Ads Ads Ads Ads

المسرحية (نص مسرحي) – تحليل نص ‘الكنز’ لتوفيق الحكيم – دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : المسرحية (نص مسرحي) – تحليل نص ‘الكنز’ لتوفيق الحكيم

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

الشعبة: اداب وعلوم انسانية

المسالك: مسلك اداب ومسلك علوم انسانية

إشكالية القراءة

المسرح نص وعرض، وهو أيضا علاقة اجتماعية، فهو لا يكتمل إلا بحضور المشاهدين، إنه، كأي نوع أدبي آخر، يسعى إلى تبليغ رسالة إلى المتلقي، تعرض وجهة نظر، أو نتيجة تأمل للواقع.

ومنذ الربع الثاني من القرن 20 بدأت عملية تأليف نصوص مسرحية ذات بناء درامي متقن قابلة للقراءة والعرض معا، اهتداء بالنموذج الغربي ومزاوجة بين التأليف الدرامي والمضامين الواقعية والتراثية لربط ما هو عربي بما هو عالمي، فجمع كتاب المسرح بين التأليف النثري والشعري، وتنوعت المضامين بين السياسي والاجتماعي لمعالجة المشاكل الناجمة عن تطور المجتمع العربي. ومن مسرحيي هذه الفترة (ألفريد فرج، محمود تيمور، جورج أبيض، مراد السباعي، يوسف وهبي، عبد الوهاب أبو السعود، ونجيب حداد وأمين الريحاني..). ويعتبر توفيق الحكيم أبرز رواد هذه المرحلة، إذ جمع إنتاجه بين المسرح الذهني والاجتماعي والسياسي واللامعقول. ولد سنة 1898 في الإسكندرية، حصل على الإجازة في الحقوق، ثم سافر إلى فرنسا لاستكمال دراسته القانونية، إلا أنه وُلع بالفن والأدب. وبعد رجوعه إلى وطنه تقلب في عدة مناصب سرعان ما استقال منها ليتفرغ للكتابة في الأدب والصحافة حتى توفي سنة 1987. وقد ترك مسرحيات منها: سليمان الحكيم أهل الكهف الملك أوديب ألف ليلة وليلتان…، وروايات منها: عصفور من الشرق عودة الروح، وقصص منها: عدالة وفن. والنص قيد الدرس مأخوذ من مسرحيتة (الكنز). فما موضوع المسرحية ؟ وما الوسائل المعتمدة لتشخيصه ؟ وما رهانه ومقصديته من ذلك ؟

فرضية القراءة

العنوان خبر لمبتدأ محذوف. والتعريف يفيد هنا التعيين. وكأن الكاتب يقول (هذا هو الكنز الحقيقي ). ويوحي الكنز بمعنيين : أحدهما مادي يتعلق بالمجوهرات والأحجار الكريمة..، والثاني معنوي يرتبط بالقيم الروحية والجمالية التي قد تتوفر في بعض النفوس الطيبة الجميلة. وملفوظ الأم في نهاية المشهد يرتبط بالدلالة المعنوية لمفهوم الكنز.

انطلاقا من ملاحظة المشيرات الدالة السابقة نفترض أن موضوع النص هو الصراع بين القيم الروحية الجمالية والقيم المادية في العلاقة بين الناس. فإلى أي حد استحوذت هذه المسرحية على الرغبة الكامنة داخل نفوسنا حتى تسمع وترى ما يسرها أو يكشف عن أخطائها ؟ وما هي خصوصيات هذه المسرحية على مستوى الموضوع والبناء والأسلوب ؟

الفهم

يطرح النص قضية اجتماعية تتمثل في بناء العلاقات بين الناس وخاصة العلاقات الزوجية على المصالح المادية على حساب القيم الروحية النبيلة والجمالية الراقية.. فإذا كان الكنز بالنسبة للأب والأم والخطيب ينحصر في المال، فإنه بالنسبة ل” مراد ” و ” درية ” يتعلق بالإيمان بقيمة الفرد الإنسانية والروحية.

وقد عرض الكاتب هذه القضية من خلال مشهد يقوم على أربعة مفاصل هي :

  • حوار الأب والأم والخطيب حول ثروته ورغبته في خطبة ” درية “.
  • ممانعة هذه الأخيرة وذهاب الأم في طلب درية واختلاق عذر لتبرير عدم رغبتها في الخطيب الثري.
  • دخول مراد إلى البيت تحت ذريعة إخراج كنز منه شريطة بقاء درية معه لأن الكنز سينفتح على عينيها بعد خروج الخطيب قلقا.
  • حوار مراد ودرية حول حقيقة مجيئه وإخبارها بمشاعره تجاهها، والكشف عن المعنى الحقيقي للكنز.

التحليل

جرد القوى الفاعلة

  • الأب : متوسط الحال طماع، يرغب في المال ولو بجواز ابنته معاكسة رغبتها، إنه رجل ساذج، أمي، جاهل …
  • الأم : تشارك الأب في التهافت على المال، ولكنها ستلعب دورا في إقناع الأب بالإذعان لرغبة ابنتها في مراد.
  • درية : تتميز بروح سامية تبحث عن شريك حقيقي يشاركها تلك المعاني، لذا رفضت الارتباط بالخطيب الغني وقررت التعلق بمُراد المؤمن بما تؤمن به، يمكن اعتبارها الموضوع المرغوب فيه، فهي معادل رمزي للكنز.
  • الخادم : لعب دور الوسيط بالإخبار بمجيء مراد.
  • الخطيب : رجل ثري لا يؤمن إلا بالقيم المادية في الحياة. رمز الخداع والقيم المادية في الحياة.
  • مراد : لعب دور الساحر كذريعة للظفر بدرية التي رأى فيها مجسدة للمعاني الإنسانية السامية فقرر الارتباط بها ولو بالحيلة التي أعطت أُكلها. وهو رمز للإنسان المثقف النبيل الذي يقدر القيم الروحية السامية في الحياة. نجح في إقناع أفراد الأسرة بوجهة نظره.

نلاحظ مطابقة الصفات النفسية للوضع الاجتماعي والقيم التي تؤمن بها كل شخصية، وهذا يبين مساهمة كل منهما، من خلال سماته تلك، في تحقيق البرنامج السردي لكل عامل.

البنية العاملية

جسدت درية دور العامل الموضوع الذي تجاذبته باقي العوامل الأخرى، ويمكن بيان علاقتها بباقي العوامل كالتالي :

  • العامـــــل الأب : البنت وسيلة لتحقيق موضوع الاغتناء والارتقاء الاجتماعي.
  • العامـــــــل الأم : البنت بالنسبة لها أيضا وسيلة للاغتناء والارتقاء الاجتماعي.
  • العامل الخطيب : درية بالنسبة له موضوع لإشباع رغباته المادية.
  • العامـــــل مراد : درية بالنسبة له موضوع لتحقيق إنسانيته في أبعادها الروحية، لذا اختلق وسيلة السحر للظفر بموضوعه.

تميزت البنية العاملية في هذا النص بالتنامي والتطور، ويمكن توضيح ذلك من خلال المراحل التالية :

  • بنية تباين الرغبات (التعارض) : وتتجلى في بداية المشهد، حيث تتعارض رغبة درية مع رغبة الخطيب.
  • بنية الصراع (العقدة) : حين بدأ الخلاف بين الأب والخطيب، والساحر من جهة ثانية حول استخراج الكنز.
  • تفسخ البنية (الحــل) : محاورة مراد لدرية وكشفه لها عن حقيقة مجيئه وتغيير معنى الكنز في فهم الأب والأم.
القيم والأنساق الفكرية
القوى الفاعلةأبعادها الرمزيةموقفها من الحياةقيمها بين المادي والمعنوي
الأبالجشع، رجل مادي..مادي يؤمن بالقيم المادية في الحياةمادية
الخطيبانتهازيالحياة لهو ومتعةمادية
دريةإنسانيةتؤمن بسيادة القيم الروحيةروحية

إن تباين الرغبات وتصاعد الصراع يعود إلى تباين القيم والأنساق الفكرية التي تمثلها القوى الفاعلة. وفي نهاية المطاف تنتصر القيم الروحية والأخلاقية على القيم المادية. وهذا الصراع يمثل، نسقا اجتماعيا يضم هذه المتناقضات.

القيم الأكثر قوة وفاعلية وتعبيرا عن صوت المؤلف هي : القيم المعنوية التي تعترف بدور الإيمان بالعلاقة الروحية الرابطة بين الناس، وربما بعود اتخاذ المؤلف لهذا الموقف بسبب ما يتميز به المجتمع من انحلال خلقي وإيثار الناس للقيم المادية على حساب القيم الروحية.

وتُعتبر الحيلة عملا مشروعا لتبرير هدف إنساني يزيل عائقا خلقيا قد يؤدي إلى تفسخ العلاقات الإنسانية، وإحلال محلة انبناء هذه العلاقة على أسس نبيلة وقيم روحية سامية.

الصراع الدرامي

من مظاهر الصراع بين مختلف القوى الفاعلة الصراع النفسي (كتمان المشاعر الطيبة بين مراد ودرية، والتي من أجلها تم نسج الحيلة للظفر بالموضوع) والاجتماعي (التحايل للحصول على الثروة والاغتناء) والفكري (منظومة القيم المتباينة بين أفراد المجتمع الواحد). والنتيجة هي انتصار القيم الإنسانية السامية كسبيل وحيد لخلق التوازن في العلاقات الاجتماعية.

الحـوار

ينقل الكاتب أقوال الشخصيات بشكل موضوعي (أو على الأقل يوهمنا بذلك)، فقد أفسح المجال لصوت الشخصية مباشرة لتعبرعن دواخلها ومواقفها ووضعياتها من خلال أحداث ملفوظة، إننا أمام خطاب معروض، يظهر الخيالي فيه في صورة الواقعي.

وما يلفت النظر أن الكاتب ينقل كلام الشخصيات كما هو دون إضفاء تلوينات دلالية أو شحنات انفعالية عليه، ويتبع سبلا استدلالية متنوعة (تقديم الحجج والبراهين والأمثلة والفرضيات وأساليب الامتناع وصيغ التوكيد وشروط الصدق …)، ليصل إلى نتيجة مفادها تطابق وجهتي نظر درية ومراد.

نظرا لخاصية الصراع المميزة للحوار جاءت سمات وملفوظات الشخصيتين متباينة ؛ واتسم حوار القوى الفاعلة بسمات متنوعة، نبينها كالتالي :

  • الحوار الجدي : ” ماذا جرى لها ؟ ذهبت تُحضر منديلها ولم تعد ؟ ”.
  • الحوار الساخر : الخطيب : ” إذا كانت حضرتك تستطيع أن ترى المال المخبوء في الحيطان؛ فهل تستطيع أن ترى المال المخبوء في جيبي؟” – مراد : ” عيني لا ترى نقودا ولكنها ترى كنوزا.” – الخطيب : ” ابدأ بفحصي يا حضرة الأخصائي.. من يدري … ربما بقدرة قادر ينفتح علي الكنز ؟ ”.
  • الحوار الهزلي : الخطيب : ” من ذا يرفض الفُرجة على ” شمهروش ” بالمجان ؟ ”.
  • الحوار المتسلط : الأب : ” حضرته يذهب إلى داهية لا تُرجعه..”.
  • الحوار الماكر المتحايل : ” مشاغل البيت …مسكينة … إنها نشيطة أكثر من اللازم … لا تريد أن تترك للخدم أبسط الأمور.. ”.

وردت بعض العبارات العامية في بعض الحوارات، مثل ” أبا العز بكْ ”، ” زفتْ ”

البرهنة والحجاج

إذا كان النص المسرحي يعتمد على الحوار لتبليغ رسالته وتجسيد جماليته، فإن سمة البرهنة والحجاج تعتبر بارزة في الكتابة المسرحية، باعتبارها ترمي إلى إثارة الانفعال المشترك لدى المتلقي، ثم إنها تسعى إلى تحقيق نوع من التواصل بين الكاتب والمخرج والممثل والقارئ والمتفرج ؛ وقد دافعت كل قوة فاعلة عن موقفها بالحجة والبرهان :

  • حجة الخطيب على صحة وجهـــة نـظـره: ” وهذا طبعا ليس بكثير على صاحب ثروة تُقدر الآن، كما تعلمون، بستين ألف جُنيه؟”.
  • حجة مراد على صحة وجهـة نظره : ” هذه الروح المضيئة … ”.
  • حجة درية على صحة وجهة نظرها : ” أبي يجب أولا أن نتفق على معنى الكنز” ماذا تقصد بالكنز ؟.

ويبدو أن حجج مراد ودرية هي الأكثر إقناعا بموقفهما ؛ لأنها أنهت القصة بتغيير موقف الأب والأم معا. وإذا كان حجم الحوارات متفاوتا طولا وقصرا في النص، فإن ذلك يُعزى إلى تباين وضعية كل من الشخصيات وموقفه من الآخر. أما الأسلوب الحواري فتلعب فيه الجمل الاستخبارية دورا حاسما في تبئير مختلف القضايا المستهدفة.

وتتميز لغة الحجاج بأفعال كلامية متنوعة لتحقيق هدف معين :

  • الاستفهام للاستئذان والتقزيم: درية : “… أتسمح لي أن أناديك باسمك المجرد ؟ ”.
  • النهي للردع : درية : ” لا تجعل للمال كل هذه القيمة ”.
  • الخبر للسخرية : درية : ” لن أعتقد ذلك … الدجال رجل صاحب براعة ولكنه ليس صاحب إيمان.. “.

ولعل الهدف من توظيف أفعال الكلام هو تنويع المقامات لتصعيد الفعل الدرامي، فمعظم الجمل إستفهامية، تسعى إلى تبئير مختلف القضايا المستهدفة. وهناك حفاظ على الصيغ التعبيرية الانفعالية ( كالريبة، والسخرية، والتساؤل، والتعجب) الواردة في الخطاب المنقول للإيهام بحقيقته المفترضة، وبضوابط التبادل اللفظي الذي يجري في الكلام. وقد يكون من بين دلالاته أنه يعطي لوجود المتكلم والشخصية في النص كينونة تخييلية توحي بالامتلاء والاستمرار.

الأسلوب / التركيب

يوحي توزيع السطور على الصفحات من خلال العارضة التي تميز استهلال الكلام بأن الجمل في النص مستقلة بذاتها عما يسبقها ؛ فإذا فحصنا تركيب هذه الجمل الحوارية، وجدناها تتضمن ضمائر، وأدوات، وكلمات متكررة، وروابط تصلها بالجمل المحيطة بها، مما يضفي على النص خاصية والاتساق والانسجام.

تفاعل الزمن والمكان

لا شك أن دلالة الأمكنة لا تتحقق إلا بعلاقتها بعنصر الزمن، وقد جرت الأحداث في لحظة زمنية محددة هي زمن الخطبة، وتتطور الأحداث تصاعديا حتى النهاية. ويبدو أن التفاعل بين الزمان والمكان في هذه المسرحية قد ولد صورة متناقضة للقوى الفاعلة، فلكل واحدة منها مفهومها الخاص للكنز..

البيت فضاء يعكس صراع القيم والمصالح بين الناس؛ فهو مجال مغلق يُفترض أنه يضيق بتباين المواقف والمصالح وأحرى بصراعها، لذلك كان بؤرة لتذويب الخلاف بين وجهات النظر حول مفهوم الكنز. وقد تحقق ذلك بعد خروج الخطيب من البيت …

الزمن الواقعي والزمن النفسي: الأول صيغ نحويا بصيغة المضارع الدال على تحقق الفعل في الزمن الحاضر للإيهام بواقعية ما يحدث، والثاني يعمق وعي القارئ بالأحوال الشعورية للشخوص، وأثر ذلك في القوى الفاعلة ودورها في تطور الأحداث نحو نهايتها، وتحقيق مغزاها..

الخُطاطة السردية

تنتظم أحداث المسرحية وفق خطاطة سردية محكمة، نوضحها من خلال الجدول التالي :

وضعية البداية (العرض)الاستهلال بالمشهد والتعريف بمجال الديكور وبعض الشخصيات ووضعيتها، وتباين الرغبات.
العنصر المخلرفض درية الارتباط بالخطيب ومجالسته.
وضعية الوسط (العقدة)مجيء مراد متقمصا دور الساحر الذي يدعي أن في البيت كنزا..
عنصر الانفراجاختيار مراد لدرية لينفتح عليها الكنز والاختلاء بها للتعبير عن إعجابه بها، وخروج الخطيب من البيت.
وضعية النهاية (الحل)ارتباط درية بمراد على أساس من تطابق مفهوم الكنز لديهما.

البعد الوظيفي لوضعيتي البداية والنهاية، وأثرهما الجمالي في المتلقي يتجلى في كون الكاتب أقحمنا مباشرة في قلب الحدث، وأجبرنا على تتبع سيرورته ليقنعنا بقبول موقف من الارتباطات الاجتماعية بين الرجل والمرأة المبنية على الإكراه بدافع الجشع والطمع في المال على حساب القيم الإنسانية.. ومن الناحية الجمالية، فهو يحدد لنا، كمتلقين، أفق انتظار يسمح لنا بوضع فرضيات للقراءة من خلال وضعية البداية، ( تحديد نوع النص واتجاهه الأدبي، وطبيعة كتابته (الإيهام بالواقع وخلق تشابه بين عالم النص وعالم الواقع) والتعرف على الوضعية الأولى للشخوص، مرورا بإدراك العنصر المخل والعقدة وعنصر الانفراج / النهاية التي تتعلق وظيفتها بالدفع بنا إلى تأويل الفعل المحتمل، وتعزيز الأفق أو خرقه.

الإرشادات المسرحية

يعتمد المسرح أنساقا لغوية موازية، وهذه الإرشادات سرد قصير يؤثث الكاتب به فضاء المسرحية، وله أهمية كبيرة وأثر بالغ على متلقي النص المسرحي يتجلى في ترجمة الانفعالات والروابط الوجدانية بين الممثل والجمهور، وإغناء الإرسالية وضمان استمرار التواصل وموضعة الحدث في ظرفية معينة، وتقديم معلومات عن الشخوص والفضاء والزمان، ووصف وضعياتها وحركاتها ونبرات الصوت والكلام.. ومن هذه الإرشادات:

  • ما يدل منها على المخرج : ” يشير إلى الفنجان الرابع ”، ” تنهض وتخرج من القاعة “.
  • ما يدل منها على الممثل : ” الحوار بين الشخصيات “.
  • ما يدل منها على الديكور : ” البيت “، ” رجل بالباب ”.
  • ما يدل منها على المتفرج : ” ينهض على قدميه ”، ” باحترام ” ومثل هذه العبارات تتعلق بالتحديد الدرامي للفعل ؛ لأن المسرحية تكتب أساسا لتؤدى على خشبة المسرح.
  • ما يدل منها على القارئ : ” التقديم للنص بالإشارة إلى مشهد يمثل صاحب البيت..”، إضافة إلى شكل الكتابة، وتوزيع السواد على البياض.

وقد تتضمن إرشادات وتوجيهات عن الإنارة وطبيعة الديكور ومزاج الشخصية.. وهي أمور يمكن للمخرج أن يستأنس بها لإخراج النص من القوة إلى الفعل.

التركيب والتقويم

ينتمي النص إلى مسرح المجتمع بعرضه القيم والأنساق الفكرية المتحكمة في سلوك الشخصيات وومواقفها المتأرجحة بين آلمادية المرتهنة إلى اللهو والمتعة والمصلحة، والروحية ذات النزوع الإنساني المثالي، ولعل المؤلف يعالج ما يسود المجتمع من تفش للقيم المادية على حساب القيم الروحية. ويتجلى أيضا في الصراع الدرامي في بعده الاجتماعي والفكري، حيث يصور الكاتب واقع أسرة مصرية ( التحايل للحصول على الثروة والاغتناء ) ومنظومة القيم المتباينة بين أفراد المجتمع الواحد. وتُعتبر الحيلة عملا مشروعا لتبرير هدف إنساني يزيل عائقا خلقيا قد يؤدي إلى تفسخ العلاقات الإنسانية، ويحل محله أساس صحيحا. وقد وظف الكاتب الكنز في بعد رمزي جسدته ” درية “، هو أن القيم الإنسانية السامية هي الكنز الذي يجب أن تتوق إليه النفوس.

تقوم المسرحية على مقومات فنية تتميز بها موضوعا وبناء وأسلوبا.. منها :الحوار، الصراع والتصعيد الدرامي.

ومكونات المسرحية (شخوص، زمان، مكان، ديكور.. ) تشخص لغويا لتشكل المادة الخام للعرض المسرحي، ومن ثم تحظى بوجود مزدوج يسبق العرض ويصاحبه.

يعبر النص، من خلال أدواته الفنية، عن قضايا يغذيها الصراع النفسي والاجتماعي والفكري بين نماذج أو قوى اجتماعية أو نفسية أو فكرية تحكمها علاقة التوافق والتضاد، ذلك أن ما يضفي الشرعية على الكتابة الدرامية هو تصاعد حدة الصراع بين النقائض(الوحدة)، وبذلك نتيقن من الفرضية والتي تتعلق بإيثار القيم الروحية والجمالية على القيم المادية في العلاقات بين الناس.

المسرحية (نص نظري) – تحليل نص ‘سمات النص المسرحي’ لفرحان بلبل – دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : المسرحية (نص نظري) – تحليل نص ‘سمات النص المسرحي’ لفرحان بلبل

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

الشعبة: اداب وعلوم انسانية

المسالك: مسلك اداب ومسلك علوم انسانية

إشكالية النص وفرضيات القراءة

في النصف الأول من القرن 19 لم يكن النقاد العرب يعرفون الكثير عن الفن المسرحي، فانبرى المسرحيون أنفسهم للتعريف بهذا الفن والدفاع عنه واتخاذه وسيلة للإقناع. وقد مثل هذه المرحلة مسرحيون نقاد أمثال ( مارون نقاش، أبو خليل القباني، ويعقوب صنوع..). وكان للصحافة دور في نشر مقالات داعمة للمسرح، حافزة المسرحيين على تطوير أساليبهم، لنقاد مثل: حفني ناصف، وعبد الله النديم، وسليم الخوري، والعقاد، وتوفيق الحكيم، ومحمد حسين هيكل..،. وتميز النقد في هذه المرحلة بالانطباعية والارتجالية والأحكام العامة والذاتية التي لا تعتمد على أصول أو قواعد نقدية.

بعد الحرب العالمية الثانية بدأت الثقافة المسرحية تتغير لدى المسرحيين والنقاد بسبب دور المطابع والمؤسسات الرسمية والمجلات المتخصصة ووسائل الاتصال المتنوعة في نشر الثقافة المسرحية وتشجيعها، فأصبح المسرح يدرس في الجامعات بناء على قواعد وأصول ومدارس..، وتخرج منها نقاد أمثال: حسن المنيعي، ومحمد المديوني، وسعد أردش، وعبد الرحمان بن زيدان، ورياض عصمت. كما أن المسرحيين أنفسهم أصبحوا يُنَظرون لأعمالهم المسرحية ويعرفون بها، من قبيل: سعد الله ونوس، وروجيه عساف، وعبد الكريم برشيد.. وفرحان بلبل من أقطاب مرحلة النضج في النقد المسرحي العربي، ولد سنة 1937 بسوريا، اهتم بالمسرح كاتبا ومخرجا وناقدا، ساهم في تأسيس فرقة ” المسرح العمالي بحمص ” سنة 1987. له أعمال مسرحية ونقدية عديدة، فمن المسرحيات نجد ( يا حاضر يازمان )، ( لا ترهب حد السيف )، ومن مؤلفاته النقدية: المسرح العربي في مواجهة الحياة، مراجعات في المسرح العربي، النص المسرحي : الكلمة والفعل الذي أُخذ منه هذا النص. فما القضية التي يطرحها الكاتب فيه ؟ وما طرائق عرضها ؟

يشير العنوان بتوصيف النص المسرحي بما هو نص له خصائص بنيوية ووظيفية وجمالية، وتدل المشيرات: المعايشة، الآنية، الديمومة، الهدف الأعلى..على علاقة المسرح بالراهن من القضايا المرتبط بهموم الواقع. ويبدو أن النص وصفي يعرض لجنس أدبي سردي متميز عن غيره، هو المسرحية، ويتمحور حول فكرة عامة عن المسرحية بين ديمومة خصائصها الجوهرية وأصولها وثوابتها، وتغير بعض سماتها، وعن العلاقة بين النص والعرض.

الفهم

سمات النص المسرحي:

  • المعايشة : وتعني اهتمام المسرحية بمشكلات العصر الفكرية والسياسية والاجتماعية والإنسانية، ومعالجة قضايا الواقع.
  • الآنيـــة (التحيين): عملية تقوم على مسرحة حدث تاريخي أو شخصية أدبية أو أسطورية وفق منظور عصري وحداثي يتأسس على منطق التداخل بين الأزمنة : الماضي والحاضر، ويكتسي التحيين أهمية خاصة باعتباره إجراء يخول عقد حوار بين ذات الكاتب وخطاب ماض انصهر مع راهنية الأحداث المعيشة.
  • الديمومة: إدراج الكاتب قضايا مجتمعه الآنية ضمن ديمومة صراع نزعات البشر بين الخير والشر.. وتلازم الآنية والديمومة يُعطي للنص المسرحي خصوصية في تكوينه وأساليب تأليفه تطبع التأليف المسرحي بقواعد ثابتة في جميع المذاهب، وهي (الصراع ـ تصاعد الحكاية دراميا ـ دقة بناء الشخصيات في تطورها عموديا وأفقيا )
  • الهدف الأعلى: هو تجسيد هموم الإنسان الاجتماعية والفكرية والاقتصادية، وكل ما يمثل المطالب الأساسية للمجتمع، التي من أجلها يذهب الجمهور إلى العرض المسرحي ليشارك الآخرين الرأي فيها.

تلازم هذه السمات الأربع هي ميزة المسرح وآفته التي تُفقده الكثير من قيمته الأدبية والفنية، وتحوله إلى أثر متحفي ؛ وفي الآن تجعله يطور نفسه، ويطور النقد المسرحي، ويرتقي بالذائقة الجمالية لذا الناس، وتفرض على الكاتب المسرحي تجديد أسلوب الكتابة الذي يعادل فنيا الواقع الاجتماعي والذوق الجمالي السائد في عصره.

بتغيرات الواقع (قضايا جديدة، الذوق، وسائل التعبير ) تُبتكر أساليب جديدة في الكتابة المسرحية، مع الحفاظ على الأصول والثوابت، كالآنية والديمومة..

شرط الإبداع في الكتابة والعرض المسرحيين هو التجريب والوعي التام بجماليات الفن التشكيلي والموسيقى والشعر والأدب عموما.

الفن المسرحي جُماع الفنون إذا أحكم الكاتب قبضته عليها، فهو يرتقي بها جميعا في الإطار المسرحي.

التحليل

الإشكالية المطروحة

تتعلق إشكالية النص برصد سمات النص المسرحي التي تتجسد بها ثنائية الهدم والبناء باعتبارها خاصية من خصائص التأليف المسرحي، وهي مدعاة للتجريب المسرحي ؛ فكل ممارسة إبداعية، ومنها الكتابة المسرحية، إنما هي تحليل لمفاهيم وقيم ما أن تتبلور في نسق الحياة الاجتماعية ببعدها الواقعي المعيش حتى تنبثق من رحمها صياغات لقيم أخرى بديلة ومحتملة في الواقع وفي الكتابة والذوق الفني على السواء في تواصل مع مختلف الأجناس والأشكال التعبيرية الموازية بما يجعل الكتابة المسرحية مجالا للتجريب بامتياز. إنها ثنائية الثابت والمتحول، الثابت المرتبط بما هو إنسان، والمتحول المرتبط بما هو معيش وبالآنية. ولعل السعي إلى خلق توازن بين الثابت والمتحول هو ما يضفي على النص المسرحي خلوده ؛ لأنه يعالج ما هو جوهري في مقابل العرض المتغير في حياة الإنسان.

ونلاحظ أن سمات النص المسرحي المشار إليها في النص سمات جوهرية، لأنها ميزات نوعية لصيقة به في كل زمان وفي كل الاتجاهات المسرحية.. ومن ثنائية الهدم والبناء هذه انبثقت سمات النص السابقة.

المفاهيم والقضايا

مفاهيم حقل النص

السمات، بهاء، النص المسرحي، الصراع بين الخير والشر، تكوينه (النص المسرحي)، وأساليب تأليفه، تصاعد الحركة دراميا، دقة بناء الشخصيات عموديا وأفقيا، المذاهب والاتجاهات والمدارس المسرحية، تخلفه عن عصره بمجرد الانتهاء من كتابته، دقة التصوير، حكايته مقصودة بذاتها وبمراميها، سماته وسيلة لتطوير المسرح نفسه والنقد المسرحي، والارتقاء بالذائقة الجمالية، أسلوب الكتابة معادل للواقع الاجتماعي،الابتكار والتجديد والتجريب، ضرورة الوعي بالجماليات الفنية السائدة في العصر.

مفاهيم حقل العرض

التماهي (تماهي المتفرج) والاندماج، يشاهد المتلقي ذاته ومشاكله على خشبة المسرح، فريق العرض المسرحي، غاية المخرج.. البحث عن الهدف الأعلى وإبرازه، المشارك في متابعة القضية بالرأي.. العرض، الناس، المتفرج، المشاركة …

لعل هيمنة مفاهيم حقل النص تدل على أن الكاتب يهدف إلى إبراز أهم سمات المسرحية باعتبارها نصا، ثم بعض قواعد السينوغرافيا / الكتابة الموجهة لللعرض، بفعل الإخراج والديكور والإضاءة والموسيقى، ومفاهيم الحقلين تتكامل للدلالة على وحدة عناصر المسرحية.

ومن ضمن القضايا النقدية التي تُنيرها الإشكالية المطروحة وتهدف إلى توضيح السمات العامة للمسرحية باعتبارها حدودا فاصلة بينها وبين غيرها من الفنون:

  • قواعد التأليف المسرحي : أي مختلف المقومات الجمالية والمبادئ الفنية التي تقوم عليها الكتابة المسرحية، والتي تُستمد من المعرفة العميقة بطبيعة هذا الفن الأدبي. ووظيفته وموضوعه وبناء وأسلوبه.
  • التجريب المسرحي : تجريب مختلف أشكال التعبير الفنية، والاستفادة من إمكاناتها، وإدماجها في الإطار المسرحي الذي تتلاشى فيه الحدود بين مختلف الفنون، وتُتاح لها فرصة التطور والارتقاء..
  • علاقة المسرح بباقي الفنون : المسرح أبو الفنون لأنه يوظف الحياة بمختلف مظاهرها، ويقوم ببناء عالمه التخييلي اعتمادا على مختلف الأنساق التعبيرية من تشكيل وموسيقى وحركة وتواصل لغوي وغير لغوي. إنه ليس بؤرة تلتقي فيها هذه الفنون بشكل تراكمي، بل مجال للتجريب تخرج منه احتمالات تطوير تلك الفنون نفسها. وربما ساهم تطور السينما ووسائل الاتصال بالجمهور في إخفاء هذه الحقيقة، ولكن علاقته بباقي الفنون هي علاقة فنية وعضوية.
  • المقصدية في المسرح : رهان الكاتب الذي يعكس وجهة نظره في القضايا الاجتماعية والسياسية الثقافية والفنية..
  • علاقة المسرح بالواقع : علاقة معايشة وتعبير ونقد وتعديل في أفق استشرافي يتوخى صيغا حياتية ممكنة..

الإطار المرجعي

استند الكاتب في عرضه لإشكالية النص والقضايا المتفرعة عنها إلى عدة مرجعيات منها :

علم النفس

باستحضار الوعي الفردي أو الجمعي وعلاقتهما بعوامل المحيط والبيئة في تشكيل النص المسرحي وتثويره، إذ يقوم آلكاتب بإعادة بناء مدركاته في بنية نصية تفجر الواقع، ويعيد القارئ بناء النص عبر التأويل بناء يدفع الناقد والكاتب والمتلقي إلى ملاحقة الوعي المتحكم في الإحساس بالواقع وترجمة الهدف الأعلى وتأثيرات النص كتابة وعرضا على بنيات التلقي.

علم الاجتماع

حيث العلاقة بين النص والمجتمع من خلال ثنائية البناء والهدم جلية، إذ ركز الكاتب على البعد الرؤيوي للكتابة المسرحية. وعلى العلاقة بين المجتمع والنص، باعتبار هذا الأخير يجسد وعيا ممكنا، من خلال رؤية طبقة اجتماعية ينتمي إليها الكاتب، تستشرف المستقبل وتتوخى إيجاد صيغ حياتية ممكنة وبديلة للواقع خسب كولدمان مما يجعل النص المسرحي يحمل رؤيا للعالم يتوجه النقد، في تحليله، إلى الكشف عنها.،

نظرية التلقي

إن الخطاب المسرحي انتقائي تتخلله فراغات ؛ لأن المسرحية لا تمنع إلا جزأ يسيرا من الكلمات التي يفترضها تحقق الحدث، ومع ذلك يلزمك – بصفتك قارئا أو متفرجا – أن تفهم المجموع. والكاتب المسرحي لا يلغي من حسابه الوضع الاعتباري المتلقي، لكونه يمثل طرفا أساسيا في المعادلة المسرحية وفي إنتاج الفعل الدرامي، والعلامات، فدوره لا ينحصر في التلقي السكوني والاستهلاك الآلي والتفكيك الساذج للعلامات، بل إنه يصنع المعنى وينتج الدلالة ارتكازا على إجراأت تأويلية منظمة تفضي إلى ترتيب المعاني وتنظيمها ووضعها في بنية دالة. وبذلك يصبح فعل التلقي عملا إبداعيا يتمركز حول الأثر الفني في شكل تفاعل وقراءة للعمل تضفي عليه في النهاية صفة التحقق.

نظرية الأجناس الأدبية

حيث يبدو الكاتب منشغلا في النص بالبحث عن الخصائص المميزة لفن المسرحية كجنس سردي ذي طبيعة وتكوين خاص ووظيفة تواصلية وجمالية مرتبطة بذاك التكوين وتلك الطبيعة، مما يجعله جنسا يتضمن أجناسا أخرى في هيكله المتفرد.

طرائق العرض

عمد الكاتب للدفاع عن أطروحته إلى استثمار بنية حجاجية استشهادية ومنطقية، فمن الأولى قوله : ” ودليل ذلك أن كتاب كل جيل يتخذون أصولا واحدة في الكتابة … يدافعون عن أهداف عليا واحدة تشكل المطالب الأساسية لمجتمعهم ”.ومن الثانية توظيفه أساليب التفسير، من تعريف (تعريف المسرحية بتحديد سماتها المميزة، ووصف ماهيتها ووظائفها)، ووصف (وصف مكونات وعناصر المسرحية ورسالتها الاجتماعية والفنية والفكرية، والعوامل المحيطة بها كالإخراج)، وسرد (سرد حالة تحول النص المسرحي من مرحلة الإشعاع إلى الأفول بعد مرور مدة زمنية محددة) ومقارنة (بين المسرح والرواية والشعر)، واهتمامه بالتنظيم المحكم للمعلومات التي تبدو وحدة متماسكة، وتصورا منسجما يُقدم عبر مراحل، فيتحقق الإقناع بمحموله المنطقي وجهازه المفاهيمي الدقيق وإحالاته المرجعية، واتكاؤه على الاستقراء المنطلق من الجزء إلى الكل، من السمات الجزئية للمسرحية، وتفصيل القول في كل منها، وإبراز العلاقة بينها مجتمعة بشكل عضوي، والتدرج في التفسير وفق مسار استدلالي، إلى كون ” فن المسرح جُماع الفنون … وهو أمر لم يتحقق له حتى الآن. مما ساهم في تأمين التماسك والانسجام داخل نص يتناول قضية تجنيس المسرحية.

وقد استثمر الكاتب وسائل الربط بين الجمل والأفكار؛ كالربط الصريح بالأدوات ( الواو، بل، لأن.. )، والربط بالضمائر (ضمير الغائب المفرد العائد على النص المسرحي، وضمير الغائبة المفردة العائد على السمات ). والربط الضمني / الربط بالاستدلال، عبر معيار التسلسل (استعمال الصيغ الدالة على التدرج: ” أول سمات …” ؛ ” كانت الآنية ثاني خصائص المسرح … ” ؛ ” وبذلك تكون الديمومة ثالثة سمات النص المسرحي.. ”، ومعيار العلاقات (علا قات التطابق ( ديمومة النزعات الإنسانية فرضت على فن التأليف قواعد ثابتة في جميع المذاهب والأشكال…) والتعارض (الحكاية مقصودة بذاتها وبمراميها في المسرحية، عكس الشعر والرواية ). ومن مظاهر الربط الاستدلالي أيضا استهلال الفقرات بالجمل الدالة على التوكيد: ” إن الآنية هي التي تؤدي إلى سرعة التغيرات ” ؛ ” إن سمات … تجعل له ميزة خاصة به ” وتكرار بعض الألفاظ والمفاهيم)، والانتقال من الخاص ( السمات ) إلى العام ( علاقة المسرح بباقي الفنون باعتباره حقلا للتجريب انطلاقا منها وانتهاء إليها)، وإبراز شدة التلازم بين سمات النص المسرحي. ووسائل الربط اللفظي والمعنوي جعلت النص يمتلك من قوة التأثير على المتلقي، ما يدفع إلى الاقتناع بوجهة نظر الناقد. فالنص، إذن، خطاب متجانس الوحدات، فهو ينبني على عدد من العلاقات / الروابط بين الجمل والأفكار والفقرات من خلال جملة من الوسائل اللغوية الشكلية، لهذا نقول إنه حقق وجوده النصي، في بعده التداولي والأسلوبي، من خلال تواتر آليات الاتساق.

التركيب والتقويم

عرض النص بعضا سمات الكتابة الدرامية، كالمعايشة، والآنية، والديمومة، والهدف الأعلى.. وبين محافظة المسرحية على الأصول والثوابت، وابتكارها، في الوقت، نفسه أساليب جديدة في الكتابة الدرامية، وذلك بحسب ما يُستجد في الواقع من قضايا اجتماعية وذوق وسائل التعبير.. ثم إن للإبداع المسرحي شرطا يتمثل في التجريب والوعي التام بجماليات باقي الفنون، التي يرتقي بها يرتقي بها. ومقصدية النص كشف الخلفيات الاجتماعية والجمالية للتأليف المسرحي باعتباره ينطلق من الواقع ويتوجه إلى متلق، ويراهن على أن يكون جُماع الفنون الأدبية والتشكيلية.. ومن ثم فله دور عضوي في الحياة يقوم على التحليل والنقد والارتقاء بالذوق والتعبير، ويحمل في ذاته وسائل التطوير والتغيير، مما جعله، كما يقول الكاتب، حقلا للتجريب بامتياز. وقد استخدم الكاتب للتعبير عن هذه المقصدية لغة تقريرية واصطلاحية قائمة على جهاز مفاهيمي يعكس عمق تصوره النظري، إضافة إلى لغة حجاجية، وأسلوب استدلالي مقنع يعضده تماسك البناء النصي واتساقه وانسجامه؛ وبذلك يتحقق افتراض كون نص وصفيا يستعرض سمات المسرحية الجوهرية وأصولها وثوابتها.

ويعكس النص ثقافة صاحبه المسرحية ومرجعياته المتنوعة، وانفتاحه على قضايا نظرية وأسئلة ترتبط بأشكال الممارسة وآليات الكتابة المسرحية وتأصيلها وربطها بمرجعية الذات والمجتمع وسؤال الجمالية. والسؤال الذي تطرحه قراءتنا للنص هو : العلاقة بين الكتابة والعرض ؛ فالعمل المسرحي يتأطر ضمن مجال الفرجة، وينتمي في الآن ذاته إلى حقل الأدب، من هنا ضرورة البحث عن آليات اشتغاله من خلال رصد سماته وقوانين الكتابة، وتفسير كيفية اشتغال عناصر العرض عبر تحديد مرجعيات الإخراج ومنطلقاته، وحصر أنماطه وأشكاله، وضبط المستويات والميكانيزمات الناظمة لسيرورة العرض والمؤطرة لعناصره ومكوناته داخل الفضاء الحركي، وفي علاقة ذلك بالمتلقي.إن العمل المسرحي لا تكتمل دلالته وأهميته إلا عند تشخيص نصوصه.

والنص يراهن، من جهة أخرى، على المتلقي الواعي الذي يتجاوز حدود التماهي مع العرض ليرتقي إلى مجادلته ومحاورته، وهذا الرهان جاء في سياق نضج التجربة المسرحية على مستوى الكتابة والإنجاز الركحي، وقد تجسدت معالم هذا النضج في: ( تخلص النص من بعده الأحادي وانبنائه من نصوص متعددة، ومتداخلة، ومن متواليات سردية أو حكائية تراعي مفهوم التمسرح الذي حول اللغة الركحية إلى ميتا ـ لغة يستطيع المتلقي أن يزاول عليها فعاليته التأويلية والتفكيكية).

القصة (نص قصصي) – تحليل نص ‘دم ودخان’ لمبارك ربيع – دروس النصوص – اللغة العربية

عنوان الدرس : القصة (نص قصصي) – تحليل نص ‘دم ودخان’ لمبارك ربيع

المادة : دروس النصوص – اللغة العربية

الشعبة: اداب وعلوم انسانية

المسالك: مسلك اداب ومسلك علوم انسانية

إشكالية القراءة

ظهرت القصة القصيرة وتطورت نتيجة عوامل موضوعية وذاتية، منها : التفات الكتاب إلى الواقع ونقل قضاياه وحركة الترجمة واهتمام الطبقات الوسطى بالكتابة القصصية وظهور الصحافة وتطورها. وهي فن سردي، ينقل سلسلة محدودة من الأحداث والمواقف، يتميز بقدرته على التقاط تفاصيل الحياة الاجتماعية في بعدها اليومي المعيش.

ظهرت في المغرب في فترة الثلاثينات، واقترن ظهورها بالوظيفة الوطنية، ومع الاستقلال نضجت وتميزت عن الأشكال السردية التقليدية، وهيمن عليها الاتجاه الواقعي، فعالجت أوضاع الفلاح والعامل الكادح و المرأة وغيرها من القضايا ( عبد الكريم غلاب، إبراهيم بوعلو، عبد المجيد بن جلون، ). وفي السبعينات ظهر التجريب والمغامرة فبدأت بخرق القواعد التقليدية للكتابة السردية. (عز الدين التازي، الميلودي شغموم، محمد برادة، أحمد بوزفور، ومبارك ربيع المولود سنة 1940 بقرية بن معاشو قرب البيضاء، الحاصل على الإجازة في الفلسفة سنة 1967، وعلى دبلوم الدراسات العليا في علم النفس سنة 1975، وعلى دكتوراه الدولة سنة 1988. من أعماله : مجموعته القصصية (سيدنا قدر) و(حلة الحب والحصاد)، و(البلور المكسور) وروايات (الطيبون) و(رفقة السلاح والقمر) و(برج السعود) و( من جبالنا). وقد أُخذ هذا النص من مجموعته (دم ودخان). فما الموضوع الذي يطرحه الكاتب في هذه القصة ؟ وما موقفه منه ؟ وما الوسائل الفنية التي وظفها للتعبير عنه ؟

النص متواليات سردية دالة على وقائع وحالات ووضعيات، وعلى برنامج سردي. ووجود السارد، والشخصيات، والأحداث، والإطار الزماني والمكاني، يدخل النص ضمن الفنون السردية. والعنوان مركب عطفي يحيل على حدث مفصلي ومؤثثات، فدم يرمز للحياة والرهبة والموت، ودخان يوحي بضبابية الرؤية ومجهول يخفي مكروها.. وواو العطف تدل على اقتران الدم والدخان بجو مأساوي مرعب. وهي إيحاأت تعضدها مشيرات في بداية النص ونهايته: ” سرت في ذراعه برودة الكحول، وانغرزت شوكة وصوتُ الطبيب يأمره بلُطف “، ” قطرات الدم تتساقط في الزجاجة داكنة مع نبضاته ” ؛ ” بدت له قطع الكبد الملفوف بالشحم … مجرد بقع دخانية أشد كثافة ” حيث يبدو أن دحمان انتقل بسبب الفقر والعيال من فقدان الدم إلى فقدان الوعي والإحساس.

من خلال ملاحظة المشيرات السابقة نفترض أن النص قصة قصيرة، موضوعه اجتماعي ذو بعد إنساني.. فما هي السمات الفنية المميزة لها؟ وكيف تعبر عن واقع متشعب معقد، وهي الفن القائم على الاختزال بامتياز ؟

اكتشاف المعنى وبناؤه: المتن الحكائي

دحمان رجل فقير، يبيع دمه لمن هو في حاجة إليه مقابل عشرة دراهم، يشتري بها ما تشتهيه زوجته وأبناؤه. ولكن حالته الصحية تضررت بتكرار عملية بيع دمه، فازدادت أحواله النفسية سوأ، وبدأ يفقد صفاء رؤية المحيط الأسري والاجتماعي من حوله، بل وفقد الإحساس بالقيم.. فلم يعد ينفعه تمرد صوت الضمير، أو يعرف للسعادة طعما..

تحليل النص

الحدث

يتضمن المتن الحكائي حدثا مركزا في زمن مكثف (وحدة الحدث) مشحون بأبعاد ودلالات وإيحاأت معبرة،. ويعرض الحدث من خلال لقطة موجزة، ويتأسس على شخصية واحدة يرصد ما يقع لها من أحوال، ويصدر عنها من أفعال، وتعيشه من وضعيات. فهي تبيع دمها حتى تدهورت صحتها، واصمحل وعيها، وتكاد تفقد قيمتها وكرامتها من أجل أن تدفع الخصاص عن أسرتها بأسلوب مهين ومهلك.

القوى الفاعلة

القوى الفاعلة في هذه القصة هي: دحمان، المعلم علي، الزوجة، الأبناء، الطبيب، الممرض، أهل المريضة، الممرضة ذات اليد النعامة، الرجل المجلبب (الوسيط)، الفقر، الضمير… وباستثناء دحمان الشخصية الرئيسية التي تبدو جاهزة ومسطحة بشكل ما تنمو ببطء نحو نهاية بائسة فباقي الشخصيات ثانوية أو عرضية عابرة تحيط بدحمان تصنع مأساته أو تخففها، بيد أن الفقر والإعياء كقوة فاعلة ملازم للحدث والشخصية الرئيسية يتماهى فيهما.

البعد النفسـي

يتمظهر في الوهن النفسي وعدم القدرة على التركيز والشرود الذهني الذي قد يصل حد الإعياء الشديد بسبب تصدع نفسي وصراع داخلي بين دواعي الفقر وداعي الضمير، وبسبب الأمل الخادع في تحسين الوضعيةالاجتماعية الذي يتحول إلى مرض وإحباط وانكفاء وانعزال.

البعد الاجتماعي / المظاهر والعلاقات

دحمان يقوم بمجموعة من الأدوار والأفعال، منها الدور العائلي الذي يتحدد في علاقة برود عاطفي بينه وبين زوجته، والدور الاجتماعي الذي يتحدد في علاقة الصراع بينه وبين مستنزفيه، ويحدد وضعه الاجتماعي؛ فهو في حاجة ماسة إلى عشرة دراهم، فقير، جاهل، عاطل عن العمل، متزوج وله أبناء. ويمكننا هذان الدوران من تحديد نوعية العلاقات بين الممثلين، واستغلالها، خاصة علاقة الصراع في تحديد الحالات والتحولات على مستوى التركيب السردي.

إن القصة تكشف، في بعدها الاجتماعي – الواقعي، عن موقف انتقادي ساخر من الفاقة التي ترزح تحتها الطبقات المسحوقة في المجتمع المغربي، ودحمان أحد رموزها الدالة، فهو يعيش وضعية اجتماعية مزرية، وواقعا جائرا مليئا بالإحباط والاستغلال المادي والمعنوي يصل حد اليأس من الحياة، والتخلي عن الكرامة.

القيم والأنساق الفكرية

إننا لم ندرس العلاقات التفاعلية بين العوامل إلا لنبين ما تُفرزه من أنساق وقيم فكرية، فالنص يعكس قيما إنسانية أصيلة، يمثلها الطبيب والأسرة، وقيما سلبية هجينة تتمثل في استغلال بعض الفئات والمؤسسات للضعفاء في المجتمع. وقد بنى الكاتب الأحداث على شخصية ” دحمان” الذي يتحرك، وتصدر عنه انطباعات، ويعكس أحوالا، أكثر مما تصدر عنه أفعال، إنه مركز العلاقة بين مختلف القوى الفاعلة، إذ يرتبط مع غيره بشبكة من العلاقات تمكن المتلقي من التقاط عناصر الصورة التي يحاول الكاتب رسمها لهذه الشخصية، ومن ثم التفاعل معها. إن العلاقات تمنح القوى الفاعلة الدينامية اللازمة للقيام بالفعل، وتطوير الحدث، وهذه العلاقات يمكن رصدها من خلال النموذج العاملي وفق الخطاطة التالية : استطاع الكاتب اقتطاع تجربة متميزة من الواقع الاجتماعي من خلال وضعية شخصية متخيلة، وجسد كثيرا من أبعادها الاجتماعية والنفسية بغية رسم صورة لنموذج بشري من صميم الواقع المغربي، والتي نجد معادلها الموضوعي في الشرائح الاجتماعية المهمشة في العالم العربي.

الزمـــن

نجد في النص صيغا أسلوبية دالة عى الزمن، منها: ” عندما توقف دحمان “، ” كان ذلك عندما فُتح الباب “، فزمن القصة يعود إلى مرحلة ماضية من حياة السارد، إذن فهم زمن استرجاعي يعول على الذاكرة. والزمن المهيمن هو الزمن النفسي، حيث التركيز على اللحظة النفسية لدحمان، حين يسرح بذكرياته متأملا متألما. وزمن القصة تعاقبي تتطور الأحداث فيه وفق خط تصاعدي، رغم أن اللحظة الزمنية الواردة في النص هي لحظة استرجاع مبنية على إبراز الحالة النفسية المزرية لدحمان.

والزمن في النص متعدد الأبعاد :

  • زمن الحدث : الصباح، ويتجزأ إلى الأزمنة التالية : (زمن الذهاب إلى المستشفى، وزمن الوقوف عند الجزار، وزمن الاسترجاع)
  • زمن تاريخي : (فترة السبعينات)، وهو زمن تصاعدي تعاقبي، ويتجه اتجاها تصاعديا يتسلسل من البداية إلى النهاية.
  • زمن نفسي / داخلي : ويمتد عبر الأقصوصة مجسدا بؤرة تمزق وإحباط ” دحمان ” في مواجهة وضعه المأساوي.
  • زمن سردي : زمن الكتابة وهو ليس الزمن الذي وقعت فيه الأحداث، إذ ثمة مسافة زمنية بين ما حدث وما يحكى. وزمن السرد يخلط أفعالا متنوعة، ويعمل على تكسير الزمن الخطي / التعاقبي بتقنيات التداعي والتداخل بين الماضي والحاضر، حيث يحضر في النص البناء الدائري الحلزوني. إلا أن القارئ يبقى مشدودا إلى حال الشخصية التي ينقل الكاتب من خلالها الفكرة والموقف، وذلك رغم البون الشاسع بين زمن الحكاية وزمن السرد، وهذا بفضل عنصر الاتساق. ويبقى القاسم المشترك بين زمن القصة / الحكاية وزمن السرد يتجلى في كونه ذا إيقاع سريع، وخطي.

المكــان

يدور الحدث في فضاء البيت والمستشفى ومحل الجزار(المعلم علي)، وهي أماكن مغلقة توحي بالأجواء النفسية المتأزمة لدحمان، فالبيت يعكس صورة العوز وانسداد الأفق بأثاثه المتواضع، كما يشي بانتماء جتماعي بسيط، ومستواه ثقافي متدن، ونمط وعي هش. والبيت مكان للاستقرار النفسي والسكينة والراحة، ولكنه في النص غدا مكانا للمعاناة والاستنزاف والموت. والمستشفى مؤسسة تمنح العلاج والأمل في الحياة، ولكنه في النص أصبح فضاء للاستغلال. والشارع بات مكانا للإرهاق والتعب والصراع ضد الخصوم والشعور بالذل والظلم وتأنيب الضمير.

المكان بؤرة دلالية واحدة، تجسد الرؤية والمقصدية، وهذا ما يضفي عليه سمة التجانس. فالمكان غير متعدد الأبعاد، ومع ذلك يتخذ دلالته الفنية، رغم مظاهره الهندسية والشكلية التي تظهره بفعل تأثيثه مكانا واقعيا، في إيحائه بالجو العام للقصة (هيمنة الدخان عليه)، وبالفكرة والموقف والمغزى، خطر الفقر ونتائجه. إن الفضاء المكاني مظهر من مظاهر الواقعية في النص.

الوصـــف

إن هيمنة السرد لم تلغ الوصف، فهناك جمل وصفية كثيرة، مثل : ” اتسخت لطول العهد والإهمال “،” وبحشرجة صوت غير مطاوع أجاب دحمان ”. ولعل وظيفة الوصف هنا هي إيقاف السرد وسيرورة الحدث، لهذا جاء مركزا ينتقي بعض الأحوال النفسية والمواقف الوجدانية لدحمان لإضاءتها انسجاما مع طبيعة الفصة القصيرة التي تتوخى تقديم صورة دالة على حال الشخصية المحورية، والكشف عن بعدها النفسي والاجتماعي، من خلال علامتين دالتين هما الدم والدخان. وقد جاء الوصف متداخلا مع السرد لا مقاطع مستقلة، بحيث لا يتسع مجال الأقصوصة لذكر تفاصيل المكان، بل للتركيز على دلالات اجتماعية ونفسية وإنسانية، فهو وصف ثنائي الدلالة، ثنائي المعنى، باعتباره يحدد الإطار الذي يقوم بتحرير الطبقة الاجتماعية ومستواها السوسيو – سيكولوجي في علاقة وطيدة بين الإطار والدلالة.

الســـرد

يتضح من خلال القصة أنها تنقل إلينا موقفا من الكاتب تجاه وضعية نموذج بشري، يصارع أعباء الحياة في ظروف اجتماعية انحلت فيها منظومة القيم، وقد أوكل الكاتب مهمة السرد إلى سارد مكلف بعملية التوصيل والإبلاغ ونقل الوقائع في بناء فني محكم، معتمدا ضمير الغائب، إذ استهل النص بقوله : ” عندما توقف دحمان عند مسطبة المعلم علي ”، ولكن الذي يمد هذا السارد بالمعلومات والوقائع هو الكاتب في عملية تمويهية، توهم القارئ بواقعية الأحداث والشخصيات. فالكاتب يراهن في تحقيق وجهة نظره على أسلوب خاص للسرد، مقترحا على القارئ قبول أعراف النوع الأدبي الذي ينتمي إليه النص، فينساق مع وجهة نظر الكاتب في شأن واقع تتصارع فيه قوى فاعلة، تحركها دوافع ورغبات ومصالح تريد تحقيقها لكسب الرهان عبر برنامج سردي.

وقد تحكمت الرؤية من خلف إلى حد كبير، في التقنيات السردية المعتمدة، إذ يبدو السارد عالما بدقائق الأحداث، والخلفيات الفكرية والنفسية للشخصيات، فهو يعرض أفعال القوى الفاعلة وفق منظور سردي فوقي، تم التوسل به للإيهام بواقعية المحكي، ويؤثث الفضاء الزماني والمكاني، ويتدخل لتنظيم السرد، إما بتعطيله، أو استرجاعه، أو بتقديم التوضيح والتحليل. ثم إنه شديد الحرص على توضيح صورة الفقر والعوز لدى البطل من منظور النقد والسخرية، من هنا اهتمامه بالوصف والحوار الداخلي، لإبراز الملامح الاجتماعية المزرية للبطل، فنمط السرد السائد في هذه القصة يتميز بتقديم الشخصية والحدث والفضاء تقديما مباشرا بواسطة السرد والوصف.

يبدو السارد ظاهريا كأنه متوار باستعماله ضمير الغائب (هو)، لكن التأمل الدقيق في بنية النص يُبرز أن السارد حاضر ومهيمن، وتؤكد ذلك ذلك المشيرات النصية التالية :

  • إن السارد يتصرف في زمن السرد كما يريد ويختزل مسافته : ” عندما ”، ” كان ذلك عندما ” …
  • الحضور البارز للسارد في ادعائه المعرفة بكل ما يدور في خلج الشخصيات وشواغلها : تأمل العبارات الدالة على ذلك في النص : ” كان بوده لو ملك قدرة على الكلام في هذه اللحظة، وإذن لثرثر كثيرا مع العم علي … ”
  • إيراد الشروح والتعاليق : ” كان يشعر باعتزاز، ثم فقد هذا الشعور شيئا فشيئا، كما يفقد كل جديد رُواءه.. ”
  • رغم استعمال الضمير ( هو ) الذي يوحي بتواري السارد، فإن هذا الأخير كما رأيت حاضر بقوة يعلم كل شيء حتى أنك لتخاله الكاتب نفسه يتوجه إليك بالأخبار وسرد للوقائع بصورة مكشوفة سقطت فيها المسافة بينه وبين ما يروي.

الـبــنــاء (الحبكة)

نشأ الفعل السردي مع توقف دحمان عند مسطبة المعلم علي، واتخذ مسارا متدرجا على مستوى تعاقب الأحداث وتسلسلها الزمني، فالخيط الرابط بين مقاطع القصة هو التركيز على فكرة واحدة هي رفض واقع دحمان وحالته المزرية، وانتقاد المؤسسات الاجتماعية المسؤولة عن وضعيته المتأزمة. ولتبليغ هذه الفكرة عمد الكاتب إلى بنائها من خلال قصة متخيلة، تتدرج من الرغبة المنهكة في الكبد والشحم، وتنتهي إلى الهذيان والتداعي. وبين البداية والنهاية تمتد الحكاية في سيرورة سردية ترتكز على وصف الحالة المأساوية للبطل.

اختار الكاتب لقصته البناء الحلزوني / الدائري ؛ فالقصة تبدأ من حيث انتهت الحكاية معتمدة مقياس التعاقب الزمني للأحداث على حساب التنظيم التيمي كشكل من أشكال الاتساق، فهذا التنظيم لا يتحكم في تنامي الحدث، ولا في تطوره. ونلاحظ انعدام الذروة البنائية في النص، الذي تتكثف دلالته وإيحاؤه ومغزاه في نهايته، التي تشرك القارئ في احتمالات الحدث غير المصرح به، والمتمثل في السؤال المفترض، وهو ماذا بعد هذيان وتداعيات دحمان ؟ وما دلالات وأبعاد ذلك؟

وإذا أردنا تحديد خطاطة النص السردية، فإننا نلاحظ أن السارد استهل القصة باستهلال دينامي قادنا معه إلى قلب الحدث مباشرة، وأنهاها بنهاية تفيد التأمل. من تم فالعلاقة بين الاستهلال والنهاية هي علاقة تشابه، إذ بدأت القصة بخلل وانتهت به. ولا شك أن وظيفة الاستهلال هي إقناعنا برسالة الكاتب عن طريق الإيهام بواقعية الأحداث وتحديد أفق انتظارنا.

كانت النهاية تكريسا لأزمة دحمان المشار إليها في بداية القصة، إذ بدأ النص بخلل وانتهى به، وبالتالي لم يقدم الكاتب حلا لهذا الخلل تعبيرا منه موقفه الضمني المتمثل في انتقاد هذه الظاهرة الاجتماعية الإنسانية، التي تجسد هدر كرامة الإنسان وحقه في الحياة.

من هنا فالبناء المعماري الموظف في النص يخدم موقف الكاتب ويساهم في ترسيخ دلالة السخرية من المجتمع وما يسوده من ظواهر اجتماعية سلبية.

الـحـــوار

الحوار الخارجي

دار بين دحمان من جهة، والطبيب والمعلم علي وأهل المريضة من جهة ثانية، وهو حوار يبين بعض مظاهر أفعال الكلام تعكس درامية الأحداث مثل : السخرية : ” الكلمة عشرة “، ” يبيع حياته بعشرة”، والتعبير عن الرغبة، والتواصل، والصراع، والتمويه ” صائم يا سيدي “.

الحوار الداخلي

اهتم به الكاتب كثيرا للكشف عن جانب من نفسية الشخصية وبعض آمالها وأمانيها المفتقدة، وترجمة الانفعالات والتوترات الداخلية لدحمان

وقد أسهم الحوار الداخلي الكشف عن أسرار الشخصية، وتصعيد الأحداث وإغناء تصور القارئ لها، وتقريبه من الأنماط السلوكية للشخصيات وتضارب مواقفها بغية إدراك الفوارق بينها، والكشف عن الدلالة والمغزى، مما يطبع النص والفضاء التخييلي فيه بالدينامية التي تحول المحكي إلى حركة تحفز خيال القارئ وتدفع به إلى الانخراط في عملية توليد معنى النص بواسطة التأويل.

اللغــة

يغلب على اللغة حقل دلالي اجتماعي وآخر نفسي، وتقل في النص الأبعاد التصويرية والمجازية، وتغلب فيه اللغة الناطقة بحال دحمان وتوحي بوضعه الاجتماعي وحالته النفسية. واعتمد الكاتب جملا قصيرة تسهم في توتير المتلقي من خلال تنامي النفس الدرامي داخل النص. كما جاءت لغة القصة متنوعة، إذ زاوجت بين الفصحى والعامية، مثل ” الكلمة هي الرجلْ ـ الكلمة عشْرة..” للتأكيد على الانتماء الاجتماعي والمستوى الثقافي للشخصية، وإضفاء البعد الواقعي على المحكي، والمساعدة على تحقيق الرهان المتمثل في لفت نظر القارئ إلى هدر الكرامة الإنسانية في مجتمع تنعدم فيه فرص التضامن والمساواة والحقوق الضرورية للبقاء.

التـركيـب والتقويم

التقط الكاتب تجربة متميزة لنموذج بشري يعكس حالة العوز التي يعاني منها المسحوقون تحت وطأة الفقر، ووظف إمكانات القصة، لرسم صورة لشخصية مأزومة محبطة تكابد من أجل لقمة العيش، وتعاني الحرمان وانعدام الكرامة.. إنها صورة مستمدة من الواقع الاجتماعي من خلال وضعية شخصية متخيلة، تجسد كثيرا من أبعادها الاجتماعية والنفسية، وذلك بغية رسم صورة لنموذج بشري من صميم الواقع المغربي، والتي نجد معادلها الموضوعي في الشرائح الاجتماعية المهمشة اجتماعيا.

تتضمن قصة ” دم ودخان ” عناصر القصة ؛ كالشخصية، والحادثة، والفكرة / الموقف، والمغزى.. وقد وردت هذه المكونات في بناء فني محكم، يتسم بالاختزال في نقل الوقائع والأحوال، واتساق التصميم، ووحدة الأثر والانطباع، والأزمة، وتكثيف الزمن في لحظة عابرة وكأنها لقطة أو مشهد مقتطع من الحياة اليومية بلغة مختزلة. هذا إضافة إلى وحدة الشخصية والزمان والمكان والحدث، الذي اهتم به الكاتب كثيرا، مما يشير إلى واقعية النص.كما تتميز بالبناء الكلاسيكي للحكاية ( مقدمة – وسط – نهاية )، وتعبر عن الشمولي والكلي من خلال اليومي البسيط والجزئي، وتتسم بالتناسق والانسجام بين عناصر الحكي لبلوغ نهاية القصة، حيث يتجسد مغزاها وبعدها الدلالي.

وقد جسد الكاتب في هذا النموذج كثيرا من إمكانات القصة كنوع أدبي جميل، فرغم قصرها، فإنها ترسم الشخصية بأبعاد النفسية والسلوكية والاجتماعية، وتنقل المكان والزمان بتجلياتهما وأنماطهما الفنية، كما تجسد اللغة بمستوياتها الواقعية والفنية.

النص نموذج للاتجاه التصويري الواقعي في القصة، إذ يعالج قضايا الكادحين في المجتمع.. ويلامس واقع حياتهم، وعلاقاتهم الاجتماعية في ضوء إكراهات العصر المتسارعة والمواكبة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. وينتقد القيم الهجينة في المجتمع كالاستغلال وهدر كرامة الإنسان. ويعالج مسألة انهيار القيم ومبادئ التكافل … وكلها قضايا وأبعاد يلائمها جنس القصة القصيرة، وهو رهان الكاتب، وتحيل القصة على المرحلة الثانية من مراحل تطور القصة القصيرة خيث هيمن الاتجاه التصويري الواقعي في كتابة القصة بالمغرب، والذي يهتم بتصوير حياة الكادحين والعمال والفلاحين، ورصد أهم التحولات الاقتصادية والاجتماعية وانعكاساتها على فئات المجتمع. ويعتبر مبارك ربيع أحد كبار رواد الفن القصصي، وتمكن من ضبط آليات تفاعلات الواقع الجزئية وفضح تناقضاته ونقلها في قالب قصصي متميز، تحكمه رؤية فنية عميقة، حيث اتخذه وسيلة فنية للتعبير عن مواقفه.

يجمع أسلوب الكاتب بين الوضوح والإيحاء والإيجاز والتنويع في طبيعة الجمل، وجاءت لغته خليطا من العامية والفصحى، مما ينقل حالة من الأحوال المخصوصة للشخصية. إلا أن الكاتب اهتم بالفكرة على حساب جمالية التعبير، واعتمد البناء الكلاسيكي، ولجأ أحيانا إلى التدخل المباشر للسارد.. ويمكن القول إنه لا توجد مغامرة أسلوبية تنم عن جديد محدث، فالنص قائم على معطيات أسلوبية راسخة يستند إليها المؤلف من أجل الحفاظ على متانة الوشائج التي تصله بالقارئ. إنه – بسماته الأسلوبية تلك – يستجيب لذاكرة القارئ أكثر مما يحرص على هدم جسر التواصل بينهما، وفي ذلك عدم خرق كبير لأفق انتظاره.

وأخيرا فما وقفنا عنده من سمات فنية للقصة القصيرة من خلال هذا النموذج، وكيفية تجسيده لعلاقة الذات بالواقع الاجتماعي، هو جزء من حركة تطورية للأشكال الأدبية النثرية الحديثة، في دينامية لازالت عواملها تتفاعل في مناخ ثقافي واجتماعي عربي يطفح بأسئلة وإشكاليات فنية / جمالية، وفكرية.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads