عنوان الدرس : الإنسجام – تعريف الإنسجام ومبادئه وعمليات بناء الإنسجام
المادة : الدروس اللغوية – اللغة العربية
الشعبة: اداب وعلوم انسانية
المسالك: مسلك اداب ومسلك علوم انسانية
أمثلة الانطلاق
“إن مؤرخي الآداب العرب، وإن اتفقوا على القول بتأثير الوسط الاجتماعي في الأدب العربي الذي يظهر فيه، لم يتفقوا على أي العوامل الاجتماعية يؤثر أكثر من غيره في الآداب، فذهب زيدان والزيات إلى أن العامل السياسي هو المؤثر الأقوى في الأدب (…) ولكن طه حسين لم ير في ذلك رأيهما، إذ العامل السياسي عنده لا يعدو أن يكون مؤثرا من بين مؤثرات أخرى عديدة في الأدب (…) وأما الرافعي فإن العامل السياسي عنده يؤثر في الأدب حينا، ولا يؤثر فيه حينا آخر.”
حسين الواد “في تاريخ الأدب – مفاهيم ومناهج” المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت 1993 ط3 ص 76
ملاحظة الأمثلة
بقراءة النص يتبين أنه تحققت فيه شروط الاتساق تركيبيا ودلاليا ومعجميا عبر روابط ووسائل لغوية.
وبتمعن مضمونه نعرف أنه نص نقدي يتناول قضية تأثير الوسط الاجتماعي في الأدب العربي، فمكونات النص تجمع بينها علاقات متينة يدركها المتلقي، ويستطيع تأويلها تأويلا مناسبا،وهو ما يحقق انسجامنا مع النص.
وهذا الانسجام تم عبر عدة مستويات أو مبادئ وعلى رأسها:
- مبدأ السياق: فعند قراءة النص عرفنا أنه نص نثري نقدي ويركز على قضية نقدية محددة وهي أي العوامل الاجتماعية أكثر تأثيرا في الأدب العربي. وهذا قربنا من النص وجعلنا ننسجم معه.
- التأويل المحلي: ويتجلى ذلك من خلال قدرتنا على تأويل ما جاء في النص من مفردات تجمع بينها علاقات جعلتها منسجمة مع بعضها ومع القارئ فمؤرخي الأدب العربي نجد منهم في النص (طه حسين وأحمد الزيات وزيدان ثم الرافعي) وكلهم اهتموا بقضية تأثير الوسط الاجتماعي في الأدب العربي.
- مبدأ التشابه: بقراءة النص نجده يتشابه مع نصوص نقدية أخرى تهتم بالجانب الاجتماعي في الأدب العربي، كالتي رأينا في درس النصوص (“علم اجتماع الأدب”، لحميد لحمداني)، فتحقق الانسجام من خلال مبدأ التشابه.
- مبدأ التغريض: بقراءة النص نجده يتمحور حول تيمة مركزية تتكرر عبر النص وهي الأدب العربي محور الدراسة في النص وفيه تصب كل المحاور الجزئية المطروحة في النص، فتحقق الانسجام عبر هذا المبدأ مبدأ التغريض (الكلمة المحور).
وبتتبع مبادئ الانسجام المحصلة نجد أنها تحققت عبر مجموعة من العمليات التي قربت بين النص والمتلقي وأول هذه العمليات المعرفة الخلفية، وهي المخزون الفكري والثقافي الذي يجعلنا نفكك ونأول المفردات المختزلة في النص فنتعرف دلالاتها وأبعادها الفكرية (تاريخ الأدب – الوسط الاجتماعي – طه حسين – العامل السياسي..).
وهذه المعرفة الخلفية تمكننا من تنظيم أفكار النص من العام إلى الخاص حسب الأهمية فالنص دراسة أدبية نقدية تهتم بتاريخ الأدب العربي، واختلاف المؤرخين حول أي العوامل الاجتماعية يؤثر أكثر من غيره في الآداب، وكل هذه الخطوات تمت عبر العملية التنظيمية.
خلاصة
الانسجام لغة هو ضم الشيء إلى الشيء، واصطلاحا هو مجموع الآليات الظاهرة والخفية التي تجعل من خطاب ما مفهوما وقابلا للتأويل. وهو من صنع القارئ وليس وليد الخطاب؛ إذ يحكم القارئ بوجوده من خلال مبادئ وعمليات متحكمة فيه، وهناك مجموعة من المبادئ والعمليات التي تساهم في تحقيق الانسجام:
- مبدأ السياق: ويتشكل من علاقة النص بالقارئ مما يمكنه من تحيد ظروف القضية وزمانها ومكانها…
- مبدأ التأويل المحلي: ويرتبط بقرائن النص التي يؤول بعضها بعضا، فنعرف موضوع النص والعلاقات والقرائن التي تربط بين عناصره.
- مبدأ التشابه: ويتم ذلك عبر تشابه النص مع نصوص أخرى في القضية التي يقاربها.
- مبدأ التغريض: ويقصد به الموضوع الرئيسي/ [النواة الرئيسية] الذي يتمحور حوله الخطاب المدروس.
وهذه المبادئ ساهمت في تحققها عمليات أساسية ساهمت في بناء الانسجام منها:
- الخلفية المعرفية: وهي ما يحمله المتلقي من معلومات ومعارف تمكنه من التأويل والتفسير والتحليل.
- الخلفية التنظيمية: وهي ما نستحضره من تمثلات حول النص مرتبة بانتظام كتحديد مجال النص وجنسه ونمطه وخلفيته النظرية، مما يساعد على فهم النص والانسجام مع معطياته.