالتراكيب اللغوية ومتتاليات الجمل والصيغ بمجموعاتها المختلفة…
وهذا الائتلاف بين كل هذه العناصر يجعل الإيقاع الداخلي ذا أهمية كبيرة، تكمن في كونه جزأً متميزاً في العنصر الموسيقي في القصيدة الحديثة. جزأً يتولد في حركة موظفة دلالياً. إن الإيقاع هنا هو حركة تنمو وتولد الدلالة.

وفي استقراء فني لمنتج الشعر العربي الحديث، في مدى قدرته على وعي الكيفية التي يمكنها استثمار مكونات هذه البنية الإيقاعية الجديدة، بما يساعدها على تقديم قصيدة عالية المستوى، يمكن الاعتقاد بأن الشاعر الحديث قد نجح إلى حد كبير في فهم اللغة والموسيقى ومدى ارتباطهما معاً، فاستغل الرؤى والظلال والإيحاأت والنبرة والصوت والهمس، فجاء البناء الموسيقي في القصيدة مركباً من نغمات تعلو وتخفت وتصطدم وتفترق وترق وتقسو وتهدأ وتنفعل، مولدة من هذه الحركة الدائمة موسيقى داخلية قد لا نجدها في كثير من شعرنا القديم. كما نجح في إدراك الكيفية التي يقوم عليها الجرس الخاص لكل حرف من الحروف المستعملة في البيت، ثم كيفية توالي هذه الحروف في كل كلمة من الكلمات المستعملة ثم الجرس المؤتلف الذي تصدره الكلمات في اجتماعها في البيت كله مما يوفر في كل هذا وذاك قدراً كبيراً من التنظيم الدلالي والشكلي.

إن الوصول إلى أعلى مستوى ممكن من استثمار القيم الإيقاعية والدلالية التي تنطوي عليها بنية الإيقاع الداخلي في القصيدة يستلزم دراية بأسرار اللغة الصوتية وقيمها الجمالية، ووقوفاً تاماً على التناسب بين الدلالات الصوتية والانفعالات التي تتراسل معها، وما يتبع ذلك من تلميح وتركيز وسرعة وبطء وتكرار وتوكيد وتنويع في النغم، لا يمكن أن يوفق فيها إلا ذو رهف في الحس وثقافة فنية ولغوية واسعة كما يستلزم أيضاً استجلاء إيحاأت الأصوات في الكلمة ووعي بوظيفة الكلمة داخل التركيب، وبوظيفة التركيب في صياغة التشكيل الفني بالصورة أو الرمز أو الأسطورة، وما عسى أن يقتضيه ذلك من تركيز أو حذف أو تكرار أو اقتباس، وجميعها وسائل تهب العمل الشعري إيقاعه البنائي الخاص.

ومن المظاهر الأخرى لبنية الإيقاع الداخلي في القصيدة الحديثة ذلك الاهتمام الذي يوليه بعض النقاد والبلاغيين للمحسنات اللفظية من جناس وطباق يؤدي التوافق والتقاطع والانسجام والتنافر فيهما إلى توليد تشكيلات إيقاعية غير منظورة.

وبالإمكان أيضاً توليد إيقاعات داخلية معينة عن طريق بعض أنماط التقنية الفنية التي تنهض عليها القصائد لاسيما ما يدعى بالتضمين النثري، أي الانتقال من الشعر إلى النثر داخل بنية القصيدة، إذ تقوم هذه الحركة بنقل ماينتج عن الموسيقى من إحساس انفعالي إلى حالة الهدوء النسبي، تتحقق باستيعاب القصيدة لمقطع نثري أو أسطر نثرية إذ أن للغة الشعرية والموسيقى وظائفها الانفعالية، ومن أجل أن ينوع الشاعر الحديث من إيقاعاته الداخلية فإنه يلجأ أحياناً إلى تكوين تجمعات صوتية متماثلة أو متجانسة، وهذه التجمعات إنما هي تكرار لبعض الأحرف التي تتوزع في كلمات البيت، أو مجيء حروف تجانس أحرفاً في الكلمات تجري وفق نسق خاص .

إن لجوء الشاعر إلى هذه الأساليب والأنماط ومحاولته الدائبة للاستفادة من كل هذه الممكنات المتاحة، التي يمكن لها أن تخلق أجواء إيقاعية جديدة تتولد من النسيج الداخلي للقصيدة الحديثة ليس إلا تعويضاً في لا وعي الشاعر عن الموسيقى الخارجية التي تشكلها وتسهم في إغنائها تلك القافية المفتقدة التي ضيعها النسيج الجديد للقصيدة الجديدة، وتحولت المهمة الإيقاعية بذلك من مهمة إطارية إلى وظيفة تكوينية.

وعلى الرغم من أن بنية الإيقاع الداخلي في القصيدة الحديثة كانت مادة حية للكثير من الدراسات النقدية وطال فيها النظر النقدي كما اختلفت فيها وجهات النظر النقدية، إلا أن محاولة ضبط نظمها وتحديد قواعدها العامة ما زالت بعيدة بعض الشيء عن تحقق إنجازات واضحة ومتميزة، وذلك لأن الإيقاع الداخلي خلو من المعيارية لكونه يعتمد على قوانين النفس الفردية، لا الجماعية، بمعنى أنه شخصي ومتغير. وطالما أن القصيدة الحديثة هي للقراءة التأملية الصامتة وليس للإنشاد، فإن هذه القراءة الصامتة تضعف التركيب الوزني ويظل فيها نوع من الرنين الغامض وعندئذ نتوجه بأنظارنا إلى ما فيها من مجاز ورموز وأسطورة، أي إلى التصوير المنظور لا إلى التصوير المسموع. ويحاول الشاعر الحديث في سبيل تشكيل إيقاعه الداخلي الإفادة من أصغر الجزئيات وأدقها من أجل توظيفها واستثمار مكوناتها.

ففي قصيدة «النرفانا»، ذات المقاطع الأربعة للشاعر بلند الحيدري يتنامى إيقاع داخلي خاص عبر مجموعة من الظواهر التي تفرزها القصيدة بعالمها وأجوائها وفضائها الدلالي: إن أصوات المد بأشكالها المختلفة تكاد تسيطر سيطرة شبه كاملة على الواقع اللغوي للقصيدة، فأصوات المد الطويلة المرفوعة «يا ـ أموا ـ يا ـ أيتها ـ ليا ـ لينا ـ السوداء ـ البغضاء ـ الصبا ـ الصحرا ـ النا ـ الأثدا ـ يتها ـ الحا ـ يا». وأصوات المد الطويلة المضمومة: «المو ـ مو ـ غو ـ المو ـ غو ـ المو ـ تو ـ غو ـ دو ـ المو ـ المو ـ مو ـ مو ـ المو ـ مو ـ المو» إذ تتكثف في المقطع الأخير لتكون صوته المميز. وأصوات المد الطويلة المكسورة في «تي ـ ري ـ ت ـ ن ـ ع ـ عي ـ عي ـ ري ـ ري ـ عي ـ عي ـ عي ـ قي ـ تي ـ رى ـ عي ـ قي ـ عي ـ ن ـ ن ـ تي ـ ت». تعمل كلها على تشكيل خطوط صوتية متجانسة تؤلف المحور الأساس والعام للإيقاع الداخلي. كما أن التكرار وترجيعاته الصوتية يسهم إسهاماً كبيراً وفاعلاً في هذا الشأن، فتكرار النداء «يا أرض الموتى ـ يا أرض الموتى ـ أيتها الهجرة ـ يتها الهجرة ـ يا مزق ـ يا قلقي ـ يا أرض الموتى». وتكرار الأفعال المتجانسة في أدائها الفعلي عبر مقاطع القصيدة الأربعة: «موتي ـ غوري ـ ابتلعي ـ اقتلعي ـ اقتلعي ـ صيري ـ» في المقطع الأول و»صيري ـ غوري ـ ابتلعي ـ اقتلعي/ـ لا تدعي» في المقطع الثاني و»غوري ـ اقتلعي/ لا يبقي ـ لا تدعي» في المقطع الثالث، و»موتي» في المقطع الرابع. وتكرار مفردة «الموت». بشكلها المعروف بأل التعريف مرتين في المقطع الأول ومرة في الثالث ومرتين في الرابع، كما تتكرر المفردة نفسها بأشكال أخرى مختلفة في المقطع الأول «الموتى ـ موتي ـ أمواتك ـ ميتاً ـ ميتاً»، وفي الثاني «الموتى» وفي الرابع «الموت ـ موتي ـ موتك ـ موت». وتكرار أداة الاستثناء في المقطع الثاني «سوى ـ غير ـ غير ـ غير»، تعمل كلها مجتمعة على إطلاق ترجيعات وارتدادات صوتية مختلفة ومتنوعة في أرجاء النص إن الفضاء الدلالي الذي تقدمه البنية العامة للنص، سواء على صعيد العنوان «النرفانا» أم الشبكة المؤلفة للنص أو الظلال والإيحاأت التي تكمن داخل نسيج هذه الشبكة اللغوية، يؤسس رمزاً أساسياً تتحرك حوله حيوات النص وينبع أساساً من فكرة «الفناء». هذه الفكرة تلقي بظلالها على مقاطع القصيدة لتخلق جواً عاماً من الانسحاب والانطفاء والسلب، مما يزيد من وقع المفردات الشعرية التي تنحو هذا المنحى ويعمق حضورها في النص من أجل توليد مزيد من الانسجام في نسق الأصوات المتآلفة من ميدان الفكرة ـ الرمز.

وتوافرت القصيدة على صيغة بلاغية «طباقية» عملت من جانبها على تشكيل إضاءة إيقاعية داخلية معينة داخل سياق هذا التشكيل الإيقاعي، إذ إن «العتمة/ البيضاء»، في نهاية المقطع الأول تشكل طباقاً قائماً على الصراع الخفي التقليدي بينهما، إذ يستدعي سواد العتمة لاحتلال جزء من البياض وإعطائه شكلاً جديداً ودلالة جديدة وإيقاعاً جديداً ينشأ من خلال هذه العلاقة الخفية بين المتضادين.
لابد من التفريق بين (الوزن ) و( الإيقاع ) فالوزن هو : ( كم التفاعيل مجتمعة ) بغض النظر عن قياس كم كل مقطع كتفعيلات الكامل في بيت شوقي { متْفاعلن متْفاعلن متَفاعلن متْفاعلن متَفاعلن متَفاعلْ } ،أما الإيقاع فهو : ( تردد ظاهرة صوتية على مسافات زمنية محددة النسب ).

البحث الوصفي من شأنه أن يبين ما يتألف منه الإيقاع، وليس من شأنه أن يفسر الإيقاع ، فهو إذن كالعروض التقليدي سواء بسواء ،إلا أنه يحاول كشف عناصر أخرى للإيقاع ، لم يشملها العروض التقليدي، الذي ينحصر في الإيقاع الخارجي، أو ما يسمى موسيقى الإطار، والإيقاع بمعنى آخر ظاهرة تقوم على التكرار المنتظم، ويلعب الزمن فيها دوراً مهماً ، فهو اسم جنس والوزن إقليم من أقاليمه . والإيقاع غير الوزن ، فكثيراً ما يتعرض الوزن إلى كثير من التغييرات( الزحافات والعلل)، بينما الإيقاع حركة الأصوات الداخلية التي لا تعتمد على تقطيعات البحر أو التفاعيل العروضية ،وتوفير هذا العنصر أشق بكثير من توفير الوزن ،لأن الإيقاع يختلف باختلاف اللغة والألفاظ المستعملة ذاتها ،في حين لا يتأثر الوزن بالألفاظ الموضوعة فيه تقول ” عين ” وتقول مكانها “بئر ” وأنت في أمن من عثرة الوزن . أما الإيقاع فهو التلوين الصوتي الصادر عن الألفاظ المستعملة ذاتها فهو يصدر عن الموضوع في حين يفرض الوزن على الموضوع . هذا من الداخل ، وهذا من الخارج .

على أن أكثر الأبيات الشعرية امتلاءً بالمعنى وأكثرها حيوية هي التي تتوازى فيها حركات الإيقاع الموحية والحركات العقلية، والإيقاع هو الذى يلون كل قصيدة بلون خاص ، فالأقرب لطبيعة الشعر أن يكون إيقاعياً لا وزنياً ، أما العروض فلا يفرق بين الفتح أو الضم أو الكسر.
و إذا كانت الموسيقى في العروض هى المعرفة الجماعية بزحافاته وعلله وقوافيه ؛ فإن الإيقاع هو المعرفة الخاصة والعزف المنفرد ، أي إنه من قبيل الإبداع وبقدر ما يكون للشاعر إيقاعه الخاص وصوته الفردي يكون إبداعه وأصالته. والإيقاع ينقسم إلى جزئين:

التناغم الشكلي: الذي يتضمن في رأيه إيقاع المفردات بالنظر إلى بنيتها المقطعية ، وتبيان التناغم الذي تحدثه الظواهر الصوتية في بعض مفرداته ،وإيقاع الجمل التي تقوم بنيتها على أساس التصدع ،وتقوم حركتها بتقديم تشكلات مقطعية ؛ وفاعلية نبر وفاعليات صوتية ودلالية .
التناغم الدلالي: الذي يضم إيقاع التواصل ؛ أي انسجام حركة الدلالات فيما بينها ؛ بما يدفع إيقاعاً يحمل خصائص متشابهة ؛ مما يفيد ولادة حركات جديدة، قد تحمل خصائص مغايرة.

فالإيقاع هو السبيل الذى يستند إليه الشاعر فى حركة المعنى ، وموسيقى الشعر ليست الوزن السليم ،وإنما الموسيقى الحقة هي موسيقى العواطف والخواطر ،تلك التي تتواءم مع موضوع الشعر، وتتكيف معه. وقد يكون الإيقاع “وحدة النغمة التي تتكرر على نحو ما في الكلام أو في البيت ، أي توالي الحركات والسكنات على نحو منتظم في فقرتين أو أكثر من فقر الكلام ، وتقابله التفعيلة في البحر العربي .. فحركة كل تفعيلة تمثل وحدة الإيقاع في البيت، أما الوزن فهو مجموع التفعيلات التي يتألف منها البيت ، على اعتبار أن البيت هو الوحدة الموسيقية للقصيدة العربية.

إن الإيقاع ليس مجرد الوزن الخليلى أو غيره من الأوزان بل هو لغة ثانية لا تدركها الأذن وحدها بل الحواس ، فالإيقاع هو الوعى الغائب / الحاضر وله علاقة ثنائية بالأجواء الشعرية فهو يستحضرها ويبثها ، إ نه النظام الذى يتناوب بموجبه مؤثر ما ( صوتى أو شكلى ) أو جو ما ( فكرى أو روحى ) ، ( حسى أو سحرى ) وهو كذلك صيغة لعلاقات ( التناغم ، التعارض ، التوازى ، التداخل ) فهو – إذن – نظام أمواج صوتية ومعنوية وشكلية ، ذلك أن للصورة إيقاعها كما للقصيدة – بصفة عامة ايقاعها ” فالقيمة الجوهرية لمفهوم الإيقاع أنه ليس ملزما على نحو أقنومى ، بل هو عنصر دلالى بالغ الاتساع ، بحيث يمنح الشاعر أكبر مساحة ممكنة من الحركة والفعل الشعريين غير متقيد بكيان شكلى معد سلفا.

الإيقاع أوسع من العروض ومشتمل عليه ، وخطأ العروضيين التقليديين من عرب وغيرهم هو عدم ادراكهم لاتساع الإيقاع وخصيصته ، فللشاعر الحرية فى ايجاد إيقاعه الخاص ، وهذا ما يميز المفهوم الحديث فى الشعر عن المفهوم القديم الذى كان يصر على نوع معين من قواعد الوزن، وهو يميز المفهوم القديم والحديث للشاعر.

إن لغة الشعر تنظيم اللغة العادية على المستوى الصوتى والصرفى والنحوى والدلالى . وثمة ربط بين مفهوم ” إعادة التنظيم ” وبين ” الإيقاع ” على أساس أن اعادة تنظيم العناصر الصوتية فى القصيدة يخلق تكرارا منتظما لها فى الزمن ؛ أى أنه يخلق نظاما صوتيا ( الإيقاع ) فهو مكون من العناصر الثلاثة ( الصوتى والصرفى والنحوى ) والتى لا تستحق أن تعتبر عناصر إيقاعية الا إذا توفرت فيها النظامية ومن ثم يمكن اعتبارها أنظمة فرعية للنظام الأكبر ( الإيقاع ) .

و لما كان الإيقاع الشعرى واحدا من مكونات النص الدلالية فقد اتسم هو أيضاً بالسمة التى أفردت شعر الحداثة مما سواه من شعر ؛ فصار إيقاعا غامضا لا يتميز بذاته وإنما يندمج بنائيا فى البنية النصية الكبرى حاملا نصيبه من دلالتها ، ومن ثم أصبحت القصيدة قانون نفسها ؛ ولذلك فهى تخلق قانونها الموسيقى الخاص النابع من حركتها الداخلية ، وعليه صار الإيقاع إشكاليا إلى حد بعيد فى شعر الحداثة ، فهو يتولد عن أرضية لم يعد فيها الوزن المحك الرئيسى لشعرية القصيدة .

الانزياح – الدرس اللغوي – اللغة العربية – الثانية باك علوم

عنوان الدرس : الانزياح

المادة : الدرس اللغوي – اللغة العربية

الشعب: علوم التجربية وعلوم رياضية والعلوم والتكنولوجيات الميكانيكية والكهربائية وعلوم الاقتصاد والتدبير

المسالك: علوم فيزيائية وعلوم الحياة والارض وعلوم زراعية وبقية المسالك العلمية والتقنية

مفهوم الانزياح

ينقسم الكلام إلى متداول مألوف يتميز بالوضوح و الشفافية، وكلام منزاح عن المألوف و المتداول. و يسمى المألوف والمتداول معيارا، ويسمى خرقه انزياحا أي ابتعادا عن المعيار. والمعيار هو كل ما ينتمي الى سنن اللغة أو الأعراف أو المنطق. و تتحقق الانزياحات في مختلف أنواع الخطابات، لكنها أكثر كثافة في النصوص الإبداعية ومتقلصة في الكتابات العلمية.

الانزياح لغةً مصدرٌ للفعل المطاوع”انزاح”؛ أي ذهب وتباعد. واصطلاحاً في النقد الحديث: هو استعمال المبدع للغةِ مفردات وتراكيبَ وصوراً، استعمالاً يخرج بها عمّا هو مُعتاد ومألوف بحيث يؤدّي ما ينبغي له أن يتّصف به من تفرد وإبداع وقوّة جذب وأسر.

أنواع الانزياح

الانزياح الاستبدالي (الدلالي)

ويمثله المجاز، والمجاز المقصود هي المفردة حصراً وهي تلك التي تقوم على كلمة واحدة ( التي تستعمل بمعنى مشابه لمعناها الأصلي ومختلف عنه)، ويمثل كوهن لهذا النوع من الانزياح بالتالي: هذا السطح الهادئ الذي تمشي فيه الحمائم. فالسطح هو البحر والحمائم هي السفن، وجمالية البيت تكمن في هذه المفردات فلو قال :” هذا البحر الهادئ الذي تمشي فيه السفن (البواخر) لما شعرنا بأية شاعرية.

تجدر الإشارة إلى أن المجاز موجود منذ القدم فأرسطو يقول: “أعظم الأساليب حقاً هو أسلوب المجاز…، هو وحده الذي لا يمكن أن يستفيد المرء من غيره، وهو آية الموهبة”. أما تعريفه له أنه “نقل اسم شيء إلى شيء آخر”، فلو حاكمنا هذا التعريف بما انتهت إليه البلاغة العربية يكون معادلاً للمجاز اللغوي الذي يشمل الاستعارة والمجاز المرسل بالإضافة للكناية.

الانزياح التركيبي

من المعروف أن تركيب العبارة الأدبية عامة والشعرية منها على نحو خاص، يختلف عن تركيبها في الكلام العادي أو في النثر العلمي . فالشاعر، على حد قول كوهين، شاعر ” بقوله لا بتفكيره وإحساسه، وهو خالق كلمات وليس خالق أفكار، وعبقريته كلها إنما ترجع إلى إبداعه اللغوي”. بيد أن الكلام لا ينبغي أن يؤخذ على حرفيته، فيُظن بأن من طبيعة الشعر أن يخلو من الفكر، لأن مثل هذا الظن هو من قبيل المغالطة.

إن الانزياحات التركيبية في الفن الشعري تتمثل أكثر شيء في التقديم والتأخير، ومن المعروف أن في كل لغة بنيات نحوية عامة ومطردة، وعليها يسير الكلام : فالفاعل في العربية مثلاً يكون تالياً لفعله، وسابقاً مفعوله غالباً، إن كان الفعل متعدياً؛ على حين هو في الإنكليزية متصدر للجملة؛ أي أنه مبتدأ يتلوه فعل فمفعول… وهكذا. ويجب التنبيه إلى أن ليس كل عملية قلب تعد انزياحاً فهو يقول : “ينبغي لكي ينتج القلب أثره أن نعطيه ذلك الاتساع الذي تشير إليه البلاغة باسم الاعتراض”، ويضرب لنا كوهن مثلاً عن عملية القلب وأثرها على الجملة : تحت جسر ميرابو يتدفق السين. ويقارنها بالجملة الأصلية، فيرد الكلمات إلى أماكنها الصحيحة، فيقول: السين يتدفق تحت جسر ميرابو.

والسؤال لماذا نشعر أن التركيب الأول أكثر شاعرية من الثاني؟

هل لمجرد مخالفته الاستعمال الشائع، ويقول الدكتور أحمد محمد ويس: إن المخالفة وحدها غير كافية لتوليد الشاعرية، ولابد من أن تكون وراء المخالفة قيم فنيّة وجماليّة، إذ ليس بالضرورة أن تكون المخالفة حباً لتميُّزٍ أو تفرد فحسب، والغالب أن يكون وراءها غاية فنية تعبِّر عن شيء في النفس.

ومما يدخل ضمن أشكال الانزياحات التركيبية من أسلوب إلى آخر انتقالاً مفاجئاً يستهدف إحداث تأثير فني ، من مثل ما كان يقوم به إليوت حين كان ينقل أسلوبه في مسرحياته عامداً من مستوى إلى آخر، فينتقل مثلاً من النظم الشعري إلى اللهجة الدارجة، كي يتحقق له نوع معين من التأثير، وواضح أن مثل هذا الانتقال ببنية العمل الفني على نحو عام. وشبيه بهذا الأسلوب أسلوب آخر كان يقوم به بعض مؤلفي العصر الإليزابيثي مما عرف بـ” الترويح الكوميدي” في المأساة، بالإضافة لظاهرة الالتفات في الرواية الحديثة ابتداءً من جيمس جويس وفرجينيا وولف خاصة. ومن ذلك ” طريقة التصوير الحر” لدى السرياليين في انتقالاتهم المفاجئة وتحريكهم لعناصر الواقع فيما يعرف بالخط الزماني والمكاني.

معيار الانزياح

وهاهنا نحن أمام قضية ليس من اليسير حلها، وهي أن الفن قائم على معيار نفسي، في حين يعتمد العلم المعيار المنطقي.

فكيف سيُعرف الانزياح؟ وهل له معيار يُعرف به؟

للخروج من هذه الأزمة علينا أن نستجلي الفروق بين كل من الخطاب الأدبي والخطاب العادي، وسنجد أننا أمام آراء كثيرة تؤكدها، فمن ذلك ما ارتآه تودوروف حين اعتبر ” أن الحديث اللساني –العاديء خطاب شفاف نرى من خلاله معناه ولا نكاد نراه هو في ذاته، فهو مَنْفَذٌ بِلَّوري شفاف لا يقوم حاجزاً أمام أشعة البصر، بينما الخطاب الأدبي في كونه ثخيناً غير شفاف، يستوقفك هو نفسه قبل أن يمكنك من عبوره أو اختراقه، فهو حاجز بلوري طُلِيَ صوراً ونقوشاً وألواناً، فصدَّ أشعة البصر أن تتجاوزه”.

وفي هذا السبيل ذاته نجد مؤلفي البلاغة العامة يقولون: إن الذي “يميز الخطاب الأدبي هو انقطاع وظيفته المرجعية، لأنه لا يرجعنا إلى شيء ولا يبلغنا أمراً خارجياً، وإنما هو يبلغ ذاته، وذاته هي المرجع والمنقول في نفس الوقت، ولما كفَّ النص عن أن يقول شيئاً عن شيء إثباتاً أو نفياً فإنه غَدَا هو نفسه قائلاً ومقولاً”.

وظيفة الانزياح

وظيفة الانزياح تخدم – في المقام الأول – النص ومتلقي النص.

ولا حرج في أن نسارع إلى القول أن الوظيفة الرئيسة التي أكثرت الدراسات الأسلوبية من نسبتها إلى الانزياح، إنما هي ” المفاجأة” . وغني عن البيان أن مفهوم المفاجأة مرتبط أصلاً بالمتلقي، وهو الذي أولَتْهُ الأسلوبية وغيرها من المدارس النقدية عناية خاصة، بل أدخلته ضمن دائرة الإبداع، بعد أن لم يكن له في العصور السالفة كبيرَ اعتبارٍ للمتلقي.

ويمكننا القول أن النقّاد القدماء قد عرفوا أهمية هذا المصطلح –في وجوهه القديمةء، وما يُنتجه من مُفاجأةٍ للمتلقي، ولكنهم لم يعرفوه كما عرفناه نحن، وإنما عرفوه بمصطلحات عديدة مجزّأة مبعثرة.

إذاً إن اليونانيين القدماء، ومن بعدهم العرب، وأخيراً الغرب قد عملوا خلال هذه الآلاف من السنين، لتطوير هذا المصطلح حتى غدا على هذا الشكل؛ أي أنه نتاج حضاري ثقافي شاركت فيه جميع الأمم، وليس مخصوصاً بأمَّةٍ معيّنة دون أخرى.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads