المستوى: الجذع المشترك العلمي والتكنولوجي
المادة : الدورة الأولى – الفلسفة
عنوان الدرس : منطق الفلسفة
مدخل
يقول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط ”لا يمكن تعلم الفلسفة بل يمكننا فقط تعلم التفلسف“، وإذا تأملنا في عبارة كانط تبين لنا أنه يميز بين الفلسفة والتفلسف، فالفلسفة لا يمكن تعلمها لأنها صرح لم يكتمل بعد، ما دام أنه دائما يظهر فلاسفة يضيفون لبنات جديدة إلى هذا الصرح، أما التفلسف فيمكن تعلمه، لأنه يشير إلى الطريقة وإلى الأدوات العقلية التي يستخدمها هذا الفيلسوف أو ذاك في ممارسته الفكرية الفلسفية، إن للفلسفة إذا منطق للتفكير خاص بها، أي أن لها أدوات عقلية يستخدمها الفلاسفة في التفكير، وغرضنا في هذا المحور هو اكتشاف بعض تلك الأدوات من أجل أن نستخدمها نحن بدورنا في التعامل مع وضعيات جديدة.
إن فعل التفلسف من حيث أنه نشاط عقلي، فهو فعل ناتج عن أصل أو مصدر، هذا الأصل أو المصدر هو الدافع نحو فعل التفلسف.
أدوات فعل التفلسف: تحليل نص كارل ياسبرز ص 42 – 43
سؤال النص
يمكن القول إن هذا النص يطرح سؤالا ضمنيا هو: ما هو الأصل الدافع لفعل التفلسف؟، إن هذا السؤال لا يتعلق بالأصل التاريخي للفلسفة، ولكن بأصلها النظري.
فهم النص
يبدأ النص بشرح الأصل الذي انبثق منه الدافع إلى التفلسف، والمقصود بالأصل هنا هو بداية التفلسف في أي زمان وفي أي مكان، وهكذا يتحدث النص عن بداية نظرية للفلسفة لا تنحصر في زمان أو مكان معين، بل ترتبط بممارسة التفكير النظري في أي زمان ومكان.
- يعني الأصل في تجل من تجلياته، الدهشة، وهي أولى عمليات الفكر التي تربط الفيلسوف بالعالم الخارجي، إنها علاقة الغرابة أو التعجب بين الإنسان وأشياء العالم.
- يعني الأصل في تجل من تجلياته، الشك، وهو الخطوة الأولى لفحص الأفكار والمعتقدات ونقدها من أجل الوصول إلى الحقيقة.
- يعني الأصل في تجل ثالث من تجلياته، التساؤل حول الذات وحول العالم، من أجل استكناه أسرارهما والبحث عن خفاياهما.
تعتبر هذه التجليات أدوات للتفلسف، لأنها أدوات تمكن الفيلسوف من إنتاج معرفة خاصة غير مرتبط بالمعرفة العملية النفعية، كما أنها تمكنه أيضا من بناء معرفة حول نفسه، فالدهشة والشك والسؤال أدوات عقلية هي مثلث الأصل الذي انبثق عنه التفكير الفلسفي.
إن الأصل الذي تحدث عنه النص، والذي يتجلى أساسا في الدهشة، تصبح معه الفلسفة أمرا جوهريا، لأن الدافع إلى التفلسف كأصل موجود دائما في الحاضر وفي الماضي، والعلاقة الموجودة بين الدهشة والشعور بالجهل، هي علاقة تكشف من خلالها الدهشة عن جهل الإنسان بحقيقة الظواهر وتدفعه إلى البحث عن المعرفة، إن الدهشة الفلسفية ليست انفعالا نفسيا مرتبطا بالعواطف والمشاكل، بل هي موقف عقلي تنبثق عنه أسئلة عقلية حول ظواهر الوجود، كما أن الدهشة الفلسفية هي خطوة من أجل البحث عن الحقيقة، ولذلك فهي لا تجعل الفيلسوف في موقف الحيرة الدائمة.
إن الشك المنهجي هو أداة من أدوات التفلسف، وهو خطوة أساسية للوصول إلى الحقيقـة، فعبر الشك يعمل الفيلسوف على نقد المعارف وفحصها من أجل التأكد من مدى صحتها، وقد ارتبط الشك المنهجي باسم الفيلسوف الفرنسي ديكارت الذي شك في كل شيء ما عدا أنه يشك، ومادام الشك نوع من التفكير فقد توصل ديكارت إلى أنه يفكر، هكذا صاغ عبارته المشهورة “أنا أفكر إذن أنا موجود”.
إن نتيجة التفكير في الذات من خلال النص تؤدي إلى اكتشاف القدرة على تجاوز الوضعيات الأساسية المحددة للذات، ويحدثنا صاحب النص عن الأصل الذي ينبثق منه فعل التفلسف سواء في الماضي أو في الحاضر، ويتجلى هذا الأصل أساسا في الدهشة والشك والتساؤل، هكذا فالدهشة عند أرسطو هي الدافع الأساسي للتفلسف، كما أن ديكارت اعتمد على الشك المنهجي الذي هو مجرد خطوة أو طريقة يسلكها الفيلسوف من أجل البلوغ إلى الحقيقة، أما التساؤل حول الذات فهو تجاوز الوضعيات الأساسية المحددة لها.
موقف صاحب النص
يرى كارل ياسبرز أن الأصل الدافع والمنتج للفلسفة يتمثل في مجموعة من العناصر وهي: الدهشة، التساؤل، المعرفة، الشك، الفحص النقدي، والوعي بالذات، إن هذه العناصر شكلت ولازالت تشكل المصدر الأساسي لفعل التفلسف وبالتالي فهي بمثابة أدوات أو آليات لهذا الفعل.
السؤال في الفلسفة: تحليل نص طه عبد الرحمان ص 44 – 45
سؤال النص
يحاول طه عبد الرحمان في هذا النص الإجابة على سؤال محدد يتعلق بإحدى أدوات فعل التفلسف وهو السؤال، على اعتبار أن لحظة السؤال في هذا الفعل هي لحظة أساسية لأنها هي التي تفجر المعرفة الفلسفية، ويمكن تحديد سؤال النص ما في يلي: ما هي طبيعة السؤال الفلسفي؟
اشتهرت الفلسفة بممارسة السؤال ويحدثنا طه عبد الرحمان عن شكلين من أشكال السؤال الفلسفي:
- السؤال الفلسفي اليوناني القديم: الذي كان يعتمد على الفحص، والذي جسده سقراط الذي كان يعتمد في ذلك على الحوار وطرح الأسئلة على المحاور من أجل تفنيد أفكاره واعتقاداته.
- السؤال الفلسفي الأوربي الحديث: الذي كان يعتمد على النقد، والذي جسده كانط بحيث أن النقد كان ينصب حول الشروط التي تجعل المعرفة ممكنة.
اعتبر صاحب النص القرن 18م قرن النقد، لأن الفلسفة جعلت العقل نفسه موضع تساؤل، فلم تتساءل عن إنتاجات العقل المعرفية وإنما تساءلت عن الشروط التي تجعل المعرفة ممكنة، كما تساءلت عن حدود العقل.
الإطار المفاهيمي
اشتهر التفكير الفلسفي بممارسته لأشكال متنوعة من السؤال، وقد كان ذلك من أجل بناء معرفة جديدة حول الإنسان والعالم، ولأن كل جواب في الفلسفة يتحول بدوره إلى سؤال جديد تنبثق عنه أجوبة جديدة، وهكذا دواليك، ويرتبط السؤال الفلسفي اليوناني، باعتباره سؤالا عاما حول مفاهيم أخلاقية مثل (ما هي الفضيلة؟)، بالأسئلة الجزئية التي تعمل على تفكيك وتحليل السؤال العام من أجل توسيع مجال المشكلة المطروحة، ويتميز سؤال النقد عن سؤال الفحص بأنه يذهب بالمتسائل إلى البحث في شروط قيام المعرفة، ومعنى ذلك التساؤل عن العقل، وعن حدوده، وعن إمكانيته الذاتية في بلوغ المعرفة.
سمي القرن 18م بأنه قرن النقد لأنه أضحى ممارسة شاملة تتوجه إلى المعارف وإلى أدوات ومفاهيم بنائها، والمقصود بالنقد هنا هو ممارسة عقلية تعترف بإمكانات العقل مع وضع حدود لتلك الإمكانات، فالعقل يمكنه أن يدرك الأول، بينما يتعذر عليه إدراك الثاني، فالعقل إذا لا يمكنه أن يعرف الأمور الميتافيزيقية، ويعتبر السؤال خاصية أساسية من خصائص التفكير الفلسفي، ويمكن التمييز بين شكلين من أشكال السؤال في تاريخ الفلسفة:
- السؤال اليوناني القديم: الذي مثله سقراط والذي كان يعتمد على الحوار مع الآخر من أجل فحص أفكاره وتفنيدها.
- السؤال الأوربي الحديث: الذي مثله كانط والذي يعتمد على نقد العقل وتبيان إمكانياته وحدوده في المعرفة.
الإطار الحجاجي
لقد أكد صاحب النص على اشتهار الفلسفة بالسؤال، ولإثبات هذه الفكرة اعتمد على آلية حجاجية وهي تقسيم السؤال من أجل إبراز أنواعه ومميزاته، ويتميز التفكير الفلسفي بمجموعة من الخصائص يمكن الكشف عنها من خلال الرجوع إلى مفهوم الأصل، أي إلى الدوافع التي أدت إلى التفلسف، وفي هذا الإطار اعتبر أرسطو أن الدهشة هي التي دفعت الناس للتفلسف، كما يعتمد التفكير الفلسفي على الشك كخطوة رئيسية لبلوغ المعرفة، وهو ما يسمى بالشك المنهجي، وللشك علاقة بالسؤال الذي اتخذ عدة أشكال في تاريخ الفلسفة من أهمها شكلين رئيسين هما:
- السؤال السقراطي: الذي يقوم على الفحص.
- السؤال الكانطي: الذي يعتمد على النقد.
موقف صاحب النص
يرى صاحب النص على أن السؤال الفلسفي لم يأخذ شكلا أو نمطا واحدا، بل كانت له أنماطا مختلفة، إلا أنه حصر هذه الأنماط في اثنين أساسين، نمط السؤال الفلسفي اليوناني القديم ونمط السؤال الأوروبي الحديث، ولقد حاول صاحب النص تحديد خصائص ومميزات كل سؤال على حدة، فالسؤال اليوناني القديم كان سؤال فحص واختبار أساسه الحوار، أما السؤال الأوروبي الحديث فقد كان سؤال نقد، والنقد كان موجها لأداة المعرفة والتي هي العقل.