Ads Ads Ads Ads

تأطير إشكالي عام لمجزوءة المعرفة – مجزوءة المعرفة – الفلسفة – الثانية باك

عنوان الدرس : تأطير إشكالي عام لمجزوءة المعرفة

المادة : مجزوءة المعرفة – الفلسفة

الشعب: جميع الشعب (علوم تجريبة وعلوم رياضية وعلوم اقتصادية وعلوم والتكنولوجيات الكهربائية…الخ)

المسالك: جميع المسالك (علوم فيزيائية وعلوم حياة والارض واداب وعلوم انسانية والعلوم والتكنولوجيات الميكانيكية ..الخ)

عندما ينفتح الفكر، من خلال مجموعة من الأنشطة العقلية، على موضوع خارجي أو على الذات نفسها، مستهدفا الفهم أو الوصف أو التفسير أو التنبؤ…نسمي ما ينتج عن ذلك معرفة بصفة عامة. إلا أن هذا الانفتاح، عندما يستهدف موضوعا خارجياء دون تدخل للذات في ذلك الموضوعء نسمي ذلك معرفة علمية، تفضي بنا الى ما يعرف عادة بالعلوم “الحقة” أما عندما يكون موضوع المعرفة هو الذات نفسها، حيث يصعب القيام بعملية الفصل بين الذات الدارسة والموضوع المدروس، وما يترتب عن ذلك من صعوبات في مطلب الموضوعية، فإننا نتحدث عن علوم إنسانية، أو دراسات إنسانية، أو إنسانيات على حد تعبير لويس ألتوسير. وسواء تعلق الأمر بالشكل الأول، أو بالشكل الثاني، فإننا نجد أنفسنا دوما أمام ذات وموضوع، وما يمكن أن يترتب عن العلاقة التي ينبغي ان تكون بينهما، وهي العلاقة التي تتراوح بين الانفصال التام، وأي فصل الذات عن الموضوع (الموضوعية) وبين عدم القدرة على تحقيق هذا المطلب (الذاتية). إن طبيعة العلاقة بين الذات والموضوع هي الإشكال الأساسي للمعرفة عموما، وللمعرفة العلمية على وجه الخصوص، سواء كانت طبيعية أو إنسانية.

انطلاقا من ذلك يبدو أن جدلية الفكري (أو ما ينتمي الى الذات) والواقعي (أو ماهو مرتبط بالموضوع) هي جدلية تحتل مكانا أساسيا في صيرورة وبناء المعرفة العلمية، ومن ثمة يمكننا طرح التساؤل التالي: هل يمكن لهذه المعرفة أن تبنى بناء عقليا صرفا (أي بناء نظريا خالصا) أم أنها مطالية لكي تصبح نظرية علمية حقة، بأن تستحضر موضوع دراستها استحضارا واقعيا (تجريبيا) بالإصغاء أو الإنصات إليه؟ إن طبيعة هذا التساؤل تعكس الإشكالية الأساسية للنظرية والتجربة. فإذا كان العلم علم بواقع ما ءكما يرى البعضء (كلود بيرنار) فإن ذلك الواقع يقتضي منا استحضاره كمنطلق لبناء أية نظرية وكتمحيص لصدقها أو عدم صدقها. ولعل عملية الاستحضار هذه هي ما يقودنا الى إثارة مسألة التجريب والتجربة. فما المقصود بالتجريب ؟ وما المقصود بالتجربة ؟ هل يمكن اعتبار كل من التجريب والتجربة إسمين يحملان نفس الدلالة، أم أن لكل واحد منهما دلالته الخاصة، بالرغم مما يمكن أن يحصل من تداخل أو تقاطع بينهما ؟ يقودنا مفهوم التجربة أيضا الى طرح التساؤل التالي: هل المقصود دوما بالتجربة هو تلك الممارسة التي تتم داخل المختبر، ونكون خاضعة لشروط محددة، أم أن التجربة يمكن أن تحمل دلالة أخرى تجعل منها فكرية محضة (روني طوم).

إن كل معرفة سواء كانت معرفة علمية أو غير علمية، إنما هي سعي الى امتلاك الحقيقة، حقيقة الأشياء حقيقة الذات، حقيقة الأفكار، حقيقة الأفعال… وليس الى الباطل أو اللاحقيقة، إلا أن هذا السعي يفضي بالضرورة الى حقائق متعددة ومختلفة ومتعارضة، الأمر الذي يجعل منها حقائق تجمع بين الحق والباطل، بين الحقيقة والرأي. انطلاقا من ذلك يمكننا أن نتساءل: ما علاقة الحقيقة بالرأي؟ هل يشكل الرأي نوعا من الحقائق أم أنه لا يعدو أن يكون مجرد انطباع ذاتي، لا يمكنه أن يرقى الى مستوى الحقيقة؟ هل بإمكاننا أن نعتبر الرأي قادرا على أن يمنحنا حقائق قائمة على القلب والغريزة، باعتبارهما مبدأين للاشتغال العقلي، أي للاستنباط (باسكال) ؟ أم أن الحقيقة – ومن ضمنها الحقيقة العلمية – لا يمكنها أن تقوم على الرأي، لأن هذا الأخير لا يفكر أو لنقل إنه يفكر بشكل سيء الأمر الذي يجعله عائقا أمام قيام المعرفة العلمية (باشلار) ؟ ألا يملك الرأي قيمة علمية عندما يكون مؤسسا على أعلى درجات الاحتمال، الأمر الذي يمكن أن يجعله قدوة لباقي المعارف (ليبنتس) ؟

إن مجمل تساؤلاتنا حول علاقة الحقيقة بالرأي، تقودنا بالضرورة الى طرح إشكال معايير الحقيقة. فما هي المعايير التي ينبغي أن تقوم عليها الحقيقة حتى تستحق أن تسمى بهذا الاسم ؟ هل ينبغي أن تقوم على الحدس والاستنباط، بحيث يكون الحدس تصورا صادرا عن ذهن خالص ويقظ، ويكون الاستنباط هو ما يمكن أن يتم استنتاجه بالضرورة من أشياء أخرى (ديكارت) ؟ وهل تكفي البساطة والوضوح والتمايز لجعل فكرة ما فكرة حقيقية، أم أن الأمر يقتضي قيام تلك الحقيقية على برهنة سليمة، سواء على المستوى المادي أو المستوى الصوري (لايبنتس) أم أن الأمر يتجاوز هذا وذاك، بحيث ينبغي البحث عن معيار الحقيقة في ذاتها بالاستناد الى يقينها وكمالها (اسبينوزا) ؟

إن مجمل تساؤلاتنا حول معيار الحقيقة، ترجع بالأساس الى كون هذه الأخيرة ذات قيمة لا يمكن لأحد أن ينتقص منها، لأنها ما يسعى إليه كل إنسان. لكن السؤال المطروح هو: من أين تستمد الحقيقة قيمتها؟ هل تستمدها من ذلك التيه الذي يحكم حياة الإنسان، وينتمي الى البنية الداخلية لكينونته ويجعله منفتحا على الغلط (هيدجر) ؟ هل تستمد الحقيقة قيمتها من اعتبارها نقيضا للخطإ أم من اعتبارها نقيضا للعنف، حيث يتم التحول من التطابق بين الفكر والواقع، الى التطابق بين الإنسان وبين الفكر أو الخطاب المتماسك الذي يعرف فيما يفكر ، ويفكر فيما يعرف (إريك فايل) ؟ ألا يمكن القول بأن الحقيقة تستمد قيمتها من كونها ما يسمح ببقائنا واستمرارنا، ولو منخلال تلك الأوهام التي نسينا أنها كذلك بفرط الاستعمال، وبتدخل اللغة القائمة على الاستعارات، والكنايات، والتشبيهات (نيتشه) ؟

درس الحقيقة – مجزوءة المعرفة – الفلسفة – الثانية باك

عنوان الدرس : الحقيقة

المادة : مجزوءة المعرفة – الفلسفة

الشعب: جميع الشعب (علوم تجريبة وعلوم رياضية وعلوم اقتصادية وعلوم والتكنولوجيات الكهربائية…الخ)

المسالك: جميع المسالك (علوم فيزيائية وعلوم حياة والارض واداب وعلوم انسانية والعلوم والتكنولوجيات الميكانيكية ..الخ)

تقديم

يرتبط مفهوم الحقيقة بالمعرفة كفاعلية إنسانية تتحدد من خلالها علاقة الإنسان بذاته وبغيره وبالعالم، ويتحدد مجالها الإشكالي بسعي الإنسان إلى اكتشاف ذاته والغير والعالم وفتح مغاليقها وإزاحة ما أشكل عليه فيها، من هنا يفتح مفهوم الحقيقة على مشكل طرقها ومعاييرها وغاياتها وقيمتها.

  • ما علاقة الحقيقة بالرأي؟
  • هل الحقيقة معطاة أم أنها بناء؟
  • ما هو سبيل بلوغها؟
  • ما علاقة الإنسان بالحقيقة؟
  • ما قيمة الحقيقة ولماذا نرغب فيها؟
  • وهل الحقيقة منفصلة عن أضدادها كاللاحقيقة والوهم؟

المحور الأول: الرأي والحقيقة

عادة ما تنادي الفلسفات ومنذ اليونان أن طريق الحقيقة مفارق لعالم الحس والرأي، فأفلاطون يرى أن عالم الحقيقة هو عالم المثل، وسقراط يوصي بعدم الاستكانة إلى العادة والتقليد والحس المشترك، فما تعتقد الجماعة أنه حقيقي لا يعني بالضرورة أنه كذلك، فالحكم إذن هو العقل، على خلاف ذلك، هناك من يرى أن الحقيقة ليست حكرا على العقل وحده، ف”بليز باسكال” يعتبر أن العقل لا يمكنه احتكار الحقيقة، لأن هناك طرقا أخرى لمعرفتها، منها القلب أو العاطفة أو الرأي، فإذا كان العقل أداة لمعرفة القضايا عن طريق البرهنة والاستدلال العقليين، فإن القلب أداة لإدراك المبادئ الأولى عن طريق الشعور والحدس، ويشير القلب عند “بليز باسكال” إلى قوة الإدراك المباشر للحقائق، فالمبادئ هي الحقائق الأولى التي يتعذر الوصول إليها بالاستدلال العقلي كالمكان والزمان والحركة والأعداد ،… وعليها يستند العقل لتأسيس قضاياه وخطابه بكامله، إننا نشعر بالمبادئ أما القضايا فنستخلص بعضها من بعض عن طريق الاستدلال العقلي، ولكل منهما نفس اليقين وإن اختلفت الطرق المؤدية إليه، في مقابل هذا الطرح يرى الإبستملوجي الفرنسي غاستون باشلار أن العلم يتعارض مع الرأي، فالحقيقة العلمية لا ينبغي أن تأسس على الرأي لأن الرأي تفكير سيئ بل إنه لا يفكر البتة، إنه يربط المعرفة بالمنفعة، ويترجم الحاجات إلى معارف، إن الرأي عائق ابستملوجي ينبغي هدمه وتخطيه وإحداث قطيعة إبستملوجية معه.

استنتاج

يمكن أن نستنتج أن هناك مفارقة بين الحقيقة والرأي، فقد يبدو الرأي هشا على اعتبار أنه حقيقة خاصة مرتبطة بشخص أو اعتقاد صادر عن الوجدان أو العاطفة أو القلب، وفي المقابل نعتقد أن الحقيقة تكون صلبة حينما تصدر عن العقل، لكن ألا يكون الرأي أكثر صلابة من الحقيقة؟ ألا نؤمن ونركن لما يصدر عن القلب والوجدان أكثر مما نرتاح لما يصدر عن العقل؟ ألا يكون العقل عاجزا عن معرفة كل شيء؟

المحور الثاني: معايير الحقيقة

  • على ماذا يمكن أن تتأسس الحقيقة؟
  • ما معيار صدقها وصلاحيتها؟
  • ومن أين تستمد الحقيقة قوتها؟

يعتبر روني ديكارت أن الأفعال العقلية التي تمكن من بلوغ الحقيقة هما الحدس والاستنباط، ويعني الحدس في نظره إدراكا عقليا بسيطا يصدر عن عقل خالص ويقض، لا يبقى معه أدنى شك، أما الاستنباط فهو مصدر غير مباشر لإدراك الحقائق يتم من خلاله استنتاج حقائق جديدة من حقائق أولى معلومة من قبل وإن لم تكن بديهية، فالاستنباط يضمن الترابط الضروري بين الحقائق الأولى والنتائج، لذا يربط ديكارت قواعد المنهج بالحدس والاستنباط، فالبداهة ترتبط بالحدس، أما التحليل والتركيب والمراجعة فترتبط بالاستنباط.

استنتاج

نستنتج أن إدراك الحقيقة يتم بواسطة الحدس أولا ثم الاستنباط ثانيا، لأنهما فعلان لفحص الحقائق وتمييزها عن الأخطاء، بل هما أساس المنهج المؤدي إلى الحقيقة.

أما الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا فيرى أن الحقيقة معيار ذاتها ولا تحتاج لأي شيء خارج عنها، إنها بديهية واضحة تفرض نفسها بوضوحها التام، على النظر ولا يمكن حجبها، إنها في نظر اسبينوزا كالنور بها ينقشع الظلام، وهي بذلك لا تحتاج إلى ما يكشفها أو يؤكدها، ومن ثمة فهي التي تكشف وتضيء جميع الأفكار.

إذا كانت الحقيقة تستهدف بلوغ اليقين والإقناع وفرض سلطتها المعرفية، فإن ذلك يطرح مشكل معاييرها وسبل تحقيقها لذلك، فهل تكون كذلك لكونها حدسية أم عقلية أم واقعية، ويتضح من خلال ما سبق أن معيار الحقيقة يتمثل في انسجام الفكر مع ذاته ومع مبادئه من منظور عقلاني، أما الاتجاهات التجريبية فيكون معيارها لديها مدى مطابقتها للواقع.

المحور الثالث: الحقيقة بوصفها قيمة

  • ما قيمة الحقيقة؟
  • هل تستمد قيمتها الفلسفية من ذاتها كحقيقة أم من خلال أضدادها كالتيه والخطأ والوهم؟
  • أليست للحقيقة قيمة نفعية؟

ينتقد هايدجر التصور التقليدي للحقيقة لأنه يتأسس على مفهوم المطابقة،إنها في نظره تتمثل في العلاقة الاشهادية بين الحكم والشيء، فالحكم يشهد ويحضر الشيء أمامنا باعتباره موضوعا، وتنبثق الحقيقة باعتبارها انكشافا للموجود أمام فكر منفتح عليه، ويدل الكشف من هذا المنظور عن نسيان ونفي للخفاء، وتكون الحقيقة كانكشاف مشروطة بالذات وحريتها، وإذا كان الأمر كذلك وبما أن الذات تتحدد من خلال وجودها مع الغير، أي من خلال الوجود الزائف الذي يخلقه “الوجود ـ مع ـ الغير”، وهذا الوجود هو نسيان للموجود وانصراف إلى ما هو أكثر رواجا، فإن الحقيقة تكون مشروطة باللاحقيقة والتيه، باعتبار التيه هو ميدان نسيان الوجود.

استنتاج

نستنتج أن الإنسان لا يقيم في الحقيقة فقط، بل يقيم في اللاحقيقة وفي التيه كذلك، من هنا لا يمكن للحقيقة أن تشتغل في معزل عن اللاحقيقة، أي أن الحقيقة ليست قيمة مطلقة وليست لها ماهية خاصة معزولة عن ضدها وهو التيه، من منطلقات فلسفية مغايرة يربط “إريك فايل” بين الحقيقة والخطاب، فمشكل الحقيقة لا يمكن اختزاله في مطابقة الفكر للواقع ليكون الخطأ، بالتالي تعبيرا عن عدم المطابقة بينهما إن مشكل الحقيقة في نظر فايل هو مطابقة الإنسان مع الفكر، ذلك من خلال بناء خطاب متماسك عقلاني يؤسس المعنى وينفي العنف، إن الوعي الصحيح إذن لا يتحدد في امتلاك الحقيقة بل في الفعل وفهم الفعل، وقيمة الحقيقة لا تتحدد في تجاوز الخطأ واللامعنى بل في إلغاء العنف لصالح المعنى.

خلاصة عامة

يتضح من خلال ما سبق أن الحقيقة مفهوم إشكالي يحيل على تفكير الإنسان في ذاته وفي العالم والغير، ومن جهة أخرى تحيل الحقيقة كغاية للمعرفة البشرية على مفاهيم محايدة لها كالرأي والقلب ،… كما يحيل التفكير في الحقيقة على مشكل معاييرها، فبقدر ما يطرح الحدس والاستنباط العقلي كأسس لها، بقدر ما يعتبر البعض أنها معيار ذاتها، وأخيرا تحيل الحقيقة كقيمة على التوتر الأنطلوجي بينها وبين أضدادها كاللاحقيقة والتيه والوهم والخطأ والعنف …

خلاصة المجزوءة

يتأسس الوجود البشري على نشاط عقلي منتج للمعرفة، وجود لا يتوقف عند وعيه بذاته وبالعالم وبالغير، بل يحاول فهم وتفسير ذاته وغيره والعالم، وغايته في ذلك بلوغ الحقيقة والمعرفة باعتبارها فعالية إنسانية تتميز من جهة بالموضوعية حين تحاول التعامل مع الواقع ومع الظواهر الإنسانية بمناهج اختبارية تتأسس على التجريب والصياغة الرياضية، ومن جهة ثانية تتميز بحضور الذات وتجاوز الموضوعية، بحيث لا ينصت العالم للطبيعة بل يسائلها ويستنطقها من خلال اعتماد فروض وكيانات من إنتاج الذات، وإذا كانت الحقيقة في الأولى موضوعية مستقلة عن تدخل الذات، تكون في الثانية ذاتية، من هنا يتضح أنه في مجال المعرفة الإنسانية يصعب وضع خط فاصل بين ما هو موضوعي وما هو ذاتي، ومن ثمة تفترض المعرفة البشرية مقاربة مفتوحة يتداخل فيها الذاتي والموضوعي، العقلي والواقعي، الحقيقي واللاحقيقي، النظري والتجريبي …

درس النظرية والتجربة – مجزوءة المعرفة – الفلسفة – الثانية باك

عنوان الدرس : النظرية والتجربة

المادة : مجزوءة المعرفة – الفلسفة

الشعب: جميع الشعب (علوم تجريبة وعلوم رياضية وعلوم اقتصادية وعلوم والتكنولوجيات الكهربائية…الخ)

المسالك: جميع المسالك (علوم فيزيائية وعلوم حياة والارض واداب وعلوم انسانية والعلوم والتكنولوجيات الميكانيكية ..الخ)

الطرح الإشكالي

من المباحث الأساسية في الفلسفة المعاصرة نجد مبحث الإبستمولوجيا (الدراسة النقدية للمعرفة العلمية)، لقد ارتكز هذا المبحث على مجموعة من المفاهيم الفلسفية المرتبطة بالمجال العلمي وعلى رأسها مفهومي النظرية والتجربة اللذان يطرحان عدة قضايا فلسفية سواء على مستوى النظرية أو على مستوى التجربة، أو على مستوى العلاقة بينهما، إضافة إلى تعدد المعايير لتمييز النظرية العلمية عن باقي أنواع النظريات الأخرى، وهي قضايا يمكن أن تتخذ شكل أسئلة فلسفية منها:

  • ما هي شروط التجربة؟ وما هي خصائص النظرية؟
  • ما طبيعة العلاقة بينهما؟ وأي منهما يؤكد صحة الآخر؟
  • ما هي المعايير التي يمكن اعتمادها لتمييز المعرفة العلمية؟

المحور الأول: التجربة والتجريب

خطوات المنهج التجريبي

إن المنهج التجريبي يفترض في العالم – حسب كلود بيرنار – الإحاطة بشرطين:

  • أن تكون لديه فكرة (فرضية) يخضعها للفحص في ضوء الوقائع.
  • أن يلاحظ بساطة الظاهرة الماثلة أمامه ملاحظة أكثر شمولية.

على الملاحظ أن يكون بمثابة آلة تصوير أثناء معاينته للظاهرة ينقل بالضبط ما هو موجود في الطبيعة، حيث يجب أن يلاحظ بدون فكرة مسبقة.

إن العالم المتكامل هو الذي يجمع بين الفكر النظري والممارسة التجريبية عبر الخطوات التالية:

  • يعاين واقعة، أي الملاحظة.
  • ميلاد فكرة (فرضية) في ذهنه تبعا للمعاينة.
  • الاستدلال على الفكرة بعد معاينتها ذهنيا، وذلك باللجوء إلى التجربة.
  • تنتج عن التجربة ظواهر جديدة عليه أن يلاحظها، وهكذا دواليك.

إن ذهن العالم – حسب بيرنار – يشتغل بين ملاحظتين تمثل الملاحظة الأولى منطلق الاستدلال العلمي، وتمثل الملاحظة الثانية خلاصة الاستدلال، أي التجربة.

التجريب العلمي

كثيرا ما تم الحديث عن التجربة التي شكلت إحدى السمات الأكثر تمييزا للعلم الكلاسيكي، غير أن في الأمر غموضا، بالنسبة لألكسندر كويري فالتجربة بمعناها الخام والملاحظة العامية لم تلعب أي دور في نشأة العلم الكلاسيكي، اللهم إلا دور العائق، أما التجريب وهو المساءلة المنهجية للطبيعة، فيفترض افتراضا مسبقا اللغة التي يطرح من خلالها العالم أسئلته، حيث يسائل الطبيعة بلغة رياضية، أو بتعبير أدق بلغة هندسية حسب كويري.

المحور الثاني: العقلانية العلمية أو النظرية

التجربة تـحدد النظرية

إن النظرية الفيزيائية يتم بناؤها – في تصور بيير دوهيم – من خلال أربع عمليات متتالية وهي:

  • اختيار الخصائص الفيزيائية البسيطة، والتعبير عنها برموز رياضية، وأعداد، ومقادير.
  • الربط بين هذه المقادير بواسطة عدد من القضايا التي تستخدم كمبادئ لاستنتاجاتنا، هذه المبادئ يطلق عليها اسم الفرضيات.
  • تركيب فرضيات النظرية حسب قواعد التحليل الرياضي، وأن نستنبط منها نتائج ضرورية.
  • إن النتائج التي استخرجناها من الفرضيات هي التي تشكل النظرية الفيزيائية الجديدة.

وهكذا فالنظرية الصحيحة – حسب دوهيم – هي التي تعبر بشكل مرضي عن مجموعة من القوانين التجريبية، أما النظرية الخاطئة فهي التي لا تتوافق مع القوانين التجريبية.

النظرية تـحدد التجربة

إن نسقا كاملا للفيزياء النظرية يتكون من مبادئ وقوانين تربط بين تلك المبادئ وقضايا مستنبطة منها بشكل ضروري بواسطة الاستنباط المنطقي، هذه النتائج هي التي يجب أن ترتبط بالتجربة، وهكذا حدد ألبير آينشتاين لكل من العقل والتجربة مكانتهما في نسق الفيزياء النظرية، فالعقل يمنح النسق بنيته، أما المعطيات التجريبية وعلاقاتها المتبادلة فيجب أن تطابق القضايا الناتجة عن النظرية، إن البناء الرياضي الخالص وليس التجربة هو الذي يمكننا من اكتشاف المبادئ والقوانين التي تسمح بفهم ظواهر الطبيعة، وإذا كانت الوقائع التجريبية لا تتطابق مع النظرية فينبغي تغيير الوقائع وليس النظرية حسب آينشتاين.

المحور الثالث: معايير علمية النظريات العلمية

معيار القابلية للتجريب

إن الواقعة التجريبية لا يمكن أن تكون علمية – في نظر رونيه طوم – إلا إذا استوفت شرطين هما:

  • أن تكون قابلة لإعادة الصنع، وهذا يتطلب أن تكون محاضر إعداد التجربة وإجرائها دقيقة بما يكفي للتمكن من إعادتها في أزمنة وأمكنة أخرى.
  • أن تثير اهتماما قد يكون تطبيقيا أو نظريا، يتمثل الاهتمام التطبيقي في الاستجابة لحاجيات بشرية، أما الاهتمام النظري فيعني أن البحث يدخل ضمن إشكالية علمية قائمة.

في هذه الحالة يكون الهدف من التجريب – حسب طوم – هو التحقق من صدق فرضية ما (نظرية) تتضمن قضايا عقلية يتم التسليم بوجودها، كالعلاقات السببية، أي الربط بين السبب والنتيجة.

معيار القابلية للتكذيب

إن القابلية للتكذيب (أوالتفنيد) – في نظر كارل بوبر – هو معيار التمييز بين النظريات التجريبية والنظريات اللاتـجريبية، لذلك يطلق عليه كذلك معيار القابلية للاختبار، إن اختبار نظرية ما يعني محاولة تبين العيب فيها، وبالتالي فإن النظرية التي نعرف مقدما أنه لا يمكن تبيان العيب فيها أو تفنيدها، لهي نظرية غير علمية لأنها نظرية غير قابلة للاختبار، إن نظرية نيوتن في الجاذبية قابلة الاختبار، لأنها تتنبأ بانحرافات معينة عن المدارات الكوكبية عند كبلر، وهذا التنبؤ يمكن تفنيده، ونظرية آينشتاين في الجاذبية قابلة للاختبار كذلك، لأنها تتنبأ بانحرافات معينة عن المدارات الكوكبية عند نيوتن، وهذا التنبؤ يمكن تفنيده مجددا.

استنتاجات عامة

إن العلاقة التي تربط النظرية بالتجربة علاقة جدلية (أي علاقة تأثير وتأثر)، فالنظرية تؤثر في التجربة من خلال تأطيرها وتوجيهها عندما تـحدد عناصر وتفاعلات التجربة، والتجربة تؤثر في النظرية من خلال تصحيحها، عندما تكتشف الأخطاء التي تتضمنها، وبذلك تتقدم النظرية، وهذا ما يجعل المعرفة العلمية معرفة متطورة، تتطور بفعل هذا الجدل بين النظرية والتجربة.

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads