Ads Ads Ads Ads

الإنسان والتنمية – تحليل نص التنمية الإنسانية لنادر فرجاني – دروس نصوص – اللغة العربية

المستوى: الأولى باكالوريا علوم

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : الإنسان والتنمية – تحليل نص ‘التنمية الإنسانية’ لنادر فرجاني

سياق النص

التنمية الإنسانية أو البشرية مفهوم رائج في الدراسات السوسيوسياسية والاقتصادية والاستراتيجية، ومتداول بشكل عريض لدى المؤسسات والمنظمات المحلية والدولية المهتمة بقضايا الإنسان وحقوقه، إذ بناء على الجهود المبذولة من قبل الأنظمة وصناع القرار في مجال تطوير حياة الإنسان وتحقيق كرامته، وتمتيعه بحقوقه، وتطوير قدراته تصنف الدول والأنظمة، ويتخذ بشأنها التعامل المناسب من قبل المجتمع الدولي ومؤسساته المؤثرة في الاقتصاد والسياسة. وقد كان موضوع التنمية الإنسانية محل مقاربات كثيرة تناولته من زواياه المتعددة مما أفرز العديد من المدارس والمناهج والنظريات المنشغلة به، ويقوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بنشر العديد من الأبحاث في مجال السكان والهجرة وسوق العمل والتعليم والفقر والتنمية، وكذلك الأمر بالنسبة للكثير من الهيئات الدولية ذات الصلة، والنص واحد من هذه الأبحاث التي تسلط الضوء على مفهوم التنمية الإنسانية ومداخلها الأساسية وعلاقاتها بالحريات العامة وحقوق الإنسان، وهو لنادر الفرجاني الذي يتولى رئاسة تحرير تقرير التنمية الإنسانية في البلدان العربية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة المذكور آنفا.

ملاحظة النص

العنوان مركب وصفي يضطلع الوصف فيه بوظيفة وسم الموصوف بأهم سماته وأظهرها بما يحقق كنهه وماهيته، والموصوف مبتدأ لخبر محذوف يستمد حضوره من داخل الممتد النصي، وهكذا يرهن النص العنوان داخل نسق تصوري تفسيري يستكشف العنوان ويستجليه.

الملفوظ الأول في الفقرة الأولى تحديد لمسار في التحليل والرؤية يقطع مع تصور قائم يحصر التنمية الإنسانية في تطوير الحياة المادية، ويقيم بدله تصورا يربطها بشكل أساسي بحاجيات أخرى غير مادية متلبسة بجوهر الحرية القادر على توسيع خيارات الناس وتحقيق الأفضل لهم على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي.

فهم النص

تتداخل في النص مجموعة من الأفكار والتصورات أهمها:

  • مركزية الحرية في مفهوم التنمية الإنسانية باعتبارها الآلية الوحيدة التي تتحقق عبرها إمكانات التنمية، وتصبح معها أدواتها أكثر فعالية، ومفرداتها أكثر تطورا وتجذرا وملاءمة، وهذه الحرية مرتبطة بتوسيع قدرة الناس على الاختيار بين البدائل المتوفرة أو الممكنة لضمان عيش كريم ماديا ومعنويا.
  • اقتران التنمية بالحرية يضمن نبذ التمييز بكل أشكاله، وتنويع مجال الرفاهية ليشمل التنعم المادي والتمتع بالحقوق واكتساب المعرفة والجمال والكرامة وتحقيق الذات بالمشاركة في تدبير الحياة العامة.
  • قيام التنمية الإنسانية على محورين: محور بناء القدرات البشرية لتحقيق رفاهية راقية، ومحور الاستثمار الفعال لهذه القدرات في كل مجالات النشاط الإنساني بما يحقق الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
  • تنصيص تقرير التنمية العالمي على لامحدودية حقوق الإنسان، وعلى تطورها بموازاة مع تطور الإنسانية، وتأشيره على ثلاثة حقوق أساسية لا بد منها في أي تنمية هي: حق العيش حياة طويلة وصحية، وحق الحصول على المعرفة، وحق امتلاك الموارد اللازمة لمستوى معيشي لائق.
  • اختلاف التنمية الإنسانية في نظر الكاتب عن التنمية البشرية بتجاوزها للاستحقاقات الثلاثة السالفة الذكر إلى استحقاقات إضافية تشمل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما يسمح بتوافر فرص الإنتاج والإبداع، والاستمتاع باحترام الذات، وضمان حقوق الإنسان، وغيرها مما يجسد مفهموم الحرية الأقدر على حفظ مكتسبات التنمية واستقرارها في الزمن والمكان.

تحليل النص

يتوزع النص حقلان معجميان، يحيل أحدهما على الجزء المادي للتنمية، ويجسد الثاني الشق المعنوي فيها، ويمكن بيان انتشار الكتل اللفظية المرتبطة بهذين الحقلين على جسد النص من خلال الجدول الآتي:

الحقل المعنوي للتنميةالحقل المادي للتنمية
الحرية – توسيع خيارات الناس – العيش الكريم – معنويا – نفسا – روحا – القضاء على أشكال التمييز – الأصل – المعتقد – اللون – الجوانب المعنوية – اكتساب المعرفة والجمال والكرامة – تحقيق الذات – المشاركة الفعالة في شؤون الاجتماع – الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية – توافر فرص الإنتاج والإبداع – احترام الذات – ضمان حقوق الإنسان – العدالة …ماديا – جسدا – الرفاهية – التنعم المادي – العيش – حياة طويلة – صحية – الحصول على المعرفة – توافر الموارد اللازمة – موارد بشرية – الاحتياجات الأساسية …


يتضح من خلال الفرق بين كتلة الحقلين الدلاليين أن التنمية الإنسانية أكبر من مجرد تحقيق الرفاهية المادية، وإن كانت هذه الأخيرة ضرورية وأساسية، ومدخلا رئيسيا لتجذير مفهوم التنمية الإنسانية وتأصيله، والذي هو في نهاية المطاف تنمية شاملة متكاملة للبشر ولمؤسساته الاجتماعية تستهدف تحقيق الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.

اشتراط الكاتب مراعاة حقوق الإنسان لتحقيق التنمية الإنسانية تحصيل حاصل؛ لأنه لا وجود لتنمية والإنسان مسلوب الحقوق، فاقد الحرية، منتهك الكرامة، لا يملك القدرة على الإنتاج والإبداع والمشاركة في بناء نسيجه الاجتماعي الراقي بما يحقق مفهوم الإنسان بشكل عام.

لم يكن الكاتب منشغلا بعرض وجهة نظره فقط في قضية تسيل الكثير من المداد، وتتفاعل الرؤى والتصورات بصددها مع كثير من إجراأت التطبيق ومحاولات المواءمة مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية غير المستقرة في عالم طابعه التعدد الثقافي والإيديولوجي والتفاوت الاقتصادي والتكنولوجي، ولا المرنة بما يكفي لتنزيل مقتضيات التنمية الإنسانية تنزيلا سليما، وتثبيتها في أرضية صلبة يعمل الجميع على تمتينها وتحييد هشاشتها، بل كان الكاتب إلى حد ما مهتما بخوض جدل بشأن مفهوم التنمية الإنسانية ومفرداتها يحاول من خلاله تفهيم معارضي شمولية هذا المفهوم بأن الحرية أولا والخبز ثانيا، وأن الحرية بإمكانها أن تتدبر أمر الخبز، والعكس غير صحيح، معتمدا في هذا التفهيم على حجج من تارخ الحضارة، ومن واقع التنمية في العصر الراهن، حيث ظل العنف والإقصاء والتهميش والقمع وعدم احترام حقوق الإنسان وتقزيم إراداته وتضييق خياراته وطمس قدراته العائق الأكبر أمام التنمية الإنسانية بمفهومها الشامل.

اتكأ البناء الاستدلالي في النص على الكثير من الروابط المنطقية واللغوية التي حققت انسجام النص وترابط متوالياته الفكرية وتماسك هيكله الحجاجي بما يدفع المتلقي إلى التسليم بوجاهة التصور الذي يسوقه الكاتب ورصانة تحليلاته واستنتاجاته، ومن هذه الروابط تكرار ملفوظات تنتمي إلى جهاز اصطلاحي مضبوط ودقيق يستمد حمولته المنطقية من علوم الاقتصاد والسياسة والاجتماع، ولا يختلف حول مدلوله وسياقات استثماره، ومنها بناء التصورات ارتكازا على آخر نتائج الأبحاث ذات الصلة بالتنمية، وأحدث مقررات المنظمات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، ومنها اهتمامه بالتفصيل والتفسير الدقيق والمسهب لمحاصرة أسئلة المتلقي المفترضة، وملاحقة الفكرة ومطاردة المعنى بما يحقق الكفاية التفهيمية المطلوبة، ومنها توظيفه أدوات التوكيد والنفي لتغطية الوضعيات الجدلية التي تقتضي تثبيت تصور ونسف آخر، ومنها علاقات السببية التي تدخل الأفكار بعضها في بعض، وتصنع منها متوالية منطقية يصعب اختراقها ودحضها، ومنها منهج التدرج الذي استلزم انتقال النسق الفكري المنطقي للنص من العام إلى الخاص، ومن طرح الإشكال إلى التحليل فالإستنتاج.

تركيب وتقويم

يطرح النص قضية جوهرية في الحياة الإنسانية الراهنة، وهي قضية التنمية البشرية، ويرى الكاتب أن تحققها رهين بتوفر أرضية حقوقية صلبة تحفظ للإنسان كرامته وحريته، وتوفر له المعرفة الكافية والمتاحة والبيئة اللائقة والموارد المناسبة لرقيه وإظهار قدراته، وتضمن مشاركته الفعالة في تدبير الحياة العامة بما يملك من طاقات وينتج من إبداعات تجعل منه إنسانا راقيا محترما.

ويبدو أن تصور الكاتب، وإن كان مقنعا، مثالي إلى حد ما؛ لأنه يغيب الكثير من الإكراهات والقيود التي تحول دون أجرأة هذا المفهوم حتى في الدول الأكثر تقدما وتجذرا في الديموقراطية، والأحرص على احترام حقوق الإنسان، لما تعرفه حركية المجتمعات والأنظمة وأروقة السياسيين وكواليس صانعي القرار، وتعسفات مراكز الضغط وأصحاب المصالح من تكييف لهذه المبادئ النبيلة وتصريف لها بما يخدم أهدافا قذرة تهين فئات من الناس في أوطانهم أو في بلاد المهجر، فتنتهك كرامتهم وتعيق إقلاعهم الاقتصادي وجهودهم في تنمية الإنسان، وتطمس هوياتهم وتحتقر خصوصياتهم، وتكرس التبعية والتمييز وتصادر الحريات، وتجهض المبادرات وتساند الديكتاتوريات حماية لمصالح اقتصادية أو تصفية لحسابات إيديولوجية بغيضة.

الإنسان والتنمية – مدخل مفاهيمي – دروس النصوص – اللغة العربية – الأولى باك علوم تجريبية

المستوى: الأولى باكالوريا علوم

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : الإنسان والتنمية – مدخل مفاهيمي

مفهوم التنمية

ارتبط مفهوم التنمية بعلم الاقتصاد ومفاهيم مثل التخطيط والإنتاج والتقدم، ثم اتسع ليشمل كل المجالات التي تهم الإنسان. والتنمية هي مجموعة من التغييرات الجذرية المحدثة في مجتمع ما لدفعه إلى التطور الذاتي المستمر بما يكفل تحسين حياة أفراده اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا بشكل يرقى بها إلى مستوى الدول المتقدمة.

 في العقد الأخير من القرن الماضي، كثرت المؤتمرات والبحوث والدراسات العلمية التي عقدت جميعها؛ لتحديد وتعريف مفهوم التنمية البشرية، ومعرفة أبعادها ومكوناتها ومن ثم تحليلها، كإشباع الحاجات الإنسانية الأساسية، وتكوين رأس المال البشري، ورفع مستوى المعيشة، والتنمية الاجتماعية، وتحسين نوعية الحياة، وكل ذلك تم بناءً على زيادة الوعي بمدى قيمة الإنسان والذي يعتبر هدفاً ووسيلة في المنظومة الخاصة بالتنمية الشاملة.

مجالات التنمية البشرية

التنمية الاجتماعية

تتحقق من خلال توفير أعلى مستوى ممكن من الرفاهية الاجتماعية للفرد، وتعزيز دور المرأة في المجتمع، ونشر العلم والعرفة، وتحسين الرعاية الصحية، وتوفير الغذاء والمسكن الملائم.

التنمية الإدارية

أي تطوير العمل الإداري في منظمات الدولة المختلفة وجعلها أكثر فاعلية وشفافية، وتطبيق مبدأ المحاسبة والرقابة على الإنفاق والاستهلاك، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب للقضاء على الفساد الإداري.

التنمية السياسية

تتم بتطوير المؤسسات الدستورية وتحديثها، وصون التعددية السياسية، والفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) لتحقيق العدالة، وترسيخ مفاهيم السيادة الوطنية والمنافسة السياسية عبر الانتخابات وتبني استراتيجيات سياسية تحقق الحفاظ على مصالح الدولة وأهدافها السياسية والنهوض بها.

أدوات قياس التنمية البشرية

  • المؤشرات المادية ( الدخل الفردي – أمد الحياة – التعليم وإنتاج المعرفة).
  • الإنسان مصدر التنمية الوحيد وهدفها.
  • الخط التصاعدي لتطور المجتمعات البشرية.

أهداف التنمية البشرية

أهداف اقتصادية

تتمثل في رفع المعدل الإنتاجي للقطاعات الاقتصادية المتنوعة، ورفع معدل دخل الفرد، وتوزيع الثروات والموارد المختلفة بشكلٍ عادل، واستغلالها بالشكل الأمثل، وخفض نسب البطالة والحد من مشكلة الفقر.

أهداف اجتماعية

تتمثل في تنمية الإنسان من خلال الاهتمام به علمياً وثقافياً وصحياً، وتدريبه وتأهليه لاكتساب الخبرات والمهارات اللازمة؛ ليكون عنصراً فعالاً في المجتمع، وتوفير وتطوير الاحتياجات السكانية لمختلف الفئات العمرية من تعليم، وصحة، وتوفير مسكن لائق، إضافةً للمرافق العامة، كالمياه، والكهرباء، والشوارع، ووسائل الاتصال، وتحقيق العدالة الاجتماعية.

أهداف سياسية

يتم من خلالها تعزيز المشاركة الشعبية في العملية الديموقراطية كالمشاركة في الانتخابات المحلية، والتشريعية والرئاسية، وحرية التعبير، والنقد.

أهداف بيئية

يتمّ من خلالها الحفاظ على البيئة والتقليل من الأضرار والأخطار تحديداً الناتجة عن التلوث، وكل هذا من خلال نشر الثقافة والوعي بين الناس

الخطاب السياسي – تحليل نص ‘الفكر الحزبي’ لعلال الفاسي – دروس النصوص – اللغة العربية

المستوى: الأولى باكالوريا علوم

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : الخطاب السياسي – تحليل نص ‘الفكر الحزبي’ لعلال الفاسي

ملاحظة النص

المركب الوصفي ”الفكر الحزبي” المشكل للعنوان عتبة نصية توحي بما يتوقع وروده في النص من توصيف لهذا السلوك الفكري والسياسي والاجتماعي. وبالنظر إلى كون هذه العتبة معرفة فإن ذلك يعكس اتجاه النص إلى البعد التنظيري والتاريخي العام الذي يمرر تصورا يعتقد النص رسوخه وجدواه، وينتظر من المتلقي تبنيه والانخراط في تفعيله وتحقيقه وتحيينه.

يدعم الكاتب منذ الجملة الأولى نمطا من الحياة السياسية الحديثة القائمة على الديموقراطية، المؤسسة على الفعاليات الحزبية النشيطة القادرة على تأطير فئات المجتمع وإشراكها في السلطة عبر الآليات الديموقراطية المعروفة، طالما أن ذلك من ضروريات ضبط الحراك السياسي والاجتماعي بعيدا عن الفوضى ودرأ للفساد ومواجهة له. إنه يمرر مسلمة داخل الملفوظات الأولى والأخيرة في النص تلح على وجوب انخراط الناس في التشكيلات السياسية المعلنة التي يضمن الدستور حق تعبيرها عن ذاتها وعن برامجها، باعتبار ذلك من مقومات النظام الديموقراطي الذي يكفل الحريات والحقوق، ويسعى إلى تحقيق التنمية والاستقرار.

فهم النص

يتمفصل النص إلى حزمة من المحمولات المنطقية الأساسية الآتية:

  • انتشار الفكر الديموقراطي في العصر الحديث استلزم إشراك المجتمعات في تسيير الشأن العام عبر هيئاتها السياسية الممثلة لها ضمانا للاستقرار ودرأ للفساد وحفظا لكيان الدولة من الانهيار.
  • تمكين الحريات العامة الأحزاب من القيام بأدوارها في التنظيم والتأطير والمشاركة في الحياة السياسية العامة عبر الانتخابات الحقيقية من داخل الحكومة أو من خارجها بما يتيح للشعب نوعا من السلطة يفرض بها رغباته.
  • تمثيل الكاتب لأشكال الممارسة الحزبية في فرنسا وإنجلترا والمشرق والمغرب العربيين ومقارنته بينها بما يثبت النضج والأصالة للنموذج الغربي، والقصور والفجاجة في التمثيل العربي.

مطالبة الكاتب بتنظيم الأمة في إطار سياسي منسجم يضمن الحريات والحقوق، ويراعي الظروف والإكراهات، ولا يسمح بالفوضى والعبث والخروج عن الأصول العامة المشتركة.

تحليل النص

يندرج النص ضمن الخطاب السياسي الأكاديمي التنظيري الذي يروم ضبط جملة من المفاهيم والتصورات المؤسسة للفعل السياسي في مجتمع يسعى إلى تنزيل قيم الديموقراطية بما يلائم سياقاته وقيوده ومستويات تطوره، تصورات يعتقد الكاتب باعتباره مفكرا سياسيا أنها صالحة لتدبير المرحلة وتقوية مناعة المجتمع المغربي ضد التصدعات والانتكاسات، والدفع به إلى مصاف الدول الديموقراطية التي يخضع فيها الكل للقانون، ويشارك فيها الجميع في تدبير السلطة والثروة عبر الهيئات المنتخبة ومؤسسات المجتمع المدني في ظل احترام الحريات وتقدير المسؤولية.

تغلب على النص مصطلحات السياسة، وتتكرر بسبب انهماك الكاتب في عرض قضية سياسية هي في الأصل قوام النظام الديموقراطي، وهي قضية الأحزاب؛ لذلك تنتشر على طول الممتد النصي كتل لفظية تنتمي إلى حقل السياسة، مثل : الديموقراطية، الأنظمة، الحكم، التنظيم، الهيئات، الشعب، الفساد، الإدارة، عدم الاستقرار، فرنسا نهاية الحرب، الأنظمة الحزبية، اضطراب العامة، التفاوض، تسيير دفة الحكم، الدولة، الأنظمة البائدة، التعاون الحزبي، القانون، السلطة، الإصلاحات السياسية….

يرى الكاتب أن تنظيم المجتمع في إطار هيئات سياسية حقيقية بات أمرا ضروريا، على أن تتاح لهذه الهيئات الحرية والقدرة على أداء أدوارها حتى لا تتحول إلى مجرد كائنات سياسية طفيلية تقتات على الهامش بما يلقى إليها من فتات سياسي وامتيازات فردية تطوح بها في منعطفات الانتهازية والانبطاح، وتقزم أدوارها وتختزلها في مجرد جوقة تردد توجهات متحكمين أو متسلطين لا يؤمنون بالمشاركة السياسية الحقيقية، ويصرون على الاستفادة من أوضاع التخلف لمزيد من الاستئثار بالسلطة والثروة وتركيزهما في متنفذين قلائل.

يقوم تصور الكاتب للحزبية السياسية على فتح المجال للعمل السياسي الجاد للاشتغال بحرية شرط أن يكون الفاعل السياسي متوفرا على قاعدة شعبية عريضة منظمة أحسن تنظيم، وقيادات تاريخية نزيهة يثق فيها الناس ويلتفون حولها، إما بالانتخاب القانوني المنظم أو بالتوافق المؤسس على الاحترام والتقدير والمباركة والطاعة، كما هو الشأن بالنسبة لزعماء الأحزاب المغربية بعيد الاستقلال، وهو أمر أصبح متجاوزا في الوقت الراهن بالنظر إلى التطور الذي عرفه الخطاب السياسي تنظيرا و أجرأة وتفعيلا؛ لكن جوهر تصور علال الفاسي للحزبية السياسية يرتكز على مضمون الأدبيات السياسية والبرامج والرؤى الفلسفية المختلفة للهيئات الحزبية التي ينبغي أن تعمل على تلحيم الأمة المغربية وتحقيق تماسكها وانسجامها بالارتكان إلى مرجعية مشتركة من المبادئ والثوابت والأصول العامة الجامعة لأرواح كل المغاربة، بعيدا عن البلقنة وأنواع الشقاق التي تفسد العمل السياسي، وتشتت أوصال الناس، وتصرفهم عن السياسة في اتجاه أشكال أخرى من الحراك غير محمودة، وقد دعم الكاتب تصوره هذا بالكثير من الحجج، بعضها تاريخي مستمد من واقع السياسة في الغرب والشرق وأقطار المغرب العربي، وبعضها من فقه السياسة تشبع به الكاتب من مرجعيات متعددة إسلامية وغربية حديثة انصهرت جميعها في بوتقة واحدة لتؤسس لفكر سياسي واقعي ونفعي لدى علال الفاسي يرى أن البيئة السياسية مجال التعاون والتآلف والمشاركة التي تقود إلى الاستقرار وتحقيق مصالح الناس أفرادا وجماعات ضمن أفق احترام الحريات العامة وضمان حقوق الإنسان.

يتسم الخطاب السياسي في النص بهيمنة لغة تقريرية مباشرة مبنية على رصد الواقع الفكري والسياسي ( انتشار الديموقراطية في المدنية الحديثة ـ تدبير الأحزاب السياسية لما بعد الثورة الفرنسية ـ دور الأحزاب في المجتمع البريطاني ـ أشكال الهيئات السياسية في المشرق والمغرب العربي …)، وتقديم البديهيات ( الديموقراطية الحزبية باتت ضرورية )، وتحليل أبعاد التعامل الإيجابي والسلبي مع واقع موجود بالفعل ( مسألة الحريات والحقوق )، وطابع حجاجي يسعى إلى إبراز مزايا فكر سياسي يدافع عنه الكاتب. وقد توسل الكاتب في ذلك بجمل خبرية مشحونة بمصطلحات سياسية، ومبنية على التفصيل والتفسير، وألفاظ دالة على وثوقية صارمة ( إن انتصار الديموقراطية فرض ..، وطبيعي أن هذا الأمر..، فيجب أن نعمل دائما…) تدعمها أدوات توكيد منتشرة على امتداد جسد النص، وروابط لغوية ومنطقية كأدوات العطف والقصر والنفي والتحقيق والاستدراك والتفصيل والاستنتاج والشرط والجزاء، وأنماط من التكرار الترادفي والاشتقاقي أدخلت النص في نسق من الاتساق والصرامة اللغوية والمنطقية تشد إليها المتلقي العام والخاص مقتنعا ومؤيدا، وتعكس انشغالا بالواقع السياسي للأمة المغربية والعربية، واهتماما بالغا بتطويره وتنظيمه بما يحقق الرفاهية والاستقرار.

تركيب وتقويم

النص بصدد تمرير رسالة إلى المتلقي تبين مزايا النظام الديموقراطي القائم على مشاركة الأحزاب في بناء الحياة العامة، وقدرته على احتواء المتعدد الثقافي والسياسي، وتصريف الاختلاف بشكل ديموقراطي تصريفا يقود المجتمع إلى استثمار طاقاته الفكرية والسياسية والاقتصادية استثمارا مفيدا في بيئة تتاح فيها الحريات وتحترم الحقوق ويسود القانون وترعى الديموقراطية وتضمن النزاهة والشفافية والمحاسبة في تدبير الانتخابات وصرف الأموال وإنجاز المشاريع، وهو أمر، وإن لم يضبط تماما في المشرق العربي، فإنه في المغرب العربي بشكل من الأشكال يتجه نحو الطريق الصحيح بفعل التجربة الديموقراطية المتراكمة، يتلمس الظروف والسياقات المناسبة ليتجذر أكثر. وتبدو حجج الكاتب مقنعة إلى حد ما بالنظر إلى السياق التاريخي الذي وردت فيه، ولارتكازها على مفهيم نبيلة رغم أن تطبيقاتها على أرض الواقع في ظل تغير المناخات تخرق حمولتها النظرية المثالية.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads