Ads Ads Ads Ads

درس الحق والعدالة – مجزوءة السياسة – الفلسفة – الثانية باك

عنوان الدرس : الحق والعدالة

المادة : مجزوءة السياسة – الفلسفة

الشعب: جميع الشعب (علوم تجريبة وعلوم رياضية وعلوم اقتصادية وعلوم والتكنولوجيات الكهربائية…الخ)

المسالك: جميع المسالك (علوم فيزيائية وعلوم حياة والارض واداب وعلوم انسانية والعلوم والتكنولوجيات الميكانيكية ..الخ)

تقديم

يشير مفهوم “الحق” إلى قيم أخلاقية مثلى مثل العدالة، الإنصاف، الحرية والجزاء، ويدل من حيث أصله اللاتيني على ما هو مستقيم لا اعوجاج فيه، كما يدل على القواعد العقلية التي توجه تصرفات الإنسان في علاقته بذاته وبغيره، بينما تعني “العدالة” الإنصاف والتساوي والمساواة، كما تعني الخضوع لسلطة القانون مع احترام كرامة كل فرد، ويثير مفهوم الحق والعدالة في مجال الفلسفة عدة إشكالات يمكن بلورتها في التساؤلات التالية:

  • ما الحق، وما أساسه؟
  • ما الفرق بين الحق الطبيعي والحق الوضعي؟
  • هل العدالة حق؟
  • وهل تتأسس العدالة على المساواة أم على الإنصاف؟
  • هل الحق والعدالة فضيلة أخلاقية؟

المحور الأول: الحق بين الطبيعي والوضعي

ما دام الإنسان كائنا طبيعيا فمعنى هذا أن له حقوقا طبيعية مرتبطة بوجوده الطبيعي، لكن استطاع الإنسان في نفس الوقت أن يؤسس مجتمعا ويطور ثقافة، فهذا يعني كذلك أن له حقوقا وضعية يضمنها له المجتمع المدني بقوانين محددة، من هذا المنطلق لا يمكن الحديث عن الحق دون استحضار هو ما طبيعي هو وما وضعي ثقافي، فعلى ماذا يقوم الحق؟ هل على ما هو طبيعي أم على ما هو وضعي؟

قدم هوبز واحدة من أهم صياغات نظرية الحق الطبيعي في كتابه ”التنين“، حيث عرفه بأنه الحرية التي لكل إنسان أن في يتصرف كما يشاء في إمكاناته الخاصة للمحافظة على طبيعته وحياته الخاصة، وأن يفعل كل ما يرتئيه نظره وعقله ناجعا لذلك، وعليه فالحق الطبيعي أو حق الطبيعة هو الحق في الحياة والحق في المحافظة عليها والحرية المطلقة في حماية الوجود البيولوجي والدفاع عنه، الحق الطبيعي – حسب طوماس هوبز – هو حرية الإنسان في أن يستعمل قوته وقدرته الخاصة للحفاظ على طبيعته، والمقصود بالحرية هو غياب العوائق والموانع التي تمنع المرء من استغلال قدرته على فعل ما يشاء، أما القانون الطبيعي فهو قاعدة عامة اهتدى إليها العقل، بحيث يمنع على الإنسان أن يفعل ما من شأنه أن يقضي على حياته أو يغفل عن صيانتها، وعليه يجب أن نميز – حسب طوماس هوبز – بين “الحق الطبيعي” و”القانون الطبيعي”، فالحق يقوم على الحرية في حين أن القانون يقوم على الإلزام، فإذا كان الكل يحتكم إلى ما يمليه عقله، ولا شيء يمنعه من استخدام ما يحفظه من أعدائه، يترتب أن لكل إنسان الحق على كل شيء بما فيه الحق على أجساد الآخرين، ما يخلق حالة حرب الكل ضد الكل، وهذه الحالة لا تضمن الاستمرار في الحياة، لذا يجنح الناس إلى السلم، أي يتخلون عن الحرية المطلقة في التصرف ويقبلون بما يقبل به الآخرون، وبناء على ذلك فإن العقل الإنساني بناء على قانون طبيعي كشف عن قاعدة ضرورة التنازل عن الحرية المطلقة وتعايش الإنسان مع غيره حفاظا على سلامته وأمنه في إطار توافق اجتماعي.

من جهة أخرى ينطلق باروخ اسبينوزا من تصور أساسي وهو أن لكل ذات إنسانية بنية خاصة تحدد ماهيتها وإمكانياتها، بحيث يصبح الحق مطابقا لقدرة الذات وقوتها، فما تستطيع فعله أو الدفاع عنه هو حقك، فالحق يستمد مشروعيته من الذات (الطبيعة) وليس من مرجعية أخلاقية أو قانونية، والفضيلة الأولى عند اسبينوزا هي الحفاظ على الذات، فالحق الطبيعي ليس سوى أن تفعل أو تقوم بفعل، أنت قادر على فعله، يضمن لك الاستمرار في الحياة.

يتضح من خلال الموقفين أنهما متفقان على كون حالة الطبيعة تهدد الإنسان، إلا أن اسبينوزا يرى أن تجاوز مرحلة الطبيعة يقتضي الاحتكام إلى تجربة العقل وممارسة الحياة في بعدها الاجتماعي العقلي، وبذلك تصبح الحرية علاقة بدل رغبة، هكذا تبين حدود وتناقض فكرة الحق الطبيعي كحق لا يراعي في الماهية الإنسانية إلا البعد الحيواني.

ونجد عند جون لوك التعبير الأكثر وضوحا عن الأساس المنهجي العام لنظريات الحق الطبيعي إذ يقول: “حالة الطبيعية هي حالة الحرية الكاملة للناس في تنظيم أفعالهم والتصرف بأشخاصهم وممتلكاتهم …، وهي أيضا حالة المساواة، إذ ليس هناك حقيقة أكثر بداهة من أن المخلوقات المنتمية إلى النوع والرتبة نفسها المتمتعة كلها بالمنافع نفسها التي تمنحها الطبيعة وباستخدام الملكات نفسها، يجب أيضا أن يتساوى بعضهم مع بعض”.

أما روسو فيقول في كتابه “أصل التفاوت بين الناس”: “إن التنازل عن الحياة أو الحرية وأيا كان الثمن هو إهانة للطبيعة والعقل، ولكن على افتراض إمكان تصرف الإنسان في حريته كما يتصرف في ماله، فإن الفرق يظل بينا جدا …، أن الحرية إذ هي هبة من الطبيعة وقد وهبت لهم بصفة كونهم بشرا، وهكذا فمادام إنشاء العبودية يقتضي إكراه الطبيعة بالشدة والعنف، فقد وجب أيضا أن تغير الطبيعة لتأييد هذا الحق، والفقهاء الذين قضوا بكل وقار بأن ولد العبد يولد عبدا، كان معنى قضائهم هذا أن الإنسان لا يولد إنسانا”.

لماذا تأسيس الحق على ما هو طبيعي؟

لقد لوحظ على الدوام أن الحق المستمد مما هو ثقافي يسري عليه ما يسري على الثقافة من تنوع واختلاف باختلاف المجتمعات والحقب التاريخية، مما دفع باسكال أن يكتب ذات مرة ساخرا: “يا لبؤس العدالة التي يحدها نهر! أفكار صائبة هنا، خاطئة وراء جبال البرانس” هنا بالضبط تكمن الأهمية النظرية لمقولة الحق الطبيعي التي تؤصل للحق في الطبيعة وفي الطبيعة الإنسانية خاصة، بشكل مستقل عن الثقافة وإرادة المشرعين، لأن الطبيعة مرجع كوني وسابق منطقيا وزمنيا على المجتمع والثقافة.

تؤكد نظريات الحق الطبيعي على وجود حقوق أساسية محايثة لطبيعة الإنسان مثل الحياة والحرية والمساواة، بوصفها حقوقا سابقة على كل اجتماع أو مواضعة نسبية مشروطة ثقافيا أو تاريخيا، ولا يمكن تصور الإنسان كإنسان بدونها، ورغم ما نلاحظه من اختلاف بين منظري الحق الطبيعي في فهم الطبيعة الإنسانية وكذا حالة الطبيعة، إلا أنهم يتبعون نفس الإجراء المنهجي المتمثل في تجريد الإنسان من كل المحددات الثقافية والتاريخية من أجل استنباط حقوق محايثة لطبيعته، ثم إن هذا الاختلاف يتلاشى لأن نظريات الحق الطبيعي تتحول في النهاية إلى نظرية للعقد الاجتماعي، ذلك أن تأسيس الحق على هو ما طبيعي لا يعني استبعاد الثقافة والاجتماع والتعاقد، فإذا كانت الطبيعة تعطي للحق مصدره ومشروعيته، فإن التعاقد هو الذي يضمن استمراريته، وواضح أن الإحالة على “الطبيعة” هنا لا يعني سوى تأسيس الحق على مرجعية سابقة على كل مرجعية تاريخية: فالطبيعة سابقة على كل ثقافة وحضارة، على كل مجتمع ودولة، وبالتالي فهي مرجعية كلية مطلقة، ومن ثَم فالحقوق التي تتأسس عليها هي حقوق كلية مطلقة كذلك، من منظور فلسفي مغاير، لا ترى الوضعية القانونية في أطروحة الحق الطبيعي سوى إنشاأت ميتافيزيقية لا تحقق شروط العلمية كما تفهمها الابستملوجيا الوضعية الملتزمة بأحكام الواقع (ما هو كائن) لا بأحكام القيمة (ما ينبغي أن يكون)، وهكذا فالحق – عند هانز كلسن – مثلا لا يستمد قوته ومصدره إلا من القوانين التي تبلوره وتحتم العمل به، لأن القانون يقول الحق تبعا للاختيارات والأولويات بما يعكس خصوصية المجتمع وتطوره التاريخي وبما يترجم موازين القوى داخل البنية الاجتماعية، وهي موازين ديناميكية متغيرة بتغير التشكيلات الاجتماعية، ومن وجهة نظر فقه القانون والدراسة العلمية، فلا وجود لحق أو عدالة خارج القانون الوضعي الذي يوفر قوة الإلزام الضرورية لتحويل الحق إلى واقع معيش مستعينا بالمؤسسات التنفيذية والقضائية.

المحور الثاني: العدالة باعتبارها حقا

يرى أفلاطون أن العدالة انسجام بين طرفين، ويرى أرسطو أنها فضيلة تقوم على حكمة التوسط بين الإفراط والتفريط وبين الإنصاف والجور، وهي مساواة يرمز إليها برمز الميزان، فالانسجام كجوهر للعدالة لابد فيه من قوى متعارضة تبحث عن التناسب والتناغم. إن عدالة النفس تبدو لنا حين تنسجم قواها الشهوانية والغضبية والعقلية، وعدالة المجتمع تظهر لنا حين يؤدي كل فرد وظيفته الاجتماعية دون أن يتدخل في عمل الآخرين، أما العدالة القضائية فهي إعطاء لكل ذي حق حقه، كل الفضائل توجد في العدل، فالظلم رذيلة لأنه تصرف يتعدى حدود القانون، أما العدالة فهي فضيلة لأنها تراعي القوانين، وهذه الأخيرة وضعت لحفظ المساواة، فالشرير حسب أرسطو يريد أن يحوز أكثر من حقه فهو بهذا السلوك يخل بالمساواة ويمس بالقانون الحامي للمصلحة العامة.

إن الفعل العادل هو الفعل القادر كليا أو جزئيا على إيجاد أو حماية سعادة الجماعة السياسية ، أما اسبينوزا فيعتبر أن هناك مبدأ تقوم عليه الدولة الديمقراطية، وهو تحقيق الأمن والسلام للأفراد عن طريق وضع قوانين عقلية تمكن من تجاوز قوانين الشهوة التي هي المصدر الأساسي لكل كراهية وفوضى، من هنا يتحدث اسبينوزا عن القانون المدني الذي تحدده السلطة العليا، والذي يجب على الأفراد احترامه للمحافظة على حرياتهم ومصالحهم المشتركة، وهذا القانون هو الذي تتجسد من خلاله العدالة التي تتمثل في إعطاء كل ذي حق حقه، وأما الظلم فهو سلب شخص ما حقه بمخالفة هذا القانون، ولهذا يدعو اسبينوزا القضاة المكلفين بتطبيق القانون إلى معاملة الناس بالمساواة والإنصاف، من أجل ضمان حقوق الجميع، وعدم التمييز بينهم على أي أساس طبقي أو عرقي أو غيره، هكذا يبدو أنه لا يمكن تصور عدالة خارج إطار مبادئ العقل المجسدة في القانون المدني الذي تتكفل الدولة بتطبيقه، كما لا يمكن تصور تمتع الناس بحقوقهم خارج قوانين العدالة، فالعدالة والحالة هذه هي تجسيد للحق وتحقيق له، إذ لا يوجد حق خارج عدالة قوانين الدولة، أما خارج هذه القوانين التي يضعها العقل، فإننا نكون بإزاء العودة إلى عدالة الطبيعة التي استحال فيها تمتع الجميع بحقوقهم المشروعة في الحرية والأمن والاستقرار، لكن ألا يمكن أن نعتبر أن الحق يسمو على قوانين العدالة وتشريعاتها القضائية، وأن هذه الأخيرة قد تكون جائرة وهاضمة للحقوق المشروعة للأفراد. معنى ذلك أنه يجب البحث عن أساس آخر للحق غير العدالة وقوانينها.

في المقابل يرى شيشرون أن المؤسسات والقوانين لا يمكن أن تكون أساسا للحق لأنها مبنية على المنفعة، والعدالة المؤسسة على المنفعة ستتغير بتغير المنفعة، وإذا كانت المنفعة هي مقياس كل شيء فإن هذه القوانين سوف يستخف بها وتنتهك لتحقيق المصلحة الذاتية، لذا يجب البحث عن هذا الأساس في الطبيعة الخيرة للإنسان التي تتمثل في الميل إلى حب الناس، هكذا يرى ششيرون ” أنه طالما لم يقم الحق على الطبيعة فإن جميع الفضائل ستتلاشى”، لكن نظرية شيشرون نظرية مثالية، إذ أن الناس في الواقع لا تصدر عنهم دائما سلوكات خيرة إما بسبب نزوعاتهم العدوانية أو بسبب الصراع حول المصالح.

ومن منظور مغاير يؤكد ألان إميل شارتي أن الحق لن يكون عادلا ما لم يتم الاعتراف به من طرف السلطة القائمة، إن عدالته مبنية على الاعتراف به وإلا حصل العكس حيث القوة تؤسس لحق طبيعي، لكن هذا الاعتراف لن يكون فاعلا إلا إذا كانت هناك مؤسسات تحميه وتسهر على تطبيق جميع القوانين التي بموجبها يتم احترام حقوق الإنسان، ويؤكد ألان من جهة ثانية على المساواة كأساس للحق حيث ابتكر الحق ضد اللامساواة، والقوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية، سواء كانوا رجالا أو نساء أو أطفالا أو مرضى أو جهالا، أما أولئك الذين يقولون حسب الآن أن اللامساواة من طبيعة الأشياء فهم يقولون قولا بئيسا، في هذا الإطار يقول ألان: “يسود الحق فقط حين يتساوى طفل صغير يحمل نقوده ناظرا إلى المعروضات بعيون متلهفة، مع الخادمة الأكثر شطارة”، وإذا كان الناس متفاوتين في الواقع بسبب الاختلافات الموجودة بينهم في المؤهلات والمزايا والمراتب الاجتماعية وغير ذلك، فهل ينبغي تطبيق العدالة بينهم بالتساوي، بحيث يكون الناس أمامها سواسية، أم يجب إنصاف كل واحد منهم بحسب تميزه عن الآخرين؟ وبتعبير آخر، إذا كانت العدالة تهدف إلى خلق المساواة في المجتمع، فهل بإمكانها إنصاف جميع أفراده؟

المحور الثالث: العدالة بين المساواة والإنصاف

اتضح لنا مما سبق أن العدالة هي المساواة، أي التعادل، وهي أيضا الإنصاف، أي منح كل ذي حق حقه، لكن المنصف أفضل من العادل في نظر أرسطو، لا لسبب يتصل بهذا أو ذلك، وإنما بسبب القانون نفسه، فهذا الأخير عام وفضفاض ولا يمكنه أن يغطي كل الحالات النوعية، في الحقيقة الخطأ ليس خطأه، بل هو خطأ ناتج ومترتب عن طبيعة الفعل ذاته، فبين الفعل والقانون ثغرات تركت من طرف المشرع، المنصف هو الذي يملأ هذه الثقوب ويصحح هذا النسيان، لذا فهو الأفضل، أليست المطالبة بالمساواة المطلقة هي عدالة جائرة؟ يذهب ماكس شيلر إلى القول بأن العدالة لا تتمثل في المطالبة بالمساواة المطلقة بين الناس، لأنها مساواة جائرة ما دامت لا تراعي الفروق بين الأفراد فيما يخص الطبائع والمؤهلات التي يتوفرون عليها، فالعدالة المنصفة هي التي تراعي اختلاف الناس وتمايز طبائعهم ومؤهلاتهم، ومن الظلم أن نطالب بالمساواة المطلقة بين جميع الناس، ذلك أن وراء هذه المطالبة بالمساواة كراهية وحقد على القيم السامية، ورغبة دفينة في خفض مستوى الأشخاص المتميزين إلى مستوى الأشخاص الذين هم في أسفل السلم، هكذا ينتقد ماكس شيلر ما يسميه بالأخلاقية الحديثة التي تقول بأن جميع الناس متساوون أخلاقيا، وبالتالي تنفي التفاوتات الموجودة بينهم على مستوى ما يتوفرون عليه من مؤهلات، ويرى أن هذه المساواة المطلقة هي فكرة عقلانية نابعة من حقد وكراهية الضعفاء ومن هم في أسفل درجات السلم تجاه الأقوياء الذين يمتلكون مؤهلات وقدرات أكثر من غيرهم تجعلهم يتواجدون في أعلى السلم الاجتماعي، وبدلا من هذه الأخلاق العقلانية التي تنادي بالمساواة الصورية والنظرية، يقترح شيلر ما أسماه بالأخلاق الموضوعية التي تأخذ بعين الاعتبار الفوارق بين الناس على أرض الواقع، وهنا تكمن العدالة المنصفة التي تحافظ على القيم السامية التي يتمتع بها الأشخاص المتفوقون.

وفي نفس السياق يشدد جون راولز على أن العدالة تقوم على قاعدة الإنصاف، وهي قاعدة تقتضي من جهة المساواة في الاستفادة من الحقوق الأساسية، ومن جهة ثانية عدم وضع عوائق أمام المواهب وذوي الامتيازات الذين يوجدون في وضع أحسن، شريطة ضمان حق الاستفادة للجميع ما أمكن.

استنتاج

نستنتج مما سبق أن الحق قيمة عليا تحكم علاقات الناس فيما بينهم، بهذا لا ينفصل الحق والعدالة عن القوانين العقلية والأخلاقية، لكن هذا لا يعني التطبيق الحرفي للقوانين وإنما احترام الشخص وصيانة كرامته.

درس الدولة – مجزوءة السياسة – الفلسفة – الثانية باك

عنوان الدرس : الدولة

المادة : مجزوءة السياسة – الفلسفة

الشعب: جميع الشعب (علوم تجريبة وعلوم رياضية وعلوم اقتصادية وعلوم والتكنولوجيات الكهربائية…الخ)

المسالك: جميع المسالك (علوم فيزيائية وعلوم حياة والارض واداب وعلوم انسانية والعلوم والتكنولوجيات الميكانيكية ..الخ)

الطرح الإشكالي

إن انتقال الإنسان من مرحلة الطبيعة والتوحش والهمجية، إلى مرحلة المجتمع والتحضر وإنتاج الثقافة، دفع الأفراد إلى إيجاد جهاز يدبر هذا التعايش بينهم ويضمن استمراره، هذا الجهاز هو الدولة، وهو جهاز أثار حوله عدة نقاشات فلسفية تمحورت حول تعدد وتنوع الغايات التي من أجلها وجد هذا الجهاز، والتي أعطته مشروعية التواجد، إضافة إلى تنوع طبيعة السياسة التي تمارسها الدولة والتي قد تتخذ شكل حرب وقتال، كما قد تتخذ شكل توافق واعتدال، وأخيرا المفارقة التي تميز العلاقة بين غاية الدولة التي تتمثل في تجسيد قيمة الحق، ووسيلة هذا التجسيد التي تتخذ شكلا عنيفا، وهذا ما طرح علينا معالجة الأسئلة الموالية:

  • لماذا ظهرت الدولة؟ ومن أين تستمد مشروعيتها؟
  • ما هي المظاهر التي تتخذها ممارسة السلطة السياسية؟
  • هل الدولة جهاز لتجسيد الحق أم العنف؟

المحور الأول: مشروعية الدولة وغاياتها

غاية الدولة: الحرية والأمن

إن الغاية القصوى من تأسيس الدولة ليست السيادة في – نظر باروخ اسبينوزا – بل إتاحة الفرصة لأجسام الأفراد وعقولهم بأن تقوم بوظائفها كاملة في أمان تام ودون خوف، بحيث يتسنى لهم أن يستخدموا عقولهم استخداما حرا، لأن الحق الوحيد الذي تخلى عنه الفرد هو حقه في أن يفعل ما يشاء، وليس حقه في التفكير والتعبير، أي أن يحتفظ قدر المستطاع بحقه الطبيعي في الحياة، وفي العمل دون إلحاق الضرر بالغير.

إذن فالغاية الحقيقية من قيام الدولة – حسب اسبينوزا – هي حرية التفكير، وضمان الأمن للأفراد، ومن يسلك ضد مشيئة السلطة العليا يلحق الضرر بالدولة.

الدولة تحقق للروح المطلقة

إن الدولة في – نظر فريديريك هيغل – هي التحقق الفعلي للروح المطلقة، وهي فكرة عقلانية موضوعية وكونية ذات طابع أخلاقي، كما أنها تمثل إرادة جوهرية متجلية، وبينة لذاتها، تعرف ذاتها وتفكر فيها، إن الدولة بوصفها تحققا للإرادة الجوهرية، هي غاية في ذاتها، لا يتوقف دورها ووظيفتها على الحماية والأمن، ولا يختزل في فرض السيادة والإخضاع، بل يمتد – في نظر هيغل – إلى نشر القيم الروحية والأخلاقية، والمبادئ العقلية الكونية، وهي قيم ومبادئ أساسية بالنسبة للمجتمع حتى يتمكن الإنسان من الاعتراف بإنسانيته.

المحور الثاني: طبيعة السلطة السياسية

السياسة صراع

ينبغي على الأمير – حسب نيقولاي ماكيافيلي – أن يستخدم كل الوسائل المتاحة للحفاظ على السلطة، وذلك بالاعتماد على القوانين إن كانت كافية، وعلى القوة إن اضطر إلى ذلك، أن يكون مستقيما في سلوكه، حافظا لعهده، أمينا في أعماله، إن حافظ ذلك على ملكه، وأن لا يفي بوعد سيضيع مصلحته، وأن يلتجئ إلى المكر والخداع والتمويه للبقاء على سلطته، مع القدرة على إخفاء هذه الصفات على الناس البسطاء، لأن من يمارس الخداع سيجد دائما بين الناس من يقبل إن ينخدع بسهولة، ويجب على الأمير – في نظر ماكيافيلي – أن يستخدم كل الوسائل الممكنة للحفاظ على السلطة، سواء كانت مشروعة أم غير مشروعة.

السياسة اعتدال

إن حسن المُلك لدى السلطان في – نظر عبد الرحمن بن خلدون – يعود إلى الاعتدال، فإن كان السلطان قاهرا باطشا بالعقوبات شمل الرعية الخوف والذل، والتجئوا إلى الكذب والمكر والخديعة، وإن كان رفيقا بهم متجاوزا عن سيئاتهم استناموا إليه ولاذوا به، إن الذكاء عيب في صاحب السياسة، لأنه إفراط في الفكر، يكلف الرعية فوق طاقتهم لنفوذ نظره، كما أن البلادة إفراط في الجمود، والطرفان مذمومان من كل صفة إنسانية، والمحمود – حسب ابن خلدون – هو التوسط، كما في الكرم مع التبذير والبخل.

المحور الثالث: الدولة بين الحق والعنف

العنف المادي المشروع

تقوم كل دولة – حسب ماكس فيبر – على العنف المادي باعتباره الوسيلة الناجعة لممارسة السلطة، وهكذا فالدولة المعاصرة هي تجمع بشري يطالب في حدود مجال ترابي معين بحقه في احتكار استخدام العنف المادي المشروع، وذلك لفائدته، إن ما يميز عصرنا هو أنه لا توجد جماعة سياسية، ولا يوجد فرد يكون من حقهما استخدام العنف، إلا شريطة موافقة الدولة على ذلك، وهكذا تعتبر الدولة – في نظر فيبر – هي المصدر الوحيد «للحق» في ممارسة العنف المادي.

دولة الحق والقانون

إن دولة الحق والقانون تؤدي إلى ممارسة معقلنة للسلطة – في نظر جاكلين روس – وهي دولة تتخذ ثلاث ملامح وهي:

  • الحق: الذي يتمثل في احترام الحريات الفردية والجماعية التي تتمسك بالكرامة الإنسانية ضد كل أنواع العنف والقوة والتخويف.
  • القانون: أي أن الكل يخضع لقانون وضعي تابع للمبدأ الأخلاقي، مع إمكانية حمايته من لدن قاض.
  • فصل السلط (السلطة التنفيذية، التشريعية، القضائية): وهي الآلية التي تحمي الدولة من السقوط في يد الاستبداد.

إن دولة الحق والقانون ليست صيغة جامدة، وإنما – هي حسب روس – عملية بناء وإبداع دائم للحرية.

استنتاجات عامة

لقد أوجد المجتمع جهاز الدولة استجابة لمجموعة من الحاجيات، وتحقيقا للكثير من الغايات وعلى رأسها: الحفاظ على الأمن، وضمان ممارسة الحريات الفردية والجماعية، والتصدي للأخطار الخارجية، ومعاقبة التجاوزات في الداخل، وكذلك السهر على تربية وتكوين المواطن من خلال تعليم المبادئ العقلية، ونشر القيم الأخلاقية، ومن هذه الأهداف والغايات تستمد الدولة مشروعيتها.

إن طبيعة ممارسة السلطة السياسية متعددة ومتنوعة، فقد تتخذ شكل قتال وصراع إذا كانت طبيعة الحكم استبدادية تتميز بالانفراد في اتخاذ القرار، كما يمكن أن تتخذ شكل توافق واعتدال في إطار الممارسة الديمقراطية التي تشرك الجميع في التقرير والتسيير.

تتخذ الدولة المعاصرة وجهين يبدوان متناقضان ولكنهما متكاملان في نفس الآن، فمن جهة تعتبر هي الضامن الأساسي للحق متمثلا في الحريات، وتطبيق مبدأ العدل والمساواة، ومن جهة ثانية تستعمل العنف المادي المشروع لضمان ممارسة هذه الحريات، والسهر على احترام القانون، لكن إذا كانت الشرعية صفة أخلاقية، فمتى كانت للعنف هذه شرعية؟

ملخص التصورات لمجزوءة المعرفة – مجزوءة المعرفة – الفلسفة – الثانية باك

عنوان الدرس : ملخص التصورات لمجزوءة المعرفة

المادة : مجزوءة المعرفة – الفلسفة

الشعب: جميع الشعب (علوم تجريبة وعلوم رياضية وعلوم اقتصادية وعلوم والتكنولوجيات الكهربائية…الخ)

المسالك: جميع المسالك (علوم فيزيائية وعلوم حياة والارض واداب وعلوم انسانية والعلوم والتكنولوجيات الميكانيكية ..الخ)

النظرية والتجربة

التجربة والتجريب

  • كلود بيرنار: التجريب هو ذلك الحوار بين الفكر النظري، والواقع المادي، ويقوم على خطوات المنهج التجريبي: الملاحظة/الفرضية/التجربة.
  • رونيه طوم: التجربة تقوم على ضرورة توفر مختبر، ووسائل وأدوات، وإحداث خلل في المنظومة وتسجيل استجاباتها.

العقلانية العلمية

  • كلود بيرنار: العقلانية العلمية هي عقلانية تجريبية محضة، تقوم على التجربة في منطلقها ومنتهاها من خلال الملاحظة والتجربة ضمن المنهج التجريبي.
  • باشلار: العقلانية العلمية تقوم على الحوار الجدلي بين العقل والتجربة، وعدم الاستغناء عن أي طرف منهما.
  • آينشتين: تقوم العقلانية العلمية على إبداع العقل بالدرجة الأولى، أما التجربة فإن دورها ينحصر في التطابق مع البنية العقلية المنتجة للنظرية.

معايير علمية النظريات العلمية

  • تويليي: معيار علمية نظرية ما هو تعدد الاختبارات: تغير الفرضيات – الصدق الداخلي – عدم التناقض مع النظريات الأخرى.
  • كارل بوبر: معيار علمية نظرية ما هو قابيلتها للتكذيب والتزييف التجريبي في جزء من مكوناتها، وهو ما يسمح بالتطور العلمي.
  • آينشتين: معيار علمية نظرية ماهو قيامها على العقل وعلى المنهج الأكسيوماتيكي ذي القاعدة الرياضية.

الحقيقة

الحقيقة والرأي

  • باشلار: الرأي يتعارض مع العلم لأنه لا يقوم على التفكير، لذلك ينبغي رفضه باعتباره عائقا أمام قيام المعرفة العلمية.
  • باسكال: حقائق القلب (المبادئ) لها نفس قيمة حقائق العقل (الاستنباط)، بل وتعتبر أساسا لقيامها.
  • ليبنتس: يمكن للرأي أن يرقى الى مستوى الحقيقة شريطة قيامه على أعلى درجات الاحتمال.

معايير الحقيقة

  • اسبينوزا: معيار الحقيقة هو ذاتها ويتمثل في عدم الشك فيها وقيامها على اليقين وعلى الوضوح والبداهة والاكتمال.
  • ديكارت: الحقيقة تقوم على معيارين أساسين هما الحدس العقلي البسيط والاستنباط باعتباره تلك الحركة المتصلة للاستنتاج.
  • ليبنتس: معيار الحقيقة هو قيامها على البرهنة السليمة سواء من حيث الشكل أو المضمون، المادة أو الصورة.

الحقيقة بوصفها قيمة

  • إريك فايل: الحقيقة تستمد قيمتها من كونها مضادة للعنف القائم على الخطاب المتفكك المعبر عن المشاعر الشخصية.
  • هيدجر: الحقيقة لا قيمة لها لكونها نوعا من التيه الذي يفتح الباب أمام الغلط.
  • نيتشه: قيمة الحقيقة تتمثل في كونها وهما يساهم في الحفاظ على بقاء الإنسان ويشكل أساس كل ماهو جميل وخير.
Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads