Ads Ads Ads Ads

شعر المدينة – مدخل مفاهيمي – درس نصوص – اللغة العربية – جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة :دروس النصوص الدورة الثانية – اللغة العربية

عنوان الدرس : شعر المدينة – مدخل مفاهيمي

شعر المدينة

تعتبر المدينة في الشعر مظهرا من مظاهر الحداثة.وقد بدا الاهتمام بموضوع المدينة منذ القرن الثامن عشر مع شعراء الغرب الذين استلهم منهم شعراءنا المجددين فالمدينة تحولت الى شرط حداثي من شروط تجديد الرؤى بما نها تجاوزت في استعمالها واعادة توظيفها مجرد الدلالة على الفضاء لتغدو مفهوما من مفاهيم الشعر المتطورة والدالة على اهم ما تغير في النظرية الشعرية الحديثة وما طرا من مفاهيم وخصائص جديدة على متصور الشعريةپويتيقوي فقلما نجد شاعرا حديثا في الغرب او الشرق لم يتعرض لمسالة المدينة لكنها تتخذ اشكالا ومعاني ودلالات تتغاير بتغاير الاتجاه الادبي والفني الذي ينضوي تحت لوائه الشاعر

فهي في التيار الرومانسي تعني الحلم سواء كان الحلم ساحرا فاتنا او كان مرعبا مفزعا وهي في هذا التيار ايضا تعني السجن بالنسبة للانسان والشاعر الذي يحن الى الانعتاق من عهر المدينة ليعود الى احضان الطبيعة الام الخالية من الزيف فالمدينة بالنسبة للشاعر الرومانسي هي مدينة الموت والانحطاط القيمي والاخلاقي والاستعباد والرق والطغيان لكنها قد تعني له ايضا العالم الغامض الفاتن بغموضه

اما بالنسبة الى الشعراء الملتزمين العرب في التيار الواقعي الاشتراكي فان المدينة بالنسبة لهم حلبة للصراع او مسرح للنضال بين قوى الخير والشر وتختزل المدينة اذاك ملامح التجربة النظرية التي يلتزم بها الشاعر بل ان صورة المدينة تستند في ذلك الواقع الاشتراكي الى خلفية سياسية تتغير داخل التيار ذاته بتغير الايديولوجيا او الموقف السياسي الذي يتبناه الشاعر

اما في التيار الرمزي فان المدينة مقوم رئيسي من مقومات الشعرية الحديثة هي تغدو هنا في هذا التيار قناعا جماليا يطور الصورة الشعرية وهو قناع كثيرا ما ينبني على جدلية الظاهر والباطن او العرض والجوهر.

موضوع المدينة في شعر محمود درويش

شكل موضوع المدينة في أشعار محمود درويش ظاهرة لافتة للنظر تستحق أن تدرس دراسة مفصلة، وقد اقترحت، شخصيا، هذا الموضوع على إحدى طالبات الدراسات العليا في جامعة النجاح وزودتها بقائمة تضم أسماء القصائد وأبرز الدراسات التي يجدر بها أن تقرأها علها تنجز دراسة أكاديمية في موضوع جدير بأن يدرس، وكنت شخصيا، قد توقفت، من قبل، أمام صورة القدس في أشعار درويش، وذلك حين درست صورة القدس في الشعر العربي المعاصر، وناقشت قصيدة “تحت الشبابيك العتيقة” التي أغفلها دارسو موضوع القدس ولم يعتبروها قصيدة قدس.

وليس هناك من شك في أن من يلقي نظرة على عناوين مجموعات الشاعر يلحظ أنها تخلو من ذكر المدينة، وإن لم يخل بعضها من ذكر أسماء أماكن، ويمكن هنا أن نذكر عناوين مثل “عاشق من فلسطين” (1966)، و”العصافير تموت في الجليل” (1969). ولكن نظرة على عناوين قصائد الشاعر الرئيسة أو على النص الموازي لها، وأقصد به هنا الإهداء، ترينا أن الشاعر التفت إلى المدينة مرارا وخصها بالذكر وجعلها عنوانا لقصيدته، ويمكن هنا التمثيل على ذلك:

تحت الشبابيك العتيقة: إلى مدينة القدس وأخواتها
قاع المدينة
غريب في مدينة بعيدة
امرأة جميلة في سدوم
عائد إلى يافا
المدينة المحتلة
حوار مع مدينة (أصبح اسمها فيما بعد “بين حلمي وبين اسمه كان موتي بطيئا)
طريق دمشق
حوار شخصي في سمرقند
الحوار الأخير في باريس
اللقاء الأخير في روما
تأملات سريعة في مدينة قديمة وجميلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط
قصيدة بيروت
مطار أثينا
ذهبنا إلى عدن
وفي الشام شام
غيمة من سدوم
طوق الحمامة الدمشقي

ويلحظ المرء، وهو يلقي نظرة على مدن درويش التي كان لها حضور في عناوين قصائده فقط، أن مدنه تاريخية (سدوم، سمرقند، روما، أثينا… الخ) وعربية (سمرقند، بيروت، دمشق، القدس… الخ) وأوروبية (باريس، روما، أثينا) ومحتلة (المدينة المحتلة، يافا، القدس) ومحددة الاسم تارة (يافا، روما، سمرقند) وغير محددة الاسم طوراً (قاع المدينة، المدينة المحتلة، تأملات سريعة في مدينة قديمة وجميلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط). وإذا ما أمعن المرء في قراءة أشعار الشاعر كلها اكتشف أسماء مدن أخرى غير التي ورد ذكرها سابقا في العناوين، مثل حيفا والفسطاط والقاهرة والناصرة ونيويورك… الخ).

شعر الغزل – مدخل مفاهيمي – درس نصوص – اللغة العربية – جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة :دروس النصوص الدورة الثانية – اللغة العربية

عنوان الدرس : شعر الغزل – مدخل مفاهيمي

شعر الغزل

عرف العرب الشعر منذ القدم فقد كان الشعر بالنسبة لهم قديما هو اسلوب حياة ، كانوا يعبرون فيه عن جميع امور حياتهم ، ابتدأء بالفخر ووصف المعارك والهجاء بين الخصوم حيث كانت تقام المسابقات وتعطى الجوائز لأفضل ابيات الشعر ، كما كان الحب والغزل جزء لايتجزاء من امور حياتهم اليومية لذلك كتبوا قصائد في الغزل والحب وابدعوا وتفننوا فيها .

الغزل الفاحش

هذا النوع من الشعر لم يكن شائعا كثيرا بعكس الشعر العذري الذي  انتشر بشكل واسع في اوساط الشعراء العرب وذلك للعادات والتقاليد العربية المحافظة التي كان عليها العرب منذ القدم ، الا ان هذا النوع من الغزل ظهر بصورة اقل انتشارا ومن اهم الشعراء الذين كتبوا في الغزل الفاحش  الاحوص و عور بن ابي ربيعة

الغزل العذري

ترجع كلمة عذري الى اسم قبيلة ( عذرة ) التي كانت في وادي قرب المدينة المنورة ، واشتهر شعراء هذه القبيلة بهذا النوع من الغزل ثم بعد ذلك اصبح يطلق على كل من التزم بطريقتهم بالشعر العذري ومن اهم شعراء قبيلة عذرة جميل بثينة العذري و ابراهيم بن عبد الرحمن العذري

مراحل ظهور الغزل في الشعر العربي

ظهور الغزل في الشعر العربي كانت منذ بدايته ، حيث ظهر الغزل في الشعر الجاهلي بما يسمى بالمقدمة الطليلة التي كان العرب في الجاهلية يستهلونها في بداية اشعارهم فيتحدثون عن الاطلال والحبيبة ويتغزلون بها ثم يبدأون الشعر في الموضوع الاساسي للقصيدة.

واختلف ظهور الغزل في الشعر العربي من زمن الى زمن اخر كما اختلفت اساليبه ومفرداته ودلالاته ، واهم مراحل ظهور الغزل هي :

  • المرحلة الاولى : الغزل البدوي (الغزل العفيف)

في هذه المرحلة ظهر شعراء الغزل الذي تميز شعرهم بالاحتشام  والتزام كل شاعر من الشعراء بالكتابة عن حبيبة واحدة دون غيرها يكتب فيها كامل قصائده ، وكانت الكلمات مليئة بمعاني الحب والوجدان ، في هذه المرحلة لم يكن الشعارء يكتبون عن وصف الجسم  بل كان الشعر يتعلق بنظرت العيون والتضحية من اجل الحبيب .

  • المرحلة الثانية الشعر الحضري (الغزل الصريح)

في هذه المرحلة لم يلتزم الشعراء بحبيبة واحدة ، بل كان يكتب الشعراء عن  اكثر من امرأة  ولم يلتزم فيه الشعراء بالحشمة في هذة المرحلة ، صار الغزل يتعلق بوصف الجسد والتغزل فيه بالمجاز او الرمز ولم يصل الى موضعا يجعله محظورا  كما كان خاليا من العاطفة وسمي باكثر من اسم من الغزل المباشر والغزل الحسي والغزل المدني وغيرها

الغزل في شعر ابن أبي ربيعة العُذري

وهو اكثر الشعراء غزلا ، وهو اول شاعر يفرد قصيده بكاملها للغزل دون المقدمات الطللية ومن اشهر قصائدة في الغزل قصيدة أمن ال نعم يقول فيها:

غَداةَ غَدٍ أَم رائِحٌ فَمُهَجِّرُ  ۩۩۩  أَمِن آلِ نُعمٍ أَنتَ غادٍ فَمُبكِرُ
فَتُبلِغَ عُذراً وَالمَقالَةُ تُعذِرُ  ۩۩۩  لِحاجَةِ نَفسٍ لَم تَقُل في جَوابِها
وَلا الحَبلُ مَوصولٌ وَلا القَلبُ مُقصِرُ  ۩۩۩  تَهيمُ إِلى نُعمٍ فَلا الشَملُ جامِعٌ
وَلا نَأيُها يُسلي وَلا أَنتَ تَصبِرُ  ۩۩۩  وَلا قُربُ نُعمٍ إِن دَنَت
نَهى ذا النُهى لَو تَرعَوي أَو تُفَكِّرُ  ۩۩۩  وَأُخرى أَتَت مِن دونِ نُعمٍ وَمِثلُها
لَها كُلَّما لاقَيتُها يَتَنَمَّرُ  ۩۩۩  إِذا زُرتُ نُعماً لَم يَزَل ذو قَرابَةٍ
يُسِرُّ لِيَ الشَحناءَ وَالبُغضُ مُظهَرُ  ۩۩۩  عَزيزٌ عَلَيهِ أَن أُلِمَّ بِبَيتِها
يُشَهَّرُ إِلمامي بِها وَيُنَكَّرُ  ۩۩۩  أَلِكني إِلَيها بِالسَلامِ فَإِنَّهُ
بِمَدفَعِ أَكنانٍ أَهَذا المُشَهَّرُ  ۩۩۩  بِآيَةِ ما قالَت غَداةَ لَقيتُها
أَهَذا المُغيريُّ الَّذي كانَ يُذكَرُ  ۩۩۩  قِفي فَاِنظُري أَسماءُ هَل تَعرِفينَهُ
وَعَيشِكِ أَنساهُ إِلى يَومِ أُقبَرُ  ۩۩۩  أَهَذا الَّذي أَطرَيتِ نَعتاً فَلَم أَكُن
سُرى اللَيلِ يُحيِي نَصَّهُ وَالتَهَجُّرُ  ۩۩۩  فَقالَت نَعَم لا شَكَّ غَيَّرَ لَونَهُ
عَنِ العَهدِ وَالإِنسانُ قَد يَتَغَيَّرُ  ۩۩۩  لَئِن كانَ إِيّاهُ لَقَد حالَ بَعدَنا

وهو في هذه القصيدة يبين انه معشوق لا عاشق حيث يصف حبيبته وهي تتحاور مع صديقاتها ويدور الحديث حوله واسرد حديثهن بشكل جميل وممتع كما يعتبر عمر شاعر الغزلين الغزل العذري والغزل الصريح وله عدة قصائد في النوعين من الغزل .

شعر الوصف – تحليل نص وصف الربيع لمحمود سامي البارودي – درس نصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة :دروس النصوص الدورة الثانية – اللغة العربية

عنوان الدرس :شعر الوصف – تحليل نص ‘وصف الربيع’ لمحمود سامي البارودي

سياق النص

يندرج إنتاج النص في سياق الإعجاب بمفاتن الطبيعة التي تسحر النفوس وتبهر العقول وتحرك قرائح الشعراء، فيصورون عناصرها تصويرا يحاول القبض على أسرارها الجميلة ولحظاتها المذهلة خاصة في فصل الربيع. والبارودي لايخرج في وصفه للطبيعة عن الخط الفني للقصيدة العمودية مترسما خطا فحول الوصف في عصور النضج الشعري من الجاهلية إلى الفترة العباسية على مستوى التراكيب والأساليب والدلالة والصور والإيقاعات والرؤية الشعرية بما يكشف عن قدرة خلاقة وموهبة متأصلة في تطويع هذا الفن كما طوعه الأولون، وتأليف القول الشعري الوصفي بكل تلقائية تصدر عن طبع وسليقة وعمق تجربة وقوة انفعال وثراء معرفة وإدراك مما يعد إضافة نوعية إلى الثرات الشعري الأصيل من شاعر عربي مصري حديث له من شخصية المتنبي أكثر من شبه، وترك بصماته واضحة على أحمد شوقي وغيرهما ممن أصلوا الشعر العمودي الحديث.

ملاحظة النص

يصرح العنوان بالغرض الشعري الذي يندرج ضمنه النص، وهو وصف الطبيعة في إحدى لحظاتها الزاهية وفتراتها التي تصطبغ فيها كل العناصر بالحياة والحركة الجميلة والمظهر المثير، إنه فصل الربيع حيث تلتحم الأرض والسماء والنسمة والضياء وانفعالات الشاعر لتُعزف سمفونية شعرية خالدة تحاول الاقتراب من روعة المشهد عبر وصف ينصرف إلى الأجزاء الأكثر استبدادا بنفس الشاعر، واستثارة لإدراكه وتهييجا لمخيلته، وهو مانسلط عليه الضوء في هذا النص.

فهم النص

يتضمن النص جملة من المشاهد والمشاعر نجملها كالأتي:

  • تصوير الشاعر لحظة انبلاج الضوء ساعة الفجر وكأن ولادته فتاة رقيقة ترمي بخيوط النور في لحظة تنشغل فيها أفواه الزهر بحكاية أسرار الندى.
  • تشبيه الشاعر نسمة الصباح المشبعة بندى الزهر وعبير الشجر بفتاة* جميلة تحمل في أعطافها وأردانها أنفاس الخمائل تمشي بها على بساط ندي بعبق عطر.
  • رغبة الشاعر في اغتنام لحظة الصباح الباكر في فصل الربيع حيث تستيقظ الطبيعة من سباتها منتشية متناغمة العناصر في انسجام تام بين الأرض والجو والسحاب والغدران والمطر والسيول.
  • تمثيل الشاعر تماوج الأغصان بفعل الصبا بطيور ترفرف بأجنحة خضراء، والندى فوق شقائق النعمان بدموع على خدود حمراء أو فضة تسيل على ذهب تنعكس عليه أشعة الشمس الذهبية فيعكسها في منظر يشبه تطاير الشرر فوق الجمر المتقد.
  • تشبيه الشاعر، على سبيل الاستعارة، مرمى نظره بالمرعى تقتات منه العين جمالا وهطول المطر على الأرض بالوشي، وكأن السحابة الماطرة ترسل إبرها إلى الأرض فتطرز مروجها المرملة السهلة الغناء المصقولة بزهر يبدو فيها كالنجوم اللامعة في سماء خضراء تروق العين وتبهرها.
  • تشبيه الزهر نصف المفتوح في الصباح وفوقه كرات الندى المتجمدة بأصداف تبتسم وتتفتق مباسمها عن لآلئ ساطعة
  • تأثر الشاعر، والصبح لا يزال نائما في حضن أمه كناية عن البكور، بمنظر حمامات ترسل هديلا شجيا كأنه شعر البارودي المعبر عن مكنون قلب شفه الهوى والغرام.

تحليل النص

يوجه الشاعر في هذا النص خطابه إلى متلقي مفترض يدعوه إلى مشاركته تجربته الشعورية الوجدانية عبر الانخراط في رحلة الاستمتاع والانتشاء بسحر عناصر الطبيعة في فصل الربيع في ساعة تولد فيها الحياة من جديد وتتصل السماء بالأرض، فتختلط الأضواء بالأمطار والمروج بالسيول يغذي بعضهما البعض في عناق جميل. ومؤشرات توجيه الخطاب إلى هذا المتلقي واضحة في قوله: (فقم نغتنم…ـ ترى…)، والبارودي ليس أول من وجه الخطاب في شعره إلى المتلقي حقيقيا كان أومفترضا، بل سار على نهج قديم وتقليد معروف في القصيدة العمودية نجد صداه في قول امرئ القيس (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل…) وقوله: (خليلي مرا بي على أم جندب) وقول المعري: (صاح هذي قبورنا تملأ الأرض…) وهو استحضار يفتح أفق التواصل على مصراعيه في القصيدة الشعرية باعتباره وظيفة تنضاف إلى الوظائف الانفعالية والجمالية.

يحفل النص بالألفاظ الدالة على الطبيعة موزعة على حقلين دلاليين: حقل يرتبط بالأرض وآخر يتصل بالجو، ومن حقل الأول ألفاظ تدل على الزهر والندى والخمائل والشذى والغدران والسيول والأودية والثرى والأغصان والأصداف والمروج والحمامات والأوكار، ومن الثاني ألفاظ دالة على الضياء والنسمات والسحاب والمطر والأفق والشمس والنجوم، وبين الحقلين الدلاليين اندماج واحتواء تغديه انفعالات الشاعر وانطلاق أداته الواصفة تنسج تآلف العناصر وانسجامها واستلزام بعضها لبعض في تشكيل طبيعي خلاق مترع بالجمال والإبداع. وإذا أمعنا النظر في هذه الألفاظ وجدناها تستمد طاقتها الوصفية من معجم قديم بكل ما يختزنه من حمولات ورؤى وخصائص صوتية تجعل اللفظ في هذا النص الوصفي، شأنه شأن الألفاظ في القصائد العمودية، منتقى فصيحا راقيا مشحونا بدلالات تتناغم وسياق الوصف وإيقاعاته الجميلة ومستويات الانفعال المدهشة عاكسة لتمثلات قديمة تنبعث من الذاكرة الشعرية الرحبة بما فيها من ألفاظ وإشارات وصور وصياغات من مثل: ( بليلة مهوى الذيل – عاطرة النشرء هتان يسيل – أودية غزر – باسم الثغر – بين الأرض والجو نسبة – حمامان فياضان – الصباء جمان – تبرء أجرع مثر – جلاها الزهر – الأنجم الزهرء صحاف النورء الصبابة – ديمة – هتفن…)، مما يعني أن الشاعر وفيّ لخطه الشعري القائم على محاكاة النمادج الخالدة من الشعر العربي بما يؤصل رونق القصيدة، ويعيد إليها بهاءها المفقود في عصور الانحطاط والتقليد الرديء.

توسل الشاعر في بناء شبكاته الدلالية الجميلة والموحية بآليات بيانية أهمها الاستعارة القائمة على الموازة بين طرفي الصورة، موازاة تتقلص فيها المسافات والأبعاد، فيندمج عالما الطبيعة والإنسان بشكل يلبس فيه كل منهما لباس الآخر، فيفجران من الدلالات ما يختلط فيه الحس والشعور والجمال والرقة (نمت بأسرار الندى شفة الزهرء سارت بأنفاس الخمائل نسمة – زهرها باسم الثغرء يد الصباء غازلتها لمعة ذهبية …)، ومنها التشبيه المؤسس على المقابلة بين عوالم طبيعية وغير طبيعية تجبر المتلقي على مد الجسور بينها وركوب مطية التأويل ومغامرة البحث عن الانسجام بين ذراتها الدلالية المتناثرة وعلاقتها التي لاتخلو من تجديد وطرافة تحيل إلى تميز الشاعر وقدرته الخلاقة على إبداع صوره الخاصة المتجاوزة للصور القديمة، المترعة بالإيحاء بعوالم مادية جميلة ومثالية، وأخرى نفسية تعكس طبيعة الانفعال والتفاعل مع هذه العوالم وما تزخر به من إعجاب وافتتان وتأثر واستحضار لهموم القلب وانشغالات الوجدان (نسبة تشاكل ما بين السحائب والغدر – ماجت الأغصان كما رفرفت طير بأجنحة خضر – كأن الندى فوق الشقيق مدامع تجول بخد أو جمان على تبر – لمعة ذهبية رفّت كالشرار على الجمر – هتفن كأنما تعلمن ألحان الصبابة من شعري…).

نوع الشاعر الأزمنة في النص لتأمين حركية الوصف بما أتاح لصيغ الزمن الماضية أو الحاضرة أو المرتبطة بالطلب أن تعزف لحن وصفيا يتموج داخل أفق من الجمال ثابت في اللحظة الوصفية المرصودة التي تتحرك وتتجدد بنفس النسق وذات الدلالات، وفيها يحضر ضمير المؤنث المتصل حضورا مهيمنا في إيحاء ضمني بالجمع بين عناصر الطبيعة وعالم الانوثة بما فيه من سحر وجمال وفتنة.

كثف الشاعر موسيقى النص، شأنه في ذلك شأن فحول القصيدة العمودية، لزيادة تأثيرها وجمالها فبالإضافة إلى الموسيقى الداخلية المرتهنة إلى تكرار المواد الصوتية اللينة الموزعة توزيعا متساويا على أجزاء البيت الشعري والمتأرجحة بين خاصيتي الجهر والهمس أوالغنة والصفير أو الرخاوة والانفجار، مما يخلق في النص موسيقى الفرح والابتهاج والنشوة والاندهاش، بالإضافة إلى ذلك استثمر الشاعر تفاعيل الطويل بعروضه المقبوضة وضربه التام ليوفر لدفقاته الشعورية إمكانات الاسترسال والاستغراق الوصفي.

تركيب وتقويم

النص نمودج من شعر مدرسة البعث والإحياء غرضه وصف الطبيعة، وفيّ، كما تأكد لنا من التحليل، لمرتكزات القصيدة العمودية المعيارية من جهة، ولكنه من جهة أخرى يعكس خصوصية الشاعر في تأليف بعض المعاني، وبناء بعض الصور وتلوين الأساليب بطريقة طريفة ومجددة تدل على امتلاك لناصية اللغة، وتمكن من دروب التعبير واقتدار على استدعاء المخزون الشعري العريض وتوظيفه.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads