Ads Ads Ads Ads

شعر الوصف – تحليل نص وصف الربيع لمحمود سامي البارودي – درس نصوص – اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة :دروس النصوص الدورة الثانية – اللغة العربية

عنوان الدرس :شعر الوصف – تحليل نص ‘وصف الربيع’ لمحمود سامي البارودي

سياق النص

يندرج إنتاج النص في سياق الإعجاب بمفاتن الطبيعة التي تسحر النفوس وتبهر العقول وتحرك قرائح الشعراء، فيصورون عناصرها تصويرا يحاول القبض على أسرارها الجميلة ولحظاتها المذهلة خاصة في فصل الربيع. والبارودي لايخرج في وصفه للطبيعة عن الخط الفني للقصيدة العمودية مترسما خطا فحول الوصف في عصور النضج الشعري من الجاهلية إلى الفترة العباسية على مستوى التراكيب والأساليب والدلالة والصور والإيقاعات والرؤية الشعرية بما يكشف عن قدرة خلاقة وموهبة متأصلة في تطويع هذا الفن كما طوعه الأولون، وتأليف القول الشعري الوصفي بكل تلقائية تصدر عن طبع وسليقة وعمق تجربة وقوة انفعال وثراء معرفة وإدراك مما يعد إضافة نوعية إلى الثرات الشعري الأصيل من شاعر عربي مصري حديث له من شخصية المتنبي أكثر من شبه، وترك بصماته واضحة على أحمد شوقي وغيرهما ممن أصلوا الشعر العمودي الحديث.

ملاحظة النص

يصرح العنوان بالغرض الشعري الذي يندرج ضمنه النص، وهو وصف الطبيعة في إحدى لحظاتها الزاهية وفتراتها التي تصطبغ فيها كل العناصر بالحياة والحركة الجميلة والمظهر المثير، إنه فصل الربيع حيث تلتحم الأرض والسماء والنسمة والضياء وانفعالات الشاعر لتُعزف سمفونية شعرية خالدة تحاول الاقتراب من روعة المشهد عبر وصف ينصرف إلى الأجزاء الأكثر استبدادا بنفس الشاعر، واستثارة لإدراكه وتهييجا لمخيلته، وهو مانسلط عليه الضوء في هذا النص.

فهم النص

يتضمن النص جملة من المشاهد والمشاعر نجملها كالأتي:

  • تصوير الشاعر لحظة انبلاج الضوء ساعة الفجر وكأن ولادته فتاة رقيقة ترمي بخيوط النور في لحظة تنشغل فيها أفواه الزهر بحكاية أسرار الندى.
  • تشبيه الشاعر نسمة الصباح المشبعة بندى الزهر وعبير الشجر بفتاة* جميلة تحمل في أعطافها وأردانها أنفاس الخمائل تمشي بها على بساط ندي بعبق عطر.
  • رغبة الشاعر في اغتنام لحظة الصباح الباكر في فصل الربيع حيث تستيقظ الطبيعة من سباتها منتشية متناغمة العناصر في انسجام تام بين الأرض والجو والسحاب والغدران والمطر والسيول.
  • تمثيل الشاعر تماوج الأغصان بفعل الصبا بطيور ترفرف بأجنحة خضراء، والندى فوق شقائق النعمان بدموع على خدود حمراء أو فضة تسيل على ذهب تنعكس عليه أشعة الشمس الذهبية فيعكسها في منظر يشبه تطاير الشرر فوق الجمر المتقد.
  • تشبيه الشاعر، على سبيل الاستعارة، مرمى نظره بالمرعى تقتات منه العين جمالا وهطول المطر على الأرض بالوشي، وكأن السحابة الماطرة ترسل إبرها إلى الأرض فتطرز مروجها المرملة السهلة الغناء المصقولة بزهر يبدو فيها كالنجوم اللامعة في سماء خضراء تروق العين وتبهرها.
  • تشبيه الزهر نصف المفتوح في الصباح وفوقه كرات الندى المتجمدة بأصداف تبتسم وتتفتق مباسمها عن لآلئ ساطعة
  • تأثر الشاعر، والصبح لا يزال نائما في حضن أمه كناية عن البكور، بمنظر حمامات ترسل هديلا شجيا كأنه شعر البارودي المعبر عن مكنون قلب شفه الهوى والغرام.

تحليل النص

يوجه الشاعر في هذا النص خطابه إلى متلقي مفترض يدعوه إلى مشاركته تجربته الشعورية الوجدانية عبر الانخراط في رحلة الاستمتاع والانتشاء بسحر عناصر الطبيعة في فصل الربيع في ساعة تولد فيها الحياة من جديد وتتصل السماء بالأرض، فتختلط الأضواء بالأمطار والمروج بالسيول يغذي بعضهما البعض في عناق جميل. ومؤشرات توجيه الخطاب إلى هذا المتلقي واضحة في قوله: (فقم نغتنم…ـ ترى…)، والبارودي ليس أول من وجه الخطاب في شعره إلى المتلقي حقيقيا كان أومفترضا، بل سار على نهج قديم وتقليد معروف في القصيدة العمودية نجد صداه في قول امرئ القيس (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل…) وقوله: (خليلي مرا بي على أم جندب) وقول المعري: (صاح هذي قبورنا تملأ الأرض…) وهو استحضار يفتح أفق التواصل على مصراعيه في القصيدة الشعرية باعتباره وظيفة تنضاف إلى الوظائف الانفعالية والجمالية.

يحفل النص بالألفاظ الدالة على الطبيعة موزعة على حقلين دلاليين: حقل يرتبط بالأرض وآخر يتصل بالجو، ومن حقل الأول ألفاظ تدل على الزهر والندى والخمائل والشذى والغدران والسيول والأودية والثرى والأغصان والأصداف والمروج والحمامات والأوكار، ومن الثاني ألفاظ دالة على الضياء والنسمات والسحاب والمطر والأفق والشمس والنجوم، وبين الحقلين الدلاليين اندماج واحتواء تغديه انفعالات الشاعر وانطلاق أداته الواصفة تنسج تآلف العناصر وانسجامها واستلزام بعضها لبعض في تشكيل طبيعي خلاق مترع بالجمال والإبداع. وإذا أمعنا النظر في هذه الألفاظ وجدناها تستمد طاقتها الوصفية من معجم قديم بكل ما يختزنه من حمولات ورؤى وخصائص صوتية تجعل اللفظ في هذا النص الوصفي، شأنه شأن الألفاظ في القصائد العمودية، منتقى فصيحا راقيا مشحونا بدلالات تتناغم وسياق الوصف وإيقاعاته الجميلة ومستويات الانفعال المدهشة عاكسة لتمثلات قديمة تنبعث من الذاكرة الشعرية الرحبة بما فيها من ألفاظ وإشارات وصور وصياغات من مثل: ( بليلة مهوى الذيل – عاطرة النشرء هتان يسيل – أودية غزر – باسم الثغر – بين الأرض والجو نسبة – حمامان فياضان – الصباء جمان – تبرء أجرع مثر – جلاها الزهر – الأنجم الزهرء صحاف النورء الصبابة – ديمة – هتفن…)، مما يعني أن الشاعر وفيّ لخطه الشعري القائم على محاكاة النمادج الخالدة من الشعر العربي بما يؤصل رونق القصيدة، ويعيد إليها بهاءها المفقود في عصور الانحطاط والتقليد الرديء.

توسل الشاعر في بناء شبكاته الدلالية الجميلة والموحية بآليات بيانية أهمها الاستعارة القائمة على الموازة بين طرفي الصورة، موازاة تتقلص فيها المسافات والأبعاد، فيندمج عالما الطبيعة والإنسان بشكل يلبس فيه كل منهما لباس الآخر، فيفجران من الدلالات ما يختلط فيه الحس والشعور والجمال والرقة (نمت بأسرار الندى شفة الزهرء سارت بأنفاس الخمائل نسمة – زهرها باسم الثغرء يد الصباء غازلتها لمعة ذهبية …)، ومنها التشبيه المؤسس على المقابلة بين عوالم طبيعية وغير طبيعية تجبر المتلقي على مد الجسور بينها وركوب مطية التأويل ومغامرة البحث عن الانسجام بين ذراتها الدلالية المتناثرة وعلاقتها التي لاتخلو من تجديد وطرافة تحيل إلى تميز الشاعر وقدرته الخلاقة على إبداع صوره الخاصة المتجاوزة للصور القديمة، المترعة بالإيحاء بعوالم مادية جميلة ومثالية، وأخرى نفسية تعكس طبيعة الانفعال والتفاعل مع هذه العوالم وما تزخر به من إعجاب وافتتان وتأثر واستحضار لهموم القلب وانشغالات الوجدان (نسبة تشاكل ما بين السحائب والغدر – ماجت الأغصان كما رفرفت طير بأجنحة خضر – كأن الندى فوق الشقيق مدامع تجول بخد أو جمان على تبر – لمعة ذهبية رفّت كالشرار على الجمر – هتفن كأنما تعلمن ألحان الصبابة من شعري…).

نوع الشاعر الأزمنة في النص لتأمين حركية الوصف بما أتاح لصيغ الزمن الماضية أو الحاضرة أو المرتبطة بالطلب أن تعزف لحن وصفيا يتموج داخل أفق من الجمال ثابت في اللحظة الوصفية المرصودة التي تتحرك وتتجدد بنفس النسق وذات الدلالات، وفيها يحضر ضمير المؤنث المتصل حضورا مهيمنا في إيحاء ضمني بالجمع بين عناصر الطبيعة وعالم الانوثة بما فيه من سحر وجمال وفتنة.

كثف الشاعر موسيقى النص، شأنه في ذلك شأن فحول القصيدة العمودية، لزيادة تأثيرها وجمالها فبالإضافة إلى الموسيقى الداخلية المرتهنة إلى تكرار المواد الصوتية اللينة الموزعة توزيعا متساويا على أجزاء البيت الشعري والمتأرجحة بين خاصيتي الجهر والهمس أوالغنة والصفير أو الرخاوة والانفجار، مما يخلق في النص موسيقى الفرح والابتهاج والنشوة والاندهاش، بالإضافة إلى ذلك استثمر الشاعر تفاعيل الطويل بعروضه المقبوضة وضربه التام ليوفر لدفقاته الشعورية إمكانات الاسترسال والاستغراق الوصفي.

تركيب وتقويم

النص نمودج من شعر مدرسة البعث والإحياء غرضه وصف الطبيعة، وفيّ، كما تأكد لنا من التحليل، لمرتكزات القصيدة العمودية المعيارية من جهة، ولكنه من جهة أخرى يعكس خصوصية الشاعر في تأليف بعض المعاني، وبناء بعض الصور وتلوين الأساليب بطريقة طريفة ومجددة تدل على امتلاك لناصية اللغة، وتمكن من دروب التعبير واقتدار على استدعاء المخزون الشعري العريض وتوظيفه.

شعر الوصف – مدخل مفاهيمي – درس نصوص – اللغة العربية – جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة :دروس النصوص الدورة الثانية – اللغة العربية

عنوان الدرس : شعر الوصف – مدخل مفاهيمي

مفهوم الوصف

الوصف نقل المشاهد والحالات، والتقاط المدركات كما تنعكس على عدسة الوعي ومرآة الانفعال، وتصوير لمختلف مظاهر الحياة في سكونها وتقلباتها، والطبيعة في تجلياتها وتحولاتها، إنه إعادة تركيب فني لما تنجذب إليه الحواس، وينطبع على المشاعر استحسانا واستهجانا واستئناسا واستيحاشا، وصياغة جديدة لجزيئاته الدالة داخل اللغة. وكل خطاب وصفي يستدعي واصفا وموصوفا وأداة للوصف (اللغة) ومرجعية قد تكون الحس أو الوجدان أو هما معا

الوصف غرض من أغرض الشعر العربي القديم والحديث على السواء، وموضوع أساسي من موضوعات القصيدة العمودية المتعددة الأغراض، ويطال كل ما تقع عليه الحواس وتنفعل به النفس من إنسان أو حيوان أوطبيعة أو مواقف أو أحداث أومظاهر حضارة أو غيرها، حتى إنه ليخترق حدود الأغراض الأخرى التي لا تعدو في نظر الكثير من الباحثين أن تكون وصفا بشكل ما.

أنواع الوصف

يبرز من بين أنواع الوصف المتعددة نوعان:

  • نوع حسي: ينقل صورة الموصوف بأبعاده المادية، فهو محاكاة للواقع أو إعادة تشكيل لغوي جميل لهذه الصورة.
  • نوعا وجداني رؤيوي يرصد صورة الموصوف من خلال انطباعاتها في نفس المبدع، وهو مجال خصبا للابتكار والتخيل والفيض العاطف.

شعر الوصف

شعر الوصف هو شعرٌ يقوم على وصف الأشياء والأشخاص لجعل القارئ يستحضرهم كما هم عليه في الحقيقة عندما يقرأ شعر الوصف.

الوصف ليس موضوعا قائما بذاته لأنه يتناول في المدح والرثاء والهجاء وغيرها من أغراض الشعر كالغزل ووصف الخيل والصحراء والليل والمطر الخ وسنواصل اليوم في شعر الوصف ونبدأ بوصف الخمر التي هي أم الكبائر أعاذنا الله من جميع المكروهات فضلا عن غيرها.

فالخمر لغة الستر ومنه سمي الخمار لستره للرأس وبعض الوجه ، ومنه سميت الخمر لمخامرتها للعقل لأنها تغطيه وتغيبه كما يفعل الخمار والستر بمن لبسهما وقد استعير هذا الاسم لما تخمر من نقيع التمر أو العنب) ثمرة شجرة الكرم(لأن من شرب من هذا النقيع ذهب عن حسه وإدراكه فسموها خمرا وقد كانت كثيرة الأنواع وقد وصفها العرب وتغنوا بها في أشعارهم على سبيل الحقيقة والمجاز لأنها مظهرا من مظاهر الفتوة والكرم والميسرة عندهم ومن الترف وقد جاء الإسلام وبين أن للخمر أضرارا بالغة على كل شارب ،وأنها تفتك بجسمه بعد ذهابها بعقله وقد جاء تحريمها متدرجا لحكمة لا يعلمها إلا المشرع وكان آخرها آية التحريم الجازمة : (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) 82، 83 من سورة المائدة.

ونبدأ وصف الخمر في الشعر الجاهلي ونبدأ بلبيد بن ربيعة العامري الصحابي المخضرم في وصفها زمن الجاهلية حيث يقول:

كِرامٌ إِذانابَ التِجـــــــــارُأَلِذَّةٌ  ۩۩۩  مَخاريقُ لايَرجونَ للخَمرِواغِلا
إذاشَرِبواصَدّوآلعَواذِلَ عَنهُمُ  ۩۩۩  وَكانوا قَديماًيُسكِتــــونَ ا لعَواذِلا

وقال عنترة بن شداد العبسي من الشعراء الستة :

كَم لَيلَةٍ قد قَطَعــــــنافيك صالِح  ۩۩۩  رَغيدَةٍ صَـــفوُها ما شابَهُ كَدَرُ
مَع فِتيَةٍ تَتَعاطى الكَأسَ مُترَعَةً  ۩۩۩  مِن خَمرَةٍ كَلَهيبِ النارِتَزدَهِرُ
تُديرُها مِن بَناتِ العُربِ جارِيَةٌ  ۩۩۩  رَشيقَةُ القَدِّ في أَجفــانِهاحَوَرُ


وللبيد رضي الله عنه فيها:

وَإِن طَرِبَ الرِجالُ بِشُربِخَمر  ۩۩۩  وَغَيَّبَ رُشدَهُم خَمرُالدِنانِ
فَرُشدي لايُغَيِّــــــُهُ مُدام  ۩۩۩  وَلاأُ صـــغي لِقَهقَهَةِ القَناني


فتراه يذكرها ويمتدحها ويذكر ساقيها في الأبيات الأولى في وصف قوم يغلون فيها ويبذلون أموالهم وفي هذه الأبيات نراه لا يهتم بشؤونها وحالاتها وأرهاصها التي تحدث لشاربها كما هو واضح.

يقول الملك الضليل المعروف بامرئ القيس بن حجر الكندي في الخمر يصفها:

أَحاراِبنُ عَمـــــروٍكَأَنّي خمر  ۩۩۩  وَيَعدوعَلـــــى المَرءِ ما يأتَمِر
لاوَأَبيكَ اِبنَةَ العـــــــــــــامِرِ  ۩۩۩  لايَدَّعي ا لقَـــــــومُ أَنّي أَفِر
تَميمُ ا بنُ مُرٍّوَأَشــــــــــياعُها  ۩۩۩  وَكِنـــــدَةُ حَولي جَميعاً صُبُر
إِذارَكِبوآلخَــــــيلَ وَاِستَلأَموا  ۩۩۩  تَحَـــرَّقَتِ الأَرض وَاليَوم قَر

ويقول أيضا في قصيدته التي مطلعها:

لِمَنِ الدِيارُغَشِـــــــيتُهابِسُحام  ۩۩۩  فعَمايَتَين فَهُضبُ ذي أَقدامِ

الي أن يقول :

فَظَلِلتُ في دِمَنِ الدِيارِكَأَنَّني  ۩۩۩  نَشوانُ باكِرَهٌ صَبوح مُدامِ
أنُفٍ كَلَون دَمِ ا لغَزال مُعَتَّقٍ  ۩۩۩  مِن خَمرِعانَةَ أوكُرومِ شَبامِ
وَكَأَنَّ شارِبَهاأَصـــاب لسانه  ۩۩۩  موم يُخــالِطُ جِسمَهُ بسَقامِ

وقد أبدع في وصف نوعيتها وعتقها ووصف ما تفعله بشاربها وهو بها خبير.
وفي وصف الخمر يقول كعب بن زهير الشاعر المخضرم:

مايَجمَعُ الشَوقُ إِن دارٌبِناشَحَطَت  ۩۩۩  وَمِثلُها في تَداني الدارِمَهجورُ
نَشفى بِهاوَهي داءٌ لَوتُصاقِبُنا  ۩۩۩  كمآِشتَفى بِعِيادِالخَمرِمَخمورُ

وهذا قريب من قول قيس بن الملوح صاحب بني عذرة حيث يقول وهو في العصر الأموي:
تداويت من ليلى بليلي من الهوى كما يتداوى شارب الخمر بالخمر

وهذه الخنساء بنت عمرو بن الشريد تصف الخمر في رثاء أخيها فتقول:

لَقَدصَوَّتَ الناعي بِفَقدِأَخي النَدى  ۩۩۩  نِداءً لَعَمري لا أَبـــــــالَك يُسمَعُ
فقُمتُ وَقَدكادَت لِرَوعَةِهُلكـــــِهِ  ۩۩۩  وَفَزعَتِهِ نَفسي مِنَ الحُزن تَـتبَعُ
الَيهِ كَأَنّي حَوبَةً وَتَخَشّـــــــــُعاً  ۩۩۩  أخوالخَمرِيَسموتارَةً ثُمّ يُصرَعُ

وهذا وصف دقيق لصاحب الخمر إذا شربها من نشوته يكون كما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:

ونشربها فتتركنا ملوكا  ۩۩۩  وأسدا ما ينهنهنا اللــقاء

لقد مررنا بنماذج من وصف الخمر عند الشعراء سواء من تشبيهها بحالة نفسية معينة ناتجة عن حدث معين كما في رثاء الخنساء لأخويها رضي الله عنها، أومن حيث هي خمر تشرب حقيقة أو ترتبط بزمن غض حلو كان الزمان فيه مساعدا لواصفها ،أو من حيث هي أمارة للفتوة عند الشعراء الجاهليين ، أو من حيث هي أمارة للكرم وبذل المال عند الاثرياء الأجواد من فتيان العرب في الجاهلية وكهولهم فهم يذكرون لفظة قوم ، واللتي تدل علي التذكير.

نتابع مع حسان بن ثابت رضي الله عنه مقطعا من همزيته يصف فيه الخمر ، حيث قال نصا

اذا مآلأشربات ذكرن يوما  ۩۩۩  فهن لطيب الراح الفداء

ففي هذا المقطع من قصيدته تعرض لوصف الخمر ووصفها فأحسن ،وفضلها علي غيرها من الشراب من حيث التحديد ،لأنها كانت قبل الاسلام كذلك ،لكن موضو ع وصفها بقي تقليدا كالوقوف علي الاطلال وذكر الأظعان والبين الخ… كما تعرض فيها لوصف محبوبته وطيب ثغرها وما الي ذلك مما هو غرض من أغراض الشعر المتعارف عليه في الجاهلية والاسلام.

خصائص الوصف في نص شعري

  • تركيزه على الأبعاد الدالة للموصوف وإيحاأتها وتأثيرها في الواصف
  • اتكاؤه على اللغة التصويرية في نقل صورة الموصوف وطبيعة الانفعال به إلى المتلقي لخلق عوالم دلالية محيطة بالموصوف، مثيرة ومؤثرة ومتشابكة ومتناسقة.
  • اختيار التوليفات الصوتية والتركيبية والإيقاعية المتناغمة مع شبكات الدلالة التي ينسجها الواصف وكمية الانفعال التي يبثها داخلها.

شعر المدح – تحليل نص الهمزية في مدح خير البرية لشرف الدين البوصيري درس نصوص اللغة العربية

المستوى: جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية جدع مشترك أصيل

المادة :دروس النصوص الدورة الثانية – اللغة العربية

عنوان الدرس :  شعر المدح – تحليل نص ‘الهمزية في مدح خير البرية’ لشرف الدين البوصيري

سياق النص

النص من قصيدة للبوصيري يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم تدعى الهمزية في مدح خير البرية نسبة إلى رويها، وهو مدح نابع عن حب عميق وإخلاص منقطع النظير وفعل يرجى من ورائه الخير العميم لأنه مدح لخير الخلق وبيان للخير الذي جاء به وحل معه، وهو أيضا بعض اعتراف وإقرار بالجميل ولحظة بوح صادقة وانخراط في تبتل وخشوع كبير ، ورحلة إلى التطهير والصفاء اتخذت لها الصوفية العربية في العصر المملوكي المدح النبوي مطية ذلولا يحتمى بها من فساد الزمان وأصحابه، وهجمة الأعداء على ديار الإسلام ، وكثرة الهموم والأسقام، وهو للإمام البوصيري المغربي الأصل المصري النشأة، ولد سنة 608هـ ، وتوفي سنة 696 ، عاش متصوفا شاذليا زاهدا في الدنيا.

ملاحظة النص

يفصح عنوان النص عن كون القصيدة مدحا، ويصرح تصريحا حاسما أن المدح نابع من شعور صادق فياض، وإيمان عميق قوي بكل النفحات العظمى والخلال المثلى والخيرية المطلقة لخير رجل عرفته الأرض ، معلنا بذلك أن النص من المديح الديني الذي يجد صداه في كل نفس مؤمنة، وتتقرب به إلى بارئها كل نسمة خيرة وفكرة نيرة تريد أن تنهل من الفضل العميم والخير الجسيم والخلق القويم، كما يشي العنوان عبر لفظته الأواى أن النص شعري عمودي رويه الهمزة، وفي ذلك ما فيه من إيحاء بما يختزنه النص من قيم القصيدة العمودية وملامحها الدلاليو والجمالية، وإذا علمنا أن البوصيري غارق في صوفيته وأحواله الروحية افترضنا أن في النص غير قليل من حرارة الانفعال وعمق التمثل وصدق الشعور وجمال التعبير.

فهم النص

يتركب النص من ثلاث وحدات دلالية أساسية هي :

  • إشارة النص إلى منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم بين الأنبياء، وإلى علامات مولده وبشائر ظهوره وتبشير الرسل ببعثته.
  • عرض معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وسجاياه ومنها تظليل الغمام له في سفره ، وإخبار الذراع المسمومة إياه بما فيها من شر، والتقى والزهد والحياء والخلق الكريم المتزن الوقور في التبسم والمشي والإغفاء، وحسن الصورة، والرحمة والعزم والحزم والعصمة والبأس والصبر ، لا تستخفه الفرحة ولا يستفزه الغضب، ونصاعة القلب وطهارة الثياب والعفة والحلم والعفو والعلم والجود اللامتناهي وغيره مما يخرج عن مألوف الناس ومستطاعهم.
  • اعتراف الشاعر بعجزه عن استقصاء سجايا النبي صلى الله عليه وسلم وحصرصفاته في شعره لاستعصائها على التتبع والتقصي.

تحليل النص

إذا أمعنا النظر في معاني المدح في النص وجدنا أن البوصيري يصدر في مدحه للرسول صلى الله عليه وسلم عن ذات محبة مخلصة متفانية في تعلقها، صادقة أبلغ الصدق في مدحها ، بعبدة كل البعد عن دواعي التكسب والتملق والمجاملة، ومن ثم كان المدح في النص خلاصة تجربة إيمانية متجذرة ومتجددة ، لذلك مجده الشاعر تمجيدا لايسامى، وأسبغ عليه صفات مستخلصة من الطبيعة النبوية بما فيها من طهر وقدسية وعصمة وكمال إنسان ومنة إلهية معجزة لأفضل رسله وأكرم الخلق عنده . وقد توزعت معاني المدح بين الحقل الوصفي الأخلاقي وحقل السيرة المرتبط ببعض المعجزات الحاصلة قبل مولده وبعده، واستثمرت في الحقلين مواد معجمية ذات إحالات مختلفةعلى السلوك والطبيعة والحضارة والتاريخ والعقيدة والمعاني المجردة مما جعل الحقلين الدلالين المتداخلين يستوعبان ثراء دلاليا وفيرا مختزلا في أخبار وصور كثيفة دالة، ومن أجل ذلك وظف النص الأفعال والمصادر بشكل ملفت يحاول القبض على لحظات المدح الديني المفعمة بالكثافة والتعالي.

وظف البوصيري التشبيه والاستعارة ليرسم صورة فنية لخصال الرسول صلى الله عليه وسلم، صورة تسعى إلى تقريب المعنى وتقويته عبر بعدها القائم على موازاة المعنوي بالمحسوس، فهو في فضله بحر والناس برك صغيرة، والذراع يتكلم فيخبر عما فيه من سم تكنية بالاستعارة عن معجزاته وصدق نبوته، وهو سماء لا تطاولها سماء تصريحا بالاستعارة، وخلقه نسيم ومحياه روضة غناء، وكل هذه التشبيهات البليغة والاستعارات اللطيفة تحاول الإحاطة بخلق عظيم وشأن جليل، تعجز اللغة بطوابعها الإشارية البسيطة والمباشرة عن استيعابه، فتنبري الصورة البيانية بما تفجره من إيحاأت، وتخلقه من عوالم متخيلة لتقريب صورة نبي من البشر ، لكنه بينهم كالياقوت بين الحجر.

النص بالإضافة إلى بعده العاطفي والجمالي ، ذو بعد تواصلي واضح يعكف الشاعر عبره على تمرير قيمة رسول المسلمين ، والمثل التي جاءت بها ملته الحنيفية السمحاء، من خلال إبرازه باعتباره النموذج الأعلى الذي ينبغي أن يتبع ويقتدى به لتقترب الإنسانية من كمالها وسعادتها، وتخرج من ظلمات الجهل والبغي والشقاء.

إذا كانت القصيدة تحمل مضمونا مدحيا يقدم بأساليب بلاغية وصور فنية ، فإن هذا المضمون وتلك الأساليب تكتسب مزيدا من شعريتها من خلال موسيقى يوفرها إيقاع بحر الخفيف المركب من تفعيلتين: فاعلاتن تتكرر أربع مرات في البيت، وتتوسطها مستفعلن مرتين، وتخضع التفعيلتان لزحاف يحذف بمقتضاه الحرف الثاني الساكن يدعى الخبن،، ويسمح بتطويع إيقاع البحر وخلق تموج نغمي أبطأ قليلا يتيح الاستغراق الوصفي والتأمل الوجداني والحركة الانفعالية الخاشعة التي تزيدها حركة الردف الطويلة وإشباع الروي الحلقي والتدوير إيغالا في الخشوع.

اضطلع التكرار في النص ببلاغة خاصة ، وتنوعت تمظهراته بين التكرار التطابقي والاشتقاقي والجناسي، وتكرار كتل صوتية موزعة توزيعا متساويا على مسافة إيقاعية مضبوطة ، مما ضخم الموسيقى الداخلية التي عضدت موسيقى البحر في تأمين انسيابية معاني المدح ، وتوفير لحن رخيم يتغلغل إلى ذات المتلقي حاملا فوق تموجاته أطياف المعاني النبيلة، جاعلا من لحظة التلقي ترنيمة أزلية مترعة بالانفعال المنتشي والسفر الوجداني الناعم، وبصرف النظر عن الوظيفة الإيقاعية للتكرار، فله وظيفة دلالية متحكمة تبئر دلالات المدح ، وتلح عليها وتشحنها في ذهن المتلقي، وتصنع منها رؤية مدحية ذات بعد إيقاني وافر أساسه التسليم بجلال مزايا الممدوح، والاعتقاد الإيماني الراسخ بوجب تمثيلها وتمثلها.

اقتضى غرض المدح في النص توظيف عدد من الأساليب منها الخبر والاستفهام والنداء والنفي والنهي، ومعظم هذه الأساليب ينزاح عن محتواه القضوي المباشر ، ويوفر قوة إنجازية مرتبطة بالتعجب ( كيف ترقى رقيك الأنبياء ) والتعظيم (ياسماء ما طاولتها سماء) والمدح والتبجيل (كل النص) ، كما كان الشاعر ينتقل من ضمير المخاطب إلى ضمير الغائب، ومن الغائب إلى المخاطب تبعا لدرجة الانفعال الذي يشتد فيشارف على الاقتراب من مقام الممدوح والوصول إلى عوالمه المثالية ، ثم يخف فيتدرج إلى مقام المدح المستحضر للصفات والخصال المجسدة في ممدوح مفارق لعالم النقصان البشري، وكأن الكاف والهاء زاويتين للنظر من قريب وبعيد، أو محاولة للالتحاق واعتراف بالتقصير في التوصيف والتأثر.

تركيب وتقويم

يختزن النص أبعادا متعددة تتساوق فيها قيم دينية وتاريخية وجمالية، وكلها تصطرخ بها قصيدة المدح التي تجسد الطابع المعياري للقصيدة العمودية بكل قسماته التي تجعل النص تحفة فنية خالدة تنطوي على مستويات الاكتمال الفني والقدرة الخلاقة على تأليف الأصوات والتراكيب والصور والدلالات والإيقاعات تأليفا نموذجيا لا يعتوره التقصير ، كما تستحضر القصيدة بوفاء تام القيم الأخلاقية العليا واللحظات التاريخية المثلى بشكل ينصهر داخل لغة يطوعها البوصيري، فيصبح الانفعال تفانيا والمدح فنا راقيا وفلسفة تصدر عن قناعة وتأثر وتواصل وانسجام .

Ads
Ads Ads Ads Ads
Ads