عنوان الدرس : التربية والتكوين – تحليل نص ‘وظائف التربية الحديثة’ لعلي أسعد وطفة
المادة : دروس النصوص – اللغة العربية
الشعب: علوم التجربية وعلوم رياضية والعلوم والتكنولوجيات الميكانيكية والكهربائية وعلوم الاقتصاد والتدبير
المسالك: علوم فيزيائية وعلوم الحياة والارض وعلوم زراعية وبقية المسالك العلمية والتقنية
مدخل مفاهيمي
مفهوم الديموقراطية
مفهوم الديموقراطية مفهوم عريض ورائج في زمن العولمة، وواسع الانتشار والتداول يطال جميع مجالات الحياة، ولا يخلو من التباس لانفلاته من قبضة التحديد المفهومي الصارم طالما أن في العالم ديموقراطيات متعددة كل منها يكيف ممارسة الديموقراطية تبعا لمنطلقاته وواقعه ، ناهيك عن كون الكتل السياسية والتيارات الفكرية والإديولوجية يمينا ويسارا ووسطا ، وحتى الراديكالية والشمولية ، كلها تتراشق بهذا المفهوم وجودا عندها وعدما عند غيرها، لكن الثابت في مفهوم الديمقراطية أنها إشراك فئات الشعب في صنع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي إشراكا مشروطا بمقتضيات الدستور الديمقراطي الذي يضمن الحريات العامة ويكفل حقوق الأفراد والجماعات ويمأسس الصراع من أجل التداول السلمي للسلطة والتوزيع العادل للثروة، ويخضع فيه الكل للمراقبة والمحاسبة، وتحترم فيه إجراأت الشفافية والنزاهة والمساواة.
أصبحت الديمقراطية مطلب كل الشعوب وممارسة تؤطر كل الميادين وحقا من الحقوق وواجبا ومسؤولية يتحمل عبئهما الشعب أفردا ومؤسسات.
واقع الديمقراطية بين النظرية والتطبيق
ثمة فجوة كبيرة بين مبادئ الديمقراطية كما تقرها الهيئات و المراصد الدولية أو يبينها منظرو العلوم السياسية والاجتماعية، وبين تطبيقاتها على أرض الواقع، لاصطدام هذه المبادئ بمتغيرات كل نظام على حدة، وبجملة المصالح التي تكرس هيمنة قوة على قوة تابعة لها، قوة توظف اللعبة الديمقراطية لتمريرسلوك غيرديمقراطي.
بعض الديمقراطيات في المجتمعات العربية، وبعض الدول النامية ديمقراطيات غير متأصلة وتنعت غالبا بديمقراطية الواجهة، لكنها مكشوفة لكونها تنبثق عن أنماط التفكير والتدبيرالمتخلفة التي تصادر الحريات وتستبد فيها بالسلطة والثروة عقول متحجرة ومؤسسات القمع والترهيب.
إشكالات التربية والتكوين ورهاناتها في زمن المد الديموقراطي
ترين في عالم العولمة مشاريع إصلا ح المنظومات التربوية والتكوينية وتكييفها مع مستجدات الراهن الإقتصادي والسياسي والثقافي، وهكذا يتم تبني مقاربات جديدة أكثرتطورا من الناحية النظرية والتقنية، وبرامج مرتبطة بالتنمية البشرية، ومناهج تستجيب لشروط براغماتية في الغالب.
والمغرب، كبلد مصر على الاندماج في المتغيرات الكونية، حريص على دعم الديمقراطية وخوض رهان التنمية المستدامة، أعاد تشكيل أدوار المدرسة الوطنية وتحد يثها لإدماج المتعلم في الحياة الفعلية بما ينمي لديه من كفايات وقدرات ومهارات وتجارب تسعفه في حل الوصنعيات المختلفة التي تواجهه.
بناء على ذلك أضحت التربية اليوم منفتحة على المحيط بكل أبعاده، وموظفة لتأهيل الفرد وإعداده للمشاركة في تدبير الشأن العام بما تقتضيه مبادئ الديقراطية وقيم المواطنة الصالحة، وهي بذلك تصر على إشراك الأسرة ومؤسسات المجتمع المدني في كل عملياتها ومشاريعها تقريرا وتطبيقيا حتى يسهل ترسيخ مقومات الخصوصية الوطنية وقبول قواعد العيش المشترك والاسهام في الإقلاع الاقتصادي، ومن ثم تصببح التربية شأنا مجتمعيا لادورا من أدوار المدرسة.
ملاحظة النص
1) ينفتح عنوان النص على مايمكن أن تضطلع به التربية الحديثة من أدوار تنهض بالمجتمعات العربية نحو مسايرة التطورات الحاصلة في الراهن السياسي والاقثصادي والاجتماعي والمعرفي، تطورات أصبحت معها التربية التقليدية بأشكالها ومناهجها ووظائفها ومنظوراتها مرفوضة متجاوزة.
2) يطرح الكاتب فرضية عامة في بداية النص تعكس موقفه من التربية في علاقتها بالتنمية، وهو موقف كل الباحثين في مجالات الحضارة والثقافة والتربية والاجتماع وكل الدراسات الاستراتيجية الأخرى، لأن فرضية كون التربية أساس كل نهضة تتجاوز منطق الافتراض إلى منطق التسليم وآلبداهة والارتباط بالمعقول العام، لذلك نتوقع أن ينصرف الحجاج في النص إلى مابعد هذا الافتراض الصحيح.
فهم النص
يتمفصل النص إلى مساحات دلالية نختزلها في الآتي:
- التربية مصدر كل نهضة قديمة أوحديثة، وعلاقتها بالتنمية علاقة تلازم واقتضاء؛ لأنها تُعِدُّ منطلق التنمية وغايتها وأداتها الأساسية، وهوالإنسان، إنها إعداد للرأسمال البشري وصناعة للأدمغة والكفاأت وتفجير للطاقات والقدرات وتعبئة للموارد واستنفار لأنواع الذكاء وبناء للأطر المؤهلة لقيادة التنمية.
- قضايا النهضة والحداثة ظلت قضايا النخبة ومناط التفكير الأكاديمي المجرد، ولم تتحول إلى حقيقة تربوية مرتبطة بواقع التنمية ومستلزمات المرحلة، ولذلك فشلت في تحقيق مشاريعها.
- الفعل الحضاري تربوي بالدرجة الأولى لأن التربية تعمل على تشكيل الوعي الإنساني الخلاق وإعادة تشكليه، أي إنها تتحكم في أدوات صناعة التاريخ والحضارة؛ لذلك يقترح الكاتب أن تكون المشاريع النهضوية والحداثية في صلب اهتمام التربية الحديثة الديموقرطية.
- منطلقات التربية الحديثة وأهدافها، حسب النص، مختزلة في مبادئ التغيير والإبداع والحوار والديموقراطية والتعاون والتكامل والعقلانية والتفكير النقدي الحر والتدبير العلمي الممنهج. وهي تربية يرى الكاتب أن عليها أن تستهدف أولا تدشين قطيعة نهائية مع الأساليب التربوية العتيقة القائمة على التلقين والتسلط والانغلاق والتجزيء .
- للمرحلة الراهنة متطلبات تربوية ملحة، قاعدتها الأساسية تحرير العقل من قيود التقليد وأمراض التلقين، وبناء الأسس المنهجية للتفكير الحر القائم على مبدأ الاختلاف الذي من شأنه أن يهدم كل الحواجز التي تمنع العقل من الانطلاق والإبداع وقبول الآخر.
تحليل النص
1) في النص جهاز مفاهيمي يتداخل فيه التربوي والسياسي مع حقول دلالية أخرى تحيل إلى الحضارة والمجتمع، ويمكن بيان انتشار هذه الحقول على جسد النص من خلال الجدول الآتي:
حقل الحضارة والمجتمع | المشاريع النهضوية والحداثية – العقلية الشعبية – التحديات التاريخية – العقل الحضاري – وقود الحضارة ولهيبها – التاريخ – النهوض بالمجتمع – التحولات الجوهرية – إنتاج الثقافة – تشكيل الوعي. |
الحقل السياسي | الوعي الجماهيري – النخب السياسية – الديموقراطية – التغيير – الحوار – الاختلاف – قبول الآخر – العقلية الشعبية. |
الحقل التربوي | التربية – إنتاج الثقافة – بناء العقل – ثورة المعلومات والمعرفة – حقيقة تربوية – التربية مشكلة للوعي – تربية جديدة منفتحة على معطيات التكنولوجية – علمية عقلانية ناقدة – تربية تقليدية – التلقين – الجمود – الذاكرة – التسلط – الانغلاق واللحظات العابرة – التجزؤ – الفعاليات التربوية – الناشئة – الخروج من دائرة التقليد – تحرير العقل – الاستظهار – الحفظ – بناء الأسس المنهجية للتفكير… |
والملاحظ أن الحقل الأكثر هيمنة على مدلولات النص هو الحقل التربوي، لأن النص منشغل بمعالجة وظائف التربية ورهاناتها بين الأمس واليوم في ظل المتغيرات السياسية والاجتماعية.
2) يستعمل الكاتب في النص ضميرين مختلفين: المتكلم ويحيل على موقف الكاتب والحداثين الجدد،وماينتظره المراهنون على حداثة ونهضة حقيقيتين عبرإرساء قواعد جديدة للتربية، والغائب المحيل على أصحاب الفكرالتنويري المتعثر والمشاريع النهضوية الفاشلة وحراس التربية التقليدية.
3) اعتمد الكاتب خطة حجاجية واضحة لإقناع مخاطبه من خلال انطلاقه من مسلمة عامة ذات قيمة منطقية حاسمة، وهي كون التربية أساس كل نهضة، وكون الفعل التربوي يعني بناء العقل وتشكيل الوعي وإنتاج المعرفة، ثم خروجه من هذه المقدمة المفهومية إلى نسف الأطروحة النقيض من خلال رصد أسباب فشل مشاريع النهضة العربية التي لم تتجاوز النخبة من منتجيها، ولم تتحول إلى فعل تربوي حقيقي يصنع وعي الجماهير ويدفعهم إلى الابداع والتغير، ليخلص في النهاية إلى أن هذا الرهان تضطلع به التربية الحديثة المبنية على فلسفة تربوية متحررة.
4) اعتمد الكاتب في ربط الفقرات والجمل على أدوات التوكيد وأسلوب التكرار، مما يعني أنه يؤسس خطابا إقناعيا حساسا يحتاج إلى دعمه بأدوات الدعم الشكلية والمضمونية ليضمن وصوله إلى مقبول المتلقي ومعقوله.
5) احتفل النص بالجمل الطويلة بهدف تفريغ المفهوم وتفريعه وملاحقة أجزاء الفكرة في تصور يبدو شائكا ، واستهداف التفسير والتوكيد عبر كثافة العطف والاعتراض والإضافة والتكرار.
6) هيمنت على النص الجمل الخبرية ؛ لأنه يعنى بعرض المعلومة وتفصيلها والاستدلال عليها ؛ لذلك جاء النص تقريريا مشبعا بلغة منطقية حجاجية خالية من التصوير والإيحاء ، مشحونة بالمصطلحات التربوية والسياسية والاجتماعية إلا من تعابير مجازية أصبحت من قبيل المتداول المباشر فرضتها طبيعة اللغة الخلاقة من مثل: ” التربية معين كل نهضة ، لهيب الحضارة ووقودها…” وهي تعابير تدعم البعد الحجاجي أكثر منها تفرز تداعيات للمعنى.
تركيب وتقويم
عالج النص قضية معقدة ترهن مصائر الأمم في تقدمها أو تخلفها، أو ما تبنيه من تفاعل واندماج بينها، أو ما تؤسس به كيانها وموقعها السياسي والاقتصادي والثقافي في مشهد حضاري معولم شديد التعقيد والتداخل، وهي قضية التربية، فأبرز وظائفها وعلاقاتها بالتنمية وتشكيل الوعي وتفجير الإبداع وتحقيق التفوق، وما ينبغي على المجتمع بكل فعالياته وحساسياته من تجديد لمنظوراتها وأدواتها ومناهجها ووظائفها تجديدا يضع في الحسبان قيم الحداثة والديموقراطية والتنوير العقلي والتطور العلمي والتكنولوجي بما يخرج المجتمعات العربية من دوائر التجزيء والاجترار والتلقين والسلطوية..
وقد استخدم الكاتب لعرض هذه المحمولات الدلالية أسلوبا تقريريا عرض فيه واقع التربية العربية بين التقليد والتجديد، بين فشل مشاريع الإصلاح النهضوي والرغبة في تجاوز هذا الفشل مستثمرا أساليب الإخبار والتفسير وآليات الحجاج المبنية على العرض المنطقي للإشكالية المدعوم بمعطيات الواقع والتاريخ وبعض مفاهيم التربية والسياسة والاجتماع، وما يستلزمه كل ذلك من مؤشرات تركيبة داعمة كأدوات التوكيد والتفصيل والاستنتاج، شاحنا محمولاته المنطقية بنبرة ذاتية مصبوغة ببعض الانفعال المتمثل في توجيه الخطاب إلى ” نحن ” ينخرط ضمنها الكاتب، “نحن” موسومة بهوسها بالبحث عن مخرج من قيود الاستهلاك السلبي وأوضاع التخلف عن المشاركة في الحدث الحضاري المستجد والمتلاحق.