Ads Ads Ads Ads

النص الحواري – مدخل مفاهيمي – درس النصوص – اللغة العربية – جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :  النص الحواري – مدخل مفاهيمي

مفهوم النص الحواري

هُو نوعٌ من أنواعِ النصوص الأدبية التي تحتوي على حوارٍ بين شخصين، أو أكثر، والهدف منه توصيل فكرةٍ ما إلى الشخص الذي يقرأ النص الحواري، وأيضاً يعرفُ النص الحواري بأنه وسيلةٌ من الوسائل المستخدمة في توضيح موضوعٍ ما بالاعتماد على وجود حوارٍ ينقلُ الأفكار المرتبطة بالموضوع بأسلوبٍ واضحٍ.

عادةً تستخدم هذه الأنواع من النصوص في المحاضرات الدراسية، والتي ترتبطُ بتعليم لغةٍ جديدةٍ، أو الدورات التدريبية التي تعتمدُ على مهارات التواصل، والحوار بين الأفراد، وأيضاً يستخدمُ النص الحواري في مسودات النصوص المسرحية، والسينمائية التي يتدربُ عليها الممثلون، أو أثناء إعداد نصوص الحوارات الخاصة باللقاأتِ التلفزيونية، والصحفية.

خصائص النص الحواري

يتميزُ النص الحواري بمجموعةٍ من الخصائص، وهي:

  • يحتوي على حوارٍ واضحٍ، ويشمله تفاعلٌ بين شخصيات الحوار.
  • يبدأُ النصُ الحواري باسم المحاور الأول، ومن ثمّ أسماء باقي المشاركين في نص الحوار.
  • يعتمدُ أسلوب النص الحواري على تبادلِ الأسئلة، والإجابات حول الموضوع الرئيسي للنص.
  • لكُلِ فقرةٍ حواريةٍ في النص الحواري فكرةٌ فرعيةٌ خاصةٌ بها، ومرتبط مع الفكرة الرئيسية للحوار.
  • قد يضمنُ النص الحواري دلالاتٍ لفظيةٍ حول أداء المشاركين في الحوار، وعادةً تستخدمُ هذه الدلالات من أجل توضيح المواقف المرتبطة بالانفعالات التي تظهرُ على تصرفات الشخصيات أثناء الحوار، مثل: الابتسامة، أو الحزن، أو غيرها.
  • يلتزمُ بقواعد اللغة المكتوبة بها التزاماً دقيقاً، حتى يتمكنَ من توصيل الفكرة الخاصة به للقُراء، أو المشاهدين بطريقةٍ مفهومة، وواضحة.

أنواع النص الحواري

تصنفُ النصوص الحوارية بناءً على الأنواع التالية:

النص الحواري الكامل

هو من أكثر أنواع النصوص الحواريّة استخداماً، ويطلق عليه اسم نصٍ كاملٍ؛ لأنهُ يحتوي على كافةِ العناصر الأساسية للحوار، والنقاش القائم بين المتحاورين، وأيضاً يتضمن قضيةً واحدةً تتم مناقشتها في كافة الحوارات المُتبادلة، ولا يتم الخروج عنها مطلقاً، أو التطرق لقضيةٍ غيرها، ويستخدمُ عادةً هذا النوع من النصوص في مختلفِ المجالات الحوارية.

النص الحواري الناقص

هو من أنواع النصوص الحواريّة التي يُعتبرُ نصها ناقصاً، أي يحتوي على موضوعٍ عامٍ للنص، ولكنّه لا يحتوي على حوارٍ كاملٍ، وأغلب أفكاره ناقصةٌ، وغير كاملة وتحتاجُ أحياناً لقراءة الفقرات، أو الحوارات الأخرى داخل النص حتى يتمكّنَ القارئ من فهمِ الأفكار الناقصة في الفقرات الحوارية، ويستخدمُ هذا النوع من النصوص الحوارية في التدريبات الدراسية التي تعتمدُ على إكمالِ الحوار بين المُتحاورين، وفي بعضِ أنواع الرّوايات الأدبية.

النص الحواري المُباشر

هو النص الحواري الذي يرتبطُ بالحوارات التي تحدثُ بشكلٍ مُباشرٍ، وعادةً يطبق هذا النوع من الحوارات في الإذاعات، والقنوات التلفزيونية، ويعتمدُ على مشاركةِ ضيفٍ في الحوار الذي يديره المذيع، ويحتوي هذا النوع من النصوص الحواريّة على العديدِ من الأسئلة التي يرتّبها المذيعُ مسبقاً من أجل طرحها على الضيف ليحصلَ على إجاباتٍ، أو تفسيراتٍ لها.

النص الوصفي تحليل نص الجالس في الحديقة ينتظر لرضوى عاشور– درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :  النص الوصفي – تحليل نص ‘الجالس في الحديقة ينتظر’ لرضوى عاشور

سياق النص

يلتقط النص الحكائي الوصفي لحضات من الحياة، فيتغلغل فيها عارضا حركة وسكونا ويفاعة وذبولا يمر عليها الناس فلا يعيرانها أدنى اهتمام، ويسلط عيلها الروائي أجهزته الإدراكية النافدة والحساسة وأدواته الفنية الخلاقة فيصنع منها صورا إنسانية غزيرة المعنى بليغة التأثير. ذلك ما حاولت ” رضوى عاشور” التقاطه من زحمة الحياة حيث أثر فيها منظر رجل طاعن في السن يجلس على مقعد في الحديقة بلا حراك كانه منفصل عن العالم.

ملاحظة النص

يبدا الحكي بجملة في النص ” في البدا لم أنتبه…” وينتهي بجملة ” ألقيت نظرة خاطفة…” ليؤشر على نوع من العلاقة بين الملفوظ الاول والأخير تمثلها الصورة التي رسمتها الراوية للرجل الجامد على المقعد في الحديقة بين الانتباه العارض والقلق المثير بشأن حالته والإعراض المعلن عن استعادة التوازن النفسي الذي خلخله العنصر المثير في الحكاية. وهو ما يدل على بعضه العنوان المركز على فعل الانتظار، والمستضمر لحالة المنتظر التي يكشف عنها السرد والوصف في هذه القصة القصيرة المأخوذة من المجموعة القصصية ” رأيت النخل” لرضوى عاشور الناقدة والروائية المصرية المتميزة.

فهم النص

يتمفصل النص إلى حزمة من الوحدات السردية والمقاطع الوصفية الاتية:

  • عدم انتباه الساردة إلى الرجل الغريب الجالس على المقعد قبالتها، لأنها كانت منهمكة في اللعب مع طفلها، ولأن الشيخ الهرم كان جامدا في مكانه كأنه قطعة من الحديقة.
  • وصف الروائية فضاء اللعب الفسيح بكل مكاوناته الطبيعية من شمس وسماء وأشجار ومقاعد خشبية.
  • وصف أجواء المرح والصخب والركض والقفز ورمي الكرة والتقاطها التي انخرطت فيها الساردة مع طفلها.
  • اكتشاف الساردة وجود رجل طاعن في السن جالس قربها بلا حراك أفقدها التركيز في اللعب، وأثار تبرم الطفل.
  • الخواطر التي دارت بخلد الساردة بخصوص منظر الرجل وحاله المثيران للارتباك والحيرة والقلق جعلتها تفكر في مغادرة الحديقة.
  • استغراق الساردة في وصف حالة الرجل المنتظر انطلاقا من هواجسها، وتداعيات تاثير منظره الكئيب على الاحداث وعلى نفسية الشخصية.
  • استعادة الساردة اجواء المرح واللعب مع طفلها بكل العزم المطلوب بعد تخلصها من أثر نظرتها إلى الرجل المسن.

تحليل النص

في النص حدث واحد يتمحور حول انشغال الساردة بوجود رجل مسن غريب نبت فجأة في فضائها الحميمي القريب جامدا لا يتحرك أثناء انهماكها في اللعب الكرة مع طفلها، وبين لحظتي هذا الحدث المشكلتين للبداية والنهاية ينتشر الوصف فيحيط بكل الحركة والسكون والانفعال الذي يرين عن اللحظة ويملأالمكان. والوصف في هذا النص مزدوج الأبعاد، فهو تفسيري وإيحائي يدفع بتفاصيل الحدث دفعا وئيدا إلى نهاية اللحظة المسرودة من جهة، وجمالي إبداعي بما يختزنه من قدرة على التقاط المرئي واللامرئي، المحدود واللامحدود، وتصديره إلى المتلقي في توليفة سردية معبرة ومؤثرة من جهة اخرى.

يغلب على الوصف في النص أنه ذاتي يسقط الكثير من مشاعر الساردة المتماوجة بين إيقاعين: صخب مرح وقلق مربك، هكذا تتناسل صور الموصوفات في ذهن الواصفة مستلهمة من الواقع والممكن والمتخيل، مفجرة الكثير من الهواجس التي تنتاب الإنسان فتوجه حركاته ايجابا أو سلبا، أو تعيده إلى نقطة الصفر مستعيدا توازنه، طارحا كل العوارض خلف ظهره مستمرا في الحياة وكأنه لم ير ولم يسمع.
– يهيمن على الوصف في النص المدرك بالبصر والاحساس الباطني؛ مما يضعنا أمام نوعين من الوصف: مادي محسوس ومعنوي غارق في تتبع الهواجس والبلابل وتوقع الأحوال النفسية المرتبطة ببعض القرائن الظاهرة، وهو أمر منح النص الكثير من الحيوية والعمق والاستبطان الذاتي الذي يدفع المتلقي إلى خلق عوالم موازية للصور التي يبثها الوصف، فيتسع النص وينفتح مع القراءة والتلقي، ويصبح أكثر تأثير وجمالا.

يقوم الوصف في النص بتوسيم الشخصية والأشياء والحالات والأمكنة مستخدما تعابير وتشبيهات ونعوثا وأحوالا تلائم الموصوفات وزوايا الوصف وطبيعته، فهي موضوعية واقعية دقيقة حين تمس المظهر الخارجي أو الحركة المنظورة، وهي شفافة كثيفة موحية حين تلامس الأحاسيس والأفكار والمواقف، لذا كانت الساردة دقيقة في وصفها للطفل والرجل والحديقة متخذة زاوية للوصف مكنتها من التقاط أدق تفاصيل الجسد والحركة والسكون، وكانت مقتحمة للمجهول في مغامرة وصفية تحاول أن ترتاد بها عنان السماء حيث تحلق الكرة منفلتة من قانون الأرض، أو باطن الأرض الذي تضرب جذور الأشجار في أعماقه، أو مجاهل التفكير في هوية رجل ساكن لا تقول شيئا غير أنه هرم ينتظر.

الضمير المستخدم في الوصف هو ضمير المتكلم؛ مما يعني أن الساردة طرف في الحكاية وشخصية من شخصياتها، تقود مهمة السرد والوصف، وتهيمن على مقاطع الحوار الداخلي والخارجي صادرة عن رؤية سردية تبدو مصاحبة تحاول أن تستنطق الواقع الموصوف وتستكنه حقيقته، فلا تجد غير هواجسها وأسئلتها مادة للتفسير والقراءة والتأمل؛ غير أن تدخلاتها في تكييف الصورة الواقعية وتلوينها بالظلال النفسية وآلفكرية التي تستبد بها جعل الوصف ذاتيا، وصنع من اللحظة الموصوفة انشغالا فكريا وعاطفيا للساردة بامتياز، يطرح فعلا مسرودا وواقعا موصوفا موضوعا للانشغال الإنساني بقضية الشيخوخة وما تفرزه من وحدة وعزلة وكآبة وعجز وانفصال عن العالم، على الناس أن يعيدو النظر في مواقفهم إزاءها حتى لا تظل نشازا في جسم الإنسانية الذي يفترض أن يكون متآلفا ومتناغما ومتضامنا.

تركيب وتقويم

تطرق القصة موضوعا اجتماعيا يشغل بال الأدباء والمثقفين والفاعلين الاجتماعيين، ويتعلق بفئة من الناس قدمت زهرة عمرها خدمة للجيل الصاعد، ثم وجدت نفسها في شيخوختها تقاسي مرارة الوحدة والعزلة والانكماش والاكتئاب، تنزوي وحيدة في فضاء عام تنتظر انسلاخ الليل من النهار، وتلوذ بالفراش ترقب انبلاج الصباح مستغرقة في تأمل طويل وصمت ثقيل وجمود مريع، تنظر إلى العالم حولها بعين الماضي، ويمثل الموت لها المستقبل المنظور. تلك بعض من البلابل التي خامرت دخيلة الساردة، وهزت أركانها النفسية وهي تبلور صور المسن الهرم الجالس كنصب منحوث على مقعد في الحديقة حيث كانت تمرح وطفلها. ولعلها استحضرت أياما قادمة تجلس هي الأخرى نفس المجلس، فراعها ذلك وكدر يومها المرح، وودت لو تعلم ما الذي يقعد الرجل هناك؟ ومن أين اتى ؟ وماذا ينتظر ؟ ومن أهله ؟ وهل من سبيل لإخراجه من دوامة الصمت والجمود؟

صاغت ”رضوى عاشور” هذا الموضوع في قالب سردي قصير انصهرت فيه مكونات السرد انصهارا جميلا ومؤثرا تداخلت فيه عوالم الحركة الظاهرة والباطنة، واتحد الزمان والمكان في نسق واحد، وطال الوصف كل شيء، وبدت الساردة جزأ ملتحما بالعالم الموصوف والمسرود يكشف عن رؤية مصاحبة تبعث إلى المتلقي رسالة مؤداها ألا مناص من الشيخوخة، وأن الحياة تستمر محتفية بالبراعم والأغصان النضرة، فلا أقل من اعتراف بالجميل واهتمام بالجذور.

النص الوصفي – تحليل نص ‘باب المدينة’ ليوسف القعيد – درس النصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس :  النص الوصفي – تحليل نص ‘باب المدينة’ ليوسف القعيد

سياق النص

كثيرا ما تحبل الأماكن والأزمنة بمآس ومواقف عصيبة تخلق أجيالا من المعذبين، فتكون حكاياتهم مرتعا خصبا لأعمال الروائيين والقصاصين، وقد عرفت بداية السبعيينيات من القرن الماضي تحولات وصراعات أدخلت المجتمع العربي في ثورات وانتكاسات سرقت من الناس آمالهم في السلم والأمن والشبع، وملأت أيامهم خوفا وجوعا وقمعا وسجونا واضطرابا، وفي مثل هذه الظروف ليس من وسيلة لتفريغ الهم وتصدير البوح وتعرية الظلم أفضل من وصف الظلام الذي يرين على المكان، ويكتنف واقع الشخصية، ويصبغ الزمن بطابع القتامة. ذلك ما يحاول يوسف القعيد تصويره في قصته القصيرة “باب المدينة” المأخوذة من مجموعته ” قصص من بلاد الفقراء” التي ترصد جروحا غائرة في روح مصر وضميرها، وتصر على بناء وعي جديد من خلال تفجيع الواقع وتأزيمه، وعي يدرك من خلاله الفقراء أن عليهم مواجهة مصائرهم. ويوسف القعيد روائي مصري من جيل الستينيات، حاول بأعماله متابعة نجيب محفوظ ويوسف إدريس في تأصيل الخطاب السردي العربي.

ملاحظة النص

يبدأ النص بحدث بسيط لا يتجاوز فعل الوقوف على باب المدينة، حدث يضع الشخصية في زمن ومكان محددين، ثم يغمر الوصف هذا الحدث وتداعياته التي تنتهي باستمرار وقوف المرأة بباب المدينة في انتظار التفتيش الذاتي، والملاحظ منذ البداية أن الواصف/السارد ملم بتفاصيل الموصوفات، عالم بخباياها القريبة والبعيدة رغم اختبائه وراء ضمير الغائب، ليقدم لنا من خلال رؤيته العميقة موصوفا ينضح بالحزن والاستسلام، ويرغب في الخروج من وضع مزر وحالة مهينة بما يتيح له متابعة الحياة، لكن الظاهر أن المدينة لا تفتح أبوابها حتى تفتش الأجساد والضمائر، والقائمون على التفتيش غير آبهين لمن ينتظر ولا لحجم الوقت الذي ينتظرون. هكذا يبدو من خلال الملاحظة الأولى أن القصة منشغلة بالاستبطان الذاتي بحثا عن صيغة جمالية تصلح للتعبير عن التصدعات النفسية التي تسم الشخصية وتملأ فضاءها بالقتامة والعذاب.

فهم النص

يتمفصل النص إلى حزمة من الوحدات السردية والمقاطع الوصفية التي تدور حول موضوع اجتماعي يصور مرارة الحياة في ظل الهجرة من القرية المحطمة إلى المدينة المطوقة بكل أنواع الحذر والمراقبة والتفتيش وفقدان الثقة وصد الغرباء وغربلة الأفكار والمشاعر، خاصة عندما يكون المهاجر امرأة وطفلا يبحثان عن ملاذ آمن ولقمة ساخنة بعدما زج بمعيلهما في إحدى السجون التي تملأ بلدا يصفي حكامه حساباتهم مع إرث قديم، فينشرون الرعب والجوع، ويصادرون الأرض والحرية والحلم. ويكون انتظار المرأة بباب المدينة انفتاحا على أفق مسدود، وانعطافا إلى درب مظلم مجهول، وتجسيدا لمأساة لاتنتهي في الزمن، وتفجيرا لإحساس باليأس والتداعي لولا خيط من أمل باهت يمسك ببقية رمق عصية على الموت، تبرق في استيقاظ طفل يأبى أن ينام.

وأبرز هذه الوحدات السردية والوصفية :

  • وصول الفلاّحة القروية إلى المدينة تحمل طفلها، وتقف على الباب الضخم طارقة مستأذنة العسكري في الدخول.
  • وصف باب المدينة وسورها وحراسها وصفا يطبع الفضاء بالانسداد والعدائية.
  • سؤال الحارس المرأة القروية عن أوراقها والمكان الذي قدمت منه وسبب هجرتها والمكان الذي تقصده، وإجاباتها المشبعة بالامتعاض والإحباط، المعبرة عن انزياح على كره إلى حيث العمل والبيت والطعام بعدما سجن السند وهدمت الدار وقتلت الحياة في قريتها النائمة في حضن السماء.
  • تفاعل العسكري حارس باب المدينة مع هموم المرأة ورغبتها بسبب إحساس مشترك وماض متشابه وتعاطف مضمر يصطدم مع قانون التفتيش الذاتي الذي ينبغي أن تجريه عسكرية لا تأتي إلا مرة كل بضع سنين.
  • وصف الطفل النائم الحالم والزهرة البيضاء اليانعة وامرأة تتحسس صدرا ممتلئا لبنا بكرا تتوق أن تروي الزهرة ولو بلبنها.
  • إبداء المرأة القروية قبولا للتفتيش الذاتي من قبل العسكري تجنبا لانتظار قد يطول يحول دونه خوف الحارس من المحاكمة بسبب مظهر أصيل للمرأة، ووعي حاد بالحياة لديها، وحركات عفوية لا تنسجم مع فكر الانبطاح والرضوخ ؛ مما يستوجب بالإضافة إلى المفتشة الذاتية ضابطا كبيرا مدققا في الأفكار والسرائر.
  • حزن المرأة لاضطرارها إلى الانتظار خارج الباب يزيد المرأة هيبة والعسكري خوفا وصرامة في تطبيق الأوامر.

تحليل النص

النص منشغل بالوصف منذ بدايته، والوصف منصب على ماهو مادي ونفسي واجتماعي، ويحضر المادي في شكل الموصوف الخارجي، سواء أكان مكانا كمدخل المدينة، أو شخصية كالمرأة القروية والطفل والعسكري، أو حدثا كشكل الوقوف بباب المدينة والحركات المرتبطة به والتداعيات المتناسلة منه، وتعكس الوصف النفسي جملة الأحاسيس والخواطر المثارة والانفعالات المحبطة والرؤى والقيم التي تبثها الشخصية ويوحي بها الفضاء ويدل عليها الزمن، وتتحكم حتى في تشكيل مظهر الأشياء والقوى الفاعلة، بينما يلوح الاجتماعي في رصد علاقة الشخصية بمن يتحكم في مصيرها، وبمحيطها القريب والبعيد المرتهن إلى دلالات انعدام الاستقرار وتفريخ البؤس والألم واليأس؛ غير أنه يغلب على النص الاهتمام بالجانب المعنوي الداخلي في وصف الشخصية، حتى أن بعض ما يشير إلى سمات خارجية مظهرية أو تفاعلات اجتماعية لا يعدو أن يكون تشكيلا لفضاء الأزمة وتأثيثا للاستبطان الداخلي لردود أو أفعال تصدر عن ما وراء الوعي المباشر والرغبات المفضوحة للمرأة القروية المحطمة أو الطفل الحالم أو العسكري الخائف المربوط بصرامة التعليمات، الممنوع من التفكير الإنساني رغم خلفيته النفسية المتبلورة في معاناة الهجرة والهموم.

يطغى على الوصف المادي اشتغال حاسة البصر، وتتبع المنظورات في أبعادها الرحيبة أو تفاصيلها الدقيقة ( قرية بعيدة، المدينة لها سور، وفي السور أبواب، وعليها حراس في أياديهم السلاح، وفي جباخاناتهم الذخيرة، وعلى رؤوسهم الخوذات، وعلى أذرعهم الدروع، باب المدينة يبدأ في الأرض ولا ينتهي سوى في السماء، يسد عين الشمس ونور النهار وظلام الليل…) وأحيانا يتجاوز المنظور حاسة البصر محلقا عبر الخيال في مدى تقصر عنه الرؤية الحسية، ويملأه الإدراك المغلف بالإحساس بدلالات الأشياء المحيلة على الانسداد والمحاصرة والشقاء. أما التحليل النفسي فيتغلغل عميقا في دواخل الشخصية، ويرصد مناطق الوعي باللحظة المتصدعة والكيان المتشظي والرغبة المستعصية ورد الفعل المأزوم، وتتخلله تعليقات وصفية للسارد يستطرد بها خارج الموصوف ليمنح للأزمة امتدادا وللفعل الوصفي تناسلا يخلق دينامية وتشويقا كالتعريج على السجون التي تشبه أبوابها باب المدينة وتتفشى في البلد تفشيا فظيعا، أو كالحديث عن انقسام الناس إلى مفتشين ومفتشين، لذلك لا بد من التفتيش في كل حال.

والملاحظ أن الوصف، وإن زاوج بين عرضي المدرك بالحواس ( البصر والسمع والأذن ) والمدرك بالإحساس، المعروض عرضا عاما أو المتوغل في هواجس النفس ودنادنها، التزم بزاوية وصف متزامنة مع سيرورة الحدث، فبدأ بوصف فضاء الوقوف ثم فضاء القرية ففضاء الهموم، ففعل التفتيش ومكانه، فحركة الطفل والأم وهواجس العسكري، فموقفه، فحالة المرأة والطفل مع الانتظار. وارتباط الوصف بتفاصيل الحدث بهذا الشكل الكرونولوجي منح القصة بعدين متلازمين : بعد أفقي تبلوره حركة الحدث المتتابعة في الزمن، وبعد عمودي تملأه الوقفات الوصفية التحليلية الكثيفة المشحونة بالأفكار والرؤى والعلامات والانفعالات والرموز.

يبدو السارد عالما بتفاصيل الشخصية الموصوفة والفضاء الذي تتحرك داخله ( المرأة، العسكري، باب المدينة، القرية …)، مطلعا على خصوصيات لا تتأتى لسارد محايد، كمعرفة هموم المرأة الفقيرة، وأحلام الطفل الرضيع، وهواجس العسكري، ونمط التفكير والشعور المصاحب لأفعال هذه الشخصيات، مما يدل على أن السارد طرف في عالم الشخصية، يقود رؤية من الخلف، ويتدخل بتعليقاته لتطويق الموصوف بالإيحاأت التي يريد بثها في الأشياء ( لا بد من التفتيش في عصرنا، كانت النباتات الشيطانية تملأ المكان…)، مما يجعل الوصف ذاتيا ينم عن تعاطف مع الفقراء، وتبرم من الأوضاع التي يكابدونها، وإعجاب بغير قليل من سمات الشخصية القروية التي يطبعها الوعي المهدور والمظهر الأصيل والرغبة في تجاوز التصدع وإعادة بناء الأمل رغم القيود والمصادرة ( اكتشف أنه لا يستطيع تفتيش دماغ الطفل ولا دماغ أمه، المرأة القروية.. يمتلئ صدرها باللبن البكر، صحا الطفل من حلمه بالأب والدفء والحب والبيت على صوت ضرب البندقية في الأرض…)

معجم الوصف في النص متنوع يمتاح من العمران والطبيعة والمجتمع والأحوال النفسية والفكرية، وقاموس السلاح والقوانين العسكرية والمظاهر الجسدية والحركية للإنسان، مما يؤشر على كثافة دلالية تمعن بالموصوف في اختزال الحياة بكل أبعادها في لحظة الوقوف والانتظار ومعاناة البؤس والحرمان والحزن. وتهيمن على النص أفعال مضارعة رغم كون الوحدات السردية مصدرة بالأفعال الماضية، واستخدام المضارع في الاستغراق الوصفي الشعوري والإيحائي مسعف في جعل المشهد حيا، وصبغ صورة الموصوف بصبغة المتداعي والمتناسل والمتجدد في زمن يبدو متراخيا متباطئا.

استخدم الوصف لغتين تقريرية وإيحائية، تقريرية لعرض صورة الفضاء البانورامية وملامح الشخصية الظاهرة، وإيحائية لتلوين الفضاء وتشخيص الهواجس والانفعالات بما يعكسه الموقف وتفرخه اللحظة من وعي وشعور بقلق الذات ورغباتها وإحباطاتها، وقد توسل في ذلك بنوع من التصوير يضمن الاستغراق في التأمل، ويخلق فسحا لإمتاع المتلقي وتكسير رتابة التقرير ( يسد عين الشمس، أبعد نقطة عند حافة الأفق، هناك في البعيد في حضن السماء، القلب الحنون الذي تشرب منه، هدمهم التعب، جبال الهموم فوق الصدر معلقة في رموش العين، الهم النائم فوق حبة القلب، الهموم مثل موج البحر البعيد…) وأحيانا تتجاوز لغة الوصف البعد التصويري الإيحائي لتقترب من لغة رمزية أكثر كثافة وغموضا ( تفكر في ري الزهرة البيضاء بلبن صدرها الأبيض، الأمور الخطيرة مثل سحب الشتاء تأتي مع بعضها …).

تركيب وتقويم

النص وصفي متعدد الأبعاد والوظائف الاجتماعية والفكرية والجمالية:

  • اجتماعيا وفكريا يؤشر على نوع من الانتقال في العالم العربي بعد الفترة الكولونيالية نحو تغيير راكم الكثير من الأزمات والمآسي وخيبات الأمل التي قادت إلى كثير من التفاوت الطبقي والحكم الاستبدادي ومصادرة الحريات والحقوق، فكثر الفقراء والمعتقلون والمنفيون والساخطون على الأوضاع، وارتمت البلدان العربية في أحضان الاضطراب الاقتصادي والفكري والاجتماعي سببه ضعف الموارد وتخلف البنيات وسيطرة الفساد وتحكم الوصاية الدولية.
  • فنيا وجماليا يؤسس النص لخطاب سردي عربي ناضج على مستوى الشكل والمضمون تبدو فيه هذه القصة القصيرة عميقة الدلالة على الواقع بكل أبعاده الموصوفة والمسرودة بلغة هلامية صافية كثيفة المعنى، قابضة على اللحظة الموصوفة بشكل مقنع ومؤثر، مشعة بعوالم إشارية يمتزج فيها الظاهر بالباطن، ويتسلل عبرها نوع من المعنى يصنع ماهية الأشياء التي تتكفل بتعرية الأزمة وفضح المأزق الحضاري للمجتمع والفكر العربيين.
Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads